سوف أبدأ مداخلتي من النقطة التي تساءل فيها الأستاذ خشان عن مدى شرعية صورته المقترحة لوزن الخفيف وهي التي يصير بها وزن البيت من هذا البحر كالتالي :
فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن .............. فاعلاتن مستفعلن مستفعلن
أو بالأحرى كما جاء تقطيعه رقميا على هذا النحو :
1 3 2 3 3 1 3 2 ............ 1 3 2 3 3 2 1 3
فَعِلاتُن مُتَفْعِلُن فَعِلاتُن ...........فَعِلاتُن مُتَفعِلُن مُفْتَعِلُن
وقد قال في تعليقه عليه " هذا الوزن لا يقره العروضيون. وأنا أستسيغه بل أراه أسلس من الوزن الأصلي المعترف به. ومع ذلك لا أعتبره شعرا بل هو من الموزون موزون الخفيف فحسب. وسلاسته شهادة لصحة التنظير الذي تقدم " .
ولا أدري كيف شهدت السلاسة في هذا التفعيلة المصطنعة على صحة التنظير الذي ربما كان قد نظر فيه إلى أن فاعلاتن المعلولة تقرأ رقميا على هذا النحو : 2 2 2 وأن التفعيلة المصنوعة تقرأ هكذا : 2 1 3 فالمحصلة إذن واحدة وهي الرقم 6 . ألا يكون ممكنا إذن أن أن نصنع من فاعلاتن المعلولة ( أي فالاتن ) التفعيلة التالية : 3 1 2 ( أي مفاعلن ) ؟ !
أما الصور الأخرى لبحر الخفيف فهي مقبولة جميعا ، ومنها ما وضعه الخليل ومنها ما أجاد التنويع فيه الشعراء ، فالقصيدة التي نظمها الشاعر الدكتور عبده بدوي رحمه الله هي من الضرب الثاني من العروض الأولي عند الخليل ، والقصيدة التي نظمها الشاعر بندر الصاعدي هي من العروض الثانية وضربها مثلها عند الخليل أيضا .
وأما الأبيات التي حورها الأستاذ خشان من قصيدة عبده بدوي كهذا البيت :
هبط الأرض كالصباح سناً ......... وككأسٍ مكلّلٍ حبَبا
فهي من " بيت الخبن فاعلن عروضا وضربا " الذي استشهد التبريزي له ببيت من قصيدة لجميل بثينه يقول فيه :
بينما هن بالأراك معا ................ إذ أتى راكب على جمله
وهذه منها أبيات صفي الدين الحلي التي أوردها الأستاذ خشان نقلا عن الدكتور محمد الطويل من كتابه " في عروض الشعر العربي " .
والآن لننتقل إلى الموضوع الآخر الذي لم أكن أود الخوض فيه لولا أنني سألام لو تخطيته أو مررت عليه مرور الكرام . فقد جاء في القصيدة التي أستهل بها الأستاذ خشان هذا الموضوع قول الشاعر الكحال ابن دانيال :
ما الذي عَلَكَ الأخيرَ مـن الاجــزاءِ قُلْ لي يا أيُّهـا المعلـولُ
ووقفت مبهوتا أمام كلمة ( عَلَكَ ) التي علكت الوزن وفرقعت الإيقاع في البيت كله فعل الصبابا بالعلكة التي يفرقعنا دلالا ودلعا واستخفافا بعباد الله . ثم زاد عجبي وأنا أرى أخي المعجمي خشان يجتهد في بيان أن ( علك) هنا تعني مضغ فأنقص الأخير من الأجزاء . وأظن أن من مساوئ الاعتماد على الموسوعة الشعرية في الانترنت هي مواجهة مثل هذه الأبيات المحرفة ، وآمل أن يصل بعضنا إلى الرواية الصحيحة لهذا البيت اعتمادا على النسخة المحققة من ديوان ابن دانيال .
وأخيرا أظنه قد آن الأوان لأدلي بمساهمتي في الأشعار التي قيلت حول العروض والعروضيين ولم أجد خيرا من قول الشيخ بهاء الدين السبكي الذي ينسجم مع الحديث المدار :
إذا كنتَ ذا فِكرٍ سليمٍ فلا تَمِلْ ................ لِعِلمِ عروضٍ يُوقعُ القلبَ في الكَربِ
فكلّ امرئ عانى العروضَ فإنّما ............ تَعرّضَ للتقطيعِ وانساقَ للضربِ
وأظنني سأفكر جديا في اتباع نصيحته .........