التجريد
من فنون البديع فيه بلاغة ولطافة , وخفة وفصاحة
وهو أن يجرد المتكلم من نفسه ذاتا أخرى يخاطبها ويخلع عليها نعوتا وصفاتا ، فيكون ذلك أعذر له ، فيفضي إليها ما شاء من الآهات والأنات والعتاب وغير ذلك.
يقول ابن الأثير : (حد التجريد فإنه إخلاص الخطاب لغيرك وأنت تريد به نفسك لا المخاطب نفسه ... وقد تأملته فوجدت له فائدتين: إحداهما أبلغ من الأخرى :
فالأولى طلب التوسع في الكلام فإنه إذا كان ظاهره خطاباً لغيرك وباطنه خطاباً لنفسك فإن ذلك من باب التوسع وأظن أنه شيء اختصت به اللغة العربية دون غيرها من اللغات.
والفائدة الثانية: وهي الأبلغ وذاك أنه يتمكن المخاطب من إجراء الأوصاف المقصودة من مدح أو غيره على نفسه إذ يكون مخاطباً بها غيره ليكون أعذر وأبرأ من العهدة فيما يقوله غير محجور عليه)
من أمثلته:
1. قول الأعشى في مطلع لاميته :
ودع هريرة إن الركب مرتحل = وهل تطيق وداعًا أيها الرجل
غراء فرعاء مصقول عوارضها = تمشي الهوين كما يمشي الوجد الوحل
فقوله : (ودع هريرة ..) يريد نفسه لكنه جرد من ذاته ذاتًا أخرى بجواره يخاطبها.
2. ومنه قول الشاعر:
لا خيل عـندك تـهديها ولا مـال = فليسعد النطق إن لم تسعد الحال
فكأنما انتزع وجرّد من نفسه شخصاً آخر وخاطبه فلذلك هو التجريد.
3.ومنه أيضا قول جرير في مطلع قصيدة أنشدها عند عبد الملك بن مروان :
أتصحو أم فؤادك غير صاحٍ = عشية هم صحبك بالرواح
فقوله : (أتصحو أم فؤادك غير صاح) يريد ذاته، جرد من ذاته ذاتًا أخرى، لكن عبد الملك فهم أنه يريده , وبخاصة أنه مطلع القصيدة ، فعاتبه على هذا المطلع بقوله: (بل فؤادك يا ابن الفاعلة). ولهذه العلة قيل إن هذا البيت فصيح ولكنه غير بليغ لأنه لم يوفق في المقام.
المفضلات