[ ت 3 د]
التمثيل البصري التجسيد الصوري للذائقة العروضية


لطالما لفتني تمثيل البيت الشعري في دائرة تنبّه المتلقي إلى انسجام الإيقاع والخارطة الفكرية الإبداعية للشاعر ..
وأما كون الدائرة تقيس وزن الشعر فذلك أمر لا ينفي كونها حين وضعها الخليل، كانت على أساس الشعر الصرف،وعلى اعتبارهم سابقا أغلب كلامهم موزون لكنهم لم يخلطوا بين الشعر والنظم..
بقي هناك أنواع للنظم فمن التعليمي إلى الخطابي،إلى أنواعه التي تندرج تحت الكلام الموزون دون الشعر.
فالشعر قد تميز منذ العصور القديمة ليقام له سوق عكاظ ،ولتكتب في أساسه القراءات ،وكذا الدائرة العروضية حين أتكلم عن الشعر فيها أعنيه ولا أعني ما يخالف في معناه وشاعريته معناه العميق .
وبعد التعمق في المفاهيم تتسع الرؤية لترى العروض في كل تفصيل يدل على عظمة الفكر الشعري التي تغزل من المفردات وشاح اللغة بقالب إبداعي متكامل ،يفسر المنهج ويترجم الذائقة الفطرية للعروض .
إذا فكرنا بتمثيل إحدى المعلقات بدوائر عروضية نجدنا أمام المركز باعتباره أول دائرة في المطلع ،تتصاعد الأحداث فتكبر الدوائر ،ولك أن تتخيل عدد الدوائر بعدد الأبيات وزيادة أثرها الذي تحدثه في القاع وتترجم صداه الموجات الانفعالية.
وكأننا بأثر القصيدة ، في النفس كأثر شيء يسقط في الماء يبقى في عمقه ،وأثره يحدث اهتزازات على سطحه على شكل أمواج دائرية متحدة المركز .
كذا وقع القصيدة في النفس، وكلما كان أمتن وأعمق شاعرية أحدث أمواجا أكثر أي كانت دوائر تمثيل أبيات أكبر .
وفي هذا مثال على انسجام الشعر والطبيعة ؛ وتواؤم الإيقاع مع فيزيائية المشاعر .
أهمية الدائرة العروضية لا تنحصر في ترجمة الترابط الشعري للأبيات وانسجام تمثيلها الإيقاعي؛بل يتعداه إلى كونه دليلا واضحا على شعرية النص وأن الشعر ما انتمى إلى بحر من بحور المشاعر ،وما بحور الشعر إلا أسماء لخلجات النفس،وتعبير حسي يعتمده الشاعر يشكل مع القافية نسيجا ملحميا خالص الإبداع يبقى عطر روحه يضوع كلما داعبت أبياته مشاعر من يقرأها .
أن تقول هذا النص شعرا ،فأنت أمام قانون الطبيعة :ما كان منسجما منه مع الذائقة،متمما امتداد القصيدة العربية،مخلصا لأساسها اللغوي وقافيتها ،متوازيا مع اتساع لغتنا العربية ورحابة اشتقاقاتها ومناقبها،ومتفقا مع دائرة بحر معين ،فهو الشعر بعينه ..وما خالف ركنا من أركانها فهو مازال في حدود التعبير الأدبي لا غير .
ويبقى هذا رأي محبة للشعر عاشقة لشمولية لغته،وغيورة على إرثه الذي رغم محاولات دفنه مازالت شجرته تغذي بنسغ الشعر أبناءها.