بارك الله بك وبعلمك أُستاذنا الفاضل خشان
لقد كتبت عدة مقالات نُشر بعضها في الصحافة عن استبداد النقد وحصانة اللجنة وهذا أحدها
استبداد النقد وحصانة اللجنة !
يبدو أن لغة النقد التي لا توحي بأكثر من العجز عن سبر أغوار القصيدة لم تعد تقنع عشاق الشعر الذين سئموا من "صح لسانك " و "قوّاك الله" و"فالك البيرق " و"ما فيك حيلة " و خير مَن يمثل.." .
هذه العبارات ( التي لا توحي بأكثر من مجرد سماع القصيدة ) لم تكن مناسبةً لأعضاء لجنة التقييم الذين دأبوا على تكرارها إلاّ كبيرهم د.غسان وفتيَّهم سلطان العميمي ، لذلك رأى أعضاء اللجنة الكرام أن الإطالة في التعليق على القصيدة قد يصنع لهم إضافة أو يحقق لهم غرضاً يمنحهم الحق في الانتقاص من النص. رأينا ذلك في التهجّم على قصيدة فرعون الشعر ناصر الفراعنة حين استغرب بدر صفوق ( الذي تأثر بكون الحلقة في آخر الشهر فظهر عرجوناًً) تعبير خصر إشتراكي وردف رأس مالي وكأنه يقول لا أدري لماذا لم تعجبني ؟ ! مع أنه لا يحق لمَن لا يفهم المعنى المراد أن ينتقد فضلاً عن أن يسخر.
بين خصر إشتراكي وردف رأسمالي !
رأى الأستاذ بدر أن الكلمات لم تكن سوى تعبئة لقالب الوزن دون مراعاة معنى أو التزام موضوع، وعندما أراد الشاعر توضيح مقصده لاذ بدر بحصانة اللجنة وقال أعرف معنى الإشتراكي والرأس مالي وكأنه يقول (استرني الله يسترك !)
قال أحدهم لإبن هَرمه ألست القائل:
باللهِ ربك إن دخلت فقل لها= هذا ابنُ هرمةَ قائماً بالباب !
فقال لم أقل (قائماً) ، أكنتُ أتسوّل !؟ ولكني قلت :
باللهِ ربك إن دخلت فقل لها= هذا ابنُ هرمةَ واقفاً بالباب !!
وقد رفض الشاعر (قائماً) بالبابِ لأنه تعبير يوحي بأنهُ ثقيل الظل ملازمٌ لبابها بينما (واقفاً ) تدلُ على مكانِه دون أن توحي بثقل ظله ، والذي أعنيه أن للشاعر الحق في رد النقد وتوضيح مرمى كلماته لا أن يصادرهُ سُقمُ فهم أو كَمَهُ إدراك ، ولجأ الناقد بعدها للشطر الآخر (ويل ويلي شيب عيني ..)وقال طربق طربق ! مع أنه مُتصلٌ بالذي قبله دهشةً وإعجابا يعكس تمكّن الشاعر من موسيقى البيت الداخلية فالبحرُ قائمٌ على تكرار فاعلاتن أربع مرّات وهي تفعيلات تعلو وتهبط لِتنسجم مع الحالة الوجدانية للشاعر.
كذلك اعتراض السعيد الذي لم يسعده وصف عقيد القوم (في محاجرها عقيد القوم يومي به جواده) مع أن المعنى واضح لكلِ ذي لُب فهو يصف (بهاها) الذي يكاد يخلف وُجهة المصلّي كقول قيس "أراني إذا صلّيتُ يممّتُ نحوها" وهذا ضربٌ من المبالغة التي هي من فنون البلاغة، ثم قال (في محاجرها عقيد القوم يومي به جواده) أي أن صاحب القوّة والجلّد يتهاوى أمام (بهاها) ولو قال مثلما اقترح السعيد (ممسك أو موثق جواده) لانتفى تأثير هالة الحسن التي يصفها.
ومن البلوى التي ليـ = ـس لها في الناسِ كُنهُ
أنَّ مَن يعرفُ شيـئاً= يـدّعي أكـثرَ مـنهُ
فضلاً عن تحامل اللجنة على وصفه لمحبوبته الذي لم ينحدر للإبتذال ولم يتلطّخ بالفُحش فقد استهلّ وصفهُ بـ جبين الطهر وزاد : الحجاج هلال / رموشها السود / يانع وردها / روض لبّتها / سحر منطوقها / ظفائرها / الغرّة / أعانق طيفها / أصابعها من العنّاب / سنا نور / ناعم ثوبها / جسمها الغض إلى مزاج الزنجبيله وشفاه السلسبيله..
وكل ذلك ورد في الشعر العربي فصيحاً ونبطيّا .
أذكر هنا قول أحدهم :
صِفوا حُسنها عِندي وأطروا دَلالَها=
كفاكَ أيها المبدع أن قصيدتك ذابت أمامها شموع النقد و ذاب فيها الكثير من أفانين الإبداع وتلألأت عقود الإبداع (في سنا نور رْقبتها ذابت أكثر من قلاده).
المفضلات