هل غادر الشعراء من متردم
الأستاذ / خشان خشان الموقر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد
فما يزال هذا المنتدى العامر محجة لطالبي العلم والباحثين عن الحقيقة في علم بات من أهم علوم العربية بعد أن توارى عن الظهور بمظهر قشيب وظل ردحا طويلا من الزمن يجتر ما كتب في القرن الرابع الهجري ولا يخرج عن ذاك إلا في أضيق الحدود ، حتى اعتقد بعض الناس أن الخليل أقفل الباب بعده ولم يجعل فيه زيادة لمستزيد، وحتى قارن البعض هذا العلم في جموده بعلم الفقه مثلا .
فالحمد لله ، إذن ، أننا وجدنا من بين طلاب العربية من يولي اهتمامه بالبحث في هذا العلم على المستوى الأكاديمي ، وكنا قد خبرنا في مناسبات عديدة مدى الحرج الذي يعانيه بعض الأساتذه الجامعيين من الخوض في مجال العروض لقلة محصولهم من بعض مبادئه ؛ وهو ما يفسره ما نراه من ضآلة الساعات المعتمدة التي خصصتها جامعاتنا لدراسة علم العروض قياسا بعلوم العربية الأخرى كالصرف والنحو ... وهذا ، ربما ، قد يدعونا إلى المطالبة بإفراد دراسة مستقلة لعلم العروض تشمل سنوات الدراسية الجامعية الأربع جميعها وتهتم بالبحث في مواد كثيرة منه كالعروض المقارن ( والذي يتطلب مسارات جديدة تركز على تعلم اللغات ) ، وعلاقة الإيقاع الشعري بالإيقاع في الموسيقى ( وهو ما يجعل دراسة نظرية الموسيقى منهجا إجباريا لا غنى عنه ) ، وعروض الشعر الشعبي على مختلف لهجاته ، وغير ذلك من الجوانب التي يكون فيها علم العروض متصلا بغيره من العلوم .
وأود أن أدخل في هذا النقاش الدائر حاليا مع الباحثه موني 2 حول عروض الشعر الفصيح ، عروض الشعر العامي ( دراسة مقارنه ) آملا أن يتسع النقاش ليشمل أكبر عدد من المهتمين بعلم العروض سواء منهم أصحاب الاختصاص من الأساتذة الأكاديميين ، ومن يمكن أن نسميهم الهواة ( ولا أقول الشداة ) وهم كثر خارج أسوار المؤسسات الجامعية ، وربما كان أثر هؤلاء على تطوير البحث العروضي أعظم لأنهم يتناولونه من أبواب الشغف والتعلق فيحتملون مشاقه ويذللون صعوباته ، وأقرب مثال يحضرني الآن هو ما يقوم به أستاذنا المهندس خشان وما يتجشمه من مشاق تأسيس هذا المنتدى والإشراف عليه في الوقت الذي تشغله مشاغل العيش الأخرى ، فشد الله من أزره ، وجزاه على جهده ذاك خير ما يجزي به العلماء .
وبادئ ذي بدء ، لا بد من تحديد اللهجة التي تشملها هذه الدراسة ، وهو ما لا يتضح من العنوان الذي اختارته الباحثة لموضوعها ، ذلك أن اللهجات تتفاوت فيما بينها تجاه ما تعتمده من أسس في اختيار مقاطع الألفاظ ، وإن كانت جميعها أو أكثرها تشترك في بعض الصفات . فقد أشار السيد خشان إلى حالة ظهور المقطع الممدود في حشو الشعر النبطي ، وإلى ظاهرة الخزم في أوائل أشطاره ( الصدر والعجز ) ، وهذا ما نلاحظه في شعر العامية اللبنانية وبلاد الشام عموما ، تقول فيروز :
دقيتْ دقيتْ وإيديّ تجرّحوا وْقنديلكن سهرانْ ليش ما بتفتحوا
وهو من الرجز التام أو إن شئت من الكامل المضمر التفاعيل .
فهذه الأحرف التي شكلتها بالسكون هي في الأصل متحركه ، ولكن العروض يتقبلها ولا يجد فيها شذوذا وخاصة إذا كانت تغنى أو تنشد إنشادا جيدا . بل أننا نجد هذه الظاهرة بعينها في الشعر الفصيح حين يغنى أو ينشد ، واستمع معي إلى أم كلثوم في غنائها لقصيدة رباعيات الخيام ( من بحر السريع ) :
يا عالم الأسرارْ ....علم اليقين
فإن وقوفها على كلمة ( الأسرار ) أحدث هذا المقطع المديد ، ولكن لم ينكسر الوزن ولا اختل الإيقاع .
لا تتوفر لدي دواوين للشعر الشعبي ، ولا يكفي الاعتماد على الذاكرة كما أفعل الآن ، غير أن الدراسة الجادة تحتاج إلى التوثيق ، وهنا فإني أقترح على الباحثة أن تقوم بتسجيل أشرطة لبعض كبار الشعراء ممن يجيدون الإنشاد ومتابعة تسجيلات الأغاني لملاحظة أي خروج على نظام الوحدات الصوتية المعتمد في العربية وملاحظة أثره على الوزن والإيقاع .
وكنت قد لاحظت في دراستي للنظام الإيقاعي للشعر كيف فتت بيرم التونسي الوتد في آخر هذين الشطرين :
الأوله في الغرام والحب شبكوني
والثانية بالامتثال والصبر أمروني
وأكتفي الآن بهذا القدر ، آملا أن أعود إليه ثانية أو إلى ملمح آخر من ملامح الالتقاء والاختلاف الوزني بين الشعر في الفصحى والعامية .
تغن بالشعر إما كنت قائله ........ إن الغناء لهذا الشعر مضمار
المفضلات