كثيرا ما حيرتني مسلمات تخالف واقع الحال..
كيف تكون مسلَّمات وهي مخالفة للواقع! هذا تناقض فاضح!!
لكن هذا التناقض هو ما عشته مع أعز شيء علي، وهو كتاب الله.
يدفعني الإيمان للتسليم، لكن نقطة شيطنة تتفرعن في دواخلي وتتمرد.
يقول المدرس: المدود مد لازم، ومد متصل ومنفصل ومد عارض للسكون..
وأقول: الآن.. الآخرة..
فيقول: لا، لا مد فيها.
أقول وحين نقرأ الفاتحة في الصلاة ننهيها بدعوة: آآآآآآآمين.
يقول: السعودية هي الأصح.. اسمعيها، لا مد فيها: آميين
تتدور عيناي استغرابا: لكنني كتبتها بحرف مد. آآآآ نحن نسميها مدّة!
أنا من بيئة تقرأ رواية حفص، لقد أحب السلطان العثماني الفقه الحنفي وقراءة حفص، فعممها.
قرى فلسطين تمردت على هذا الفرض، فالتزمت الفقه الشافعي. أما قراءة القرآن فندرس في المدارس ولا نسمع في التلفاز سوى رواية واحدة.
قيض الله لي من يدرسني رواية ورش، وكم كانت متعتي حين تعرفت عليها! وحين حلت لي كثيرا من التناقضات اللفظية، وحين أثبتت أصولا للهجتنا الدارجة بحيث انها ما عادت تخرج عن الفصيح، وحين علمتني أن أحدا لا يملك الحقيقة المطلقة.. حتى في كتاب الله..
جاءتني صديقة سعيدة أنني بدأت أتعرف على رواية ورش. قالت:
هل رأيت، كانوا يضحكون عليّ حين أقول (الصلاة) بتفخيم اللام.. طلعت صحيحة حسب ورش.
وكانت صديقتي النابلسية تضحك على لجتي المقدسية حين أقول لها:هؤعُدي.. بدي هؤلّك.
(أقعدي بدي أقول لك).
لم تكن ضحكتها لهمزي القاف، فقد بات التمدّن في همزها، ولكن لتحويلي إحدى الهمزتين هاءً..
وكم كانت فرحتي حين عرفت (وعرّفتها بالتالي من رفعة المعرفة) أن للهجتنا أصولا قديمة تتصل بالتسهيل في رواية ورش.
(أأمنتم من في السماء) تصبح تسهيلا: أهمنتم.
كنت أسأل أستاذي خشان عن الواو والياء في ألف القافية، متى تُلزم ومتى تعبر عبور الكرام؟
وجدت الجواب في سُوء وسَوء. سوء مد متصل لا خلاف فيه، كما أنه لا خلاف في أنها قافية،
سَوء لا مد فيها بحفص، وتمد مد لين في ورش، تماما كـ (شييييء).. واو أو ياء ساكنة (حرف لين) بعد حرف مفتوح.
أمتعني موضوع الإمالة أيما استمتاع!
الإمالة: هي أن تنحو بالألف منحى الياء. في رواية حرف يوجد كلمة يتيمة تمال الألف فيها، في آية : مجراها ومرساها.. وهي كلمة مجراها mujrae hA
وضعت حرف e فقط لأوضح أن الألف الأولى هي التي تمد دون الثانية.
(مد فمك في ابتسامة عريضة وأظهر كل أسنانك.. كأول حرف في الأبجدية الإنجليزية).
اسم السباعي في مصر تصير السبيعي في سوريا
خطر لي أن أطبق موضوع الإمالة على الفتحة والكسرة.. (أن تنحو بالفتحة نحو الكسرة..)
يقول الغزّيّ: غزَّة.. ghazzah (يحقق الفتحة) ونميل نحن الفتحة قليلا الى الكسرة ونقول ghazzeh
ويميلها اللبناني أكثر ناحية الياء فيقول: ghazzih
ولدينا إمالة عجيبة في شمال فلسطين تنحو بالياء ناحية الألف كأن يقصد حبيبي فيقول: حبيبا
Habibae
كثير من الكلمات اعتبرناها عامية، اتضحت أصالتها في ورش..
لست مضطرًا لافتعال فتح سين سيناء، فكسرها فصيح كذلك
واكتشفت أشياء مضحكة: أن خالتي مَيسَرة
قد تكون: ميسُرة!
وأن ابنة أخي جنى، قد تكون جنا.. دون أي تجنٍ وأي زعل!
قالت لي صديقة في تعليق على اختلاف الفرش: هذا جميل.. إضافة شدة، أو ألفا صغيرة
..المهم أن المعنى واحد.
فامتدت ابتسامتي وأنا أقول الشاهد الوحيد الذي أحفظ:
لكم في رسول الله أسوة حسنة-في حفص وهو القدوة
لكم في رسول الله إسوة حسنة-في ورش وهي من المواساة.
تتفتح المتعة في دواخلي حين تتكشف هذه الأمور لي:
والله إن العلم نور.
المفضلات