السلام عليكم

كتب جهاد فاضل في مجلة العربي الكويتية العدد 560 ـ جمادى الأولى 1426 هـ = يوليو 2005 م , تحت عنوان

تظاهرتان ضد سيبويه !

لا تنحصر متاعب العالم النحوي القديم سيبويه فيما نجده في معاهدنا وجامعاتنا ومجتمعاتنا من جهل فاضح بقواعد نحوه, وإنما امتدت هذه المتاعب إلى المثقفين أنفسهم يأخذون عليه قدم قواعده وتخلفها وتهافتها.
ففي وقت واحد تقريباً صدر في القاهرة وبيروت كتابان يتضمنان حملة قاسية على سيبويه وقواعده تبدأ من عنواني الكتابين اللذين يشكلان نوعاً من يافطة قريبة من يافطات التظاهرات ـ يافطة القاهرة , كما رفعها شريف الشوباشي في كتابه تقول ـ وهذا اسم كتابه ـ : " لتحيا اللغة العربية / يسقط سيبويه " .
أما اليافطة التي رفعها كتاب صادر في بيروت لمؤلفه زكريا أوزون فعنوانها " جناية سيبويه " . وإمعاناً من المؤلف في إغاظة سيبويه فقد أرفق اليافطة , أو العنوان بسجعة تعيد إلى الذاكرة أدبيات النثر العربي كما كانت سائدة في عصر سيبويه : " الرفض التام لما في النحو من أوهام " .

تجمع بين الكتابين المصري واللبناني قواسم مشتركة تجعلهما يؤلفان ـ كما أشرنا ـ نوعاً من تظاهرة ثقافية واحدة مع بعض الفروق , فشريف الشوباشي يدعو إلى ما يمكن أن نسميه بتيسير قواعد العربية , وهي بنظره قواعد قديمة وذلك من أجل أن تلبس أم اللغات حلة جديدة أز متجددة . فهو لا يدعو لا إلى عامية ولا إلى محكية من نوع ما دعا إليه في مصر سلامة موسى ولويس عوض , وما دعا إليه في لبنان أنيس فريحة وسعيد عقل ويوسف الخال , وإنما إلى تبسيط " في لغتنا حتى لا تواجه أزمة طاحنة تعرّضها للخطر" . وبرأيه أن المعضلة التي ستواجه الذين يتصدون لمهمة تطوير اللغة تتمثل في هدفين اثنين : أولهما الإقتراب من اللغة العامية التي تستخدمها الشعوب العربية للتفاهم اليوم , وثانيهما , عدم القطيعة في الوقت نفسه مع اللغة العربية الأصيلة , لغة القرآن ولغة الأدب التي مارسها العرب خلال القرون الماضية.
الشوباشي في ضوء ذلك إصلاحي تطويري , مثله في ذلك مثل مفكرين ومثقفين عرب كثر دعوا على مدار القرن العشرين إلى تيسير قواعد اللغة العربية نفعاً لهذه اللغة ونفعاً لأبنائها أيضاً , وبخاصة للأجيال العربية الشابة التي ضاقت ذرعاً بقواعد سيبويه لدرجة إهمالها وإيثار الجهل بها على إجادتها, ومن بين من دعا إلى تيسير قواعد العربية في تاريخنا الحديث علماء لغة ومجمعيون لا يشك أحد بنبل مقاصدهم ودوافعهم .

أما زكريا أوزون فيبدو في ضوء كتابه أكثر حدة وعصبية وجذرية أيضاً من زميله المصري المشارك معه في تظاهرة الإجهاز على سيبويه , فعنده أن الأمة حتى تتغير يجب أن تكون لغة معرفتها ولغة ثقافتها ولغة اختراعاتها ولغة معيشتها ولغة محبتها ولغة تفاهمها , هي لغة واحدة . وهو أمر مهم جداً يفتقده الإنسان العربي في مختلف أرجاء وطننا.
هناك بالطبع ملاحظات كثيرة على ملاحظات شريف الشوباشي وزكريا أوزون , منها أن القضاء على ازدواجية الفصحى ةالعامية من رابع المستحيلات حتى لو تدخلت الإلكسو والجامعة العربية , كما يدعو الشوباشي , أو حصل عمل موسوعي ومؤسساتي كبير لإعادة النظر بقواعد لغة مرّ عليها أكثر من ألف عام , كما يدعو أوزون إلى ذلك . فهذه الإزدواجية التي يشكو منها الباحثان موجودة في لغات حية معاصرة كثيرة.
على أن الكتابان مهما كانت عليهما من ملاحظات جديران بأن يحركا الهمم وبخاصة همم مجامع اللغة العربية الكعنية قبل سواها بالمسائل التي يثيرها هذان الكتابان , وذلك من أجل مساعدة أم اللغات على مواجهة التحديات المعاصرة وما أكثرها.