المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : القافية التي يجتمع في آخرها صامتان



سليمان أبو ستة
11-09-2005, 01:31 AM
ملامح عروضية وصوتية في قصيدة للشاعرة مريم العموري

الشاعرة مريم العموري ( ألا تذكرونها ! ) تكتب الشعر برصيد من الموسيقى اجتمعت لها من طول ألفتها بأنغام الشبابة الفلسطينية حيث نظمت ، وأنشد لها المنشدون ، عددا وافرا من الأناشيد والأهازيج الشعبية ، وغير ذلك قدرا لا أسميه من الترانيم الدينية وأغاني الأطفال وغيرها ..
من الطبيعي إذن أن نقف وقفة تأمل أمام هذه القصيدة التي ما كانت شاعرتنا لتجرؤ على نظمها لو أن ثقافتها الموسيقية انحصرت في كتاب العروض وحده ؛ فهي لن تجد في بحر الرمل الذي اختارته ( ربما بأثر من طلع البدر ) لتنظم عليه قصيدتها ضربا مجزوءا مقصورا ، كما لن تجد على هذا الضرب إن وجد قافية يجتمع في آخرها صامتان . تقول القصيدة :


يــــــــا إلــــهـــــي
***
رَانَ قلبي منْ غُثَـا هَـمٍّ وأهْـوَاءٍ وكَبْـتْ
صارَ بِيدَاً في الحَنايا خالياً مـن كـلِّ نَبْـتْ
فارْعَوَتْ نفسي تُعيذُ الرُّوحَ من غِيٍّ وجِبْـتْ
من ظلامِ الأمْسِ من دُنيَا ضلالٍ فيـه جُبْـتْ
فاقبَلنّـي يـا إلهـي إننـي ذا اليـومَ تُبْـتْ
***
يــا إلـهـي..... وارفُـقَــنْ بـــي
***
عُدْتُ والخفْقُ رجاءٌ، لكَ بالأشـواقِ بُحْـتْ
لَذّةٌ قربُكَ، زِدْني، إنَّ هـذا الشَّهْـدَ بَحْـتْ
عُدْتُ، مَنْ غيرُك لَوْذِي ومَلاذِي حَيثُ رُحْتْ
كلُّ كَسْبٍ يا إلهي دونَ رضوانِـكَ سُحْـتْ
ليس تُجدي العبدَ دنيا، لكَ ما فوقُ وتحْـتْ
***
يــــا إلـهـي...أنــت ربّــــي
***
قلَّبَتْ قلبـي الرَّزَايـا وبقيـتَ البَّـرَّ أنْـتْ
كُلَّما ضِقْتُ بِحُزْني، كُنتَ كلَّ الحُـبِّ أنْـتْ
كلَّما اسْتَوحشْتُ في الأنْوَاءِ، كنتَ الأُنْسَ أنْتْ
كلَّما قَطَّعتُ حبلَ الوصلِ، كان العفوُ أنْـتْ
ليسَ من نفْعي وضُرِّي غيرَ ما قـدّرتَ أنْـتْ
***
يــا إلـهــي ..خُـــذْ بقـلـبـي


القصيدة على الوزن التالي :
فاعلاتن فاعلاتن ......فاعلاتن فاعلانْ
وهي صورة من صور الرمل التي لم يذكرها العروضيون القدماء ، ووجد عليها الدكتور محمد عبد المجيد الطويل نماذج قليلة في قديم الشعر وحديثه . فمن القديم قول الوليد بن يزيد :
إنني أبصرت شيخا .......... حسنَ الزيّ مليحْ
ولباس لبس شيخٍ .............في عَباءٍ ومسوحْ
ومن الحديث قول شوقي :
قيسُ عصفورُ البوادي ......... وهَزارُ الرَبَوات ْ
طِرتَ من وادٍ لوادي ...........وغَمرتَ الفَلَوات ْ
وقول محمود حسن اسماعيل :
زهرة الوادي تجلّت ..........كعروسٍ للربيعْ
زانَها الحُسْنُ بِطَلٍّ ..........خاطفِ اللمحِ لَموعْ
وهي تحاكي في هندسة القصيدة المعمار الذي أكثر منه شعراء أبوللو والمهجر ( لم لا وهي أيضا مهجرية !) ، فإذا انتقلنا إلى ملمح القافية في هذه القصيدة وجدنا في جانبها الصوتي نكتا تستوجب التأمل فمن ذلك أنها وقعت في القسم الثالث منها في عيب يسمى الإيطاء ، ( وهو في تقديري تصرف مقصود ) ولذلك لا نعد ما جاءت به في قافيتها عيبا خصوصا إذا استمعنا إلى صاحب " أهدى سبيل " في قوله : " وقد استثنوا من الإيطاء تكرار ما يُستلذّ ذكره كاسم الله تعالى واسم محمد رسوله عليه الصلاة والسلام واسم محبوبة الشاعر التي تُيِّمَ بها " . وأزيد : وكذلك اسماء الإشارة التي تدل على هذه الأسماء . غير أن الشاعرة هنا خالفت كل من سبقها في التزام المقطع المديد الذي ينتهي بصامتين ، ومثل هذا النوع من المقاطع ربما بدا ثقيلا ، ولنستمع إلى قول الأخفش في كتاب القوافي حول شروط بناء المقطع المديد : " وذلك لا تبنيه العرب إلا أن يجعلوا الأول منها حرف لين ، كذلك قالوه في جميع أشعارهم ، وذلك نحو (فاعلانْ ) في الرمل و( مستفعلانْ ) وزحافه في البسيط ... كل هذا لا يكون الحرفُ الذي يلي آخرَ حرفٍ منه إلا حرفَ مدّ ؛ لأنه لما اجتمع ساكنان كان ذلك مما يثقل ولا يكون في الإدراج ، والقصيدة عندهم بيوتها مُدرَجة بعضها إلى بعض ، فأدخلوا المدّ واللين ليكون عوضا من ذهاب التحريك وقوةً على اجتماع الساكنين . وقد جاء بغير حرف لين ، وهو شاذّ لا يقاس عليه ؛ قال:
أرخينَ أذيالَ الحِقيّ واربَعنْ
مشيَ حَييّاتٍ كما لم يفزَعنْ
إن يُمنَع اليوم نساءٌ تُمنعنْ " .
فهو يبرر ، إذن ، النوع الذي يرد بحرف لين ويؤكد على شذوذ النوع الآخر الذي جاءت به الشاعرة في قافيتها ، ويتجلى هذا التأكيد في قوله : " وتركُ اللين في ( فاعلانْ ) في الرمل وما أشبهه أقبح منه ؛ لأنه منقوص من ( فاعلاتن ) فتركُ المدّ فيه أقبحُ لما نقص وكذلك كل ناقص".
غير أننا لو أزددنا تأملا في أصوات قافية الشاعرة لما وقعنا على أثر لهذا الشذوذ الذي حكاه الأخفش ، ففي الأبيات التي استشهد بها وهي من السريع أو الرجز شذوذ أكبر أثرا ولكنه يختص بالعروض لا بالقافية ، وقد عبرت عن سبب هذا الشذوذ في كتابي " في نظرية العروض العربي " بقولي : " ويلاحظ الثقل في ضرب الرجز المبتور الوتد ، شاهده :
كأنني قوق أقبّ سَهوَقٍ
جأبٍ إذا عشّرَ صاتي الإرنانْ
والخليل يعد الشطر الثاني من السريع بوتد مفروق في آخره ، والسبب في ثقله راجع إلى وقوع المقطع المديد على الوتد المبتور ، وإن كنا نلاحظ تمرد الرجز على معظم القواعد بشكل لا نظير له في غيره من البحور " .
وفي قوافي الأبيات التي استشهد بها الأخفش ، كما في قوافي هذه القصيدة ، ملمح آخر يتبين لنا من خلال التزام ما لا يلزم في الصوت الذي يسبق الروي ، فالعين في قافية أبيات المرار الأسدي ، والباء والحاء والنون في قوافي أبيات مريم العموري تلعب ، من حيث لزومها ، دور الردف في القوافي المردفة ، فتقترب بذلك من نوع المقاطع الذي يقبله الأخفش ، وتخرج به من حد الشذوذ الذي ذكره .
هذا رأي خاص بي ، وقد يقبله الأخوة والأخوات الفضلاء في هذا المنتدى ، وقد يعترضون عليه ، فلو عرفنا إذن وجهات نظرهم ؟

د.عمرخلوف
11-13-2005, 07:49 AM
صامتان في قافية
يثير أخي سليمان أبو ستة من قضايا العروض ما يثري ويفيد .. فيحثنا على البحث والتنقيب والجري خلف أبحاثه الشائقة لاهثين. وها هو اليوم يثير مسألةَ (القافية التي يجتمع فيها صامتان)، متسائلاً عن شرعية ورودها.
وأعترف بدايةً بأن أبحاثي القافوية حول مثل هذه المسألة غير متعمقة، وإن لم تفتني بعض أمثلتها، على أوزان سوى (مجزوء الرمل المقصور الضرب) الذي أورده، ولعلّ في إثباتها ما يفيد:
فمن البند، يقول حسين العشاري/ على الهزج:
لَكَ النعمَةُ والحَمْدْ
وأنتَ الصّمَدُ الفَرْدْ
خَلَقْتَ الحرَّ والعبْدْ
فكم أبدعْتَ منْ أَمْرْ
وكمْ حيّرْتَ من فكْرْومن البند أيضاً، يقول معتوق الموسوي/ على الهزج أيضاً:
وليلُ الشجَرِ المُقْمِرِ في نَورٍ وفي الرَّنْدْولراشد حسين/ من مجزوء الوافر:
لأجلِكَ أنتَ يا فتحي == وصدّقْني لأجلِكَ أنْتْ
حَطَمْتُ القفلَ عن شفَتيَّ = عن قلبي ذبَحْتُ الصّمْتْ
ولمحمد عمر الطوانسي/ من الكامل:
إنْ كنتَ ترجو الفتْحْ
فالْجأْ لربِّ المَنْحْ
واستوْفِ منه الصّفْحْولنزار قباني/ من الخبب:
يامَنْ صوّرْتَ ليَ الدنيا كقصيدةِ شعْرْ
وزَرعْتَ جراحَكَ في صدري وأخذْتَ الصبْرْ
إنْ كنتَ حبيبي ساعدني كي أرحَلَ عنْكْ
أو كنتَ طبيبيَ ساعدْني كيْ أُشفى منْكْولمحمد الخليف/ من الخبب أيضاً:
يا نبضَ الشاعرِ في صوتي وغَدي والأمْسْ
يا خيطَ شعاعٍ قمَريٍّ يا وجْهَ الشمْسْ
سُلّي من نفْسي أوهامي وظنزنَ اليأْسْ
ويقول الموّال القديم/ وهو من وزن البسيط:
يادارُ أينَ ملوكُ الأرضِ أينَ الفُرْسْ
أين الذينَ حَمَوْها بالقَنا والترْسْ
قالت تراهمْ رِمَمْ تحت الأراضي الدرْسْ
سكوتْ بعد الفَصاحةْ ألسنتهمْ خرْسْوواضح أن فيما أوردناه من أمثلة (خلا الأخير) ليس فيه التزام حرفٍ قبل الروي، كالذي لمحه الأستاذ سليمان في شاهد الأخفش وأبيات العموري، وإن كنت معه في أن مثل ذلك الحرف ربّما شدّ من أزر القافية، وزاد في قوتها، بما يجعلها أكثر قبولاً.
ولي على هذه الشواهد ملمحٌ خاص لا علاقة له بعروض ولا قافية، وإنمّا بخاصية من خصائص العربية، التي لا تقبلُ الوقوف على صامتين، ويؤكد ذلك القراءة الصحيحة للقرآن الكريم، الذي يتفادى ذلك بتحريك الصامت الأول، كما في قوله تعالى: {{والفَجِرْ* وليالٍ عَشِرْ* والليلِ إذا يَسِرْ* هل في ذلك قسَمٌ لذي حِجِرْ}}، وقوله تعالى: {{والعَصِرْ* إنّ الإنسانَ لَفي خُسِرْ* إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحاتِ وتواصَوا بالحقِّ وتواصَوا بالصّبِرْ}} وتزداد مثل هذه الحركة ظهوراً على أحرف القلقلة كما هو واضح.
فكأنّ هذا النوع من الوقوف إنما كان بتأثير اللهجة العامية، التي يُظهرها شاهد (الموّال) المذكور. بل ربما كان الشاهد الفرد الذي أورده الأخفش، متأثّراً ببعض لهجات العربية التي كانت تقفُ على بعض القوافي بالنون، كالذي أورده الأخفش أيضاً:
أقِلّي اللّومَ عاذِلَ والعِتابَنْ = وقولي إنْ أصبتُ لقد أصابَنْبدل: (العتابا) و(أصابا).
أما تعليل أخي سليمان بأن سبب الشعور بالثقل راجعٌ إلى وقوع المقطع المديد على الوتد المبتور، فأرى أن الرجزَ في ذلك ليس بدْعاً عن غيره من البحور، وقد وقعت مثل هذه القوافي في الكامل: (مفعولانْ أو مفعولْ)، والخفيف: (مفعولْ).
يقول ابن الحسين الصنعاني/ من الكامل:
نُبّئْتُ أنّكَ يا حسينُ هجَوتَني = فعَلامَ ذلك يا أبا عبد اللهْ
ومَشورَتي أنْ لا تُحرّكَ ساكناً = وإذا عزَمْتَ الأمْرَ فاسْتَخِرِ اللهْ
(متفاعلن متفاعلن متفاعلن = متفاعلن متفاعلن مفعولانْ)
وقريبٌ منه ما تمثّل به عبد الملك بن مروان:
اِعْملْ على مهَلٍ فإنّكَ ميِّتٌ = واكدَحْ لنفسِكَ أيّها الإنسانْ
فكأنَّ ما قد كانَ لمْ يكُ إذْ مضى = وكأنَّ ما هو كائنٌ قد كانْ
(متفاعلن متفاعلن متفاعلن = متفاعلن متفاعلن مفعولْ)ولهذا أمثلة أخرى عديدة.
ومن الخفيف، قول حسين بن عبد الصمد الحارثي:
فاحَ نَشْرُ الصَّبا وصاحَ الدّيْكْ = وانثَنى البانُ يشتكي التحْريكْ
قمْ بنا نجتلي مُشعشَعةً = تاهَ منْ وجْدِهِ بِها النِّسّيْكْ
لو رآها المجوسُ عاكفةً = وحَّدوها وجانَبوا التّشْريْكْ
(فاعلاتن مستفعلن فعِلن = فاعلاتن مستفعلن مفعولْ)ولابن الصباغ، من الخفيف أيضاً:
إنْ تكنْ باحِثاً عنِ الأسْرارْ
فانتَشِقْ صاحِ نفحَةَ الأسحارْ
وأَطِلْ في الأصائِلِ الأذْكارْ
فهْيَ أذكى من عاطِرِ الأزهارْ
(فاعلاتن مستفعلن مفعولْ)ووقعت هذه القافية في المتقارب على: (فعولانْ)، و(فعولاتانْ)، كما وقعت في الهزج على (مفاعيلانْ)، وفي الرجز دون بتر الوتد على:(مستفعلاتانْ) وفي الخفيف على (فاعلاتانْ).

ولأخي سليمان جزيل الشكر على ما قدح به ذاكرةً كادت تصدأ.

أزكري الحسين
11-15-2005, 02:01 AM
السلام عليكم ورحمة الله
إذا لم تكن الغاية من تسكين الروي التخلص من الإقواء الحاصل في الأبيات الخمس الأولى من القصيدة، ألا يجوز أن نشكل الروي بالحركة المناسبة ليستقيم الوزن على عروض الخليل رحمه الله ؟ فتكون القصيدة من مجزوء الرمل وخاصة أن الروي غير مسبوق بحرف لين على شرط الأخفش، وقراءة الأبيات على هذا النحو تبدو مستساغة...
يــــــــا إلــــهـــــي
***
رَانَ قلبي منْ غُثَـا هَـمٍٍّ وأهْـوَاءٍ وكَبْـتِ
صارَ بِيدَاً في الحَنايا خالياً مـن كـلِّ نَبْـتِ
فارْعَوَتْ نفسي تُعيذُ الروحَ من غِيٍّ وجِبْـتِ
(فاعلاتن فاعلاتن**فاعلاتن فاعلاتن)
من ظلامِ الأمْسِ من دُنيَا ضلالٍ فيـه جُبْـتُ
فاقبَلنّـي يـا إلهـي إننـي ذا اليـومَ تُبْـتُ

كتبت هذا الرد، وكنت أتوجه بالسؤال إلى الأستاذ الأخ سليمان أبوستة قبل الاطلاع على رد الأستاذ ( د. عمر خلوف) وقد وجدت في الأبيات التي أوردها كنماذج على القافية التي تنتهي بحرفين (ساكنين) نفس العلة التي أشرت إليها في الأبيات السابقة:
فمن البند، يقول حسين العشاري/ على الهزج:
لَكَ النعمَةُ والحَمْدْ(دُ) == مفاعيل مفاعيلن
وأنتَ الصّمَدُ الفَرْدْ(دُ) == مفاعيل مفاعيلن
خَلَقْتَ الحرَّ والعبْدْ(دَ) == مفاعيلن مفاعيلن

ولمحمد عمر الطوانسي/ من الكامل:
إنْ كنتَ ترجو الفتْحْ (حَ) متْفاعلن متْفاعلْ
فالْجأْ لربِّ المَنْحْ (حِ) متْفاعلن متْفاعلْ
واستوْفِ منه الصّفْحْ(حَ) متْفاعلن متْفاعلْ

وقريبٌ منه ما تمثل به عبد الملك بن مروان:
اِعْملْ على مهَلٍ فإنّكَ ميِّتٌ = واكدَحْ لنفسِكَ أيّها الإنسانْ (نُ)
فكأنَّ ما قد كانَ لمْ يكُ إذْ مضى = وكأنَّ ما هو كائنٌ قد كانْ (نَ)
متفاعلن متفاعلن متفاعلن = متْفاعلن متفاعلن متْفاعلْ

ومن الخفيف، قول حسين بن عبد الصمد الحارثي:
فاحَ نَشْرُ الصَّبا وصاحَ الدّيْكْ(كُ) = وانثَنى البانُ يشتكي التحْريكْ(كَ)
قمْ بنا نجتلي مُشعشَعةً = تاهَ منْ وجْدِهِ بِها النِّسّيكْ(كُ)
لو رآها المجوسُ عاكفةً = وحَّدوها وجانَبوا التّشْريكْ(كَ)
فاعلاتن مستفعلن فعِلن = فاعلاتن متفْعلن فاعاتن=(مفعولن) (التشعيث في الضرب)
ولابن الصباغ، من الخفيف أيضاً:
إنْ تكنْ باحِثاً عنِ الأسْرارْ(رِ)
فانتَشِقْ صاحِ نفحَةَ الأسحارْ(رِ)
وأَطِلْ في الأصائِلِ الأذْكارْ(رَ)
فهْيَ أذكى من عاطِرِ الأزهارْ(رِ)
فاعلاتن مستفْعلن فاعاتن=(مفعولن) (التشعيث في الضرب)

و هذه النماذج كما يتضح تتغير فيها حركة الروي بين كسر وفتح وضم وقد يكون ذلك سببا في تسكين الروي فيجتمع ساكنان لا تطبق عليهما قاعدة "اكسر ما سبق" والعرب تقف على الساكن في النثر وتتحاشى ذلك في الشعر إلا للضرورة.
وقد حاولت استقصاء الحالات التي يجوز فيها اجتماع ساكنين في نهاية البيت،اعتماداً على ما تسمح به العلل أو الزحافات التي تجري مجراها، فوجدت مايلي:
البحر----------------التفاعيل----------------السبب
الرمل----------------فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتْ----------------ضرب مقصور
المديد----------------فاعلاتن فاعلن فاعلانْ----------------ضرب مقصور
السريع----------------مستفعلن مستفعلن مفعولاتْ----------------ضرب موقوف
المتقارب----------------فعولن فعولن فعولن فعولْ----------------ضرب مقصور
مجزوء البسيط----------------مستفعلن فاعلن مستفعلانْ----------------ضرب مذال
مجزوء الرمل----------------فاعلاتن فاعلاتانْ----------------ضرب مسبغ
مجزوء الكامل----------------متفاعلن متفاعلانْ----------------ضرب مذال
مجزوء المتدارك----------------فاعلن فاعلن فاعلانْ----------------ضرب مذال
المنسرح المنهوك----------------مستفعلن مفعولاتْ----------------ضرب موقوف
العلل:1-التذييل 2-التسبيغ 3-القصر 4- الوقف

(ولن أصدر أحكاماً في جواز ذلك أو امتناعه لأن الاستعمال هو العامل الأساسي في غالب الأحيان ولكل قاعدة استثناء، وإن كنا نغض الطرف أحياناً عن القيمة الحقيقية للشعراء الذين نستشهد بأشعارهم التي تخرق القواعد، خلافاً لما كان عليه جمهور اللغويين في عصور التنظير لعلوم العربية، وقد يكون تساهل العلماء المتمرسين بالعروض في الاستشهاد بأشعار المحدثين غير المتمكنين من اللغة والشعر - وما أكثرهم في عصرنا- سبباً في الطامة الكبرى التي جعلت (الشعر) على كل لسان، ورحم الله الزمان الذي كانت القبيلة تحتفل فيه بنبوغ شاعرها وأقول "شاعر" لا "شعراء"....قد تكون للشاعر مكانته في دنيا الشعر بمفهومه المعاصر بناء على جمهور القراء الذين يتذوقون شعره والفرص التي أتيحت له في وسائل الإعلام المختلفة وعدد الدواوين التي تمكن من نشرها... ويبقى رغم ذلك خارج دائرة الاستشهاد لكسر قاعدة راسخة، وعندما نتمكن ذات يوم من استقراء (الشعر) كل الشعر الذي يكتب في عصرنا تحت أي اسم كان سيكون في مقدورنا أن نستنبط منه القوانين التي تحكمه خارج عروض الخليل، وفي انتظار ذلك رحم الله الخليل ملأ الدنيا وشغل الناس.)

خشان خشان
11-16-2005, 12:08 AM
الأخ الأستاذ سليمان أبو ستة
هذا موضوع مهم كسائر ما تتفضل به. وهو محفز للتفكير.

جاء في كتاب (القوافي ) لأبي يعلى التنوخي (ص-71) :" والضرب الخامس [ يعني الصنف الخامس من القواقي] أن يجتمع في آخر البيت ساكنان ويقال له المترادف، لأنه ترادف فيه ساكنان، ويجوز أن يكون سمي بذلك لأنه أكثر ما يستعمل بحرف لين، وربما أتى بغير لين فيسمى مُصْمَتا، .........والمصمت كالمسموع يوم فتح مكة من بعض العرب وهو خامس السريع
رفّعت أذيال الحفيّ وأربَعْنْ
مشيَ حيِيّاتٍ كأنْ لم يفزعْنْ
إن يُمنع اليومَ نساءٌ يُمنَعْنْ
فالتقييد والردف لا زمان له، فلما عدم الردف هنا سمي مصمتا."
وجاء في الهامش:" قال التبريزي في الوافي :........ولا يجتمع فيه [ الشعر] ساكنان إلا في قواف مخصوصة. وربما جاء شاذا في غير القافية، نحو ما أملاه علي أبو العلاء في هذا المعنى"

آخر ما ذكر المؤلف من قولٍ هنا عن انعدام وجود زمان للردف موضع للتأمل. وهذا إلى جانب ما جاء في الهامش من امتناع التقاء الساكنين في الشعر يلتقيان في تصور أن الشعر خاص من عام اللغة والنثر، تزيد فيه خصائص اللغة تكثيفا، فهو لا يخالف أصل خصائص اللغة بل يكثفها فيما فيه مجال للمقارنة الجلية، وحتى في خاصية الوزن نجده يتفق مع خصائص النثر نوعا ويحصر تلك الخصائص كمّا، فالاختلاف بينهما اختلاف درجة لا اختلاف طبيعة، وهذا خلاصة وغاية ما طرحت تصوره المبدئي في ( هرم الأوزان ) وما أجده يستحق جهدا ونقدا لاستقصاء درجة صحته، لما يترتب على صحته أو حتى درجة معينة من صحته من آثار.
أدع النقطة الأخير من خصوصية وزن الشعر عند درجة معينة من منطق هرم الأوزان الذي يسود النثر. وأعود إلى التقاء الساكنين في نهاية البيت.

التقاء الساكنين لا يرد في النثر فلعله من باب أولى أن لا يرد في الشعر. وهنا محاولة لبحثه بربطه بمفهوم المتحرك والساكن وجهاز النطق عرضا لما أحس به واستفاضة يستدعيها السياق. وليس لي من أداة فيه إلا التأمل
الساكن في اللغة يجسده انطباق جزئين من جهاز النطق، وعندما يكون الساكن ميما فإن الشفتين تنتطبقان ولا تنفتحان من جديد إلا للفظ متحرك كما في كلمة ( أمْطرتْ ) تنطبق الشفتان في نطق الميم ثم تنفرجان بنطق الطاء المتحركة.
لنفترض أننا ننشد بيتا من الشعر ينتهي بساكن كالبيت:
من بلاء الألمْ ..........ويحه لم ينَمْ
هنا الميم ساكنة في آخر الشطرين وعند إنشاد البيت ببطء تنغلق الشفتان وتستمران منغلقتين فترة في نهاية كل شطر، ويستمر للميم في تجويف الفم والجوف صوت كأنه الصدى وذلك مع انغلاق الشفتين . أي لا ينطلق مع الساكن هواء من بين الجزأين المنطبقين عند نطق الميم ( الشفتين)

ولنتأمل لفظ التاء في قولنا ( إصْمِتْ ) فإنك تستطيع إبقاء اللسان ملتصقا بمقدمة سقف الحلق عند نطقها فترة تقارب إغلاق الشفتين بعد الميم في كلمة ( ينمْ) في البيت السابق

فلنأخذ البيت التالي ونطبق فيه على الميم والتاء الساكنتين ما اقتضاه الصمت المرافق لتكسين الميم في البيت الأول من انطباق الشفتين دون فتحمها لفترة وانطباق اللسان على مقدمة سقف الحلق .

صار ذا لوعةٍ ......من قعود وصمْتْ

أجد ذلك متعذرا

إن نطق هذه الكلمة بهذين الساكنين لا بد أن يصاحبه انفراج بقدر ما للشفتين وخروج قدر ما من الهواء من الفم وهذا ما يخل بدقة التقاء الساكنين. ويجعل ذلك أمرا تقريبيا فحسب.

لنعد إلى ما ورد في الرقمي تناظر بين صوت الطبل ولفظه بالأحرف
طَبْ طَطَبْ
حيث الطاء ثمل التحرك في الكلام وملامسة اليد بعد تحريكها ضاربة للطبل، وتمثل الباء السكوت الذي يعبر عنه انطباق الشفتين دون خروج أي قدر من الهواء. وتمثل الصمت الذي يعقب ضربة الطبل.
معنى ذلك أن الحدث في الكلام والموسيقى يبدأ بالحركة وينتهي بالسكون.
لنأخذ كلمة طبْلْ بسكون الباء واللام ولنتأمل نظيرها من صوت الطبل عند دقه
( ضربة - طَ ) فـ(ـصمت - بْ ) يمثلان الحدث بداية ونهاية. ثم لام ساكنة تمثل نهاية لحدث لم يبدأ. إن هذه الاستحالة المنطقية في الموسيقى يناظرها في النطق استحالة لفظ الباء واللام الساكنتين مع انطباق زوجي جهاز النطق الخاصين بالحرفين مع عدم خروج أي قدر من الهواء من الفم. نظير استحالة لفظ صمْتْ بنفس الشروط.
وهذا يردنا إلى ما ورد في المقدمة من قول
إن هذا يحملنا إلى صعيد فكري آخر يتعلق بالخلق وبداية الكون وتوحيد الله سبحانه
فلا يمكن للفكر البشري ولا ينبغي له أن يدرك معنى ما قبل لحظة الخلق، فهو كما قدر الله له لا يدرك بدء شيء (الكون مثلا) إلا مقترنا بحركة تدركها الحواس حتى لو بواسطة الأجهزة ومهما تطاولت بدايتها في سابق الزمان. وهو بقدر الله لا يمكن لحواسه أن تدرك استمرار حدث بعد توقف الحركة الظاهرة ( نهاية الكون مثلا). ولهذا كان إدراكنا لما قبل الوجود وما بعده مقتصرا على ما جاء به الوحي.

وهنا تمثل اللغة العربية انسجاما مع فطرة الله التي فطر الكون عليها حين يمتنع فيها التقاء الساكنين.
لله در القائل:
وفي كل شيء له آية .........تدل على أنه الواحد

ويردنا هذا إلى قول أبي يعلى التنوخي : " والردف لا زمان له" وما لا زمان له فلا وجود له بغض النظر عن تسميته.
التقاء الساكنين في اللغات الأخرى أمر تقريبي وغير دقيق.
تصور كلمة street في اللغة الإنجلزية هل حقا يبدأ الصوت بحرف السين أم بهمزة خفيفة يمثلها خروج قدر ضئيل من الهواء قبل السين؟ وهذا القدر الضئيل يمثل حركة ضئيلة وبدء زمن ضئيل والقول بنطق سين ساكنة سكونا مطلقا في أول الكلام كالقول بتساوي العدم ( متمثلا في السكون) والوجود ( متمثلا بحدث نطق السين ).
وقد يصعب على كثير من العرب التحكم في قدرالهواء الضئيل الضروري لنطق السين في أول الكلمة فيعدلون عن ذلك إلى تحريك حرف السين لتصبح الكلمة أقرب إلى ( سِتْريت) أو زيادة كمية الهواء لتصبح الكلمة أقرب إلى ( إسْتريت ) منسجمين في ذلك مع فطرة لغتهم المنسجمة مع فطرة الكون.
كأن في تقليل هذا القدر من الهواء الخارج من الفم مؤذنا بنطق السين في أول الكلمة ثم إنكار وجوده أصلا بالقول إن الكلمة تبدأ بساكن مناظرا لغض نظر من لا يؤمن عن حقيقة أن الكون بادئ طارئ وأنه لا بد له من مبدئ هو الله سبحانه وتعالى.
وتبدو العربية في إبانتها عن رفض البدئ بساكن والجهر بحركة واضحة للبدء مناظرة لوضوح اليقين في أن الكون بادئ لا بد له من خالق.

د.عمرخلوف
11-16-2005, 11:16 AM
كثيراً ما يؤدي بنا سوء فهم الكلام إلى بناء أحكامٍ خاطئةٍ عليه. وعلى الرغم من جمال ما تكلّم فيه أخي خشان، إلاّ أنه كان بناءً على فهمٍ خاطئٍ لكلام التنوخي، وحاشية المحقق، عوني عبد الرؤوف. فليس في كلام التنوخي ذكرٌ لزمانٍ ولا مكان!
ولستُ أدري كيفَ صَرَفَ الأساذ حديثَه إلى (الزمان في الردف) دون (التقييد)، من قوله: (فالتقييدُ والردفُ لا زمان له).
فمن الواضح أن التنوخي يقصد لزوم الردف والتقييد معاً للقافية في خامس السريع، فهما (لازِمان) لها.
* * *
أما امتناع التقاء الساكنين في الشعر ، وكذلك في النثر، فليس على إطلاقه كما فهم أخي خشان، وإنما يقتصر على امتناع وجوده في حشو الشعر أو الكلام. فما أكثر ما يلتقي ساكنان في قوافي الشعر، وفواصل النثر، كما هو معروف، بل "ربّما جاء شاذاً في غير القافية" كما نقل التنوخي، وذلك إشارة إلى بعض ما جاء من ذلك في حشو (المتقارب)، وهو قوله:
فرُمْنا القصاصَ وكانَ التّقاصُّ = فرْضاً وحتْماً على المسلميناوقوله كذلك:
ولولا خداش أخذْتُ دَوابَّ = سعْدٍ ولمْ أعطِهِ ما عليهاوكنتُ ولا أزال أعاني من سوء فهم المحققين لِما يحققونه من قديم المخطوطات. وما أكثر أخطائهم وأوهامهم في ذلك.
وكان د.عوني عبد الرؤوف، محقق كتاب القوافي للتنوخي، قد زاد الطينَ بلّة، بوضعه حاشيةً نقلَ فيها قول التبريزي: "ولا يتولى [يتوالى] في الشعر أكثر من أربعة أحرف متحركات، ولا يجتمع فيه ساكنان إلاّ في قوافٍ مخصوصة، وربّما جاء شاذاً في غير القافية، نحو ما أملاه على [عَلَيَّ] أبو العلاء المعرّي في هذا المعنى".
فلا مكانَ لجميع ما جاء في هذه الحاشية، وكان يكفيه الإشارة إلى قوله: " ولا يجتمع فيه ساكنان إلاّ في قوافٍ مخصوصة".

يقول المعري (الصاهل، ص162): "إنّ الكلمةَ إذا اجتمعَ فيها ساكنانِ يتوسطانها لم يمكن أن تُنْظم في حشو البيت الشعري، إلا في موضعٍ واحدٍ، كقوله: فرُمْنا القصاصَ وكان التقاصُّ ..".
ونقلَ الأخفش (العروض، ص164): أن الخليلَ "لا يُجيزه"، على الرغم من إنشاده البيت المذكور.

خشان خشان
11-16-2005, 06:55 PM
أخي الدكتور عمر خلوف

وجودك ووجود أهل الفضل والأدب في هذا المنتدى ومنهم المشاركان الكريمان معك في هذا الموضوع نعمة كبيرة تعوض قلة مشاركي هذا المنتدى ومشاركاته.
فلا يعدم المرؤ منكم تعليما أو تقويما في حالي اتفاق وجهات النظر أو اختلافها.
وهذا الذي نبهتني إليه من خطأ قراءتي مثال على ذلك. فلك الشكر

لقد دهشت من نفسي عندما قرأت قولك :" ولستُ أدري كيفَ صَرَفَ الأستاذ حديثَه إلى (الزمان في الردف دون التقييد)، من قوله: (فالتقييدُ والردفُ لا زمان له) .
فمن الواضح أن التنوخي يقصد لزوم الردف والتقييد معاً للقافية في خامس السريع، فهما (لازِمان) لها.

حقا لقد قرأتُها ( لا زمانَ له ) على أساس اللام النافية للجنس، وقراءتك ( لازمانِ له – مثنى لازم) طبعا هي الصواب. وربما لم أكن لأقرأها هكذا لولا :
1- هوى النفس الذي يتحكم لا شعوريا في الشخص ، وهذا تفسير وليس تبريرا، إذ لو حملناه على أنه تبرير لكان أقبح من الذنب. أقول هذا والكلمة (لازمان) واضحة المعالم في الكتاب لا يفصل بين الألف والزاي فيها فاصل. ذلك أن عبارة ( لا زمانَ له ) مؤيدة لوجهة نظري، وربما لو اطلعت على النص في غير هذا السياق لقرأته كما هو صحيحا.
2- واستعانة نفسي لصالح هواها باستحضار عبارة ( والتقييد والردف لازم له ) باعتبار الضمير الهاء عائد إلى الردف، خاصة وأن معنى هذه العبارة صحيح. فلما توهمت أن الهاء عائدة في هذه العبارة على التقييد، كان ذلك مشجعا على استبعاد التثنية مما أدى إلى استطراد الخطأ.

على أنّ خطئي في هذه القراءة لا ينقض الموضوع ذلك أني وجدت في قراءتي الموهومة مؤيدا لما ذهبت إليه، واتضاح الخطأ في القراءة يبقى القضية دون هذا التأييد ولكنه لا ينفيها. إذ أقول :
" التقاء الساكنين لا يرد في النثر فلعله من باب أولى أن لا يرد في الشعر. وهنا محاولة لبحثه بربطه بمفهوم المتحرك والساكن وجهاز النطق عرضا لما أحس به واستفاضة يستدعيها السياق. وليس لي من أداة فيه إلا التأمل "

على أنني أخصص هنا ما افترضته مفروغا منه لاتضاحه من السياق في أصل المشاركة وأكثر ما تلاها من أن المقصود هنا بالساكن هو الحرف المصمت أي ليس أيا من حروف المد وليس أيا من حرفي اللين ( الياء أو الواو الساكنتين ).
صحيح أن الساكن والممدود لهما نفس الدلالة في الوزن وكثيرا ما تدل عليهما كلمة ساكن. ولكن الأمر – على عدم تأثيره في الوزن - يختلف في أغلب القافية من مصمت ساكن إلى ممدود وبينهما يقع حرفا اللين.
ولمزيد من التوضيح بدلالة الرقمي فإن
صاتْ = 2 ه
صمْتْ =2* ه
التقاصُّ = 2* 3 ه 1

فإن الساكن المستقل برمز السكون (ه) في كل من ( صاتْ و التقاصُّ ) يقع بعد مقطع ممدود أو مطلق الآخر 2ه أو 3 ه وليس هذا محور الحديث. ولو أنه جدير بالتفكير
وإنما محور الحديث هو التقاء حرفين صامتين ساكنين يشملهما الوزن 2*ه أو 3*ه
وهو ما يبقى قائما بعد استبعاد القراءة الخاطئة التي تفضلت بتصويبها.

كلي أمل بأن تستأنف أخي فضلك في إبداء وجهة نظرك على هذا الأساس.

والله يرعاك.

د.عمرخلوف
11-18-2005, 10:39 PM
أخي الأستاذ خشان
بارك الله فيك ورعاك
في مداخلتي الأولى ذكرتُ أن مثل هذه القوافي ربما كانت من تأثير اللهجة العامية، أو تأثير بعض اللهجات العربية القديمة، وأشرت إلى ما بقي في الذاكرة من طرائق الوقوف على الفواصل القرآنية.
وعندما عدتُ إلى كتاب القوافي للأخفش (ص94 فما بعد) رأيته يتحدث عن هذه الخاصية في العربية، حيثُ أشارَ إلى أن الشاعر إذا احتاجَ إلى مثل حركة (بكْر) في الرفع قال: (بكُرْ)، وفي الجر (بكِرْ)؛ حرَّكَها بحركة [الحرف] الآخِر.
وأما في النصب، فيحركها على حركة ما قبله، فيقولُ: رأيتُ (البَكَرْ) و[حفظتُ](العِلِمْ)، و[هدمتُ](الجُحُرْ)، وذلك لأنهم قد يتبعونه الأوّلَ في الجر والرفع فيقولون: (هِنِدْ) إذا وقفوا، و(هذا عِلِمْ).
وضرب لذلك مثالاً، قوله:
علَّمَنا إخوانُنا بنو عِجِلْ
الشغْزَبِيَّ واعتقالاً بالرّجِلْ
وفي باب ما يجتمع في آخره ساكنان في قافية يقول:
وذلك لا تبنيه العربُ إلاّ أنْ يجعلوا الأولَ منهما حرفَ لين ... لأنه لمّا اجتمع ساكنان كان ذلك مما يثقُلُ. ولا يكون في الإدراج ... فأدخلوا المدَّ واللين ليكونَ عوضاً من ذهاب التحريك، وقوةً على اجتماع الساكنين.
لكنه قال: وقد جاء بغير حرف لين، وهو شاذ لا يُقاس عليه، قال:
أرْخِينَ أذيالَ الحِقيّ واربَعْنْ
مشيَ حَييّاتٍ كما لم يفزَعْنْ
إن يُمنَعِ اليومَ نساءٌ تُمنَعْنْ وقد أخبرني بعضُ من أثق به أنه سمع:
أنا جريرٌ كُنيَتي أبو عَمْرْو
أَجُبُناً وغَيْرةً تحتَ الستْرْ وقد سمعتُ من العرب:أنا ابْنُ ماوِيّةَ إذْ جَدَّ النّقْرْأسكنَ القاف.

خشان خشان
11-18-2005, 11:02 PM
سلمت وغنمت أخي الدكتور عمر خلوف

فقد أفدت وأصّلت ولكن أتمنى رأيك فيما يلي بناء على تقييمك الشخصي بما لك من تمثيل للذائقة العربية لفظا وطبعا وعلما وإحساسا بنبضها.
كما وأتمنى أن يدلي الأخ الأستاذ سليمان أبو ستة برأيه في هذا الصدد.

أنت إذا لفظت العين ساكنة في آخر كلمة مثل ( أربعْ ) ينقبض الحلق فترة دون أية حركة للهواء خلاله فترة ما.
فهل عند لفظ العين ساكنة في ( أربَعْنْ ) يكون الحال ذاته من إحكام انقباض الحلق وامتناع حركة الهواء وطول الفترة التي يتم فيها ذلك كما هو الحال في لفظ العين الساكنة في كلمة (أربعْ).؟ أم أن ثمة اختلافا ولو ضئيلا ؟

حفظك الله ورعاك.

سليمان أبو ستة
11-21-2005, 12:37 AM
لا خلاف بين الإخوة الفضلاء على الإقرار بثقل المقطع المديد الذي ينتهي بصامتين في بعض القوافي ، بل إن الأستاذ خشان يرى ذلك متعذرا في الشعر ، ومع ذلك تفضل الدكتور عمر خلوف بتتبع أمثلة عديدة لهذه القوافي في ضروب لم يذكرها الخليل في حين وجد الأستاذ أزكري الحسين أن مثل هذا العمل " يبقى رغم ذلك خارج دائرة الاستشهاد لكسر قاعدة راسخة، وعندما نتمكن ذات يوم من استقراء (الشعر) كل الشعر الذي يكتب في عصرنا تحت أي اسم كان سيكون في مقدورنا أن نستنبط منه القوانين التي تحكمه خارج عروض الخليل " .
والواقع أنه من المستحيل ، في ظل حيوية الشعر العربي المتنامية واستمرار تدفقه ، أن تتم عملية استقراء تامة لجميع أوزانه وضروبه ، ولذلك فنحن في هذه الحالة نلجأ إلى ما يسمى بالاستقراء الناقص بحيث يتم بناء الفرضيات من خلال النتائج التي تصدر عن العينة المتخذة موضع الدراسة . من هذه الفرضيات ، ولا أقول القوانين ، القاعدة التي تتصل بملاحظة ظهور المقطع المديد في القوافي والقائلة : " عند الوقف التام يجوز استخدام المقطع المديد على الوتد الصحيح غير المسبوق بسبب ملتزم القبض ، كما يجوز استخدامه على السبب ما لم يكن مسبوقا بالوتد " .
وقد رأينا أنه لم يشذ عن هذه القاعدة في جميع الضروب التي أحصاها الأستاذ أزكري إلا واحدا هو ضرب مجزوء الرمل المسبغ ، الذي قال عنه المعري إن العرب لم تستعمله وعدّ شاهده من وضع الخليل . وأما ضربا السريع والمنهوك الموقوفان فإنهما في التحليل الوزني القائم على إنكار الوتد المفروق يمكن ردهما الى الرجز مع القطع في وتديهما .
وعلى العروضيين دوما الوقوف موقف الراصد لكل تحولات الإيقاع العروضي ومحاولة تقنين تغيراته الملحوظة ، مهما كان وزن الشاعر الذي يأتي بما لم يذكره الخليل ، فقد زاد الأخفش ضربا مقصورا على ضروب الطويل الثلاثة هو ( مفاعيلْ ) ومثل له بقول امرئ القيس :
أحنظل لو حامَيتُمُ وصَبرتُمُ.............لأثنَيتُ خَيراً صالحاً ولأرضانْ
ثيابُ بني عَوفٍ طَهارى نقيةٌ ..........وأوجُهُهم بيضُ المَشاهد غُرّانْ
وقد وضع الأخفش استنادا إلى هذا الشاهد ، وغيره من الشواهد التي اعتبرها العروضيون مطلقة محمولة على الإقواء أو الإصراف ، قاعدة يقاس عليها حيث قال : " وقد يجوز في هذا القياس تقييد الطويل إذا كان آخره ( مفاعيلن ) لأنه إذا قُيّد جاء ( مفاعيلْ ) بين ( مفاعيلن )
و( فعولن ) " ثم قال : " ويجوز ذلك في الرمل الذي على أربعة أجزاء ، نحو قوله :
قيلَ قُم فانظُر إليهمْ ............ثمّ دَعْ عنك السُمودْ
لإنه إذا جعله ( فاعلانْ ) صار بين ( فاعلاتن ) و ( فاعلن ) فهو مثل ما جاء في القياس ، ولم نسمعه ، ولا أراه إلا لقلة هذا الشعر وضعفه " .
وقد دهشت اليوم وأنا أقرأ هذا النص للأخفش في كتاب القوافي كيف لم أفطن لهذه الفقرة الأخيرة ، على كثرة ما رجعت لهذا الكتاب .. إذن لكنت جعلتها تتصدر موضوعنا هذا ولقلت إن الأخفش كان أول من ابتكر هذا الوزن على مبدأ القياس الذي أقرّه منهجا للبحث العلمي .
وإذن فإن أختنا مريم قد قادتها سليقتها الإيقاعية إلى وزن وضعه الأخفش بناء على القياس ( ولم يسمعه ) ثم إنها باتخاذها القافية التي تنتهي بصامتين لم تكن تعلم أن الأخفش يستقبحها . وفي رسالة خاصة وردتني من الشاعرة مريم العموري ، بعد أن اطلعت على هذا النقاش الدائر ، وجدتها تقول :
" عندما بدأت بكتابة القصيدة كانت في ثلاثة أبيات كالتالي :
كلما أرسلت في الإحساس وشي القلب .. كان الحب أنتْ
كلما اعتادت على روحي رفوف الحزن .. كان العطف أنتْ
كلما أنستني الدنيا وصالا فيك .. كان العفو أنتْ
غبت بعد انشغال ، ثم عندما عدت للكتابة مرة أخرى .. كانت القصيدة بشكلها الأخير على مجزوء الرمل ، في حين أن هذه الأبيات غير ذلك . لا أدري ماذا أسمي البحر فيها فهو بين التام والمجزوء .. ولو لم ينقطع عني وترها ، بتركي لها بعض الوقت ، لكنت ، ربما ، أكملتها على هذه الشاكلة " .
وهنا نراها في خضم مخاضها الإيقاعي تركب بحرا مؤلفا من خمسة تفعيلات ، وهو مما لم يقل به الخليل ، ولا كانت تنحو به نحو شعر التفعيلة الحر، غير أنه في النهاية أسفر عن ذلك الشكل الذي استدركه الأخفش قياساً ، وهو ما يدلنا على أن الشاعر الحقيقي يتصرف بناء على ما تمليه عليه غريزة الإبداع عنده ، وعلى العروضيين ، بناء على اطراد الشواهد ، أن يقيموا قواعدهم .
وأما فيما يتصل بالقافية التي تنتهي بصامتين ، وقد سألني الأخ خشان رأيي فيها ، فإني أجدها مستساغة إذا كان الصامت الأول منها مما يمتد في النفس على نحو يشبه مد الحركات الطويلة وليس تلك التي ينغلق فيها انغلاقا تاما كالباء والتاء وغيرهما . فصوتا الميم والنون يعتبران من الصوامت الغنّاء ، وكذلك اللام المنحرفة أو الجانبية والراء المكررة والحاء والعين والهاء وهي أصوات احتكاكية ، كلها تصلح لأن تقع موقع حرف المد في المقطع المديد لينتهي بصامتين ، ولا ننسى نصفي المد وهما الواو والياء ، وكان اللغويون القدماء يعدونهما من الحروف الصحاح . وقد كفانا الأخ الدكتور عمر خلوف مؤونة البحث عن مزيد من الأمثلة بما تفضل بذكره في مستهل هذا النقاش .

د.عمرخلوف
11-23-2005, 11:48 PM
ليس من تعليقٍ على ما ورد في مداخلة الأستاذ سليمان، سوى الإشارة إلى أن المؤلّفَ على خمس أو سبع تفعيلات من الشعر أصبح ظاهرةَ شائعة في المحدث منه، وهو يشمل معظم البحور الساذجة/الصافية، وبما أننا لا نزال في جو بحر الرمل فأنا أشير إلى بعض ما وجدته على ضرب أبيات العموري، مغفلاً ما جاء منه على فاعلن أو فاعلاتن ..
يقول الجواهري:
وارتمَتْ منْ شفَقٍ دامٍ على الأرضِ جراحٌ وجراحْ
وتهاوتْ فوقهُ من مِزَقِ الغيْمِ صَبيّاتٌ مِلاحْ
والكَراكي عُصَبٌ دُكْنٌ تشابكْنَ جناحاً وجناحْ
وبعيداً في ذرى الشرقِ نُجيماتٌ مِراضٌ وصِحاحْ ويقول طاهر زمخشري:
عدْتُ يا نافذتي الحلوةَ يا مبعثَ آمالي الوِضاءْ
عدْتُ في كفيَّ آمالي وفي عيني بقايا من رجاءْ
أُرسِلُ النظرةَ للأفْقِ اختلاجاً بين أطباقِ الفضاء وللجعفري:
أظلَمَ الليلُ وقامتْ ثورةُ الأمواجِ والبحرُ عميقْ
أَفَهلْ يدري المُخفّونَ على الساحلِ ما حالُ الغريقْ ولعبد السلام حافظ:
كنتِ شعري في صبايَ الحيِّ والإحساسُ دفّاقُ اللهيبْ
لم يكن لي غير قلبٍ شاعرٍ بالحسنِ مجنونِ الوجيبْ
عاشَ في أحلامِهِ عَفَّ الهوى يشدو ويكويه النحيبْ بل إنْ في قول الصيرفي التالي ما ينسجم مع موضوع الصامتين في القافية:
أيها المنديلُ قد أدركْتُ معنىً فيكَ لم أُدرِكْهُ قبْلْ
أنتَ مِنْ إهدائها في ساعة الحلم، وساعُ الحلم جهْلْ
منْ أَمانِيَّ نُسِجْتَ .. يا لها ولّتْ من الدنيا .. فهلْ (يلاحظ أن التفعيلة الثانية من البيت الأخير جاءت على فعِلاتُ والضرب على فاعلن)

خشان خشان
05-13-2013, 05:55 AM
أيها المنديلُ قد أدركْتُ معنىً فيكَ لم أُدرِكْهُ قبْلْ


لو التزمنا دقة السكون في حرفي الباء واللام من كلمة (قبْل) هل يمكننا لفظها ؟

أرجو تجريب ذلك. مع ملاحظة الفرق بين تسكين الباء تماما وتحريكها ولو قليلا كما في القلقلة .