ههههه
أهلا بك أستاذتي الغالية حنين . . يبدو أن كلامي لم يقنعك . . سأحاول الإيضاح أكثر . .
أما عن مشابهة نبرة بكاء الوليد لنبرة بكاء أمه فهي ملاحظة لاحظتها مرارا وتكرارا في حالات عديدة . والشرط المطلوب لهذه الملاحظة أن تكوني قادرة على تمييز نبرة بكاء الأم قبل أن تستمعي لبكاء وليدها . . الجنين قادر على أن يسمع صوت أمه إذا بكت كما يسمع الأصوات في البيئة المحيطة بأمه فليس من المستبعد أن يكتسب الوليد خبرة سلوك البكاء من أمه ليحفظه في ذاكرته السمعية ومن ثم فإنه يعتمد على هذه الذاكرة في أدائه . إن أزمنة التصويت في البكاء تختلف باختلاف أزمنة الزفير المتلاحق وما يعقبها من فترات الشهيق المختلفة التي تفصل بين كل تصويتين في الأنماط المختلفة للبكاء فضلا عن اختلاف طبيعة وشدة الانفعال المسبب للبكاء لذا فإن نبرة البكاء تختلف في وقعها من شخص لآخر وكذلك من وليد لآخر ولو تساءلنا عن سر قدرة الأم دون غيرها في تمييز صوت بكاء وليدها من أصوات بكاء عدة أطفال آخرين حديثي الولادة يبكون جميعا معا لأدركنا أن لصوت بكاء الوليد نبرة مميزة تحفظها الأم وتميزه بها . .
وأما عن اعتبار نبرة اللهجة الجماعية مؤشرا للمرحلة التاريخية والحضارية فأنا لم أقصد بها المقارنة بين درجة التطور الحضاري للمناطق الجغرافية المختلفة . فالمقارنة خارج الموضوع . ما قصدته : أن المرحلة الحضارية التي يمر بها السكان في منطقة جغرافية معينة من حيث تسلسلها التاريخي وسواء أكانت عالية التطور أو متدنيته تترك أثرا في النبرة الصوتية الجماعية للهجة السكان . فشعور المستمع باقتراب نبرة اللكنة الجزائرية من اللكنة الفرنسية راجع إلى انطباع تأثير الفرنسية في الأذن الجزائرية واللسان الجزائري وهذا الانطباع مؤشر إلى المرحلة الحضارية - مرحلة الاحتلال الفرنسي - التي مرت في تاريخ الجزائر .
سأضرب لهذا مثلا آخر كأتحدث عن تطور نبرة اللهجة الحلبية التي تحولت من اللهجة ( القحية ) إلى اللهجة الحالية . تتميز ( الحلبية القحية ) بنبرة الصوت العريض الذي يميل إلى المبالغة في تفخيم الصوت عموما وتفخيم صوت حروف المد خصوصا مع إطالة زمن المد . وتستخدم هذه النبرة بصوت مرتفع كطريقة سلوكية لفرض الاحترام لشخصية المتحدث ( القبضاي ) وقد كانت سائدة في حلب قديما إبان الاحتلالين العثماني والفرنسي كما يظهر في المسلسلات التي تصور تلك المراحل . أما الآن فقد اضمحلت واختفت إلا من آثار انطباعها في لهجة سكان أحياء حلب الأصلية القديمة فسكان هذه الأحياء يتميرون بها وتظهر بأوضح وقع عند المسنين منهم . . ويشعر الجيل الشاب بانطباعها في لهجة المسنين فيضحكون منها ويتندر الآن طلاب الجامعة الحلبيون بهذه اللهجة للتسلية والضحك ولو راقبت لهجة أحدهم للاحظت أن النبرة في لهجته قد مالت إلى الترقيق في المد وسواه .وما أعزو هذا التغيير إلا لتأثير تجارب الاختلاط بين اللهجات المختلفة في الجامعة وتأثير لهجة الإعلام وتأثير الثقافة والتعليم . وهو ما تتميز به هذه المرحلة التاريخية حضاريا .
محبتي لك
المفضلات