من الأوزان المهملة:

1- مربع المتدارك:

واستخدم بيرم في شعره العامي مربع المتدارك الذي أهمله الخليل، فقال:
ياللي قاعد ترُصّ * شدّ حيلك وقصّ
حقّ واحد ونصّ * من حشيش اليهودْ

2- مربع الممتد:

ونظم على مربع الممتد ، والممتد المثمن بحر مهمل في دائرة المختلف، قال:
للمعارف وزاره * شاغله نص الميزان
قاعده تخلق حيارى * يسقطوا في الميزان
وربما كان على هذا الوزن، بضرب صحيح، الشعر الجاهلي التالي وإن بدا في بعض أبياتها اختلاف، قال:
كل عيش تعلّه * ليس للدهر خلّه
يوم بؤس ونعمى * واجتماع وقله
حبنا العيش والتكاثر جهل وضلّه
ولكن من المؤكد أن هذا هو الوزن الذي قصد أبو العتاهية أن ينظم عليه البيتين التاليين:
عتب ما للخيال * خبريني ومالي
عتب مالي أراه * طارقا مذ ليال

ضروب جديدة من بحر المقتضب:

واستخدم من مقصرات بحر المقتضب، الذي لم يستعمل أصله في شعره العامي، ضربين جديدين، الأول:
مفعولات فعلن ، وهو من ثلاثة أسباب خفيفة فوتد وسبب خفيف.
وعليه قوله:
خدام العوالم * الشاب الظريف
له في كل حفله * حق الأبرتيف
ومنها:
أمضي هالتنازل * في الحال والمآلْ
كلّ غنوة عندك * ملكِ (نهبو فون)
وأما الضرب الثاني فهو:
مفعولات فع
وعليه قوله:
كل اللي حصلْ * للسما اتصلْ
ا لعسل عسلْ * والبصل بصلْ
ومنها:
ومن المقبره * تاخد تذكره
نمرتها ورا * وِلا في الأوَلْ

البحور الدبيتية:

كان لظهور بحري الدوبيت والسلسلة في الشعر العربي أثر كبير على تطور نمط جديد من الشعر تكون التفعيلة الخليلية محاطة فيه بعدد من أسباب بحر الخبب، كما يبدو لنا من تتبع ودراسة المكونات الإيقاعية لبحري الدوبيت والسلسلة هذين. وقد تتركز التشكيلات الخببية في أول الشطر قبل التفعيلة الوتدية، كما في قول البهاء زهير:
يا من لعبت به شمول * ما ألطف هذه الشمائل
فعلن فعلن متفعلاتن * فعلن فعلن متفعلاتن
أو تبدأ في الظهور بعد التفعيلة الوتدية لينتهي بها الشطر، نحو قول أبي الحسن الششتري (ت668هـ) :
يا طالبا وهو المطلوبْ
أنت المنى أنت المرغوبْ
فاشربْ فما يلفى مشروبْ
ويرى الدكتور عبد العزير نبوي في كتابه "موسوعة موسيقى الشعر" أن أجزاء الشطر من هذا النسق هي على النحو التالي:
مستفعلن فع لن فع لن
حيث (فع لن) عنده تفعيلة أساسية يمكن عدّها مشتقة من (فاعلن) أو قد تعدّ تفعيلة أصلية، بينما يرى الدكتور عمر خلوف أن الجزء الذي يلي مستفعلن بؤلف عنده تفعيلة واحدة هي (مفعولاتان)، مع أنه في بحري الدوبيت والسلسلة قد اقترح للجزء الخببي التفعيلة (فعلن) وهي عنده تفعيلة غير وتدية.
وعلى هذا الشكل الجديد نظم بيرم على ثلاثة أوزان دبيتية هي :

1- مستفعلن فعلن * مستفعلن فعلن
ومنه قوله:
ما انسى يا بنت الريفْ * فضلك يا شملوله
على البلاد والناسْ * يا عايشه مجهوله
وانتي يمين بالله * السيده الأولى
اللي لها الحسناتْ * والفضل والمنّه

2- مستفعلن مفعولن * مستفعلن مفعولن
نحو قوله :
سمعت نصر امبارح * في مولد المشماعي
سمعته داهيه تغمه * سمعته داهيه تسمّه
خرجْ من البياتي * للسيكا من غير داعي

3- مستفعلن فعلن فعلن * مستفعلن فعلن فعلن
نحو قوله :
أصبحت عندي يا تليفونْ * كأنك الطفل المجنونْ
اللي ابتعته يشتري كمونْ * يروح يجيب رطل بدنجانْ

وقال الدكتور إبراهيم أنيس عن هذا الوزن (موسيقى الشعر ص 241):" أما ذلك الوزن الغريب الذي لم يشر إليه أهل العروض، فهو من أهم خصائص أوزان الأزجال الحديثة، لكثرة شيوعه فيها، سواء جاء مع نصف المتدارك كما ذكرنا آنفا، أو جاء وحده مثل قول القائل:
والمهر قلت دا أمر بسيط * إن شا لله تدفع نص ريال
فحين يكتب كما ينطق يصبح هكذا:
ولمهر قلـ | تد أم | ر بسيط || إنشللتد | فعْ نصْ | صرْيالْ
مستفعلن | فعلن | فعِلانْ || مستفعلن | فعلن | فعْلان
ويلاحظ هنا أن الوزن قد أضيف إليه حرف ساكن."

وكذلك قال الدكتور سيد البحراوي في كتابه (موسيقى الشعر عند شعراء أبوللو ص 142) : "ولدينا الآن، مجموعة من القصائد التي يصعب أن نردها إلى مصدر فصيح، والأقرب إلى الصحة أنها ـ ربما ـ تأثرت بأشكال شعبية أيضا. من هذه القصائد تسع قصائد، أتت على وزن: مستفعلن فعلن فعلن". وقال: "إن آخرين من شعراء أبوللو قد حاولوا إدخال هذا الشكل الموسيقي في الإطار الفصيح، مضيفين إلى الشعر العربي الفصيح إيقاعا متميزا من إيقاعات الأوزان الخليلية إلى حد ما، فهو يخلط بين تفعيلة الرجز (مستفعلن) وتفعيلات الخبب (فعلن فعلن)، فتتوفر في الشطرة من الزجل مجموعة من الأسباب الخفيفة (ستة) في مقابل وتد واحد مما يعطي هذا الوزن قدرا من السرعة والحركة وهبوط الإيقاع وتنوعه".
ونقل لنا على هذا الوزن الدبيتي من قول أحمد زكي أبو شادي قصيدة منها:
أخي العزيز بحق أخيكْ * لا تنسني فالعرس قريبْ
يكفيكَ يا أملي يكفيكْ *أني أبثك شعر (حبيبْ)
وإذا كان البحراوي قد وصف هذه القصائد بأنها من النوع الإخواني المكتوب بغرض المداعبة، فإن قول أبي شادي التالي أبعد ما يكون عن هذا النوع، قال:
والطير في صمتٍ كعليلْ
والدوح في لهفٍ مكبوتْ
والبحر مرأى كل جميلْ
أمسى كتيهٍ فيه يموتْ
هذا الضياء لفقدِ خليلْ

أثر الموشحات على زجل بيرم:

مع أن بيرم لم ينظم أي موشحة، إلا أن أثرها يبدو عميقا في شعره وأزجاله من جهة الوزن والتقفية، على حد سواء. أما الوزن فقد رأينا كيف أنه تصرف في تقسيمه للشطر، ونظم على أوزان غير خليلية، نحو نشيده الذي أشرنا إليه، ووزنه: فاعلاتن فعلان ، وتطعيمه للشطر من الزجل بتفاعيل مقاربة له، كقوله من البسيط:
يا ريس الفن يا سارح بأرغولك * طالب من اللهْ
إن شفت بين القبور أطرش يناديلك * أجرك على الله
زمّر على بلوتك واجمع هلاهيلك * وتوب إلى الله
(مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلان * مستفعلاتانْ)
وقوله على الوزن الدبيتي:
هو اللي قاعد قدامكم * له نَفَس ملوكْ
وشكل ظاهر لعيونكم * أول صعلوكْ
يا دوب دا يصحى من نومه * والشمس تغيبْ
يجعل فطوره على صومه * كونياك وزبيبْ
(مستفعلن فعلن فعلن * فعلن فعلان)
وإن كان في زجليته التي عنونها ب( الشرق) جعل التفعيلات الخببية الأربع كلها في شطر متصل، قال:
من قبل ما اكتب أنا عارف القول ضايعْ
والأمر بالتأكيد ذاهب حسب الشايعْ
والشتم حايجيني مسوجر من واد صايعْ
مهما انكويت بالنار والزيت .. برضك فنانْ
(مستفعلن فعلن فعلن فعلن فعلن)
وقد تكون التفعيلة الملحقة غير مقاربة للشطر، كقوله:
ليه في الحساب والمعامله تبقى حيواني * وطور مفكوكْ
وتبقى في الرانديفو أحسن بريطاني * وإسمك كوكْ
وللفقير والفقيره تبقى جرماني * ونيتشه أبوكْ
وفي النفاق والمراوغة ميت بريزياني * ما يحتملوكْ
(مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن * مفاعيلان)
كما قد يلحق بالشطر تفعيلتين متشابهتين ، كقوله:
الأوله بالبنادق سكّتوا الثوارْ * ومدافع ، أهم فاضلينْ
والثانية جا اللورد ملنر يربط الأحرار * ويترافع عن العايبينْ
والثالته تصريح في فبراير وأصله هزار * ومش نافع وقولوا آمينْ
(مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلان * مفاعيلن مفاعيلان)
أو تفعيلتين مختلفتين ، كقوله:
الأوله عالسودان كرزن خلق تفانين * على كيفهم * ومالناش كيفْ
والتانية بوظها هندرسن سنة ثلاثين * وشرفهم * نسوه في جنيفْ
والتالته في الزعفران بالحرمله داخلين * وسيوفهم * مفاوضه بسيف
(مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن * فعلاتن * مفاعلتان)
وهذا النسق الأخير قريب من نسق قفل الموشح المركب من ثلاثة أجزاء، وقد ذكره ابن سناء الملك في كتابه دار الطراز، وهو:
حلّت يد الأمطارْ * أزرّة النوّارْ * فيا خِدني
ولكن لم يؤثر عن بيرم أنه نظم موشحة ما.
وأما من جهة تأثره بالموشحات في تقسيم قوافيه فقد رأينا في الشواهد المذكورة بأعلاه كثيرا من أنماطها.

الشعر الحر:

ويبلغ بيرم ذروة التجديد عنده في محاولتة لنظم إحدى أوائل القصائد على الشعر الحر، وهي التي نشرها في جريدة الزمان التونسية بتاريخ 16/1/1933 ، وكانت من البحر الكامل، والملفت للنظر أنه وقعها باسم (شاعر جديد).
تبدأ القصيدة ببيت على أول الكامل، يليه شطر منه وبعده أربعة أشطر على تفعيلتين، الثانية وهي الضرب، مقطوعة. ويلي ذلك بيتان من مجزوء الرجز على الشكل المزدوج القافية (أو قل من مجزوء الكامل فهما عنده سواء) وبعدهما بيتان من مجزوء الكامل ينتهي بهما المقطع الأول من القصيدة. وبشكل عام لا تتبدى في هذا المقطع خصائص الشعر الحر القائم على تنويع عدد التفعيلات في الشطر بشكل ملحوظ، ولذلك فهو يبدو أقرب إلى محاولات شعراء أبوللو التجديدية في شكل القصيدة. غير أنه في المقطع الثاني يبدو وكأنه أحد شعراء التفعيلة في النصف الثاني من القرن العشرين سابقا بذلك نازك الملائكة وبدر شاكر السياب وحتى على أحمد باكثير في هذا المقطع:

سمعي ولولا مسمعي ما نغمة الوتر الحنون،
ونقرة الدف المحرك للشجونْ (7 تفعيلات)
ولكنت أجهل ما المحيط الهادرُ (3 تفعيلات)
والعندليب الصافرُ (تفعيلتان)
أو ضجة الشلال إذ يتدفقُ (3 تفعيلات)
أو رنة الخلخال وهو معلقُ (3 تفعيلات)
ولكانت الدنيا بما تحويه من عرباتها وترامها (5 تفعيلات)
وأناسها وديوكها خرساء أو هي خافت في خافتِ (5 تفعيلات)
أو كالشريط الصامتِ (تفعيلتان)
إني ولولا الأنف عندي لاستوى ألْ (3 تفعيلات)
الفجلُ والريحانْ ( تفعيلتان)
المسك والدخانْ (تفعيلتان)
اللحم والألبانْ (تفعيلتان)
ولغشني السماك في سوق الخضار وباعني الجزارُ،
لحما منتنا ...، (6 تفعيلات)
الكون في أنفي أنا (تفعيلتان)

وهو يبدو لي في هذه القصيدة شاعرا حداثيا متأثرا بالشعر الفرنسي الحديث الذي عاشه في منفاه، وقريبا في أجواء قصيدته من أشعار صديقه عباس محمود العقاد وكثير من شعراء أبوللو الذين كانت تربطه بهم صداقات ظلت مستمرة حتى وهو في اغترابه الفرنسي. فأما إعجابه بالعقاد فيبدو واضحا من قوله في مقال عنه بجريدة الزمان في 16/5/1933 : "ودونك ديوان عباس العقاد أو دواوينه لتقف على نوع من الشعر لا عهد لك به في العربية كلها، وقد تستنكر هذا الشعر ولا يلج أذنك لأول مرة ولكنك لو أشركت عقلك مع عاطفتك ترى فيه العجب العجاب".
وهذا العجب العجاب أراه الآن في قصيدة لم يلتفت لها مؤرخو الشعر الحديث، ولا أولئك الذين ظنوا صاحبها مجرد شاعر يكتب بالعامية، وحسبوه جاهلا إذ لم يتلق من التعليم الرسمي مقدار ما تمنحه شهادة المرحلة الابتدائية، وهو الذي ظل أميرا حتى على شوقي حين قال في إحدى مداعباته له:
يا أمير الشعر غيرك * في الزجل يبقى أميرك
وفي تقديري أنه يستحق هذا اللقب الذي لم يبايعه أحد عليه، ويستحق بالإضافة إلى ذلك لقب رائد الشعر الحر الفصيح بقصيدته تلك التي سبق بها رواده المعروفين.

المصادر:

- محمود بيرم التونسي في المنفى – حياته وآثاره، الجزء الثاني للدكتور محمد صالح الجابري، دار الغرب الإسلامي، بيروت 1987 م
- الأعمال الكاملة لبيرم التونسي ، الأجزاء 2، 4 ، 5 ، 6 إشراف رشدي صالح ، نشرة الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة 1976م
- متفرقات من أعماله المنشورة على الشبكة العنكبوتية.