السلام عليكم

مشاركة أستاذي خشان التي وضعها في موضوع المنادى النكرة , والتي ذكر فيها قصة سكينة بنت الحسين ونقدها للشعر , ذكّرتني بحادثة جرت بين المتنبي وسيف الدولة , تظهر بُعد نظر الرجلين وتذوقهما الأدبي فقد جاء في كتاب ( التذكرة الحمدونية) لابن حمدون قصة عن نقد الشعر أوردها كما يلي:

" ذكر أن أبا الطيب المتنبي لما أنشد سيف الدولة أبا الحسن علي بن حمدان قصيدته التي يقول فيها: (من الطويل)
وقفت وما في الموت شك لواقف................. كأنك في جفن الردى وهو نائم
تمر بك الأبطال كلمى هزيمة................... ووجهك وضاح وثغرك باسم
قال له: قد انتقدنا عليك يا أبا الطيب هذين البيتين كما انتقد على امرئ القيس بيتاه، وذكرهما. وبيتاك لا يلتئم شطراهما كما لا يلتئم شطرا هذين البيتين، كان ينبغي لامرئ القيس أن يقول:
كأني لم أركب جواداً ولم أقل ...................... لخيلي كري كرة بعد إجفال
ولم أسبأ الزق الروي للذة ......................... ولم أتبطن كاعباً ذات خلخال
ولك أن تقول:
وقفت وما في الموت شك لواقف .................... ووجهك وضاح وثغرك باسم
تمر بك الأبطال كلمى هزيمة ........................ كأنك في جفن الردى وهو نائم
فقال: أيد الله مولانا. إن صح أن الذي استدرك على امرئ القيس هذا اعلم بالشعر منه فقد أخطأ امرؤ القيس وأخطأت أنا. ومولانا يعلم أن الثوب لا يعرفه البزاز معرفة الحائك، لان البزاز يعرف جملته، والحائك يعرف جملته وتفاريقه لأنه هو الذي أخرجه من الغزلية إلى الثوبية؛ وإنما قرن امرؤ القيس لذة المساء بلذة الركوب للصيد، وقرن السماحة في شراء الخمر للأضياف بالشجاعة في منازلة الأعداء، وإنما لما ذكرت الموت في أول البيت أتبعته بذكر الردى وهو الموت ليجانسه؛ ولما كان الجريح المنهزم لا يخلو من ان يكون عبوساً، وعينه من أن تكون باكية قلت: ووجهك وضاح وثغرك باسم، لأجمع بين الأضداد في المعنى وإن لم يتسع اللفظ لجميعها. فأعجب سيف الدولة بقوله ووصله بخمسين ديناراً من دنانير الصلات وزنها خمسمائة دينار" اهـ

وقد قرأت مرّة بيتين من الشعر للشافعي يقول فيهما :
أُحِبُّ الصالِحينَ وَلَستُ مِنهُم..................... لَعَلّي أَن أَنالَ بِهِم شَفاعَه
وَأَكرَهُ مَن تِجارَتُهُ المَعاصي ..................... وَلَو كُنّا سَواءً في البِضاعَه

فلم يعجبني المعنى الذي يحملانه , لأنني وجدته معنى سلبيّاً لا يحفّز على العمل بل أحسست أنه يدعو للتواكل والقعود . فقلت في نفسي ماذا لو قال :
أحبَّ الصالحين وأنت منهم..................وألّف من محبّتكم جماعة
وأكرهْ من تجارته المعاصي...................وحاذر أن تشاركه البضاعة

وهنا تغير المعنى وصار يدعو للإيجابية والعمل وتزكية النفس .

وبما أنني مجرد طالبة للعلم فأطلب من أساتذتي الكرام النقد والتصحيح , لتكون هذه المشاركة مساحة بوح نقدي لمن يقرأ أبياتاً ويرى معناها بصورة أخرى أجمل في نظره , ويكون تصحيح الأساتذة والأخوة أعضاء المنتدى الكرام منمّياً لملكة التذوق الأدبي والنقدي .
"وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي"(البقرة من الآية 260)