السلام عليكم

ملاحظة أود عرضها تعقيباً على المقال :

في مجتمعاتنا نجد أن اسم مثقف لا يمكن أن يُطلق بشكل دقيق على من يحتلون اليوم أعمدة الصحف والمجلات أو يظهرون على شاشات التلفزة أو في المنتديات التي يطلق عليها اصطلاحاً منتديات أدبية وثقافية, والسبب هو ما ذكره الأستاذ محمد من كون هؤلاء ينقسمون إلى قسمين : قسم متأثر بالغرب وما فيه فلا يجد خيراً في مجتمعه أبداً لا من ناحية العادات والتقاليد ولا من ناحية الدين, بل بالعكس يصبح كل ما في هذا المجتمع عرضة لهجومه وسخريته دون أن يبين سبباً منطقياً لهجومه وسخريته , مثل من هاجم الحجاب على أنه لباس للبدو ورمى كل محجبة بالتخلف والجمود , أو من انتقد نظام الأسرة وصار يبحث عن نظم جديدة تواكب العصر أو من هاجم اللغة العربية وعلومها وما ماثل هذه الأمور.
وصرنا نرى هؤلاء يبجلون كل غربي أو أجنبي عنا لأنه أجنبي فقط , وصاروا يستوردون فنوناً ليست لنا وعادات لا تناسبنا ولا تناسب مجتمعاتنا , حتى تكونت هذه الفجوة التي تحدث عنها الأستاذ محمد بين هؤلاء ومجتمعاتهم .

انظر إلى ما سمي بالحداثة مثلاً , صار هذا المصطلح مصطلح ثقافي يُرمى كل من يقف في وجهه أو ينتقده بالتخلف وعدم الفهم .
وأذكر مرة أن أحدهم كتب قصيدة حداثية جاءت فيها عبارات من مثل دعني أحدق في الحليب! , وصار كل من يعلق على هذه القصيدة يبجل كاتبها ويطلق عليه عبارات الإحترام والإبداع , فعلقت عليه قائلة : " قصيدتك ذكرتني بقصة ثياب الإمبراطور المعروفة , ويبدو أنني من الفريق الغبي الذي لم يستطع للأسف أن يرى في قصيدتك شيئاً يمكن أن أسميه أدباً أو شعراً " فأجابني بكل أدب : " لا تخافي يا أختي سيأتي يوم وتفهمين فيه"!

للأسف هناك حالة من التقليد تُفرض على المثقفين في مجتمعاتنا , أو بمعنى آخر حالة من النفاق الثقافي والإجتماعي فرضت نفسها بصورة عامة على معظم الموجدين في الساحة الثقافية اليوم .

والقسم الآخر هم التقليدون, وأعني بهم أولئك الذين ينظرون بعين الشك والريبة لكل محاولة تدعو للإصلاح ولكل دعوة تدعو لمراجعة الذات والعودة إلى التعاليم الصحيحة للدين والمفاهيم الأصيلة للغة, أو تحاول تخليص المجتمع مما فيه من الخرافات والعادات البالية التي عفى عليها الزمن, لدرجة وصلوا فيها لإطلاق كلمة الكفر أو الخيانة على كل كبيرة وصغيرة تخالف ما تعودوا عليه, وحتى لو اقتنع أحدهم بخطأ ما يدعو إليه تراه لا يملك الجرأة لمواجهة المجتمع بما يؤمن به , وأكثر ما نرى مثل هؤلاء في صفوف المتدينين للأسف.

إذاً هناك حالتان متناقضتان يسود بينهما سوء الظن , وعدم الإحترام , ولا أريد هنا أن يُفهم من كلامي أنني أدعو إلى مذهب وسط يكون لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء , ولكنني أدعو إلى التخلص من النفاق الإجتماعي والثقافي.
هذا النفاق الذي جرّ علينا كثيراً من الويلات ومازال يجر علينا مثلها يوماً بعد يوم.
حتى حركات الإصلاح أو من يحملون لواء الإصلاح في مجتمعاتنا على اختلافهم وتنوعهم سواء كانوا متغربين أو تقليدين تراهم لا يملكون رؤية واضحة وسليمة لما يريدونه , وحتى لو كانت عندهم مثل هذه الرؤية فهم لا يملكون أليات تنفيذها وتطبيقها, وحتى لو ملكوا هذه الأليات فهم لم يستطيعوا أن يصلوا إلى أفراد المجتمع فتراهم هم في واد وأفراد المجتمع في واد, بالإضافة إلى خضوعهم وعدم امتلاكهم أمر أنفسهم في معظم الأحيان.

باختصار نحن نعاني من النفاق, النفاق الإجتماعي والنفاق الثقافي والنفاق السياسي وقبل كل هذا النفاق الديني.