شكرا لك أستاذتي

-----------

1-
ادة الكتب في التاريخ

عبر عصور التاريخ، كان الكتاب هو ألد أعداء أصحاب الفكر المنغلق، مثل بعض الملوك والأنظمة والطوائف والمذاهب الدينية والتحزبات السياسة والعرقية، فكل فكر جديد ومغاير، وكل رأي مختلف، يشكل خطراً على هذه الجماعات، ويجب أن يقصى ولو بالعنف، بل وصل الأمر في العصور الماضية والعصر الحاضر، أن استخدام العقل أمر محرم وممنوع ومحظور.
وكانت الحجج وما زالت، هي الحجج الممجوجة والضحلة، مثل الخطر الذي تمثله الكتب على النظام والدين وثوابت المجتمع والوحدة الوطنية، وأعتبر مؤلفوها زنادقة ومارقين ومخربين وخونة وفاسدين أخلاقياً وماجنين وخارجين عن القانون، ومعظم الكتب التي اعتبرت خطرة، هي التي استخدم فيها العقل أو الابداع أو المختلفة عن المألوف.
وسلطة منع الكتب أو ابادتها، قد تكون سلطة الحكم السياسية، ويمكن أن تكون سلطة أخرى، مثل السلطة الدينية، التي كان لها الدور الأعظم في حرق وابادة الكتب عبر التاريخ، وفي جميع الأديان، سماوية كانت أم غير سماوية، رغم أنه لا يوجد دين يمنع الحوار بين المختلفين، بل يشجعه، لكن من يمنع هي السلطة الدينية ومن يمثلها، أو من يعتبر نفسه ممثلاً للخالق على الأرض، مثل رجال الكنيسة في عصور الظلام الأوربية، والمتشددين الأصوليين الاسلاميين واليهود وغيرهم، الذين يعتقدون أن من صلاحياتهم الوصاية على ما يقرأ الناس ويفكرون به.
ويعرف التاريخ الاسلامي العربي، أمثلة على حرق الكتب، وقتل مؤلفيها، فمثلاً الخليفة العباسي المهدي، اتهم المانويين بالزندقة والالحاد، فأحرق كتبهم وقتلهم، واتهم ابن سينا وأبو حيان التوحيدي والماوردي بالزندقة، كما أحرق المسلمون مكتبة الاسكندرية وصنعوا نعولاً من جلود المخطوطات القيمة والنادرة، كما ارتكب هولاكو ابادة لكثير من الكتب القيمة في بغداد وغيرها، وفي الصين أحرق الامبراطور كين، مؤسس الصين الموحدة، والذي أمر ببناء سور الصين، جميع الكتب التاريخية والعلمية الصينية، وكان عددها مئة ألف، ولما احتج 400 من العلماء، دفنهم أحياء، كما أحرق يوليوس قيصر الامبراطور الروماني مكتبة الاسكندرية عام 48 ق.م، كما تم تدمير مكتبات أوربية تحوي مخطوطات ومراجع نادرة لا يمكن تعويضها، على يد نابليون، وكذلك أثناء الحربين العالميتين.
وأشهر محارق الكتب، هي محرقة غرناطة، بعد مرور خمسة قرون على الحضارة العربية الاسلامية في الأندلس، عام 1492م، في ساحة الرمبلة، في محاولة لمسح التاريخ والغاء الذاكرة، على يد الكاردينال سيسنيروس وبأمر من الملكة الاسبانية ازابيلا والملك فيرديناد، ويقدر عدد الكتب التي أحرقت بمليوني وخمسة وعشرين ألف كتاب، ومن الكتب القيمة التي أحرقت كتاب ابن حزم «طوق الحمامة» وكتاب ابن رشد «في الفلسفة» وأبو زهر الاشبيلي «في الطب» ودواوين الشاعر ابن زيدون، وغيرهم المئات من العلماء.
وفي أوربا الظلامية، أحرقت كتب قيمة لمارتن لوثر، وكتب الشاعر جون ميلتون، والأسقف مار كانتون دومينين، وغيرهم الكثير، كما أحرق هتلر كل الكتب الليبرالية والماركسية وأعمال فرويد النفسية وأعمال توماس مان، وكل ما أعتبر مخالفاً «للفكر النازي والروح الألمانية»، كما أحرق البرلمان المصري في سبعينيات القرن الماضي، كتاب ألف ليلة وليلة.
هذه أمثلة بسيطة على ظاهرة معروفة في التاريخ، ظاهرة العداء للانفتاح واستخدام العقل في التفكير، وأتساءل لو لم تحرق هذه الكتب والعلوم، هل سيتغير وجه التاريخ؟ حتماً لأن الأمر لا يتعلق بمتن الكتاب فقط، لكنه يتعلق أكثر بأسلوب تفكير الناس، وبنائهم المعرفي العلمي التراكمي، واتساع مداركهم وطرق حواراتهم، بيد أن احراق الكتب ساهم في تحديد الفكر، أي وضع حدود وأطر، وأسهم في التلقين وقبول المتلقي دون مناقشة والا تعرض للعقاب.
الآن بالطبع لا يمكن حجر فكر، مهما تعسفت سلطات المنع، بسبب التطور التكنولوجي، ولم تختِف من الوجود كل تلك الكتب التي أحرقت عبر العصور، فقد تم تهريب بعضها على يد الوراقين الناسخين، وهذا وضع سلطات المنع والابادة في وضع ضعيف وسخيف، لكن جرائم الابادة والاقصاء استمرت عبر التاريخ، وسيأتي يوم لا يمكن فيه منع فكرة أو رأي، وخاصة أن الفكر الانساني في ابداع وولادة دائمين.
وأتساءل مرة أخرى مع اقتراب معرض الكتاب العربي في الكويت، ألا تعتبر الرقابة ومنع الكتب، أياً كانت السلطة سياسية أم دينية، ألا تعتبر استمراراً تاريخياً لابادة الكتب؟

وليد الرجيب
http://bs-ba.facebook.com/topic.php?uid=2