آراءُ العلماءِ في كتابةِ*(*إذن*)*

*

بقلم الدكتور: أنس بن محمود*فجّال

اختلف النّحويون في رَسْمِ ( إِذَنْ)*بالنُّونِ أو بالتَّنوينِ ، والوقفِ عليها على الآراء الآتية:

الرأي الأول*:*وهو كتابتها*بالألف ،

ومن حججهم*:

*.*أنّهاتشبهُ النونَ الخفيفةَ والتنوينَ ، في نحو : ﴿ لَنَسْفَعاً بِالنّاصِية ﴾*.

*.*أنّها تُشْبِهُ نونَ ( لَدُن ) التي تُبْدَلُ أَلِفاً*.

*.*أنّ الوقفَ عليها*يكونُ بالألفِ*.

*.*أنَّ رَسْمَ المصاحِفِ على كَتْبِها بالألف*.

*.*أنَّ*(*إذاً ) ليست حرفًا ناصبًا للمضارع ، بل هي ( إذا ) الشرطية الظرفية ،

دوّنت عوضًا*عن جملتها المضافة إليها المحذوفة(1)

قال*به*ابنُ قتيبة (2)، وابن مالك في التسهيل (3) ، وابن هشام(4)ونُسِبَ هذا الرأيُ إلى المازنيّ ، كما نَقَلَهُ عنه أبو حيان في شرحالتسهيل (5) ونَقَلَهُ عنه أيضاً

المالقيُّ(6). وفي نِسبته إليه اضطرابٌ*سيأتي بيانُه.*قال الرُّمانيُّ(7) : وهو الاختيارُ عند البصريين*.

الرأي الثاني*:*وهو كتابتها بالنون ،

ومن حججهم*:

1-*أنّ النونَ فيها أصليّةٌ كنونِ ( عَنْ ) و*(*مَنْ ) و ( أَنْ*)*.2-*أنّها في الأصلِ مركّبةٌ من ( إِذْ ) و ( أَنْ*)*،*ونُونُ ( أَنْ ) لا تُبْدَلُ . وهو قولٌ عن الخليلِ(8)

3- أنّها حرفٌ ،*والحروفُ لا يدخلها التنوينُ ،وهذه حُجَّةٌ قويَّة ؛ لأنّها حرفُ جوابٍ وجزاءٍ*.

قال به*المبرّدُ ، ونُسِبَ إليهِ أنّه قالَ*:*(*أَشتهي أنْ أكوي يَدَ مَنْ يكتب ( إِذَنْ ) بالألف*)*(9).

وقال به أيضاً ابنُ درستويه (10)، والزَّنجانيّ - كما نَقَلَ عنه*الجاربرديُّ (11) ، والسُّيوطيُّ (12) - ، وابنُ عُصفور*.

ونُسبَ هذا الرأي*أيضاً إلى المازنيِّ كما نَقَلَهُ عنه الرَّضي (13)، والمراديّ ([14]) ، وابنُ*هشام(15)

قال المرادي : وفي نِسبةِ هذا الرَّأي للمازنيّ نظرٌ ؛ لأنّه إذا*كان يرى الوقفَ عليها بالنُّونِ كما نُقِلَ عنه فلا ينبغي أنْ يكتبها بالألفِ*.*قال الرُّمانيّ : وهو الاختيار عند الكوفيين*.

الرأي*الثالث*:*أنّها إذا أُلغيت عن العملِ كُتِبَت بالألفِ ؛ لضعفِها . وإذاأُعملت ونَصَبتِ الفِعْلَ بعدَها كُتبت بالنونِ ؛ لقُوَّتِها*.*وهو رأيُ*الفرّاء (16)الرأي الرابع*:*أنّها إنْ وُصلت في*الكلامِ كُتِبَتْ بالنُّونِ ، عَمِلَت أم لم تَعْمَل ، كسائِرِ الحروف ، وإذا*وُقِفَ عليها كُتِبَتْ بالألِفِ ؛ لأنّها إذ ذاك مُشَبَّهَةٌ بالأسماءِ المنقوصة في*عَدَدِ حروفِها ، وأنّ النُّونَ فيها كالتنوينِ ، وأنّها لا تَعْمَلُ في الوقفِ*مُطْلَقاً*.*وهو رأيُ المالقيّ واختيارُه (17)

والمتأمّل في عبارة*الزّنجاني (18) يجد أنّه لم يُخَطِّئْ كتابَتَها بالألف ، بل أجازَ الوجهين ،*وألزم من يريدُ كتابتها بالألف أنْ يُنوِّنَ بالشَّكْلِ*.وقد وجدتُ الزّنجانيّ*كَتَبَها بِخَطِّ يَدِهِ في ( الكافي ) غيرَ مَرَّةٍ بالألف ( إذاً ) ، ووَضَعَ لها*تنويناً ، عِلْماً بأنّه قال : (( لكن الأَوْلى أن تُكْتَبَ بالنون ...))، فوافَقَ*الكوفيين في رأيِهِ، ووافَقَ البصريين في استخدامِهِ ، ولعلَّ سبب ذلك أنّه أراد*مُجاراةَ كُتَّابِ عَصْرِهِ آنذاك، إذ لاحظْتُ أنّه - في مسائل فصل الهجاء - يلتزمُ*الكتابةَ الشّائعةَ المشهورةَ. والله أعلم.

خلاصةُ القول*:*أرى أن تكتب بالنون ( إذن*)*؛ لأنها حرفٌ، والحروف لا تنوّن، ولأنّ الوقف عليها بالألف يؤدي إلى اللبس بـ(*إذا ) الشرطية ، ومحاولة في توحيد الرسم الكتابي في ظلّ كثرة الإشكالات الكتابية*التي أفسدت الإملاء العربي وزادته تعقيدًا وتشتيتًا . كما أننّا نأخذ تهديد المبرّدعلى محمل الجدّ*!!*أمّا كتابة القرآن فالذي عليه الإجماع أنها كتابة خاصّة*وليست حجّة للاستشهاد بها في الرسم الإملائي ، ولها أغراضها وحِكَمها التي يعرفهاأهل العلم بالقراءات القرآنية ، وليس هذا مجال بسطه ، والله أعلم*.

*

الهوامش*:

1-أوردت د. مها الميمان آراء القائلين بذلك*في دراسة موسعة لها بعنوان : ( إذًا بين مقولات النحويين وواقع استخدامها ) ط*:*مركز بحوث كلية الآداب في جامعة الملك سعود ، 1424 هـ ، فليرجع إليه . وقد خلصت في*بحثها إلى أنها تكتب بالألف والتنوين ( إذًا ) للعلّة السابقة*.

2-*أدب الكاتب 248*.

3-انظر همع*الهوامع 2 : 232*.

4-*المغني 31*.

5-انظر همع الهوامع 2 : 232*.

6-*رصف المباني 155*.

7-*انظر حروف المعاني للزجّاج 6*.

8-*انظر الجنى الداني 363*.

9-*انظر الجنى الداني366*.

10-*كتاب*الكِتَاب 90*.

11-شرح الشافية 374*.

12-همع الهوامع 2 : 232*.

13-*شرح الشافية 3 : 318*.

14-*الجنى*الداني 365*.

15-*المغني 31.

16-هكذا نقل عنه ابن قتيبة في أدب الكاتب 249 يقول : « قال الفرّاء*:*ينبغي لمن نصبَ بـ( إذن ) الفعلَ المستقبلَ أن يكتبها بالنون ، فإذا توسّطت*الكلامَ ، وكانت لغوًا ، كتبت بالألف ». وعلى النقيض من ذلك ما نقله ابنُ هشام عن*الفرّاء « أنّها إنْ عملت كتبت بالألف ، وإلّا كتبت بالنون؛ للفرق بينها وبين (إذ*ا*الشرطية والفجائية ، وتبعه ابنُ خروف » . المغني 31 . ونلحظُ هنا

تضارب النقل عن*الفرّاء بين ابن قتيبة وابن هشام ، والله أعلم بالصواب*.

17-رصف المباني 155*.

18-*انظر النص*المحقق 546*.

*

*المرجع*:كتاب**الكافي في شرح*الهادي للزنجاني*660هـ - قسم التصريف**تحقيق : د. أنس*بن محمود فجال*، رسالة ماجستير ، جامعة صنعاء ، كلية اللغات ، قسم اللغة*العربية والترجمة ، 2005 م /