أستاذي الفاضل خشان ، تداخل الأوزان ، أسهر ليلي أمس ، ساعة أخذت أقطع أبيات قصيدة المعري المشهورة : تعب كلها الحياة ، فراعني عدم استقامة الأوزان على بحر واحد أي الخفيف ، و نالني العجب ، ولم أجد تفسيرا ، واكتفيت بأن قلت لنفسي: هذا علم من أعلام هذه الصنعة وربما خفي علي شيء لم أعرفه .

بخصوص الرقمي ، فإني لا أخفيك أنه راقني كثيرا ، كما راقني قبلك تعاطي الأستاذ الفاضل المهندس عبد الدائم كحيل مع لغة الأرقام في إثبات الإعجاز القرآني ، و كما تقول أستاذي الفاضل دائما ، الغاية عندنا هي التفكير الشمولي ، المنطقي ، وبمعنى أدق ، الرؤويا الشمولية ، حيث إن فعل الشيء أو تركه ، له أسبابه المعقولة المقنعة في إطار شامل ، غير محدود ، هو نسق متسلسل البراهين و العلاقات الرياضية ، ينتظمها تفكير سليم ، وبأبسط عبارة ، عندما يكون تفكيرنا تفكيرا شموليا ، في غاية الإدراك ، ،ندرك في علم العروض ،السبب وراء جواز التسكين هنا ، و عدم جوازه هناك ، و جواز الحذف هناك و عدمه هنا ، بل أكثر من ذلك ، ندرك الجواب الصحيح يقينا من بين أجوبة مفترضة ، قبل الاطلاع على الإجابات ، كل ذلك مرده إلى الإحاطة بالمنطلقات الفكرية . و كمثال على ذلك ، يقوم الشعر العربي على مبدأ التناوب بين السواكن و الحركات ، على هيئات تختلف من بحر لآخر ، أو التناوب بين الرقم 2 و 3 كما هو عند كم أستاذي ، وعليه فإن الحصيف يدرك تماما الركاكة في توالي أكثر من ثلاثة أسباب ، أو أكثر من ثلاثة حركات ، حيث يفسد الوزن ، و يختل الإيقاع .و يعرف تما ما أن مدار العروض العربي على هذا ، و من هنا يمكنا معرفة سبب اصطناع الزحافات و العلل .
و السؤال المحير حقا ، و لم أجد له جوابا شافيا هو : من هدى هؤلاء الأعراب الأميين في أعماق الفلوات ، حيث تنعدم العلوم ، فلا لسانيات و لا سيميائيات و لا نحو و لا صرف و لا عروض ، إلى هذه الأوزان ، و إلى هذا الصفاء ، و الله لهو سؤال في حجم السؤال عن أسرار بنا ء الأهرامات ، حيث لا علوم هندسية ، و لا جرافات و لا رافعات

خالص تحياتي