منذ القديم وحتى عصرنا الراهن ظل الشعراء والعروضيون على حد سواء ينظرون إلى دراسة العروض كمادة ملحقة بالشعر تابعة له وتعمل في خدمته .
ولأن هذه النظرة للعروض جردته من استقلاليته كعلم قائم بذاته ذي قوانين طبيعية تنظم إيقاع الشعر كما تنظم قوانين الميكانيك حركة الأجسام فإن علم العروض لم يحظ بما يستحقه من الدراسات التي تخصه بالبحث كعلم منهجي تفرد الخليل بإدراك قوانينه وصوغها تفصيلا في الزحافات والعلل وإجمالا في ساعة البحور .
والمشكلة أن تصحيح تقييم علم العروض أصبح أصعب في هذا العصر بسبب ما أدت إليه عواقب تلك النظرة الخاطئة من إهانته على أيدي أصحاب الثقافة الاستهلاكية المعاصرة الذين رأوا فيه قالبا خارجيا أو مادة للتغليف انتهت صلاحية استعمالها مع طرح بدائل له في سوق الحداثة أقل كلفة وثمنا وأسرع إنتاجا . تلك هي ثقافة الجيل المطرود من أصوله وجذوره والذي يحبو - مع ذلك - باتجاه القيم الثقافية المستوردة التي ترى فيه متطفلا عليها .