أشكر الدكتور عمر خلوف على مداخلته الرائعة وما حملته لنا من نماذج لأنماط جديدة من الدوبيت ( وأصر على هذه التسمية لشكل من الإيقاع تلتقي فيه التفعيلة الوتدية من طرفيها أو أحدهما بأسباب من الخبب) . لقد كان الدكتور خلوف هو أو من تنبه إلى فصل المكونات الخببية لهذا البحر عن نواته التفعيلية المتميزة باحتوائها للوتد ، وهو بذلك نجح في إيجاد تجزئة له تخالف في صياغتها كل أشكال التجزئة التي اجتهد في صوغها من سبقه من العروضيين .
لكن رأي الدكتور خلوف حول النمط الذي اقترحناه جاء مغايرا للمنطلقات التي اهتدى من خلالها للتعرف على الجانب الخببي من الدوبيت الذي درسه ، فهو يميل إلى اعتبار النمط الأول شكلا رجزيا ( مستفعلن مفعولاتان ) ، ولا أدري كيف يسوغ لنفسه اعتبار ( مفعولاتان ) تفعيلة رجزية مع أنه ارتضى لهذه ( التفعيلة ) أن ترد في تجزئته لأول قوالب الدوبيت عنده على الشكل ( فعلن فعلان ) ، ذلك الشكل الذي جعلنا نوافق الدكتور خلوف على رأيه باشتراك عنصرين مختلفين في تشكيل الدوبيت هما الخبب والتفعيلة الوتدية .
ثم كيف نتصور وجود تفعيلية رجزية ثانية في الشطر التالي :
هذا الضياء لفقد خليل
والأغرب من ذلك أن يقول الدكتور خلوف أن ذلك النسق هو ذات الشكل الخليلي المشهور( مستفعلن مفعولان ) ، فهل يمكنه حسب منهج الخليل أن يزاحف سببي مفعولان بيفس الحرية التي تزاحف به الأسباب الثقيلة في النمط المقترح ؟ لا أظن ذلك .
الشكل الآخر بعيد كل البعد عن الرمل ، ذلك أننا ننظر في رصدنا للجانب الخببي إلى حركته الإيقاعية فإذا رأينا مثل هذا الشطر :
ربنا قد جل علاه
حكمنا باستحالة أن يكون جزؤه الثاني قريبا من أي من أشكال تفعيلة الرمل ، وعليه لا بد أن تكون تلك من طبيعة خببية صريحة .
من ناحية ثانية ، يدفع الدكتور خلوف كون الأنماط التي ذكرناها من المجموعة الدوبيتية ، ويتصور أننا نحاول أن ندرج هذه الأنماط في سلك الدوبيت بالاستخدام المقلوب لمفهوم الجَزء ، والواقع أننا لا نعير لمفاهيم الجزء والشطر في التعرف على الأنساق الإيقاعية ( البحور وضروبها المختلفة ) أية أهمية ؛ فكل نسق إيقاعي هو في نظرنا كيان قائم بذاته وليس مجزوءا أو منهوكا من نسق آخر ، بل إن لكل منها دائرته العروضية الخاصة به .
أما ما جعلنا نصنف الأنماط الجديدة في الفصيلة الدوبيتية فلأنها بدت لنا كأنواع من جنس الدوبيت تشترك جميعها في صفات محددة ، وقد ذكرنا أن هذه الصفات تتحدد في مساهمة الخبب في تشكيل هذا الإيقاع الذي عرف بالدوبيت ، فاسم الدوبيت هنا ليس اسما لبحر معين ( وإلا لكان الكلام الذي قاله الدكتور خلوف كله صحيحا مما يلزمنا بالاعتذار عما جرؤنا عليه ) ولكن الدوبيت الذي نعنيه هو اسم لجنس جديد من الإيقاع الشعري لم يعرفه الخليل رحمه الله .