فيما يلي حكم الأستاذ سليمان أبو ستة منقولا من الرابط أعلاه :
يقول الأستاذ غالب الغول ، إنه "لا يجوز أن يكون البيت الشعري مؤلفا من نظامين لبحرين مختلفين". وهذا قول حق تؤيده المعرفة العميقة بأسباب الخليل وأوتاده في كل نظام، وهي بدهية يعرفها كل عروضي. غير أن الخلاف بين العروضيين ينشأ حين يخلطون بين مستوين في بناء البيت ، المستوى الصوتي ممثلا بالحروف والحركات، والمستوى العروضي ممثلا بالأسباب والأوتاد. وهذا الخلاف قد تم حله جزئيا او تصالحيا في باب من أبواب العروض يعرف بالتداخل، ولأستاذنا د. عمر خلوف بحث مطول فيه.
سوف أذكر مثالا واحدا على التداخل . جاء في أبيات زحاف الكامل الشاهد التالي لعنترة:
إني امرؤ من خير عبس منصبا * شطري وأحمي سائري بالمنصل
قال أبو الحسن العروضي: " فهذا البيت قد دخل الإضمار فيه في جميع أجزائه فسكنت ثوانيه. وقد عارضني في هذا رجل يرى أنه من أهل العروض فقال لي : إن الأخفش ذكر في كتابه أنه لا يجتمع في بيت واحد "مستفعلن مستفعلن" في الكامل إلا وبينهما "متفاعلن" فمتى رأينا البيت على مستفعلن في سائر أجزائه ألحقناه بالرجز. قلت له : فما تقول في قول الشاعر :
إني امرؤ من خير عبس منصبا * شطري ...
فقال : هذا غير معروف . وهذا الرجل لم يدر ما قال ؛ لأنه حكى عن الأخفش ما لم يقله. وهذا البيت من قصيدة لعنترة على الكامل مشهورة ولكنا نقول إن قصيدة من أولها إلى آخرها على مستفعلن أو مفتعلن لم تكن إلا من الرجز، فإن كان فيها جزء واحد على متفاعلن لم تكن إلا من الكامل، وكذلك يجري الأمر في الشعر كله".
ولنعد إلى البيت موضع الحلاف بين الغول وخشان، وهو :
لست أنا مقتحمه * عملا بكذا كلمه
الشطر الأول يتداخل فيه الرجز بالخبب ، ولذلك فيمكنك أن تنشده بطريقتين :
على الرجز : مفتعلن مفتعلن ، وعلى الخبب : فاعل فعْلن فعِلن
ولكنك في الشطر الثالي مجبر على إنشاده على الخبب وحده، وهذا ما جعل الأستاذ خشان يجزم بأن هذا البيت من الخبب وحده، وهو على حق في ذلك.
وإذا فلماذا لم يأخذ أستاذنا الغول برأي خشان؟ في اعتقادي أن السبب يكمن في عدم اعتراف الغول بالزحاف ( فاعل) في بحر الخبب، وهنا أحيله إلى عشرات الأمثلة التي أوردها د. خلوف على وجود هذا الزحاف في نماذج من الشعر قديمة ، ولكن الخليل لم يعترف بهذا البحر في نظامه ، وقام باستدراكه عليه آخرون لعل أولهم هو أبو الحسن العروضي الذي وضع أول تسمية له، قال : " لم ير الخليل ذكر هذا الباب البتة . ونحن نسميه ( الغريب) ".
ولعل ما جعل أستاذنا العول لا يأخذ بزحاف (فاعل) أن العروضيين لم يعرفوا هذا الزحاف حتى جاءت شاعرتنا نازك الملائكة فكانت صاحبة أول صرحة نبهت إلى وجوده ( ولكن في شعرها هي فقط) ، الأمر الذي استلزم من العروضيين أن يهبوا هبة واحدة ليلوموها على قولها ذاك، وليقولوا لها : لقد سبقك إلى هذا الزحاف كذا وكذا من الشعراء الأقدمين والمحدثين (منهم أحمد شوقي وإيليا أبو ماضي ) ، بدلا من أن يشكروها ، رحمها الله، على هذا التنبيه الذي لم يلتفت إليه أي من العروضيين قبلها.
-----------------------
يلاحظ الاتفاق في المضمون بين الرقمي والأستاذ أبو ستة والاختلاف في
1- هو يدعو الخبب بحرا وهو في الرقمي إيقاع
2- يرى فاعلُ = 2 (2) زحافا ، والرقمي يعتبر هذا تكافؤا خببيا إذ لا زحاف في خبب
المفضلات