لدي تساؤل لا يبتعد أبدا عن فكري يدور حول الذائقة العربية الأصيلة و بحور الشعر
سأحاول صياغته بسؤال ربما يكون مفهوما مع مثال أدرجه في النهاية إن شاء الله
هل يعتبر ما قيل أو كتب على خلاف القواعد التي رسمتها الذائقة العربية (متمثلة في أحكام مختلفة تَحْكُمُ كل بحر من البحور) موزونا أم شعرا؟
لا أقصد البحور في حد ذاتها...فهي -ربما- كل ما وصلت إليه العبقرية التحليلية لأصل جمال و تداخل أنغام لغتنا العربية
بل أقصد الأحكام الموضوعة على كل بحر
و لدي مثال يوضح ما أرمي إليه
فالبحر الطويل مثلا لم يستعمل تاما أبدا في جميع أشعار العرب
و في الشطر الأول منه تأتي التفعيلة الأخيرة(العروض) منقوصة ساكن(مقبوضة)
أي فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن
الياء الملونة بالأحمر تحذف دائما
اللهم إلا في البيت الأول الذي يعتبر تصريعا
و حاولت البحث في الموسوعة الشعرية عن مثال مخالف فلم أجد إلا ما يلي:
قول أبي العتاهية:
لَكَ الحَمدُ يا ذا العَرشِ يا خَيرَ مَعبودِ = وَيا خَيرَ مَسؤولٍ وَيا خَيرَ مَحمودِ
شَهِدنا لَكَ اللَهُمَّ أَن لَستَ والِداً = وَلَكِنَّكَ المَولى وَلَستَ بِمَولودِ
وَأَنَّكَ مَعروفٌ وَلَستَ بِمَوصوفٍ = وَأَنَّكَ مَوجودٌ وَلَستَ بِمَجدودِ
وَأَنَّكَ رَبٌّ لا تَزالُ وَلَم تَزَل = قَريباً بَعيداً غائِباً غَيرَ مَفقودِ
و في (القسطاس في علم العروض) لمؤلفه الزمخشري
الطويل
هو في البناء مثمّن، كما هو في الدائرة. وله عروض واحدة مقبوضة، وضروبها ثلاثة:
مقبوض العروض سالم الضرب:
أبا مُنذِرٍ، كانتْ غُروراً صَحيفَتي = فلم أُعطِكم في الطَّوعِ مالي، ولا عِرضِي
مقبوض العروض والضرب:
ستُبدِي لكَ الأيَّام ما كنتَ جاهلاً = ويأتيكَ بالأخبارِ مَن لم تَزوّدِ
مقبوض العروض محذوف الضرب:
أقيموا، بَني النُّعمان، عنَّا صُدُوركم = وإلاَّ تُقيموا، صاغرينَ، الرُّؤوسا
و حسب ساعة البحور (إن فهمتها و ألوانها جيدا) فإن آخر تفعيلة في الشطر و هي مفاعيلن، حكمها جواز زحاف سبب واحد فقط من السببين المتجاورين(عيـ لن) و هذا الزحاف يستساغ في آخر شطر الطويل
فماذا نقول عن وجود أبيات على الطويل التام بدون أي زحاف؟
هل حسب أحكام الجواز و عدمه و الاستحسان و الاستساغة و غيرها..نعتبر هذا الوزن شاذا منافيا بل خارجا عن جمالية الشعر؟
بصفته ابتعد عن حدود الذائقة العربية الأصيلة التي أهدتنا البحور الخليلية
و شذ عن المتعارف عليه عند الشعراء و النقاد و الأدباء
و ما هو رأيكم أساتذتي الكرام؟
قبل أن أدرس و أتعلم ما كتبته آنفا كنت قد وضعت قصيدة على الطويل التام
و قد لاحظ أخي الشاعر د.جمال مرسي ملاحظة انعدام الطويل التام في أشعار العرب
هذه قصيدتي
و هي قصيدة فكاهية تتغزل بكأس العصير
رفيقتي
دَعوني فإنِّي في هَواهَا مَواويلُ=دِماهَا بأحشائي جَرَتْ و التَّفاعيلُ
بِها الأُنْسُ في لَيْلِي، و تَلْقَى رِضَى عَيْنِي=لها كادحٌ ثَغْري، فَلَثْمٌ و تَقْبيلُ
يَدِي في مَتاهاتٍ فَبِالْوَشْمِ أَغْرَتْنِي=-بِتِبْرٍ عَلى نَقْشٍ-و لِلْقَلْبِ تَطْبِيلُ
سَقَتْ قَيْظَ أنفاسي بِطَلٍّ رَوَى صَحْرِي=فَبُعْدٌ لهَا داءٌ،، و موتٌ و تَقْتِيلُ
و قَفْرٌ شَرايِينِي فلاَ الطِّبُّ يَكْفِينِي=و لاَ جُهْدُ جَرَّاحٍ و تُنْعَى التَّحاليلُ
رَفِيقٌ لأَفكاري-فَحَقٌّ لهَا شِعْري-=كمَا الدَّمْعُ-في حُزْنٍ-و عَيْنٌ و مِنْدِيلُ
أَلاَ فَاسْأَلُوا عنها الحروفَ انْثَنَتْ عِشْقًا=و روحًا هَمَتْ شِعْرًا لِتَشْدُو التَّراتِيلُ
على قُبْلَةٍ أَغْفُو، و أَخْرى بِهَا أَصْحُو=لِكَأْسي الْهَوَى مُلْكٌ و عرشٌ و تَبْجِيلُ
بِجَنْبِي تُسَلِّي الفِكْرَ إنْ شَحَّ قِرْطاسي=قريضًا طَوَى عَصْرًا فماتَتْ أَنَاجِيلُ
عَصِيرٌ بِهَا شَعَّتْ لَهُ مُقْلَتِي سُرَّتْ=أَتَى نُورُ أَشْعَاري-بِلَيْلٍ-و قِنْدِيلُ
جَفَافٌ غَزَا حَلْقِي فَتَرْوِي الظَّمَا ماءً=بهِ تَنْتَشِي نَفْسِي و لِلْحَرِّ تَرْحِيلُ
أَراهَا دَنَتْ مِنِّي فَفِي خَافِقِي بَاتَتْ=إِلى دَفْتَرِي تُوحِي فَعُولُنْ مَفَاعِيلُ
لَكِ الْحُبُّ يا كَأْسِي إلى أَنْ أَرَى رَمْسِي=و جُودِي بِأَلْوَانٍ لِتَشْدُو العَنادِيلُ*
*العناديل: الصحيح العنادل:و جمع العندليب
و هنا العناديل(جمع تطويل لغرض الوزن)
لكم أساتذتي الكرام أعظم شكر و تحية
المفضلات