إن تباين الجوازات في التفعيلة الواحدة يدل دلالة قاطعة على أن الخليل رحمه الله كان يفكر بطريقة ويعرض فكره بأخرى لبست على سطحيّ التفكير إذ رأوا التناقض بين الجوازات في ذات التفعيلة ، والحقيقة أن فكر الخليل يقول إن الجوازات لا علاقة لها بالتفعيلة في حد ذاتها ، ولكن لها علاقة بطبيعة المجاورة بين المقاطع : أوتاد وأسباب ، فمثلا مستفعلن في البسيط تختلف جوازاتها عن مستفعلن في باقي البحور ، والتفسير بسيط وبسيط للغاية ، لينظر الناظر إلى مستفعلن في البسيط وما يجاورها يمينا ويسارا ، يجد أن جاراتها في غير البسيط مختلفات الهيئة والطبيبعة ، أليس كذلك ؟
وإذن لا بد أن نعترف أن الخليل رحمه الله كان يفكر على نحو شمولي متقن ويعرف ماذا يقول ولكن لما رام تبسيط فكره على طريقة التجزيئ التبس فكره النير لدى أجيال وأجيال ،
والفرق بين التفاعيل والأرقام يجعل ـ على الأقل ـ عين الملاحظ راصدة باستمرار وبوضوح طبيعة علاقات الجوار القائمة بين المقاطع العروضية ومن ثمة تتيسر الأحكام وتكون منطقية ، هذا الوضوح في الرؤية يختلف حقيقة عند استعمال التفاعيل وبالتالي تضطرب المفاهيم عند من جمع المعلومات دون إيجاد العلاقات المنطقية التي تربطها ربطا منطقيا ، ولكن أجزم أن من وعى بمنطق الخليل الشمولي سيرى الأمور واضحة كذلك وإن مع التفاعيل وذلك باعتبار المقاطع العروضية التفعليلة : الأوتاد والأسباب وطبيعة علاقة الجوار بينها في الشطر ككل ، وليس بالنظر إلى التفعيلة بصفتها لبنة في بناء البيت لدى الكثيرين ، ومن هنا فالمعول في عروض الخليل على النظرة الشمولية للشطر في بناء الأحكام وليس على التفعيلة التي جنت على فكر الخليل رحمه الله .
ولو جعل الخليل لكل تفعيلة قوانين تحكمها أينما حلت وارتحلت من بحور الشعر لاختلت الأوزان ولأصبحت بعض البحور ضربا من الخبب جراء توالي الأسباب ، أو على الأقل لطغت طبيعة الخبب على جزء كبير من البيت ، أو لطغت الأوتاد أو هكذا ،
ولكن ما كان للخليل رحمه الله أن يفعل وهو أدرى وأعلم بالنتائج مسبقا ، وأزيد وأؤكد على أن تباين طبيعة القواينن العروضية في التفعيلة الواحدة دليل صفاء فكر الخليل وشموليته ودرايته دراية كاملة بالتفاصيل وبحتمية وجود التناقض في النتائج وبالتالي حتمية الخروج عن طبيعة الشعر العربي والحال هذه ،

موضوع جميل ، تحية لكم