أخي واستاذي أنت وبلا شك من الناس الذين يعرفون مستويات القراءة
وهي
أولاً : قراءة آلية وهي فك الرموز البصرية دون الوصول إلى المعنى, كمن يقرأ لغة يعرف رموزها ولا يعرف معجمها.

ثانياً : قراءة حرفية وهي قراءة السطور أي التفاصيل والمعلومات والأفكار الواردة في النص , ومعرفة المادة وطريقة عرضها

ثالثاً : قراءة تفسيرية قراءة ما بين السطور وهي محاولات القارئ لإعطاء تفسيرات وتحليلات لما يقوله الكاتب, واستخلاص النتائج وتفسير مشاعر وتحليل شخصيات, وفهم الأفكار الضمنية في المادة.

رابعاً : قراءة تحليلية وإبداعية وهي قراءة ما وراء السطور .
قصة الزبرقان بن بدر حين جاء إلى الخليفة عمر بن الخطاب يشكو من أن الشاعر الحطيئة قد هجاه، فقال له عمر وما قال لك؟
قال: قال لي:

دع المكارم لا ترحل لبغيتها .......واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي

فقال عمر: «ما أسمع هجاء أما ترضى أن تكون طاعماً كاسياً؟».
فقال الزبرقان: «أو لا تبلغ مروءتي إلا أن آكل وألبس! والله يا أمير المؤمنين ما هُجيت ببيت قط أشد عليَّ منه».
والشعر صناعة دقيقة تخفى على الكثيرين، لذا استدعى عمر الشاعر المعروف حسان بن ثابت وسأله: أتراه هجاه؟
فقال حسان: نعم وسلح عليه! فحبس عمر الحطيئة إلى آخر القصة المعروفة.
هنا في بيت الهجاء الذي سمعه عمر رضي الله عنه فقد حكم عليه عمر عن طريق القراء الحرفية وهي قراء السطور كما هيا لأنه ليس بناقد وغيره
أم حسان بن ثابت فهو شاعر ويستطيع النفاذ إلى ما وراء السطور ليصدر أحكام وغيرها وبذلك عندما سأله عمر فقال: نعم وسلح عليه ...
فالبعض يقرأ مرة واحد وهي قراءة حرفية فيحلل ويفسر ويصدر أحكام عن طريقها وهذا خطأ كبير..
......
القراءة التي قدمت هنا هي قراءة تفسيرية لما بين السطور وهذا تفسير رائع للقصيدة وقد نفذ إلى ما بين السطور وبين ما يقوله الكاتب
«الأرض ربي وردة وعدت بك.......أنت تقطف فارو موعودا».

في هذا البيت مفتاح آخر لمراد الشاعر وهو قاف القصيدة، فمن هو الموعود؟!

كل أتباع الأديان الثلاثة، اليهودية والمسيحية والإسلام يعتقدون أنهم ورثة هذه الأرض في آخر الزمان حين يعود المسيح، وقد تشبّع سعيد عقل باللاهوت المسيحي، فهو يؤمن بأن ذلك اليوم الذي تكون فيه الأرض ملكاً للمسيحيين حين يعود المسيح وينشر المسيحية في كل الأرض قادم بلا شك؛ ولذلك يطلب من الله أن يحقق وعده للمسيحيين بأن يرثوا وردة الأرض، وبذلك لا يستطيع كائن من كان أن يمنعه من دخول بيت مكة لأن المسيحية تكون حينئذ قد عمت جميع الأرض.

«وجمال وجهك لا يزال رجا.......ليرجى وكل سواه مردودا».

وهنا يرجو الشاعر ربه فقط وكل سواه مردود من قرارات الناس وعنصريتهم الدينية وعنجهيتهم وكبرهم وغرورهم الذي سبب الحزن والهم للشاعر في قصيدته البكائية الحزينة. أخيراً، أنصح القارئ الكريم بأن يتعلم من ذلك القارئ العبقري التميمي الزبرقان بن بدر بألا يثق كثيراً في السياق الشعري في ظاهر النص؛ بل يجب أن يغوص في باطن الحروف والكلمات داخل السياق، وأن يسبر ما تهمس به، وهي متوارية عن القارئ، في مخبأها العميق.
حفظك الله ورعاك