ما اللسانيات ؟
قبل أن نشرع في الحديث عن مستويات التحليل اللغوي التي تعنى بها اللسانيات أو علم اللغة ، ودور هذا العلم في التفكير و الحضارة البشريين ، ومدارسه المتعدّدة والمختلفة المشارب ، ومنطلقات كلّ مدرسة أو اتّجاه من هذه الاتجاهات ، وهل كانت اللسانيات علماً عربيا قديما ... و غيرها من المواضيع الهامة ، لا بدّ أن نتعرّف أولا على ماهية اللسانيات .
فاللسانيات أو الأَلْسُنية أو اللِّسْنِيات أو علم اللغة حسب اختلاف المصطلح بين المغاربة والمشارقة - فرعٌ من العلوم الإنسانية ، يدرس الظاهرة اللغوية البشرية بمنهجية علمية قائمة على الوصف بعيدا عن الأحكام المعيارية . واللسانيات تتناول بالدرس الأصوات أو الحروف والكلمات والتراكيب النحوية والدلالات وإذا كانت وظيفة اللسانيات هي دراسة اللغة الإنسانية ، هل هي علم قديم أم أنها حديثة النشأة ؟
تاريخ التفكير اللغوي الإنساني :
أ - يُعتبر الهنود أول شعب درس اللغة وتأمّلها ودرس خصائصها . وكان الدافع إلى ذلك دينيا محضا يتمثّل في رغبتهم في قراءة كتابهم المقدّس " الفيدا " - الذي يرجع تاريخه إلى 1200 ق م - قراءة صحيحة والمحافظة عليه من عبث العابثين . لذلك كانوا يقدّسون اللغة السنسكريتية التي كُتب بها هذا الكتاب ووصفوها بالكمال وكانوا يتعبّدون بدراستها والاعتناء بها . ويُمثل كتاب panini ( وهو إمام النحاة عندهم ، عاش بين القرنين 4 و 5 ) أول كتاب ضمّ قواعد لغتهم السنسكريتية .
وقد كان لهذه المحاولات اللغوية الهندية تأثير عميق في التفكير اللغوي الأوربي .
ب - أما لدى الإغريق فقد كان للمناقشات الفلسفية أثر كبير في حواراتهم حول اللغة ، فتساءلوا هل اللغة شيء فوق الطبيعة ؟ و هل هناك علاقة بين الاسم والمُسمّى ؟ وهل اللغة قائمة على الاتفاق بين المتكلّمين على رموز معينة للدلالة على معانٍ محدّدة ؟ وغيرها من التساؤلات التي تدلّ على اهتمامهم الكبير باللغة . لكن اليونان كانوا متعصّبين للغتهم مما حدا بهم إلى إطلاق صفة " البربرية " على غير المتكلّمين باليونانية . و بدأت البوادر الأولى للتفكير اللغوي مع أرسطو الذي كان يرى أن اللغة نظام وضعي يخضع لقوانين ثابتة ، ثم مع أفلاطون الذي عرّف اللغة بأنها تعبير عن أفكارنا بواسطة الأسماء و الأفعال .
غير أن هذه الإرهاصات الأولى للدراسة اللغوية اليونانية كانت تفتقد للوعي اللغوي القائم على الملاحظة والتحليل مما جعل كلّ ما توصّلوا إليه يندرج ضمن الانطباعية أكثر منه ضمن المنهج .
د. خديجة إيكر
و للحديث بقية إن شاء الله
المفضلات