أخوتي الأفاضل
أنتهزها فرصة طيبة كي أهنئ الجميع بحلول شهر البركات
وكل عام وأنتم بألف خير
أسجل أولاً إعجابي بما جاء في هذا الموضوع الشائق
وأعتذر لأخي خشان عن قلة مشاركتي لضيق الوقت، وأطمئنه إلى أنني لا أبتعد عن هذا المنتدى العامر، لأن فيه دائماً ما يستفاد منه. فجزى الله القائمين عليه خير الجزاء.
وبعيداً عن كل تعقيدات العروض، ومتاهات مصطلحاته، سوف أمهّد بتحديد المبدأ الذي يمكننا على أساسه أن نردّ الوزن المخترع أو الجديد إلى أحد الأوزان المعروفة، أو اعتباره وزناً جديداً مخترعاً.
• فلا شك أن الأوزان المختلفة تتمايز عن بعضها بعضاً وفقاً لاختلاف التسلسل الحركي لأنساقها، أي وفقاً لاختلاف طرق اصطفاف المتحركات والسواكن فيها.
• ومعلوم أيضاً أن مقصّرات البحور – من مشطورات ومجزوءات ومنهوكات – إنما تُنسب إلى بحرها بناءً على تطابق تسلسلها الحركي مع بدايات النسق التام، فكأنها مجتثة أو مقتضبة أو مقتطعة منه.
• ونظراً إلى ظهور عشرات الصور الجديدة التي لم يذكرها الخليل ضمن صوره الثلاثة والستين، فلقد أصبح من الضرورة بمكان إعادة تصنيف هذه الصور الجديدة، بردّها إلى أوزانها، أو الاعتراف بها أوزاناً جديدة. فإذا وافقت الصورة الجديدة نسقاً معروفاً كان لا بد من ردّها إليه، شريطة أن يكون التطابق متنامياً مع بدايات النسق.
• فإذا عدنا إلى الوزن المطروح، وجدناه جزءاً لا يتجزأ من نسق البحر المقتضب، الذي لم يذكر له الخليل سوى شكله المستخدم المعروف التالي:
مفعولاتُ مفتَعَلُن
إلا أن الشعراء لم يلتزموا هذا، فأتوا به على الشكل:
مفعولاتُ مفعولن
كما في قول شمس الدين بن المفضل:
بالبعادِ تجزيني ---- يا غزالَ يبرينِ
بالصّدودِ تقتلُني ---- والهَوانَ توليني
أيُّ حاكِمٍ يُفْتي ---- ياحبيبُ بالهُونِ
وقول أبي بكر بن رحيم:
مَنْ صَبا كما أصبو
فهْوَ للصِّبا نَهْبُ
فاعلمْ ايُّها القلبُ
وأتوا بالشكل:
مفعولاتُ مفعولْ
يقول ابن مشرف:
مِنْ نَداكَ إيقاظْ
واللسانُ لَمّاظْ
والسهامُ ألحاظْ
كما أتوا بالشكل:
مفعولاتُ مفْعو
يقول ابن خاتمة الأندلسي:
جُملةُ النّعيمِ
في ودادِ ريمِ
فاسقِني نديمي
ثمّ أتوا بالشكل:
مفعولاتُ فاعْ
كقول ابن الفضل:
شاقَتْني البُروقْ
منْ ثغرٍ يروقْ
وأخيراً الشكل:
مفعولاتُ فعْ
وهو وزن القصيدة المتنازع على بحرها.
• وواضح أن جميع هذه الأشكال عبارة عن مقصّرات مُستلّة من بحر المقتضب، لأنها تتوافق مع التسلسل الحركي لنسقه التام. ولذلك لا يجوز نسبته لغير المقتضب، كما لا يجوز تفعيله بغير هذا الشكل. وهو ما اختاره د.عبد الله الطيب.
في حين حار بعض المحدثين في نسبتها إلى وزنها، فنسبها د. خلوصي، وجلال الحنفي، ومحقق ديوان البارودي وغيرهم إلى المتدارك (فاعلن فعَلْ) !! بينما حاول د.حسني يوسف ـ تعسفاً ـ أن يردّه إلى الخفيف باعتباره الشطرين موصولان هكذا: (فاعلاتُ مستفعلن فعَلْ). بل إن د.نبوي رآه لا يخضع لنظام بحر معين، ولذلك سماه (وزن المرقص)!!
• أخيراً؛ إن الصورة المذكورة ليست من اختراع شوقي كما يُظن، وإن كانت قصيدته الآن أشهر ما كُتب عليها، فهي صورة أندلسية جاءت في العديد من الموشحات.
يقول ابن الفضل:
هذي الأربُعُ
منهمْ بلقَعُ
أينَ الأدمُعُ
---- ضرّجْها دَما
ولصفي الدين الحلي:
أجرى عبرتي
أذكى زفرتي
وكان البارودي أسبق من شوقي إلى استخدامها بقوله:
املأ القَدَحْ ---- واعْصِ مَنْ نَصَحْ
وارْوِ غلّتي ---- بابنةِ الفَرَحْ
وأما على الوزن:
مفعولاتُ فعْ ---- مفعولاتُ فعْلن
يقول ابن الفضل الأندلسي:
عرّجْ بالحمى ---- واسألْ بالكثيبِ
ضَرّجْها دما ---- وقمْ بالنحيبِ
يدري إذْ رمى --- يا عينَيْ حبيبي
المفضلات