السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أساتيذي الكرام
ما زلت -مقارنة بأصغر متدرب عندكم- في بداية الطريق لكن لا أرى حرجا في القول:
بالنسبة لتطبيق م/ع على إنشاد الشاعر شعره وإن كان ذا أهمية وفائدة
لكنه قد يؤدي إلى اختلال الموازين مما قد يحول هذا الفتح العلمي الرائع
إلى مجرد انطباع شخصي ☺
فليس كل الشعراء منشدين جيدين ولنا في تاريخنا أدلة على ذلك فكثير منهم
كان يستأجر راوية يروي شعره في الأسواق والمحافل..
أرى التركيز على القصيدة المكتوبة ومقاطعها -وترك إنشاد الشاعر شعره جانبا-
ومحاولة إنشاد الشعر بأنفسنا فإذا ثبت هذا المقياس الذي جربتُه الآن على أكثر
من أربعة أبيات من الطويل فلم يخيب ظني انتقلنا بمشيئة الله إلى إنشاد الشاعر شعره..
ولعل هذا الاقتباس من حوار دار بيني وبين أحد إخواني الشعراء بخصوص
التجديد في الشعر العمودي يصب -ولو من بعيد- في هذا الاتجاه:
شعرنا العربي فيه أكثر من 68 نموذجا مختلفا من نماذج البحور
إضافة إلى بعض الفنون المستحدثة في العصر الذهبي تأثرا بالهند
والفرس مرورا بالموشحات وانتهاء بالتفعيلة، حتى أن الدارسين
الأكاديميين في جامعاتنا يشتكون من كثرة الأوزان مما يجعلهم يعانون في حفظها..
فهل نحن في حاجة إلى الجديد مع هذا الكم الهائل من النماذج ؟؟
أليس ذلك العدد كافيا لنا لنكتب عليه ؟؟
التجديد في الشعر العمودي مقبول من حيث الصور والأخيلة والإيقاع
الداخلي فالوزن الواحد في الشعر يختلف تناوله من شاعر لآخر
ومن قصيدة لأخرى حسب اللغة والألفاظ المستعملة وحسب الظروف
النفسية للشاعر أو ما يريد الإيحاء به..
لنقارن بين هذين البيتين :
ولَيلٍ كَمَوجِ البَحرِ أَرخى سُدولَهُ**عَلَيَّ بِأَنواعِ الهُمومِ لِيَبتلي
مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقبِلٍ مُدبِرٍ مَعاً**كَجُلمودِ صَخرٍ حَطَّهُ السَيلُ مِن عَلِ
نلاحظ أن البيتين من قصيدة واحدة للشاعر نفسه
ووزنهما واحد هو الطويل، لكن لو جربنا إنشادهما
فإننا سنستشعر اختلافا إيقاعيا كبيرا بينهما؛ ففي حين
نحس أن اللسان لا يطاوعنا في إنشاد البيت الأول بسرعة
وانطلاق ونجد فيه ثقلا يشبه ثقل الليل المرخي سدوله(مما يعبِّر
عن الحالة النفسية بدقة متناهية وعجيبة)، نجد أن اللسان ينطلق
بالإنشاد في البيت الثاني وكأن ذلك يعبر حقيقة عن سرعة هذا الجواد ..
و لو جربنا استخدام كلمات أخرى مكان (مكر مفر) -مثلا- مع المحافظة
على وزن الطويل فستضعف سرعة الإيقاع عند إنشاد البيت وسنستشعر تغيرا ..
جربوا ذلك بأنفسكم للتأكد..
وهناك أبيات كثيرة في الشعر وزنها واحد لكنها تظهر
وكأنها مختلفة الوزن لأن إيقاعها مختلف أو ألفاظها مختلفة
مما يشكل صعودا وهبوطا في الإيقاع حسب الحالة النفسية
يوحي للوهلة الأولى وكأن الشاعر انتقل إلى وزن آخر.
(لم أرد الإطالة بالحديث عن النَّظْم لأن الفرق بينه وبين الشعر يظهر
جليا حتى تظن أنه غير موزون أصلا برغم أنه موزون)..
في هذا المجال يمكن التجديد و الإبداع (وإن كنت أفضِّل العفوية
والطبع خشية أن يخرج الشاعر إلى التكلف فيعنِّي نفسه فيما
لا طائل منه لأن التكلف من أعداء الشعر والشاعرية)..
أرجو تجربة المقياس على هذين البيتين لزفر بن الحارث وإعطاء آرائكم :
فإنْ نَكُ نازَعنا قُريشاً فإنّهُم**أخونا ومولانا الذين نُنازِعُ
فأيَّ قَبيلَينَا وأُمِّك ما يكُن**له المُلكُ تَتبَعْهُ وخدُّك ضارعُ
أما انطباعي الشخصي عنهما هو أن البيت الأول كان المقياس فيها منخفضا
لأن الشاعر كان يتحدث عن إخوانه بصيغة الفخر مما أضفى عليه راحة
وزهوا جعلا المقياس ينخفض..
أما البيت الثاني فإن النبرة بدأت بالتصاعد و الغضب نوعا ما على المهجوّ
لكنه لم يكن غضبا شديدا نظرا لأنه لا يعير المهجوّ أهمية كبيرة فهو مرتاح من هذا الجانب
مما يوحي بأنه غضب مشوب بالاحتقار وهذا مما لم يجعل المقياس يرتفع كثيرا.
فما رأيكم ؟؟
أعجبتني الفكرة
ولي عودة إن شاء الله
تحيتي وتقديري
المفضلات