لي تعليق بسيط أضيفه على نقد الأخ محمد لأبيات حجازي حيث وجدنا الشاعر يجيء بقافية مؤسسة ( يقاربه ) بين قواف غير مبنية على التأسيس . قال إبراهيم أنيس معلقا على التزام العقاد في إحدى قصائده بألف التأسيس : " ولسنا نعرف شاعرا من الشعراء قد شذ عن هذا " .
ولعل هذا كان وراء تعقب العقاد للشعراء الجدد ممن لم يتمكنوا آنذاك من امتلاك أدواتهم الشعرية بعد . حجازي ، أيضا ، لم يستثمر تفعيلات الخليل في ذيل قصيدته بمثل استثمار ابن الرومي لها كما بين لنا الأخ محمد ، لكني لم أفهم قصده من قوله : " وهذا لعله يوضح للشباب في العروض الرقمي فائدة للتفعيلات لعلها لم تخطر على بالهم وهي استعمالها في الشعر كأبيات قائمة بذاتها!"
أعرف أن صديقنا عمر خلوف يستعمل هذه التفعيلات كمفاتيح للبحور التي يؤصلها اقتداء بصفي الدين الحلي كما في قوله على البحر اللاحق :
ولاحق حقه ماثل ............... مستفعلن فاعلن فاعل
واستعماله لها ، لا شك ، أفضل من استعمال حجازي . فالشطر التفعيلي عنده ملتحم بالبيت التحام بيت ابن الرومي التفعيلي بقصيدته ، وهذا مما لم يتيسر لحجازي حيث لم يلتفت إلى مراعاة القافية .
وقد أتحفنا الأستاذ خشان في مداخلته السابقة باستخدام لهذه التفعيلات في الإخوانيات من شعره أظنه فاق فيه سابقيه ، فهل هذا ما يريده الأخ محمد ؟
حجازي كان في ذلك الوقت شابا مندفعا ، ولا أقول طائشا ، ولكن انظر إليه بعد أربعين عاما كيف يرى العقاد . ( اقتباس عن خالد فتح الرحمن )
أهداني الصديق المبدع ( سامي عبد الرحمن ) مجموعة قيمة من مجلة روز اليوسف تعود بتاريخها إلى أوائل الستينات ، كان أكرم ما فيها ، - أن وضعت يدى علي المقالة الشهيرة التي كتبها ( أحمد عبد المعطي حجازي) في نقد الأستاذ العقاد ، شاكياً - زمانذاك - من طغيانه في رفض الشعر الحر ، ورفض رواده المشاهير صلاح عبد الصبور وحجازي وغيرهما ممن حول العقاد أشعارهم إلى لجنة النثر باعتبارها لا تمت إلى الشعر بما يصلها به .
والمقالة تنعي إلى الناس رئاسة العقاد لجنة الشعر ، وتنعته بالجمود ومعاداة كل ما هو جديد !!
قرأت المقالة : طازجة ، ملأى بفتوة الشباب وحماسه ، ثم تذكرت مقالة أخرى كتبها حجازي نفسه قبل وقت قريب بصحيفة ( الأهرام ) ملتفتاً فيها إلى أبيات العقاد الرائقة .
ملأت داري القمـاريُْ غــناءا
ويحها !!هل يكشف الطير الغطاءا
عرفت عندي ربيعــاً بعـد مـا
ذهبت مـن ظلمـة الدار الشـتاءا
عرفتني العـام ؟ أم كـانت هـنا
كل عام تمنح الــدار الــولاءا
لم أكــن أحْفِلُــها .. حتـى إذا
صــدح الحـب .. تسمَّعتُ الغناءا
عرض ( حجازي ) أبيات العقاد ، ثم بأسلوب كله دهشة وانبهار قال " إن أدوات النقد الحد اثوي كلها لترتبك إزاء قصورها عن الإلمام بما في قصيدة الأبيات الأربعة هذه من حداثة وتجديد ".. !!
إنه الزمان .. معلّم الإنسان .. بين عهدين من قديمه والجديد.
تغن بالشعر إما كنت قائله ........ إن الغناء لهذا الشعر مضمار
المفضلات