النتائج 1 إلى 14 من 14

الموضوع: شَكوَى وَرَجَاء

مشاهدة المواضيع

المشاركة السابقة المشاركة السابقة   المشاركة التالية المشاركة التالية
  1. #10
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    44
    واستكمالا لمَ طرحه شاعرنا خشان خشان المحترم بفتح باب للبحوث المصغرة أورد نقلا هذا البحث

    وأقرأ في ملحق جريدة المدينة الصادر في يوم الأربعاء 1429/3/18ه، قصيدة للدكتور عبدالله بن أحمد الفيفي، بعنوان (يا وجْد قُلْ)، وقد كتب القصيدة، من بحر سماه (المسحوب)، وقال عن قصيدته هذه:- (هذه القصيدة، جاءت على وزن (المسحوب) في الشعر العامي، وهو يختلف عن البحر السريع في الشعر الفصيح في تفعيلتي عروضه وضربه، إذْ يأتي في الفصيح، في حالة التمام على:- (مفْعلا - مفْعلا) (مفْعلا - مفعلاتْ) (مفْعلا - مفْعو) (فَعلا - فَعلا - مفعو) وفي المشطور على:- (مفعولات - مفعولا) وقد استرعى نظري ما كتبه الدكتور الفيفي، الذي تطرَّق إلى (البحر السريع) بحديث يحتاج إلى مراجعة وتمحيص.. البحر السريع، أيها الدكتور الفاضل، هو من دائرة المشتبه، وهذه الدائرة، ينفك منها ستة أبحر مستعملة، وثلاثة مهملة. ومن هذه الأبحر المستعملة، البحر المضارع الذي يتقدم هذه الأبحر الستة، لأن أوله وتد مجموع، إلا أن هذا البحر لم يأت قط مستوفياً أجزاءه التي له في أصل الدائرة، ولا يجيء أيضاً إلا معلولاً، إما بالقبض، وإما بالكف. وقد كره علماء العروض أن يقدموا بحراً بهذا الشكل فأخروه، ثم رأى علماء العروض أن لا يقدموا البحرين:- المجتث والمقتضب، لكون كل منهما لم يأت إلا مجزوءاً، وهما بحران قلّ ورودهما في الشعر العربي القديم والحديث. ولم يأت مستوفياً عدد أجزاء الدائرة، غير ثلاثة أبحر، هي:- السريع، والمنسرح والخفيف. وكان السريع أولاهما بالتقديم، لتقدم الجزءين اللذين فيهما وتد مجموع، على الجزء الذي فيه وتد مفروق. والمجموع أقوى من المفروق. فقدموا في الدائرة البحر السريع على جميع الأبحر المستعملة الخارجة من دائرة المشتبه.. وانظر ما جاء مفصّلاً عن دائرة المشتبه في كتب العروض.

    وأعود إلى ما كتبه الدكتور عبدالله الفيفي، يقول (حفظه الله):- (إذْ تأتي عروض وضرب البحر السريع في الفصيح في حالة التمام، وهو يعني في حالة (التام)، لأني لا أعرف التمام. والتام:- هو البيت الذي استوفى جميع تفعيلاته، كما هي في دائرته وهذا لا يطلق إلاَّ على نوع من البحر الكامل، وعلى أول البحر الرجز. والبحر الهزج، لا يسمى تاماً، لأنه لا يأتي إلا مجزوءاً، فلا يستوفي جميع تفعيلاته، وكذلك البحر المديد والبحر المضارع والبحر المقتضب والبحر المجتث. ولا يسمى البحر الخفيف تاماً أيضاً، لدخول التشعيث على ضربه، كما يدخل التشعيث على عروضه في حالة نادرة جداً..

    وبيت الشعر من البحر السريع، يسمَّى وافياً إذا استوفى جميع أجزائه ولا يسمَّى البحر السريع تاماً قط، ووزن البحر السريع في دائرته:- (مسْتفعلنْ/ مسْتفعلنْ/ مفعولاتُ) مرتان. وقد سُمّي بالبحر السريع لسرعته في الذوق والتقطيع. وله أربع أعاريض:-

    وقد أشار الدكتور عبدالله بن أحمد الفيفي إلى بعض هذه الأعاريض وبعض هذه الأضرب، إلاَّ أنه ذكر للبحر السريع، ضرباً (مفْعلا) وهو الضرب المطوي المكشوف، أي (فاعلنْ) ولم يذكر الضرب (فاعلانْ) وهو الضرب الوافي المطوي الموقوف، وشاهده:-

    أزْمانُ سلْمى لا يرى مثلها ال

    راءون في شامٍ ولا في عراقْ

    ونقطع البيت هكذا:-

    وذكر العروض الثالثة المشطورة الموقوفة (مفعولاتْ) بسكون التاء، وتسمى (مفعولانْ) بسكون النون، وهذه العروض هي الضرب أيضاً، وشاهده:-

    (ياصاحِ ما هاجَكَ من ربْعٍ خَالْ)

    فالعروض والضرب معاً (ربعٍ خالْ) والوزن (مفْعولانْ) كما أشار إلى العروض الرابعة المشطورة المكشوفة وسماها (مفعولا) وهو يعني (مفعولنْ)، وشاهده:-

    (ياصاحِبَيْ رحْلي أقِلاَّ عذْلي)

    فالعروض والضرب معاً (لا عذْلي) والوزن (مفعولنْ) بتسكين النون وهذا هو المشهور من أعاريض البحر السريع وأضربه...

    وللبحر السريع شواذ. فمن ذلك أن يأتي للعروض الثانية المخبولة المكشوفة (فعِلنْ) بتحريك العين، ضرب ثان أصلم (فعْلنْ) بتسكين العين، وهو ما يلتبس بخامس البحر الكامل، إذا أُضْمرتْ أجزاؤه، كقصيدة الحارث بن حلّزة:-

    لمنِ الديار عفَوْنَ بالحبْسِ

    آياتُها كمهارقِ الفرْسِ

    فهذه القصيدة من خامس البحر الكامل، وليست من البحر السريع الأصلم الضرْب، وإن التبس أمرها على بعض المتأخرين من علماء العروض، لأن بعض أجزاء هذا البيت، جاء على (متَفاعِلنْ) بتحريك التاء:- (لمن دديا) (5115111). وتختلف آراء العروضيين في هذا الضرب. فابن عبدربه، يعدّه من أضرب البحر السريع، وأما ابن عبَّاد، في كتابه (الإقناع) فيُهمله..

    وللمرقش الأكبر، قصيدة طويلة، جمع فيها بين الضربين، ففي القصيدة، واحد وعشرون بيتاً من أبياتها، جاءت بضرب (أصْلم). يقول المرقّش الأكبر:-

    هلْ بالديار أنْ تجيب صممْ

    لو كانَ رسْمٌ ناطقاً كلَّمْ

    الدار قَفْرٌ والرسومُ كما

    رقَّش في ظهر الأديم قلَمْ

    ديارُ أسماء التي تَبَلَتْ

    قلْبي فعيْني ماؤها يسْجُمْ

    النشْرُ مِسْكٌ والوجوُه دنا

    نيرٌ وأطْرافُ البَنانِ عنَمْ

    وتجمع هذه الأبيات، نوعين من القافية، فالقافية (كلّمْ) بتشديد اللام وتسكين الميم، والقافية (يسْجمْ) بتسكين السين والميم، من المتواتر، حيث يفصل بين ساكنيْها، متحرك واحد.. والقافية (الأديم قلَمْ) و(البنانُ عنَمْ)، من المتراكب، حيث يفصل بين ساكنيْها ثلاث متحركات، وهذه لا ترد في الشعر العربي القديم أو الحديث..

    وفي هذه القصيدة، قصيدة المرقّشِ الأكبر، البيت:-

    ما ذنْبنا في أنْ غزا مَلِكٌ

    منْ آلِ جَفْنةَ حازِمٌ مرْغِمْ

    فقوله:- (نةَ حازمنْ) ووزنها (5115111) متَفاعِلنْ، ومتى كان في القصيدة (متَفاعلنْ) بتحريك التاء، ولو جزءاً واحداً كانت القصيدة من البحر الكامل. إلاّ إذا روينا من (آل جفنهْ حازم) بقلب التاء هاء في الوصل، فيصير الجزء (مسْتفعلنْ)، وهذا يخالف رواية البيت الصحيحة التي لا تغير الفصْحى..

    وللفائدة، فاسم المرقّش الأكبر:- عوف بن سعد بن مالك، من قبيلة بكر بن وائل. والمرِقّش:- بكسر القاف المشددة، هو لقب غلب عليه، لقوله:-

    الدارُ وحْشٌ والرسومُ كما

    رَقَّشَ في ظهْر الأديمِ قلَمْ

    وهناك المرقش الأصغر، واسمه:- ربيعة بن سفيان بن سعد، وهو ابن أخ للمرقش الأكبر. والمرقش الأصغر، عم طرفة بن العبد، الشاعر المعروف.

    وإذا نظرنا إلى قصيدة الدكتور الفيفي، التي سماها بالمسحوب، نجد في أبياتها ما نقطعه هكذا:

    أطْوي عناويني بأمسْي لأَمْشي

    في خطْوتي شوقُ الندى للورودِ

    ونقطع الشطر الأول:-

    فهذا الشطر من البيت، يشبه الشطر الأول من قول الشاعر:-

    إنْ تسْألي فالمجْد غيرُ البديعِ

    قد حلَّ في تيْمٍ ومخْزومِ

    ونقطع الشطر الأول من البيت، هكذا:

    فتأتي العروض تامة مطوية.. والبيت من شواذ البحر السريع الذي لا تلتزم علَّة الكشف في أعاريضه.. وهذا ما يقرره علماء العروض الذين أستقي ما أكتبه عن هذا العلم الجليل، من كتبهم التي كادتْ تنْقرضُ في هذا الزمان الرديء.. ويقولون (رحمهم الله):- وللسريع من الأبيات المتغيرة ثلاثة:- مخبون، ومطوي، ومخبول، فبيته المخبون قول الشاعر:-

    أرِدْ من الأمورِ ما ينْبغي

    وما تُطيقُه وما يسْتقيمْ

    ونقطعه هكذا:-

    وبيته المطوي، قول الشاعر:-

    قالَ لها وهو بها عالمٌ

    ويْحكِ أمثْالُ طريفٍ قليلْ

    ونقطعه هكذا:-

    وبيته المخبول، قول الشاعر:-

    وبلَدٍ قطَعه عامرٌ

    وجَملٍ نَحَرهُ في الطريقْ

    ونقطعه هكذا:-

    وقد أورد علماء العروض، هذه الأبيات الثلاثة، لتكون شواهد للتغيير الذي يحدث في البحر السريع. ويذكر اسماعيل بن حماد الجوهري (رحمه الله) (صاحب الصحاح) ان الضرب السابع الذي هو (يا صاحِبيْ رحلي أقلاّ عذلي) ليس من البحر السريع، وإنما هو من مشطور الرجز المقطوع. صارت (مسْتفعلنْ) بالقطع (مستفعلْ) ونقلت إلى (مفعولنْ) ولا يؤيد قوله هذا علماء العروض الآخرون، وكلهم على خلافه (رحمهم الله).

    وأخيراً، فلا تقال للعروض، عروض تامة، إلا إذا سلمت من الزحاف، وكان بيتها مستوفياً عدد أجزاء دائرته، والعروض المجزوءة، هي العروض التي ذهب من بيتها جزءان: جزء من آخر صدره، وجزء من آخر عجزه، والعروض المشطورة هي التي ذهب شطر بيتها، والعروض المنهوكة هي التي ذهب ثُلثا بيتها، والعروض هي التي أصلها (مفعولاتُ) بضم التاء، سُكنت تاؤها للوقف وبقي (مفعولاتْ) بالسكون، خلفه (مفعولانْ) والأعاريض المستعملة في الشعر العربي، ست وثلاثون عَروضاً، والضروب المستعملة معها ستون ضرباً.

    وأعود الى قصيدة الشاعر المبدع الاستاذ الدكتور عبدالله بن احمد الفيفي التي سمّى وزنها (المسحوب)، وإني أسمي وزنها: (الوزن الفيفي) لأن القصيدة (يا وجْد قلْ)، كتبها الشاعر الفيفي، على أساس رؤية إيقاعية لم تخرج عن إطار علم الخليل بن احمد (رحمه الله) وقد اضاف الدكتور الشاعر عبدالله الفيفي، بعمله هذا لعلم العروض عملاً نعده إسهاماً منه، في زمن كاد ينسى الشعراء فيه هذا العلم الجليل، وابتعدوا عن فهمه، وهو عمل إبداعي كبير (رحم الله صاحبه) الخليل بن احمد الفراهيدي، الذي كان عمله مفخرة للحضارة العربية، وكان (رحمه الله) بعمله هذا رائداً من رواد الفكر، عاش عملاقاً، ومات عملاقاً.

    وإذا نظرنا الى قصيدة (يا وجْد قلْ) التي جاء وزنها مؤلفاً من:

    مسْتفعلنْ/مستفعلن/فاعلاتنْ - مسْتفعلنْ/مستفعلن/فعلاتن

    وجدنا وزنها يشبه وزن البحر السريع، حتى ان احد علماء العروض المعاصرين قرر في احد كتبه، ان البحر السريع مؤلف من:

    مستفعلن/مستفعلن/فاعلاتن-مستفعلن/مستفعلن/فاعلاتن

    مع أن البحر السريع تنتهي ابياته، إما (بفاعلانْ) وهو الوزن الشائع للبحر السريع، وإما (بفاعلنْ) وإما (بفعْلنْ) بتسكين العين، أو بفتحها كما اشرت اليه آنفاً في مقالتي هذه.

    وقد رأى قدامة بن جعفر الكاتب، تقدم اول البحر السريع على غيره من انواع الشعر في بهائه، وتقبل الطبائع له.

    وقد تهرب الدكتور الفيفي، تواضعاً منه، فقال عن قصيدته: إنها قد جاءت على وزن (المسحوب) في الشعر العامي.

    وأقول له: إن هذا الوزن (المسحوب) أجهله، ولا أميل إليه البتة، ولا أعتقد ان في الشعر العامي وزناً وإيقاعاً يشبهان وزن قصيدة الدكتور الفيفي، لأن قصيدة الشاعر الفيفي تستمتع الأذن بموسيقاها وإيقاعها، كما تستمتع بمعانيها ومراميها. ولم يبين لنا الدكتور الفيفي وزن (المسحوب).

    إن الشاعر المبدع، اذا أتى لنا بوزن جديد، وإيقاع رائع شكرنا له عمله، ولا نعد عمله ثورة على وزن الشعر الخليلي، والشاعر الفيفي، له قصائد فرائد جاءت على اوزان الشعر الخليلي، وهو متمكن من علم العروض، ولم أقرأ له فيما قرأت من شعره، شعراً خرج به عن المألوف.

    ما هكذا يُكتب الشعر ( 2- 2)

    وإذا نظرتَ الى أوزان الشعر التي ابتكرها الشعراء، وأهملها الخليل بن أحمد (رحمه الله) وهي ستة أبحر: المستطيل والممتد، والمتوفر، والمتئد، والمنسرد، والمطرد، وكل بحر من هذه الأبحر الستة، له شاهد من الشعر معروف لدى العروضيين، ونظرت الى الوزن الذي أطلق عليه الشاعر عبدالله الفيفي، اسم (المسحوب) يأتي هذا الوزن في القمة وزناً وإيقاعاً، وهو وزن نعدّه من المحاولات الجديدة التي ابتكرها الدكتور الفيفي وله الفضل فيها الذي لا ينكر.. وإذا كان أمير الشعراء الشاعر الكبير أحمد شوقي (رحمه الله) قد كتب ابياتاً من الشعر، قرأناها في مسرحية (مجنون ليلى) وسمّى أحد العروضيين المعاصرين وزنها: وزن (احمد شوقي) فإني اسمّي وزن قصيدة (يا وجْد قلْ) للشاعر المبدع الدكتور عبدالله الفيفي وزن (عبدالله الفيفي).

    وأبيات الشاعر الكبير (أحمد شوقي) هي:

    زيادُ ماذاق قيسٌ ولا هما

    طبخُ يد الامّ يا قيسُ ذقْ مما

    الامّ ياقيسُ لا تطْبخ السٌما

    وانظر الأبيات في مسرحية (مجنون ليلى) صفحة (34) طبعة شركة الطباعة بمصر سنة 1954واقطع أبيات أحمد شوقي هكذا:

    وإذا نظرنا الى ابيات أحمد شوقي نرى الزحاف قد لحق الأبيات الثلاثة فأصبحت الأبيات ركيكة، لا تستيغها الأذن (فزيادُ ما)، دخل القبض التفعيلة الأصلية (مفاعيلن) فأصبحت (مفاعلن) و (طبْخ يدل) دخل الخبن التفعيلة الأصلية (مُستفعلن) فأصبحت (متفْعلن) ونقلت الى (مفْتعلن) فلو وضعنا ما جاء به شوقي في اطار علم العروض لكانت الابيات الثلاثة من وزن يتكون من:

    مستفعلن/فاعلاتن/مفاعيلن

    وهو وزن يخلو من الإيقاع والموسيقى وأين هذا الوزن من الوزن الذي جادت به قريحة الدكتور عبدالله الفيفي

    واستمع معي ايها القارئ الكريم الى بعض أبيات قصيدة الدكتور الفيفي وهي قصيدة تعهدها شاعرنا المبدع بالصقْل وقوّى فيها موهبة التصوير يقول شاعرنا لا فض فوه:

    أطوي عناويني بأمسي لأمشي

    في خطوتي شوقُ الندى للورود

    ينتابني دربي ويمضي ببابي

    في طلْعة الشيخ الضرير الكنودِ

    كيف الوصول هل وصولي قفولي

    انفقتُ وقتي في ابتداء المعيد

    تدور ساعاتي بعكس المساعي

    كم والدٍ أودى بدعوى الوليدِ

    وأقطع البيت الأول هكذا:

    ويدخل بعض أبياتها: (الخبْن):

    وختاماً أحيي الأستاذ الدكتور عبدالله أحمد الفيفي، وأكثَر الله فينا مثله.

    وقرأت للأخ الدكتور يوسف حسن العارف، مقالة في جريدة (المدينة) ملحق الأربعاء، منشورة في يوم 1429/3/25ه بعنوان: (قراءة بعْدية) يقول فيها الدكتور يوسف: هذه قراءتي الخاصة عن الملتقى، ملتقى النص الثامن، الذي أقامه نادي جدة الأدبي الثقافي، في يوم الخميس 1429/3/19ه .

    وقد أراد الدكتور العارف، كما صرّح بذلك، أن يصوغ إعجابه بالملتقى شعراً، وكيف لا؟ وهو شاعر نوَّهت بشاعريته جرائدنا المحلية، فكتب ثلاثة أبيات فقط، يقول فيها:

    يومانِ من عمْر الزمان قصيرةٌ

    لكنّها عند التثاقف أشْهُرُ

    يومانِ بل شهران بلْ هي أشهرُ

    سنواتُ ضوْءٍ لا تعدُّ ولا تحصرُ

    مُزجت بماء علومكم فتثاقلتْ

    سحبٌ وسالتْ في الأديم الأنهرُ

    وقد وردتْ في كتابة هذه الأبيات أخطاء مطبعية، فجاءت: كلمة (أشهر) منصوبة (أشهراً)، وصوابها (أشهر)، فتكتب الجملة: (لكنها عند التثاقف أشهرُ) برفع أشهر، وجاءت عبارة (بما علومكم) هكذا، والصواب: (بماء علومكم)، وهي أخطاء ترد كثيراً في جرائدنا الموقرة، فلا نلتفت إليها، وكنا ننتظر من الدكتور العارف، أن ينقل إلينا بعض النصوص التي استهوته، ويجلو لنا أسرار هذه النصوص، لنتوجها ملكة على عرش النصوص، ولا نرضى أن يكتفي بقوله: (ثم ها نحن نلقي عن كواهلنا ماض كنَّاه وعشْناه) وهو يريد أن يقول: (ماضياً) فرفع الكلمة، ولا أُجيز لها الرفع، لأنه شاذ غير متعارف عليه، وليس من شأني تمحّل الشواذ، وإن ورد هذا الشاذ في بيت الشعر للمتنبي، ولكن وروده ضرورة شعرية، وأما ما يأتي في الجمل النثرية من عبارات الكتّاب، فلا يجيزها أحد من علماء النحو واللغة، يقول المتنبي (رحمه الله):

    ألا أذّنْ فما ذكَّرت ناسي

    ولا ليّنت قلْباً وهو قاسي

    وكان الوجه أن يقول: (ناسياً) لأنه منصوب بالفعل (ذكَّرت)، لكنه حذفه للضرورة، فجاء به على قول من قال: (رأيت قاض). أو أنك إذا ناديت اسماً منقوصاً، فللنحويين في يائه اختلاف، فمذهب سيبويه إثباتها، لأنها احتمت بالنداء من التنوين، كما احتمت بالألف واللام، بالإضافة، ومذهب يونس بن حبيب حذفها، فعنده أن قولك: ياقاض، أوجه من قولك: ياقاضي، قال: لأن باب النداء باب حذف وتغيير، فهو مما كثر فيه التخفيف، بكثرة استعماله، فلذلك اختص به الترخيم، واتسع فيه حذف ياء الضمير، في نحو: ياغلام..

    وأبيات الدكتور العارف، قد اكْتفى بها بالإشارة واللمحة والإيجاز، دون التطويل الممل، والتفصيل المخل، وكأنه بإيجازه هذا يشير إلى قول الشاعر:

    لا خَيْرَ في حشْو الكلا

    مِ إذا اهتديتَ إلى عيونِهْ

    وقد غاب عن ذهن حبيبنا الدكتور العارف، حين كتب أبياته الثلاثة، أن الشعر إبداع وفن، وهو من أرقى فنون القول. والشعر ليس محاكاة ساذجة لأحد الشعراء المبدعين. والشعراء الذين يريد الدكتور العارف أن يقلد شعرهم، كتبوا شعرهم في قوالب إبداعية جميلة، تآلفت فيها الألفاظ والمعاني وعلم النحو وعلم العروض، لأن الشعر فيض من النفس، يسطره الشاعر على الورق، عندما يتحرك شعوره وأحاسيسه إلى قول الشعر، فإذا خلا الشعر من هذا فسد الشعر، وجاء ركيكاً مصنوعاً يتحير أمامه القارئ وهو يقرأ هذا الشعر بألفاظه القلقة النابية التي تنحدر بالشعر إلى الحضيض.

    فعلي الشاعر اذا أراد أن يكتب قصيدة (حَذَّاء)، بتشديد الذال المعجمة، فلا يخرج عن الصورة التي تشع جمالاً وبهاءً، وعليه أن يتعهد قصيدته بالصقل والتهذيب حتى يراها ذات معان مبتكرة، تعيها الآذان، وتتغنى بها الأفواه..

    وأعود إلى قراءة الأبيات الثلاثة، التي جادت بها قريحة الدكتور يوسف حسن العارف، وأقرأ البيت الأول:

    يومان من عمر الزمان قصيرةٌ

    لكنها عند التثاقف أشهرُ

    والصواب أن يقول: (يومان من عمر الزمان قصيران) ولكن ذلك يسوقه إلى كسر الشطر الأول من البيت، فأتجاوز عن هذا الخطأ، وأُغضي عنه، اقتداءً بما قاله العلماء (علماء النحو) عن بيت المتنبي:

    حشايَ على جمرٍ ذكيّ من الهوى

    وعيناي في روْض من الحُسن ترتعُ

    فأبوالطيب قال: (عينايَ) ثم قال (ترتعُ) ولم يقل (ترتعانِ) فتجاوز علماء النحو عن هذا الخطأ، لأن المتنبي أخبر عن (العينين) بفعلِ واحدة، لأن العينين عضوان مشتركان في فعل واحد، وكل واحدة من العينين لا تكاد تنفرد بالرؤية دون الأخرى، فاشتراكهما في النظر، كاشتراك الأذنين في السمع، والقدمين في السعي، ويجوز للمتكلم أن يعبر عنهما بواحدة، فيقول: رأيته بعيني، وسمعته بأذني.

    ومع كل ما اورده علماء اللغة والنحو (رحمهم الله) إلا انهم قالوا: لو قال المتنبي: (وعينيَ في روْض من الحسن ترتعُ) لكان جيداً.

    ثم أقرأ للدكتور العارف، البيت الثاني الذي جاء هكذا:

    يومان بل شهران بل هي أشهرُ

    سنواتُ ضوءٍ لا تعدُّ ولا تحْصر

    فيأتي البيت مكسورا، وهذا مما يؤسف عليه، لأن الدكتور العارف يعرف ما يكتبه، فلا أعفيه من الخطأ والدكتور العارف قد قرأ قصائد كثيرة (لا تعد ولا تحصر) من البحر الكامل التام، الذي جاءت أبيات الدكتور العارف على وزنه، وهو البحر الذي استخدمه الشعراء، لكل أغراض الشعر، وأكثر منه الشعراء قديما وحديثا، لأنه ذو جرس جميل، يميل اليه الشعراء، ولعل الدكتور العارف قد قرأ معلقة (لبيد): (عفت الديارُ محلّها فمقامها) ومعلقة (عنترة): (هل غادرالشعراء من متردّم)

    والمعلقتان من محفوظاتنا أيام الطلب ، وأكاد أجزم أنهما من محفوظات الدكتور العارف.

    وإني أدعو أبناءنا ممن يحملون الشهادات العليا في الاختصاصات النظرية، وأستثني الدكتور العارف من هؤلاء، لأنه يشتق طريقه في الشعر، وهو يحاول إدراكه وإنجازه، أدعو أبناءنا ان يتركوا (بارك الله فيهم) الشعراء المبدعين الذين يتنفسون الصعداء، وقد ضُيق عليهم الخناق، حتى غدا الشاعر الرابع الذي عناه الشاعر بقوله: (وشاعرٌ لا تستحي ان تصفعه) والشاعر الآخر الذي تغنى المغنون بشعره الغنائي الفج، هما الشاعرين اللذين يشار إليهما بالبنان، في ساحة مُلئت بشعر ركيك، خلا من الايقاع والجرس، وضوابط النحو واللغة، وهذا الشاعران، لهما معجبون، امتلأت القنوات الفضائية بهم، وكلهم ينادون بإسقاط سيبويه، وإحياء الشعر الشعبي، يريدون بعملهم هذا، ان يهمّشوا لغة القرآن، فلا حول ولا قوة إلا بالله.

    وأعود الى بيت الشعر المكسور من الأبيات الثلاثة التي جادت بها قريحة الدكتور العارف، يقول العارف:

    يومان بلْ شهرانِ بل هي أشهرُ

    سنواتُ ضوءٍ لا تعدُّ ولا تحصرُ

    فيأتي الشطر الثاني مكسوراً، ويستقيم لو قال:

    يومان بل شهران بلْ هي أشهرُ

    سنواتُ ضوء إنها لا تُحصرُ

    ونقطع البيت، بشطريه الصحيحين، بعد أن أجريت التصحيح العروضي حتى يستقيم البيت، ونقطعه هكذا:

    إن البحر الكامل إذا جاءت كل تفعيلاته مضمرة (متْفاعلن) بتسكين التاء، مثل (مسْتفعلنْ)، اشتبه البحر الكامل ببحر الرجز، فتجري المعاقبة بين سين (مستفعلن) وفائها. ويجوز إما حذف السين وإبقاء الفاء، وإمَّا حذف الفاء وإبقاء السين. والمعاقبة هي: تجاور سببين خفيفين في تفعيلة واحدة، أو تفعيلتين متجاورتين، سلماً معاً من الزحاف، أو زوحف أحدهما، وسلم الآخر، ولا يجوز أن يزاحفا معاً..

    وانظر إلى البحر الهزج، ووزنه:-

    مفاعيلنْ/ مفاعيلنْ----- مفاعيلنْ/ مفاعيلنْ

    تجد في كل تفعيلة سببين متجاورين (عيلنْ)، فلا يجوز أن يزاحفا معاً، فإذا حذفت الياء بالقبْض، سلمت النون من الكف، فتأتي التفعيلة على (مفاعلنْ)، فإذا حذفت بالكف، سلمت الياء من القبْض، فتأتي التفعيلة على (مفاعيلُ).

    وقد حصر ابن عبدربه (رحمه الله) التعاقب في البحور الأربعة:-

    الخفيف والرّمَل والمديد والمجتثّ

    قال في منظومته:

    يدخلُ في المديد والخفيفِ

    والرمَلِ المجزوءِ والمحذوفِ

    ويدخلُ المجتثَّ أيضاً أجْمعَهْ

    ولا يكون في سوى ذي الأربَعهْ


    وإلى لقاء آخر
    التعديل الأخير تم بواسطة مراد الساعي ; 12-23-2012 الساعة 10:59 PM

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
الاتصال بنا
يمكن الاتصال بنا عن طريق الوسائل المكتوبة بالاسفل
Email : email
SMS : 0000000
جميع ما ينشر فى المنتدى لا يعبر بالضرورة عن رأى القائمين عليه وانما يعبر عن وجهة نظر كاتبه فقط