أخي الكريم الأستاذ سليمان أبو ستة.
أعجبني في كتابك خصوصه وعمومه، وخصوصه منطلق من عمومه. وأعني بالخصوص ما توصلت إليه من أحكام، وأعني بالعموم ما تأسس عليه الخصوص وانطلق منه أعني شمولية نظرتك إلى الخصائص العامة للشعر دون تقيد بحدود البحور والتفاعيل.
هذه كانت مقدمة لموضوع شامل عن مناطق الضرب في الشعر العربي حفزَتني عليها بعد تسويف مشاركتك الكريمة. وسوف أعرضها عند الانتهاء منها بعون الله، وربما احتوى هذا الموضوع معظمها.
أما في موضوع مشاركتك فإني نظرت فغلب علي رأيي أن الرقم 2 في آخر منطقتي العروض والضرب محكوم بما يلي على الأغلب :
إن البحور التي تنتهي ب 2 3 أو 4 3 إن كانت متوسطة ( المجموع الرقمي لوزن الصدر 14 كمجزوء الكامل) أو طويلة ( أكثر من 14) فإن الرقم 2 أو السكون ه قد يرد آخر العجز زائدا بذلك عن وزن الصدر
وذلك على وجهين:
أ- زيادة سبب 2 على عجز البيت ( +2 = ترفيل ) كما في الكامل تاما ومجزوءً:
لثريا العريض:
وسئمت رتق الحزن أشرعةً ترا = ودها العواصف أو غيوم الاكتئابِْ
ووقفت صادية أطالب بانبلا = ج الغيم عن مطرٍ وأشواق تجابْ
ووقفت صادية أطالب بانبلا = ج الغيم عن مطرٍ وشوق لي مُجابِ
((4) 3 ((4) 3 ((4) 3 ..............4 3 ((4) 3 4 3 ( 2 أو ه)
ب - حذف سبب من آخر الصدر وبقاء نظيره في آخر العجز:
كما في مجزوء المتقارب، لبشامة بن النضير:
هجرتَ أمامة هجرا طويلا = وحمّلك النأي عبئا ثقيلا ( مصرع)
وحُمِّلتَ منها على نأيها = خيالا يوافي ونيْلا قليلا
ونظرة ذي شجنٍ وامقٍ = إذا ما الركائب جاوزن ميلا
3
1 3 1 3 2 3 .................3 2 3 1 3 2 3 2
( ولعله لا يثقل على السمع أن تتحول آخر 2 في العجز إلى سكون قياسا على أ ) ليكون النص
هجرتَ أمامة هجرا طويلْ = وحمّلك النأي عبئا ثقيلْ ( مصرع)
وحُمِّلتَ منها على نأيها = خيالا يوافي ونيْلا قليلْ
ونظرة ذي شجنٍ وامقٍ = إذا ما الركائب جاوزن ميلْ
ومع الحالتين (أ) و 0(ب) تبدوان متماثلتين إلا أن لهما انعكاسا على حال الرمل
فالمعروف أن الرمل يأتي على
2 3 2 2 3 2 2 3 ..................2 3 2 2 3 2 2 3 2
ولم يأت في التراث على
2 3 2 2 3 2 2 3 2 ............2 3 2 2 3 2 2 3 2
إلا في قصيدة المتنبي
إنمــا بَــدرُ بــنُ عَمّـارٍ سـحابُ = هَطِــلٌ فيــهِ ثَــوابٌ و عِقــابُ
إنمـــا بَــدرٌ رَزايــا وعَطايــا = ومَنايـــا وطِعـــان وضِـــرابُ
مــا يُجــيلُ الطِّــرفَ إلا حَمِدَتـهُ = جُهْدَهــا الأيْــدي وذَمَّتــهُ الرقابُ
ولو اعتبرناها شذوذا يؤكد القاعدة ولا ينقضها، فإن سؤالا يطرح نفسه وهو : هل أضيف السبب على العجز أم حذف من الصدر ؟
والإجابة عليه تتيح لنا أن نتخيل رأيين بين فريقين من التفعيليين
فمن قال بالحالة (أ) أي أن السبب أضيف على العجز ( +2 = ترفيل) يرى أن وزن الرمل هو
2
3 – 4 3 – 4 3 ....................2 3 – 4 3 – 4 3 – 2
فاعلن مستفعلن مستفعلن ...................فاعلن مستفعلن مستفعلا - تن
وهذا يعني أن لا وجود لفاعلاتن في الرمل. ولا أدري إن كان مثل هذا الفريق موجوداًُ في الحقيقة أم هو ناتج خيالي لهذا التحليل.
ومن قال بالحالة (ب) أي حذف سبب من آخر الصدر (-2=حذف) يرى أن وزن الرمل هو
2 3 2 – 2 3 2 – 2 3 ..................2 3 2 – 2 3 2 – 2 3 2
فاعلاتن فاعلاتن فاعلا .....................فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن
وغني عن الذكر أن مثل هذا الانقسام في الرأي لا وجود له في الرقمي الذي لا يعول على مكان هذه المسافة الفاصلة ( - ) بين أرقام الوزن
هذا عن الأبيات الطويلة، أما الأبيات القصيرة فربما كانت أميل إلى تعادل الشطرين منها إلى زيادة العجز على الصدر،
المجتث = 4 3 2 3 2 ................4 3 2 3 2
من العقد الفريد:
وشادنٍ ذي دلال = معصّبٍ بالجمال
يضنّ أن يحتويه = معي ظلام الليالي
أو يلتقي في منامي = خياله مع خيالي
غصن نما فوق دِعْصٍ = يختال كلّ اختيال
البطن منها خميصٌ = والوجه مثل الهلال
ماذا لو أجرينا القاعدة التي تفضلت بها أخي سليمان ( منسجمين مع أنفسنا في تجاهل حدود التفاعيل في الرقمي) بحيث يصبح الوزن :
4 3 2 3 ...............4 3 2 3 2
وشادنٍ لم يزلْ = معصّباً بالجمال
يضنّ أنْ نلتقي = معاً بعتْمِ الليالي
أو يلتقي حالِماً = خياله مع خيالي
غصن نما مائساً = يختال كلّ اختيال
كبطن ريم الفلا = والوجه مثل الهلال
هل يبدو هذا مستساغا ؟ أنا أستسيغه ويأتي من جهة مصداقا لقول أخي سليمان، ولكن لم يمر بي مثله في التراث فالأغلب تساوي الشطرين.
وكما يتولد هذا بحذف ما يفترض أن سبب في أصل آخر الصدر، فإنه يمكن أن يتولد من إضافة سبب في آخر العجز. ولا فرق فعليا بين الحالين
لخليل مطران وعده الدكتور محمد الطويل منهوك البسيط:
فوق الكلام العملْ = به نجاح الأملْ
أيهما مفلحٌ = من قال أم من فعلْ
قبل الشروع اتـّئدْ = ذاك أوان المهَلْ
فالخير في السير عن = رويّةٍ لا عجلْ
لو حورنا هذه الأبيات لنضيف +2 بعد العجز تصبح كالتالي ( التركيز على الوزن على حساب المعنى):
إنّ اعتمال الأماني = به نجاح الزّمانِ ( مصرع)
أيهما مفلحٌ = أأوّلٌ أم فثاني
قبل الشروع اتـّئدْ = بل اتّئد كلّ آنِ
فالخير في السير عن = فهمٍ لكل المعاني
وشأن هذا كسابقه مستساغ، ولكن المأثور في الشعر العربي في هذه الأوزان القصيرة يميل إلى تكافؤ الشطرين القصيرين.
وبالتالي أرى أن الوزنين الأول:
2 3 3 2 ............2 3 3 2
لو أردت يوما ............يا أخي العظيما
أن أقول شعرا...............فيك أو أهيما
والثاني:
2 3 3 .............2 3 3 2
لو أردتها...........يا أخي العظيما
أن أقولها..............فيك أو أهيما
واردان وسلسان، ولا أدري مدى صحة إحساسي بأن الأول أسلس من الثاني.
أخي الأستاذ سليمان أبو ستة
هذا تفكير بصوت عال أكثر منه تقعيد، ومن شأن الحوار فيه والتعديل والتقويم قياسا على حالات أكثر أن يؤدي إلى دقة أكثر.
حديثك ممتع ، والحوار معك مفيد. فلا حرمني الله من أنسك ورفقتك وحوارك.
المفضلات