تقديم :



معنى الجزم:


الجزم في اللغــة : " القطع ، وكل أمر قطعته قطعاً لا عودة فيه فقد جزمته "(1)

وفي الاصطلاح النحوي : " عبارة عن حذف حركة أو حرف من حروف العلة - أو ما شبه به - بعامل " (2).

وجاء في ( اللسان ): (3) " أن الجزم في النحو سمي جزماً لقطع الإعراب عن الحرف وإسكانه " .

وعرّفوا السكون بأنه " عبارة عن خلو العضو من الحركات عند النطق بالحرف ، ولا يحدث بعد الحرف صوت ، فينجزم عند ذلك ، أي ينقطع ؛ فلذلك سمي جزماً ، اعتباراً بانجزام الصوت ، وهو انقطاعه ، وسكوناً ، اعتباراً بالعضو الساكن(4).

وعلة تسمية الجزم التي وردت في ( اللسان) علة لفظية ، لا تتطرق إلى الأبعاد التي أسكن من أجلها الحرف وقطعت عنه الحركة ، وتتجاهل المعنى الذي دلت عليه الكلمة ، ودل عليه الإعراب ، وتدعونا إلى التساؤل عن العلة المعنويّة التي من أجلها أسكن الحرف ، وقطعت عنه الحركة ؟!!

ولعلّ العلّة تكمن في ذات المتكلم ، فالمتكلم يقف على الحرف ، ويجعله ساكناً ، ويقطع الصوت بعده ، فيقول : افعلْ ، أو لا تفعلْ ، أو لم أفعلْ ، أو إنْ تفعلْ افعلْ ؛ فكأنُما أراد أن يدلل على معنى الأمر ، والنهي ، والنفي،والشرط ، وهي معانٍ تُشعر بالعزيمة القوية ، والجزم والقطع في الأمر ، والبت فيه ؛ لذا يُعرًف الليث الجزم بقوله : " الجزم عزيمةٌ في النحو في الفعل " (5).

فكأنما أراد أن يشيـر إلى العزيمة القوية الموجودة في نفس المتكلم ، قال المبرد(6): "إنما سمي الجزم في النحو جزماً ؛ لأن الجزم في كلام العرب القطع، وكلّ أمرٍ قطعته قطعاً لا عودة فيه فقد جزمته " ، فلما رأوا أن المتكلم يقف على الحرف ولا يجري الصوت فيه ، جازماً في الأمر ، قاطعاً له ، وضعوا عليه علامة تدل على سكون الحرف وقطع الصوت عنه ، وسميت هذه العلامة سكوناً، وجزماً .

وقد وُضِعَتْ علامات الإعراب لتُعْرِب عن المعاني التي تدور في النفس،، وكان ذلك في فترة زمنية متأخرة ، عندما اتخذ أبو الأسود الدؤلي كاتباً من بني عبد القيس(7) ، وأمره أن يضع علامات تدل على الملفوظ من الكلام ، ثم وُضعت بعد ذلك العلامات المعروفة ؛ وهي الفتحة ،والضمة ،والكسرة، والسكون ، وفقاً لحركة الفم وسكونه .

فالمعنى الذي يدور في نفس المتكلم يأتي أولاً ، ثم يليه التعبير عنه بالكلام الملفوظ ، ثم الدلالة عليه في الخط المكتوب بالعلامات الدالة عليه .

وقيل : إن الدائرة الصغيرة قد اختيرت لتدل على السكون والجزم ؛ لأنها مأخوذة من ميم " جزم " . وقيل : اتُخِذ رمز الدائرة الصغيرة - وهو رمز الصفر في حساب الهنود ، الذي يدل على خلو المرتبة - ليدلّ على خلـو الحرف من الحركـة (8) .

ولعل السبب في أن الحروف أصلها السكون ؛ لأنّ الحرف ليس له معنى بمفرده ، ولا يكون له معنى إلاّ مع غيره ، فحروف الهجاء تدب فيها الحركة إذا ائتلفت مع الحروف الأخرى في الكلمة ، وتتغير حركاتها بتغيّر المعاني التي تدلّ عليها ، ويسكن ما يسكن منها - بعد ائتلافها - منعاً لتوالي الحركات .

والجزم من خصائص الأفعال ، والأفعال التي يلحقها السكون هي : فعل الأمر ، والفعل المضارع إذا سبق بجازم ، أو إذا وقع جواباً للطلب ، وسيتضح ذلك فيما يلي :