مرايا..مَنْ للعربية في خليجنا العربي؟!
بقلم : عبدالله الملحم

حين تكون زوجتك الأجمل والأكثر وفاء والأعمق أصالة، فتجاهلك لها جرياً خلف أخريات لا يمكن أن يُحمل على شيء غير الخيانة، حتى لو كنت مُقراً بمزاياها المتفردة ووجدت في نفسك حاجة للاقتران بأخرى على سبيل التعدد؛ فاقترانك بمن تريدها مثنى أو ثلاثاً أو رباعاً يجب أن يكون منوطاً بالعدل وعدم الجور، واللغة العربية بين اللغات كتلك الزوجة بين النساء، حيث لا لغة تضاهي قداستها بعد أن اختارها الله لغة لكتابه، وأنزل بها القرآن على خاتم أنبيائه ورسله، وما ذاك إلا لأنها أثرى اللغات بالمفردات، وأطوعها للنحت والتصريف والتركيب، وليس من العدل في التعامل معها أن تُهجر هذه اللغة الفاضلة لأجل لغات مفضولة لا تدانيها في شيء من مزاياها المتعددة!

آخر الأسبوع الفائت مررت بموقفين مُهينين للغتنا العربية، ولغة البلاد الرسمية في المملكة العربية السعودية معقل الفصحى ومهبط الوحي الذي تنزلت به آيات الذكر الحكيم، الموقف الأول كان في وكالة سيارات معظم لافتاتها مكتوبة بالإنجليزية، والموقف الثاني كان في متجر في سوق الدمام كتب اسمه (العربي) باللغة الإنجليزية، مع تعمد تجاهل الكتابة بالعربية، كما لو كانت لغتنا العربية رجساً من عمل الشيطان يجب اجتنابه، ما رأيته في مدينتي الخبر والدمام هو ما يمكن أن أراه في كل مدينة خليجية، ولا أزال أتذكر أحد المطاعم في البحرين حين قدم لي النادل قائمة الطعام بالإنجليزية فتساءلت حينها ما إذا كانت البحرين ما زالت تحت الاحتلال الإنجليزي البغيض أم إنها تحررت وتنعم باستقلالها، ولا غرو فالدول العربية تحت الاحتلال الأجنبي كان التعليم فيها بلغة المحتل، كما في الشام وبلاد المغرب العربي الذي فرض التعليم فيها بالفرنسية، حتى إن الشيخ علي الطنطاوي في صغره أدرك التعليم في سوريا وهو يُدّرس باللغة التركية إبان خضوع الشام للدولة العثمانية وبعد خضوعها للاحتلال الفرنسي صار التعليم باللغة الفرنسية ثم عاد للعربية بعد الاستقلال.

وفي العراق ومصر والسودان كانوا يُحملون على الإنجليزية، ورغم تأثر الدول العربية باللغات الأجنبية وتغلغل بعض الكلمات الإنجليزية والفرنسية في لهجاتها إلا إن دول الخليج العربي تظل الأسوأ، لأنها ألزمت نفسها بما لم تُلَزم به سواها ممن عانت فرض اللغات الأجنبية عليها وهي تحت الاحتلال، ولغوياً نحن أسوأ من الفلسطينيين الذين لا يعانون الغربة اللغوية كما نعانيها نحن، وإلا من يصدق أن اللغة العربية تأتي قبل الإنجليزية في شوارع تل أبيب وحيفا ويافا وبيت لحم وغيرها من المدن الفلسطينية المحتلة فيما هي - أحياناً - اللغة الثانية بعد الإنجليزية في دول الخليج العربي، تأملوا نشرات الأخبار وصورها المنقولة من الأراضي المحتلة في فلسطين وستدهشون وأنتم ترون بعض لافتات الشوارع مكتوبة بثلاثة أسطر أعلاها للغة العبرية وأوسطها للعربية وأدناها للإنجليزية فيما الإنجليزية هي اللغة الأولى وأحياناً الوحيدة كما رأيتها مراراً في كثير من دول مجلس التعاون!

كل دساتير دول مجلس التعاون الخليجي - بلا استثناء - تنص على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية لبلدانها، لكننا على الواقع لا نراها كذلك، فهي الأولى في الوزارات والمؤسسات الحكومية لكنها في القطاع الخاص الثانية وربما الثالثة وأحياناً لا وجود لها في ظل تفرد الإنجليزية كلغة وحيدة لمخاطبات ووثائق هذا القطاع الذي ينمو بأموالنا ونحن المستهلك الأكبر لمنتجاته، اللغة العربية في غربة ولن تعود لها حميميتها وهيبتها ومكانتها كرمز سيادي لهويتنا ووجودنا إلا بقرار سيادي في كل دولة من دول مجلس التعاون، عبر تفعيل المواد الدستورية التي تنص على أن العربية اللغة الرسمية لبلداننا ومحاسبة كل من يتوانى في تطبيقها، ودون هذا فلن نجني إلا المزيد من الغربة التي تجعل العربي يسير في مدننا غريب الوجه واليد واللسان!