هناك ملاحظات على هذا المفهوم الشائع "الأدب الإسلامي"، أعدها من البديهيات وإن كنت لا أراها تخطر على بال أغلب من يستعمل هذا المفهوم، ولذلك عندي تفسير يأتي في فقرة تالية إن شاء الله، تفسير أو بعض تفسير بالأحرى.
"الأدب" بداية هو-للعلم- كلمة جديدة مترجمة ككثير غيرها من المصطلحات، هي ترجمة للكلمة Literature وقد أخذ المترجم الأول الكلمة من القاموس الذي كان يعرف "الأدب" بالمفهوم القديم مثلاً كالتالي-القاموس المحيط-: "الأدب محركة الظرف وحسن التناول أدب كحسن أدباً فهو أديب ج أدباء وأدبه علمه فتأدب واستأدب"، ولابن المقفع "كتابا الأدب"، وقد آل المفهوم لوصف الكتب التي تتناول مختارات نثرية وشعرية و"أخباراً" قصيرة تخدم كلها هدف "التأديب" الذي هو اكتساب المرء ظرفاً من مواصفاته ومكوناته المقدرة اللغوية والمعرفة بالتراث الشعري وتراث الخطب والكلام البليغ.
باختصار نحن الآن أمام مفهوم جديد هو اسم جامع لكل ما يدعى "الأجناس الأدبية"، وغني عن البيان أن هذا المصطلح الأخير هو أيضاً مترجم.
وهو يجمع الشعر والنثر وفنونهما العديدة كالرواية والمسرح الشعري والنثري والقصة القصيرة وما إلى ذلك..
على أننا وإن ترجمنا المصطلح، فإنه مما لا ريب فيه أنه كان للمسلمين "أدب" بهذا المفهوم الحديث، ونراه طبعاً في الشعر والخطب والكلام البليغ وغيرها.
السؤال الآن: هذه الصفة "إسلامي" المقترنة بالأدب، هل هي وصف تعني "الإسلامي الحقيقي الملتزم بكل ما يتطلبه الشرع الإسلامي"، أم هي مجرد وصف للانتماء الديني للمنتج الأدبي- بكسر التاء-؟.
من الأمثلة على ذلك: هل أدب أبي نواس المجوني وأدب أصحابه هو "أدب إسلامي" أم لا؟
سؤال آخر له علاقة بهذا السؤال: هل يجب علينا أن نعين نقاداً أو رقباء على الأدب القديم يستخلصون منه "الأدب الإسلامي الحقيقي" ويطرحون ما تبقى على أنه غير إسلامي، بل هو حتى بحسب تعبير أبي عبد الرحمن بن عقيل "أدب علماني"؟
وصياغة أخرى ربما للسؤال: هل "الأدب الإسلامي" ملتزم بموضوعات معينة أم له أن يتناول كل الموضوعات؟
هل شعر الغزل، هو شعر إسلامي أم لا؟ أقصد: هل يمكن أن نعده مع "الشعر الإسلامي"؟
والقضية الجوهرية التي يجب تناولها للإجابة على هذه الأسئلة تخص في الحقيقة مفهوم "الإسلام" نفسه:
إن البشر في سلوكهم يتقاطعون مع بعضهم في سلوكيات كثيرة، ومن الممكن أن نرى أجنبياً غير مسلم يتخذ موقفاً يراه منسجماً مع مبادئه، ثم لا يكون موقفه إلا منسجماً مع المبادئ العامة للشريعة الإسلامية، كما نرى في حالات الشباب الأوروبيين الذين يفترشون سكة القطارات للحيلولة دون مرور قطارات تحمل مواد مخربة للبيئة وضارة بالإنسان.
لعل من الأحسن إطلاق وصف "إسلامي" على المعنى العام التالي: "هو كل ما يتوافق بوجه عام مع الشريعة الإسلامية بأوسع حالاتها، ولا يحذف منه إلا ما يتناقض معها تناقضاً صريحاً كالأدب الإلحادي أو الإباحي المقصود به الإباحة هدفاً.
ولم ينته التعليق فله بقية إن شاء الله.
المفضلات