يوضح الموضوع التالي التأثير الذي يترتب على اللغة الأم للمحقق او الباحث وهو هنا الأستاذ سعد الدين أبو الحَب.
http://arabetics.com/public/html/DeA...r_3_Arabic.htm
السطر الاول
بكل وضوح، ان اثباتنا الوافي اعلاه لخطأ قراءة دوسو لمغزى كلمة النص الاولى "تي" سيعني فيما يعني ان الباب اصبح الان مفتوحا لاعادة قراءة النمارة ولتحدي مدى صحة المضمون الاساسي لجميع القراءات الحالية لنقش النمارة. اذ لو كان هدف كاتب النقش استخدام كلمة اشارة لضريح شخص ما لما تردد للحظة في استخدام كلمة الاشارة "دنه" التي تواتر استخدامها على كافة شواهد القبور النبطية وبضمنها نقشي ام الجمال ورقوش المكتوبان في نفس الفترة الزمنية. غير اننا وبعد اتمامنا لمهمة الطعن في قراءة دوسو لاثبات خطأها، وضعنا امامنا معضلة اشد تعقيدا، الا وهي كيفية قراءة وتفسير مغزى وفحوى هذه الكلمة الاستثنائية الغريبة "تي" في نقش النمارة.
وقد بدأت بمهمتي العسيرة هذه في الارامية حيث يعتقد ان كلمة "تي" كانت قد استخدمت كاسم اشارة للمفرد المذكر. اذ نرى مثلا استخدامها كجزء من اسم قرية "تيشور" السورية التابعة لمحافظة طرطوس، ويعتقد انه اسم ارامي مركب مشتق من لفظتي تي (هذا) وشور (سور). (3)(9) والاخير اسم مذكر في اللسان العربي والارامي. الا ان الكلمة الثانية في نقش النمارة كانت كلمة "نفس" بوضوح، وهي اسم مؤنث كما شرحت سابقا عند نقاشي لنص ام الجمال. اما الحالة الوحيدة التي يمكننا فيها استخدام هذه الكلمة كاسم مذكر فهي غير ممكنة التطبيق في سياق نص النمارة. ولو اخذنا بنظر الاعتبار ان كاتب نقش النمارة كان قد استخدم لغة عربية فصيحة واضحة في عموم النص، سيكون من غير المحتمل كليا ان يستهل الكاتب نصه هذا بكلمة ارامية، ناهيك عن انها الكلمة الارامية الخاطئة.
بغض النظر عن طبيعة كلمة "نفس"، سواء كانت اسم مذكر ام اسم مؤنث، يتوجب علينا لغرض بحثنا هذا ان نعيد التحري بمعناها ومغزى استعمالها في نقش النمارة تحديدا. وكما اوضحنا سابقا، فان هذه الكلمة لم تستعمل في مطالع النقوش النبطية كاسم مستقل ابدا الا انه وبسبب شيوع استخدامها في نقوش المسند على شواهد قبور شرق الجزيرة العربية (جنبا الى جنب وبدون شذود مع كلمة "قبر")، ظن المستشرقون ان معنى هذه الكلمة هو "شاهدة قبر" اسوة بالنقوش العبرية والارامية، على حد اعتقادهم. وذلك رغم عدم وجود اي دليل نبطي او عربي او اسلامي يثبت هذا الاستخدام. وقد بينت في نقاشي لنقوش ام الجمال، مديبة، وستراسبورغ كل هذا. ومن بين القائمة الطويلة لاستخدامات ومعاني المفردة "نفس" في اللغة العربية (كما جاء في الشروح المسهبة لعلماء الحضارة العربية الاسلامية ممن تفصلهم بضعة قرون فقط من النمارة) لم نجد استخداما لها بمعنى "نصب تذكاري" او "نصب جنائزي" او "شاهد قبر" على الاطلاق. اضف لذلك ان لدينا نقشين نبطيين اقدم عهدا من نقش النمارة ببضعة عقود وعثر عليهما في نفس الموقع، اضافة الى اعداد وفيرة من نقوش المسند والنقوش النبطية الاخرى على القبور، وجميعها ادرج كلمة "قبر" تحديدا. فلِم يخالف اذن نقش النمارة هذا التقليد السائد عبر استخدامه لكلمة "نفس" وحدها عند الاشارة لقبر؟
كما ان انفراد نقش النمارة او قلة غيره باستخدام كلمة نفس لوحدها في مستهل النص يجب ان لا يعني بالضرورة استخدامها بمعنى شاهدة قبر، خاصة وان جميع النقوش النبطية كانت قد استخدمت هذه الكلمة بمعنى مختلف. بل انني ارى ان حقيقة استخدام نقش النمارة لكلمة "نفس" على خلاف نقش ام الجمال الذي استخدم كلمة "نفسو" بحرف الواو هو بحد ذاته معلومة في غاية الاهمية تتطلب الدراسة والتمحيص. اضف لذلك ان حجر النمارة لا يشبه ابدا في شكله الفيزيائي اي من الاحجار النبطية وغير النبطية التي قال المستشرقون ان مفردها كان يسمي "نفش" بمعنى "نصب قبر". في اعتقادي ان كلمة "نفس" في سياق نص النمارة جاءت بمعنى "روح" وهذا هو الاستخدام الاكثر شيوعا للكلمة، او "دم" وهو الاستخدام الاقل شيوعا الا انه استخدام منسجم تماما مع الاحداث المحيطة بالهزيمة الدموية لامرؤ القيس في معركة الحيرة. فكما سنبين لاحقا بتفصيل مسهب عند قراءتنا لهذا النقش، ان محتوى نصه الاجمالي من فقرات وجمل ومعلومات عن الاحداث المعاصرة له لا تنسجم قط مع ورود كلمة نفس بمعنى "شاهدة قبر"، سواء اعتمدنا اللغة العربية الفصحى او اللهجة العربية النبطية في قراءته.
من الواضح ان قراءتي لكلمة نفس بمعنى "روح" سيترك احتمالين فقط لمعنى الكلمة السابقة "تي"، اذ قد يكون القصد من استخدامها القسم او اليمين بروح او دم امرؤ القيس، وهي عادة شائعة حتى يومنا هذا، او قد يكون القصد من استخدمها جلب انتباه القارئ لعظمة روح امرؤ القيس وتمجيده قبل الدخول في الموضوع الاساسي الذي كتب من اجله النص. فمن المعروف عن عرب الجاهلية انهم درجوا على افتتاح خطابهم بجمل استهلالية قبل الدخول في صلب الموضوع وقد سار المسلمون العرب على منوال اسلافهم فاستهلوا خطابهم بقسم يشد الانتباه للخالق تعالى كالبسملة "بسم الله الرحمن الرحيم". وتبعا لتحليلي هذا فانني اعتقد ان هناك اربع قراءات عربية محتملة لكلمة "تي".
الاحتمال الاول والاكثر ارجحية هو "تَيا"، وهي كلمة مركبة من جزئين: "تاء" و"يا". والتاء هي تاء القسم كما في تالله. اذ وبالرغم من اقتصار دخول تاء القسم على اسم الجلالة فقط، بعد الاسلام، الا انها كانت قد استخدمت بكثرة قبل الاسلام، كما في استخدامهم "تحياتك" عند القسم بحياة شخص ما، او "تربّ الكعبة" عندما اقسمو برب الكعبة في مكة. (4)(13) وليس مستبعدا انهم كانو قد استخدموا ايضا "تَيا رب الكعبة". اما المقطع الثاني "يا" فهو حرف نداء يراد به التنبيه كما في "يا الله" , "يا فلان" او "يا عراق". وبذلك تكون قراءتي للكلمتين الاوليتين من نقش النمارة حسب الاحتمال الاول "تَيا نفس" كما في استخدامنا "قسما يا نفس" او "بك يا نفس" او "باسمك يا نفس" وهذا كله يعني "قسما يا روح امرؤ القيس".
اما الاحتمال الثاني، وهو احتمال وارد جدا، ان "تي" كانت تقرأ بمقطعيها "تيا" ايضا ولكنها كانت تستخدم كحرف للتبيه. اذ دوّن ابن منظور في لسان العرب استخدامات عديدة لحرف النداء "يا" مركبا باحرف اضافية قبله، وجميعها كان يستخدم بمعنى حرف النداء "يا". ربما اضاف العرب هذه الحروف لاضفاء عنصري التوكيد والتعظيم الى المنادى اليه او التفجع والندبة عليه اوالقسم به. وقد اعطى ابن منظور الامثلة "أيا" و"هيا" و"آيا" ولكنه لم يعطي "تيا" كمثال. (13) الا انني، واستنادا الى شرح ابن منظورعن تراكيب حرف النداء "يا"، اميل الى الاعتقاد ان "تيا" كانت قد استخدمت عند العرب ايضا كحرف للتنبيه ايضا، ربما لاضفاء عنصر القسم.
والاحتمال الثالث، وهو احتمال ممكن، ان تكون هذه الكلمة هي الكلمة "تي" فعلا الا انها استخدمت اما كاسم اشارة بمعنى "هذه" ولكن لغرض التبيه والاحترام والقسم فقط، او انها كانت حرف القسم "تاء" نفسه، مثلها مثل حرفي القسم الباء والواو، ولكنها ذيلت بحرف الياء للدلالة على حركة الكسر. وفي الحالة الاخيرة يمكن قراءة الكلمتين الاوليتين "تي نفس" بمعنى "بنفس "ونفس". وتاء القسم تُحرك بفتحة وتتصل بالكلمة اللاحقة، عادتا، ولكن من غير المستبعد ان استخدم العرب قديما تاء القسم بالكسرة عند دخولها على اسم مؤنث مثل "نفس". وهذا الاستخدام سيكون متوافق كليا مع اصول اللغة العربية قديمها وحديثها بربط حركة الكسر وحرف التاء بالاسماء المؤنثة. (13) ربما الحق كاتب النمارة حرف الياء بعد تاء القسم لصعوبة نطق التاء المكسورة مع كلمة نفس، او بدلا من الكسرة الطويلة، والاخير تقليد شاع استخدامه في الشعر العربي قبل تحريك الكتابة العربية وحتى بعدها.
اما الاحتمال الرابع والاخير فان كلمة "تي" كانت "تيا" ذاتها ولكنها اتت بمعنى "طوبى" او "تحيا". وفي حالة "تحيا" من الجائز ان النقش اراد عبارة "تحيا نفس" ولكن حرف الحاء الذي يلي التاء كان قد سقط سهوا لخطأ في نسخ الكلمة او غير ذلك. ولكن الاحتمال الرابع هذا وبالمعنيين مستبعد جدا لعدم عثوري على دليل يوثق استخدام "تي" او "تيا" بهذا المنحى، اولا، ولان معنى كلمة تحيا لا يقال عموما للميت وانما لمن هو على قيد الحياة.
بدون ادنى شك، ان قراءة الكلمتين الاولى والثانية لنص نقش النمارة هي الخطوة الحاسمة لقراءة بقية النص. وبناءا على احتمالاتنا الثلاثة الاولى لقراءة "تي" اعلاه، وجميعها بمعنى بادئة للقسم بروح امرؤ القيس، عموما، فان جملة القسم الاستهلالية الناتجة لابد ان يعقبها اعلان هام او واقعة رئيسية وليس فقرة طويلة تعدد احداث ووقائع تأريخية. اما في حالة الاحتمال الرابع الذي لا يتضمن معنى القسم فمن الجائز سرد عدد من الانجازات المتتالية زمنيا. الا انه وبعد اعتماد ايا من احتمالات قراءة "تي" اعلاه، اصبحت امكانية ان تكون صخرة النمارة "شاهدة قبر" امكانية ضعيفة جدا بالمقارنة مع ان تكون "نصب تذكاري". كما ان اعتماد ايا من قراءات الاحتمالات الثلاث الاولى سيفتح المجال لقراءة مضمون باقي النص بشكل مختلف جذريا عن القراءة الحالية، اذ سيصبح الاعتقاد واردا بعدها ان هذا النقش لم يكن عن امرؤ القيس اساسا.
تهجى دوسو الكلمة اللاحقة المثيرة للجدل في نص النمارة، "كله"، (واشرنا لها بالرقم 1) وترجمها حرفيا من النبطية للعربية بشكل صحيح، الا انه قرأها بالعربية "كله" بشكل خاطئ. والقراءة الصحيحة لها "كلها" فهي متعلقة بالكلمة السابقة لها "العرب" بمعنى قبائل او اقوام العرب، وفي كلا المعنيين تعامل الكلمة على انها اسم مؤنث على تأويل الطائفة. (22) اما المهمة الصعبة الثانية في قراءة السطر الاول فقد كانت تحرّي معنى ومغزى استخدام كلمة "ذو" والكلمتين التاليتين لها. وقد اشرنا لهم جميعا بالرقم 2 في قراءة دوسو. من بين استخداماتها العديدة، تستخدم "ذو" في العربية في لقب او كنية بمعنى "صاحب" او "وله"، او بمعنى "يعود الى" او "من". وفي كلتا هاتين الحالتين يجب ان يتبعها اسم ظاهر. كما يمكن ان تستخدم "ذو" احيانا كاسم موصول بمعنى "الذي" وفي هذه الحالة يجب ان يتبعها فعل. اما في نقش النمارة فكانت الكلمة التالية اما "أسد" بمعنى "الأسد" او "أسر" بمعنى "أسّرَ" اي اوقع فلان في الاسر. وانا اميل الى الاعتقاد بان الكلمة المناسبة في سياق قراءة النص هي الاسم "أسد" وما سبقها كانت اما "ذو" المتداول استخدامها في الكنى والالقاب العربية او "ذو" بمعنى "الذي ينتمي الى"، وليس "ذو" بمعنى كلمة الوصل "الذي"، كما ذهب العديد من المستشرقين والباحثين.
وتبعا لقراءتي اعلاه تكون العبارة "ذو أسد التاج" لقب او كنية بمعنى "مالك أسد التاج"، مما قد يشير الى صورة او نحت لصورة اسد يزين قمة تاج فعلي، او بمعنى "الذي ينتمي الى أسد التاج" في اشارة الى قبائل أسد التي ملكت التاج او التي تقلّد ملوكها التاج، وهذه حقيقة تاريخية معروفة.
ولكي نقرأ "ذو" بمعنى اسم الموصول "الذي" كما اراد لها دوسو، لتحقيق المعنى العام لقراءته وجميع القراءات اللاحقه للنص، يشترط علينا الحاقها بفعل، وهذا للاسف ما تهافت عليه العديد من القراءات. حتى ان بعضهم قرأ الكلمة على انها الفعل "أسَرَ" او "أسّرَ" او "أسَدَ" زاعمين ان الكلمة التالية، "التاج"، والتي يكمن تتبع حروفها بسهولة، هي في الواقع "الثاج" او "الثئج" اشارة الى المدينة التاريخية المعروفة المكتشف اثارها قرب مدينة الظهران الحديثة. نذكر القارئ ان نقش النمارة لم يكن منقطا ولم يتضمن حروف الالف التي تضيفها العربية حديثا. ولكن وحتى لو افترضنا انها كانت حقا مدينة ثاج، فمن غير الصائب اضافة ال التعريف لها وتسميتها "الثاج". فالشعر العربي لم يعرّف اسم مدينة كنجران او ثاج بال التعريف ابدا. اضافة الى هذا، يلزم في اللغة العربية ان يكون مفعول الفعل أسر (او أسّر) اشخاصا وليس مدينة. فمن الجائز اخذ مجموعة من الاشخاص، وخصوصا الجند، كأسرى ولكن لا يمكن تأسير مدينة باكملها!
ولضعف القراءات هذه، انبرى بعض الباحثين باقحام فرضيات عقيمة لدعمها. فمنهم من زعم ان كلمة "التاج" هي في الواقع كتابة تأريخية لكلمة "التاجيين" نسبة الى قبيلة افترضوا وجودها او "الثاجيين" سكان مدينة ثاج. بيد اني لم اعثر في تتبعي لنقش الكلمة في الحجر على اية اثر للحرفيين او الثلاث الاضافية المطلوبة لكي تصبح كلمة "التج"، "التاجيين" او "الثاجيين". وبما ان جميع الباحثين الذين قرأوا الكلمة على انها الفعل "أسر" كانوا قد قرأوا كل كلمة "ملك" لاحقة لها، وسابقة لاسم قبيلة ما، على انها الفعل "مَلَكَ"، يخطر في ذهننا تساؤلا مشروعا عن السر في اقتصار استخدام الفعل "اسر" على ثاج او الثاجيين، اذن. وكسؤال مباشر، لِم لم يستخدم كاتب النص الفعل مَلَكَ ايضا؟ فبلا ريب سيكون هذا الفعل اكثر ملائمة للمعنى المنشود.
برر المعترضين على قراءة كلمة التاج على انها الاكليل الذي يتوج به رأس الملك رأيهم بالقول ان ملوك العرب لم يأخذوا فيما اخذت به الامم من عادة لبس التاج. الا ان هذا ليس صحيحا. فالتاريخ يخبرنا ان بضعة من ملوك العرب الشماليين في الحيرة او حتى في نجد موطن قبائل بني اسد كانو قد وضعوا التاج على رؤوسهم. ولكن حتى لو لم يكن هذا صحيحا، نحن نعلم علم اليقين بان الملك امرؤ القيس كان قد قاد حملات متكررة على بلاد فارس التي شاع لبس ملوكها للتاج. ونظرا الى ان بلاد فارس قد اتخذت الاسد شعارا وطنيا لها عبر التاريخ لا يمكن ان نستبعد امكانية استيلاء امرؤ القيس على احدى التيجان التي زينت قمته بنقش لصورة اسد. اذ ربما اكسبه هذا التاج لقب "ذو اسد التاج"، اي صاحب التاج المزين باسد، وهذه عبارة عربية سليمة ورصينة في قواعدها والفاظها اللغوية. وبناءا على ما وصلنا من كتابات مؤرخي الحضارة العربية الاسلامية فان امرؤ القيس كان شهيرا بامتلاكه لالقاب ومسميات عديدة. وعرف اطلاق الالقاب على الاشخاص وخصوصا القادة والملوك هو عرف عربي سائد منذ سحيق الازمان، مرورا بالعصر العباسي وغيره من العصور، بل وحتى يومنا هذا. اذ سيكون من غير المعقول ان يذكر نقش النمارة اسم الملك امرؤ القيس بدون الحاقه بعدد من الالقاب والمسميات التي امتلكها عبر تاريخ حكمه. من المؤسف، ان لقب "ذو اسد التاج" المذكور في النمارة لم يرد مع القابه العديدة الاخرى في كتابات المؤرخين المسلمين عنه. (14)(30)
في عنادهم المرير من اجل اثبات صحة قراءة دوسو لمغزى نقش النمارة، افترض عدد من الباحثين ان الفعل "اسر" بعد كلمة "ذو" جاء مرادفا في معناها للفعل "نال". وهؤلاء الباحثين لم يختلفوا في قراءة الكلمة التالية على انها "التاج"، كما اقرءها انا وكما قرأتها الاغلبية، اي "الاكليل". وبذا تكون العبارة ذات الكلمات الثلاث حسب قراءتهم، "الذي نال التاج". ولكن، وبكل صراحة، انا لم لم اعثر على اية قرينة في مصادر العربية الاساسية تؤكد استخدام الافعال المفترضة، "اسر" او "اسد"، بهذا النمط.
اما بلمي فقد قرأ عربيا، بعد تعقبه ورسمه الجديد للحروف النبطية في نهاية السطر الاول، اربع كلمات: "ولقبه ذو أسد ومذحج"، اي ولقبه مالك قبائل أسد ومذحج. وانا اوافقه الرأي في ان الشكل الحرفي النبطي المعقد بعد كلمة أسد قد يكون حرف الواو بالنبطية. ولكني اخالفه في تعقبه لحروف الكلمة التي تليها، مذحج. اما سؤالي الاكثر اهمية في اختلافي معه، لِم التجأ كاتب النمارة الى اخبارنا ان امرؤ القيس مَلَكَ أسد وهزّم مذحج لاحقا (بحسب قراءة بلمي للسطر الثاني) بعدما عددها بتفصيل في لقبه في السطر الاول، كما ذهب بلمي؟ كما ان حقائق التأريخ لم تذكر ابدا ان امرؤ القيس كان قد استطاع اخضاع قبائل اليمن. انني ارجح قراءة بلمي الجديدة لشكل حرف الالف النبطي في كلمة "التاج" على انه حرف واو نبطية. وبذا تكون عبارة "ذو أسد التاج" قد كتبت "ذو أسدولتاج" بشكل مطابق تماما لما اتبعه كاتب النمارة في تهجي اسم امرؤ القيس، "مرءلقيس"، وكما ساتناوله لاحقا، تهجيه العبارة فرسان الروم، "فرسانولروم". علينا القول اخيرا، حتى لو كانت قراءة بلمي للكلمات الاخيرة في السطر الاول صائبة فانها لا تتناقض مع قراءتي لكلمة "ذو" بمعناها المتعارف عليه وليس بمعنى "الذي"، وهي بذلك قراءة متلائمة مع قراءتي للعبارة كاحدى القاب الملك.
المفضلات