أخي الأستاذ خشان
النظام الخليلي الذي أقصده شبيه بالنظام الشمسي، بل ربما كان الخليل نفسه هو أول من ربط بين نظامه العروضي والنظام الشمسي المعروف لدى الفلكيين في زمانه وكنت قد قرأت لبعض الباحثين أنه يعتقد بأن الخليل حدد دوائره في خمس أسوة بالعدد المعروف من الكواكب في ذلك العصر.
بعد ذلك وصل عدد الكواكب تسعا (لا علاقة لذلك بعدد الدوائر الذي وصلت إليه عندي) ، وبقيت على ذلك إلى أن أعيد النظر في رتبة أصغر كواكب المجموعة الشمسية التسعة، وهو بلوتو، ليعد من بين الكواكب القزمة، ولينخفض بذلك عدد كواكب المجموعة إلى ثمانية.
يقول الفلكيون إنه خارج النظام الشمسي في مجرتنا ثمة كواكب أخرى يقدر عددها بخمسمائة ، وقد اكتشف أحدها مؤخرا وهو ما يعتقد أنه قريب من طبيعة الأرض.
عملي هنا ، وقد اكتملت المجموعة العروضية في النظام الخليلي عند العدد الذي وصلت إليه، أن نبحث في الكون الإيقاعي الشاسع عن أنظمة عروضية جديدة. ولقد وجدنا أن الموشحات وغيرها من فنون الغناء ، هي البيئة الصالحة للعثور على مختلف الأشكال الوزنية الملائمة، ومنها اللحنان اللذان أشرت إليهما (وهما بالمناسبة من كلمات بيرم التونسي وألحان الشيخ زكريا أحمد)، وهذا الأخير لا يمكنك أن تقارنه بفنان لا يدانيه خبرة ككاظم، وأما الأول فقد وجدت له تجديدات في أوزان الشعر لا يمكن نكرانها، ومنها نظمه لإحدى أوائل قصائد شعر التفعيلة يوم كانت نازك الملائكة في المرحلة الإبتدائية من تعليمها المدرسي.
إنني أعتقد أن أول خروج عن النظام الخليلي كان عندما أثيرت مسألة الاعتراف بصحة بحر الخبب، وذلك بعد نحو قرن من وفاة الخليل. ثم، وفي أكبر عملية تزوير في التاريخ العروضي فوجئنا بالجوهري يصدر شهادة ميلاد لهذا البحر بإيراده شاهدا مجهول الرواية له ولنجده بهذا الشاهد يحتل في كتب العروضيين بعد ذلك مرتبة البحر السادس عشر بعد أن رفضه الخليل جملة وتفصيلا. ذلك أن قوانين هذا البحر لا تتفق مع القواعد التي وضعها الخليل، وأما توأمه (المتدارك) قد ظل إلى عهد قريب مهملا مما يؤكد عمق رؤية الخليل له في إهماله إياه طوال أكثر من عشرة قرون .
وأما الخروج الثاني عن هذا النظام الخليلي العريق فقد سجله اعتراف الشعراء ببحر الدوبيت العربي وصنوه السلسلة. وقد حاول العروضيون القدامى ربط هذين البحرين بتفاعيل الخليل فلم يفلحوا في ذلك لأنهما من نظام عروضي غير النظام الخليلي المعروف لنا، مع أن مكوناتهما العروضية هي من نفس مكونات البحور الخمسة عشر.
أما تقديمي لهذا الوزن في ثوبه الغنائي والعامي فلأني لم أجد أحدا نظم عليه في الفصحى، ولعلنا لو بحثنا في أكوام الموشحات المهجورة لوجدنا أبياتا منه ، يدلنا على ذلك طواعية هذا الوزن للغناء والتلحين. فمالنا إذن لا نؤسس لنظام عروضي جديد يسمى النظام الدبيتي ، (وهو ذلك النظام الذي يشترك في بنائه وحدات خببية وبحرية متآلفة)، وهو وإن كان لا ينتمي إلى الدوائر المعروفة فإنه لا شك ينتظم مع أبحر هذه الدوائر بصلة من القواعد العروضية المشتركة.
وأخيرا ، أصل إلى تساؤل أخي خشان : وعلى افتراض وجود كينونة شعرية خارج النظام الخليلي فهل لها مرجعية من نظام عروضي محدد وقواعد خاصة بها ؟ أم أن لكلٍّ أن يقول فيها بما يرى ؟
لأقول إن هذه المرجعية يحققها العروضيون المحدثون، ليس عبر "الرياضة العروضية وإطلاق العنان لتجريب كل لحن وأغنية ووزن في إطار الموزون شيء وتقرير حكم جديد يخص الشعر شيء آخر." ولكن عبر منهجية قريبة من عمل الخليل نفسه في استقصاء الشواهد المتوفرة ، وما اضطرارنا للإتيان بشواهد الغناء إلا لأن شعراء الفصحى ظلوا بعيدين عن التجديد والمغامرة إلا فيما ندر.
لقد أتم الخليل، رحمه الله، اكتشاف النظام الذي بات يسمى باسمه في بحور الخمسة عشر، وعلينا ، نحن العروضيين الجدد، أن نحاول استكشاف أنظمة جديدة...
والله يرعانا ويرعاك.
تغن بالشعر إما كنت قائله ........ إن الغناء لهذا الشعر مضمار
المفضلات