جزم الفعل المضارع : (9)

يجزم الفعل المضارع في موضعين :

أولهما : إذا سبق بأداة من الأدوات التي تجزم المضارع ، وهي نوعان:

الأول - أدوات تجزم فعلاً واحداً ، وهي أربعة أحرف : اللام الطلبية، و " لا " الطلبية، و"لم" ، و" لمّا " .

الثاني - أدوات تجزم فعلين : أحدهما فعل الشرط ، والآخر :جواب الشرط ؛ وهي إحدى عشْرةَ أداةً: "إنْ - إِذْمَا - مَنْ - مَا - مَهْمَا – مَتَى - أيَّانَ - أيْنَ - أنَّى - حَيْثُمَا - أيّ " .

وثاني الموضعين : إذا وقع جواباً للطلب . وهو موضوع هذا البحث .

جزم المضارع في جواب الطلب

يجوز جزم الفعل المضارع الواقع في جواب الطلب إذا سقطت الفاء ، بشرط أنْ يقصد الجزاء .

والمقصود بوقوع الفعل المضارع جواباً للطلب ؛ هو أنْ يكون مترتباً على كلام قبله ترتب الجواب على السؤال .

والمراد بقصد الجزاء ؛ هو تقدير الفعل " مسبباً عن ذلك الطلب المتقدم، كما أن جواب الشرط مسبب عن فعل الشرط "(10) .

فمثال جزم المضارع بعد الأمر : " ايتني أكرمْك " .

وبعد الدعاء : ربِّ وفقْني أطعْك " .

وبعد التمني: " ليت لي مالاً أنفقْه " .

وبعد الترجّي : لعلّك تتصدقُ تؤجرْ "

وبعد الاستفهام : " أين بيتك أزرْك ؟ " .

وبعد العَرْض : " ألا تنزلُ عندنا تصبْ خيراً " .

وبعد التّحْضِيض : " هلاّ تزورُنا نكرمْك "

وبعد النّهْي " لا تكفرْ تدخلْ الجنة " .

جزم ما جاء بمعنى الأمر :

كل ما دلّ على معنى الأمر - وإن لم يكن بصيغة فعل الأمر المخصوصة - يجوز عند الجمهور أن يُجزم بعده المضارع إذا خلا من الفاء، وقصد معنى الجزاء؛ لأن علة الجزم تكمن في المعنى لا في اللفظ ، فما جاز فيما جاء بصريح اللفظ في الأمر وغيره ، جاز فيما جاء بمعناه (11) .

فمما جاء على معنى الأمر (12) :

1- اسم الفعل :

وذلك نحو : " نزالِ أكرمْك " ، و " مناعِ زيداً من الشرِّ تؤجرْ " ،

و "تراكِ زيداً يخرجْ" ، و "عليك زيداً أكرمْك " ، و" دونك عمراً أحسنْ إليك " .

وأيضاً : " صَهْ أكلمْك " ، و " مَهْ تُكْرَمْ " ، و " رُوَيدَك أحسنْ إليكَ "؛ ومنه قول الشاعر(13) :

رُوَيْدَ تَصَاهَلْ بالعِرَاقِ جيادُنا كأنّك بالضَّحَّاكِ قَدْ قَامَ نَادِبُه

ومنه قول الشاعر أيضاً (14) :

وَقَوْلِي كلَّما جَشَأَتْ وَجَاشَتْ مَكَانَكِ تُحْمَدِي أو تَسْتَرِيحِي .

فجزم في البيت الأول " تَصاهلْ " في جواب اسم الفعل " رُوَيْد " ؛ لأنه بمعنى "تمهّلْ " . وجزم في البيت الثاني " تُحمدي " في جواب اسم الفعل " مكانَكِ " ؛ لأنه بمعنى " اثبتي " . وكل ما أشبه هذا من أسماء الأفعال يجري مجراه.

2- ما جاء بلفظ الخبر :

أ- ويكون دعاءً : نحو : " غفر الله لك يدخلْك الجنة " ؛ أي : إنْ غفر لك يدخلْك الجنة ، و" غفر الله لي أنج من عذاب الله " ؛ أي : إنْ غفر الله لي أنجُ ، ومعناه معنى " اللّهمّ اغفرْ لي أنجُ " ، لكنه جاء مجيء لفظ الإخبار بالغفران على خلاف الأصل ، فصحّ الجزم ؛ لأنّ معنى الشرط فيه صحيح .

ب- ويكون غير دعاء : نحو قولهم : " حَسْبُك يَنَمِ النَّاسُ" ؛ أي : اكتفِ ينم الناس ؛ وقالوا : " أتّقَى اللهَ امرؤٌ وفعل خيراً يُثَبْ عليه " معناه : لِيَتَّقِ وجعلوا منه قوله تعالى : ﴿ تُؤْمِنُونَ بِاْللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فيِ سَبِيلِ اللهِ بأَمْواَلِكُمْ وأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ .... ﴾ (15) فجزم" يغفرْ "؛ لأنه جواب " تؤمنون " لكونه في معنى : " آمنوا " ، والدليل قراءة ابن مسعود - رضي الله عنه - " آمنوا …………وجاهدوا " (16) وقال أبو حيّان :(17) " قال بعض أصحابنا : الفعل الخبري لفظاً ، الأمريّ معنى لا يقاس ، ولم يُسمع منه إلاّ الذي ذكرناه ".

وجعل الشاطبي مما جاء بلفظ الخبر التحذير والإغراء ونحوهما قياساً على ما سبق ؛ وذلك نحو : " إيَّاك وزيداً تسلمْ منه " ، و " وأخاكَ تقو به".

ومن هذا الباب ما قام من المصادر مقام أفعال الأمر، كـ " ضرباً زيداً يتأدبْ ". وصرّح الشاطبي بأنّ هذا كلّه إنّما أتى به على ما يحتمله كلام ابن مالك ، وما يسوغه القياس، ولم ير فيه نصاً (18) .