خشان خشان
01-11-2015, 05:32 PM
http://www.alittihad.ae/assets/images/Thaqafa/2011/07/30/320x240/2a-na-51449.jpg
http://www.alittihad.ae/details.php?id=71129&y=2011&article=full
ناقش جمالياته وآليّات تلقّيه عند العرب
عبد اللطيف الوراري يحاور تاريخ علم العروض في «نقد الإيقاع»
تاريخ النشر: السبت 30 يوليو 2011
محمد نجيم
صدر ضمن منشورات دار أبي رقراق للنشر بالرباط، الطبعة الأولى من كتاب الشاعر والناقد والباحث المغربي عبد اللطيف الوراري، الموسوم بـ “نقد الإيقاع: في مفهوم الإيقاع وتعبيراته الجمالية وآليات تلقيه عند العرب”.
وسبق للباحث عبداللطيف الوراري الذي يزاوج بين النقد والكتابة الشعرية، أن صدر له عدا ترجماته الأدبية عن الفرنسية، في الشعر “لماذا أشهدت علي وعد السحاب؟”عام 2005 م، و “ترياق” عام 2009 م. وفي النقد: “تحولات المعنى في الشعر العربي” عام 2009 م.
ويغوص الكاتب في كتابه “ نقد الإيقاع” ليبحث في “مفهوم الإيقاع، ويستجلي مختلف التعبيرات الجمالية التي دلّ بها القدماء عليه، وذلك ارتباطاً بتلقّيهم له في تعبير شعري، أو داخل قانون محدّد، أو بالنظر إلى علاقة خفيّة. فكان من هذه التعبيرات ما هو أدخل في حيّز المسموع، أو كان في حيّز المفهوم، استناداً على مبدأ التناسب الذي استفادوه من لقائهم الآخر، الإغريقي تحديداً “فيتاغورس، أفلوطين، أرسطو”، وثمّروه في عقيدتهم التوحيديّة ورؤيتهم للإنسان والعالم.
ويتّخذ الباحث من رهان استراتيجيّة الدراسة رهاناً نقديّاً مُتعدّداً يتمثّل في نقد أهمّ فرضيّات العروض العربي، بقدرما ينتقد تصوّرات الشعرية العربية عن مفهوم الإيقاع وعمله وظواهره، كما يعمل على بحث القضايا المعرفية ذات الصلة التي طرحتها الأطر النظرية في حقل الدراسات القرآنية، وعلمي الموسيقى والتجويد، وتأمّلات الفلسفة.
قُسّمت الدراسة إلى “فصولٍ ستّة متراكبة، وثبْتٍ بمصطلحات الإيقاع، وفهرس المصادر”
يبحث الفصل “علم العروض وقضايا النظرية في الوزن والقافية، ويرتبط الفصل الثاني ببحث أوجه العلاقة المفترضة بين العروض والإيقاع في ارتباطهما بهويّة القصيدة العربية، وبالتالي جهود علماء البلاغة والنقد القدامى في تلقّي الإيقاع وبلورة المعرفة به، من خلال آرائهم في عناصر القصيدة ودوالّها. وهو ما تواصل البحث فيه الفصول الثلاثة الموالية، من منظور مُتطوّر يشرطُ حدوث الإيقاع بالتناسب الصوتي والدلالي، بتعبيراته البلاغية والموسيقية والفلسفية والإعجازية. أما الفصل السادس فيناقش ثنائية الشعر والنثر، وتاريخيّتها، ويكشف كيف أنّ المفاضلة بينهما حجبت الإيقاع لحساب أولويّة الوزن، فيما يتطرّق الفصل السابع إلى أشكال الإيقاع التوشيحي وتبلور بنائه المعماري في الموشّحات والأزجال، في المغرب والمشرق .
وتنتهي الدراسة بخاتمة تُركّب الحصيلة النقدية، بقدرما تنفتح على الإمكانات التي فتحها اليوم بحث الإيقاع، هذا المجهول واللانهائي. ولتيسير مقاصد الدراسة وضع في آخرها ثَبْت بأهمّ مصطلحات الإيقاع الواردة فيها: العروضي، البلاغي، التجويدي والموسيقى”.
ويرى الوراري أن هذا السؤال: ما الإيقاع إذن؟ لم يطرح لدى القدماء بهذه الصيغة، وإنما بصيغ “ مختلفة ومتنوِّعة؛ ولهذا، تعدّدتْ إجاباتهم الصريحة والضمنية عنه، من مُصْطلحٍ إلى آخر، ومن إشكالٍ مجالٍ معرفيٍّ إلى آخر، ومن ذات إلى ذات في تأمُّل موضوعها. فالإيقاع من أندر المصطلحات التي لم تُدرك طابعها المفهوميّ والمُجرَّد ليس في الثقافة العربية وحدها، بل في ثقافات ثانية، بسببٍ من أنّه يُوجد واقعاً ذهنيّاً، وليس شيئاً طبيعيّاً، وهو ما يجعل تأويل الإيقاع ومَفْهمته إلى خبرَةٍ وفهْمٍ وحساسيّة. وهو كغيره من الألفاظ، كان يحتاج إلى الانتقال من مرحلة إلى تالية متطوّرة. من الحقيقي والمحسوس إلى المجاز، فالاصطلاحي. ذلك ما ينبّهنا إليه الفارابي “ت 339هـ”، في حديثه عن “أصل اللغة واكتمالها” من كتابه “الحروف”.ويقول الباحث “نجد لدى القدامى وَعْياً مُبكّراً بأهمية المصطلح وقيمته في بناء العلم، فوضعوا تآليف كثيرة بهذا الشأن تحتفي الحدّ والتعريف، أمْناً للالتباس والاضطراب والخلط، بل إنّنا وجدنا بينهم، في أحيانٍ أخرى، تَمايُزاً في مدلول المصطلح من حيث مرجعيّته وآليّة اشتغاله. ومع وفرة المصطلحات في علم العروض، إلّا أنّ (الإيقاع) لم يرد عند العروضيّين بشكْلٍ يثير التساؤل والحيرة: هل يُعْقل أنّ عِلْماً جعل نصْبَ المشكلة الإيقاعية في الشعر لا يصطلح بالتسمية على دالّ الإيقاع؟
يمكن أن نربط المسألة بالفكر الجمالي لدى هؤلاء العلماء وغيرهم في حقولٍ لها صلة مباشرة بالإيقاع اللفظي في الشعر، وهو الفكر الذي غلب عليه الطابع الحسّي في رؤيته للعالم، وفي تذوُّقهم للجمال وانفعاله بصوره انفعالاً حسّياً. وهكذا، فقد كان هذا الفكر يشتقُّ مصطلحاته من البيئة التي يحيا فيها، ومن الاستعارات التي كان يحيا بها، دون أن يرتقي إلى خبرة المفهوم وتعقُّده. يروي المرزباني (ت384هـ) عن واضع علم العروض الخليل بن أحمد الفراهيدي: “قال: رُتِّبت البيت من الشِّعْر ترتيب البيت من بيوت العرب الشَّعَر ـ يريد الخباء ـ قال: فسمّيتُ الإقواء ما جاء من المرفوع في الشعر والمخفوض على قافية واحدة.. وإنّما سميتهُ إقواء لتخالفه، لأنّ العرب تقول أقوى الفاتل إذا جاءت قوّة من الحبل تخالف سائر القوى. قال: وسمّيتُ تغير ما قبل حرف الرويّ سناداً من مساندة بيت إلى بيت..” ، إلخ. لكن يجب ألّا تخدعنا هذه المفردات الحسّية التي دلّ بها على علمه، فخلفها تثوي روح الخليل وعبقريّته الفذّة التي تقوّمت بها أعظم نظريّة في عروض الشعر وأوزانه لم تُثِرْ مثلها، عبر التاريخ الإنساني، هذا الاهتمام من لدن العلماء بهما، ونِقاشَهم المُخلْص حولها.
ولأنّ دالّ الإيقاع بقي في الكمون، ولم يُطْرح في سياق النقاش النقدي الذي طال بلاغة الشعر العربي لدى القدماء، فقد تعرّض أكثر من غيره لغموضٍ شديدٍ والتباسٍ بمفهوم الوزن الذي طالما أخذ مكانه وعبّرَ بالنيابة عنه. لقد ساد الاعتقاد فترةً طويلةً بأنّ الإيقاع ليس إلا حصيلة للوزن والقافية، فانْحَصرَ الهمُّ النقدي بدراسة الأوزان والقوافي في القصيدة العربية لاستخلاص موسيقى الشعر وإيقاعاته، ممّا جعل هذا النمط النقدي في إحراجٍ كبيرٍ نتيجة التطوُّر الذي تمَّ في بنية القصيدة.
http://www.alittihad.ae/details.php?id=71129&y=2011&article=full
ناقش جمالياته وآليّات تلقّيه عند العرب
عبد اللطيف الوراري يحاور تاريخ علم العروض في «نقد الإيقاع»
تاريخ النشر: السبت 30 يوليو 2011
محمد نجيم
صدر ضمن منشورات دار أبي رقراق للنشر بالرباط، الطبعة الأولى من كتاب الشاعر والناقد والباحث المغربي عبد اللطيف الوراري، الموسوم بـ “نقد الإيقاع: في مفهوم الإيقاع وتعبيراته الجمالية وآليات تلقيه عند العرب”.
وسبق للباحث عبداللطيف الوراري الذي يزاوج بين النقد والكتابة الشعرية، أن صدر له عدا ترجماته الأدبية عن الفرنسية، في الشعر “لماذا أشهدت علي وعد السحاب؟”عام 2005 م، و “ترياق” عام 2009 م. وفي النقد: “تحولات المعنى في الشعر العربي” عام 2009 م.
ويغوص الكاتب في كتابه “ نقد الإيقاع” ليبحث في “مفهوم الإيقاع، ويستجلي مختلف التعبيرات الجمالية التي دلّ بها القدماء عليه، وذلك ارتباطاً بتلقّيهم له في تعبير شعري، أو داخل قانون محدّد، أو بالنظر إلى علاقة خفيّة. فكان من هذه التعبيرات ما هو أدخل في حيّز المسموع، أو كان في حيّز المفهوم، استناداً على مبدأ التناسب الذي استفادوه من لقائهم الآخر، الإغريقي تحديداً “فيتاغورس، أفلوطين، أرسطو”، وثمّروه في عقيدتهم التوحيديّة ورؤيتهم للإنسان والعالم.
ويتّخذ الباحث من رهان استراتيجيّة الدراسة رهاناً نقديّاً مُتعدّداً يتمثّل في نقد أهمّ فرضيّات العروض العربي، بقدرما ينتقد تصوّرات الشعرية العربية عن مفهوم الإيقاع وعمله وظواهره، كما يعمل على بحث القضايا المعرفية ذات الصلة التي طرحتها الأطر النظرية في حقل الدراسات القرآنية، وعلمي الموسيقى والتجويد، وتأمّلات الفلسفة.
قُسّمت الدراسة إلى “فصولٍ ستّة متراكبة، وثبْتٍ بمصطلحات الإيقاع، وفهرس المصادر”
يبحث الفصل “علم العروض وقضايا النظرية في الوزن والقافية، ويرتبط الفصل الثاني ببحث أوجه العلاقة المفترضة بين العروض والإيقاع في ارتباطهما بهويّة القصيدة العربية، وبالتالي جهود علماء البلاغة والنقد القدامى في تلقّي الإيقاع وبلورة المعرفة به، من خلال آرائهم في عناصر القصيدة ودوالّها. وهو ما تواصل البحث فيه الفصول الثلاثة الموالية، من منظور مُتطوّر يشرطُ حدوث الإيقاع بالتناسب الصوتي والدلالي، بتعبيراته البلاغية والموسيقية والفلسفية والإعجازية. أما الفصل السادس فيناقش ثنائية الشعر والنثر، وتاريخيّتها، ويكشف كيف أنّ المفاضلة بينهما حجبت الإيقاع لحساب أولويّة الوزن، فيما يتطرّق الفصل السابع إلى أشكال الإيقاع التوشيحي وتبلور بنائه المعماري في الموشّحات والأزجال، في المغرب والمشرق .
وتنتهي الدراسة بخاتمة تُركّب الحصيلة النقدية، بقدرما تنفتح على الإمكانات التي فتحها اليوم بحث الإيقاع، هذا المجهول واللانهائي. ولتيسير مقاصد الدراسة وضع في آخرها ثَبْت بأهمّ مصطلحات الإيقاع الواردة فيها: العروضي، البلاغي، التجويدي والموسيقى”.
ويرى الوراري أن هذا السؤال: ما الإيقاع إذن؟ لم يطرح لدى القدماء بهذه الصيغة، وإنما بصيغ “ مختلفة ومتنوِّعة؛ ولهذا، تعدّدتْ إجاباتهم الصريحة والضمنية عنه، من مُصْطلحٍ إلى آخر، ومن إشكالٍ مجالٍ معرفيٍّ إلى آخر، ومن ذات إلى ذات في تأمُّل موضوعها. فالإيقاع من أندر المصطلحات التي لم تُدرك طابعها المفهوميّ والمُجرَّد ليس في الثقافة العربية وحدها، بل في ثقافات ثانية، بسببٍ من أنّه يُوجد واقعاً ذهنيّاً، وليس شيئاً طبيعيّاً، وهو ما يجعل تأويل الإيقاع ومَفْهمته إلى خبرَةٍ وفهْمٍ وحساسيّة. وهو كغيره من الألفاظ، كان يحتاج إلى الانتقال من مرحلة إلى تالية متطوّرة. من الحقيقي والمحسوس إلى المجاز، فالاصطلاحي. ذلك ما ينبّهنا إليه الفارابي “ت 339هـ”، في حديثه عن “أصل اللغة واكتمالها” من كتابه “الحروف”.ويقول الباحث “نجد لدى القدامى وَعْياً مُبكّراً بأهمية المصطلح وقيمته في بناء العلم، فوضعوا تآليف كثيرة بهذا الشأن تحتفي الحدّ والتعريف، أمْناً للالتباس والاضطراب والخلط، بل إنّنا وجدنا بينهم، في أحيانٍ أخرى، تَمايُزاً في مدلول المصطلح من حيث مرجعيّته وآليّة اشتغاله. ومع وفرة المصطلحات في علم العروض، إلّا أنّ (الإيقاع) لم يرد عند العروضيّين بشكْلٍ يثير التساؤل والحيرة: هل يُعْقل أنّ عِلْماً جعل نصْبَ المشكلة الإيقاعية في الشعر لا يصطلح بالتسمية على دالّ الإيقاع؟
يمكن أن نربط المسألة بالفكر الجمالي لدى هؤلاء العلماء وغيرهم في حقولٍ لها صلة مباشرة بالإيقاع اللفظي في الشعر، وهو الفكر الذي غلب عليه الطابع الحسّي في رؤيته للعالم، وفي تذوُّقهم للجمال وانفعاله بصوره انفعالاً حسّياً. وهكذا، فقد كان هذا الفكر يشتقُّ مصطلحاته من البيئة التي يحيا فيها، ومن الاستعارات التي كان يحيا بها، دون أن يرتقي إلى خبرة المفهوم وتعقُّده. يروي المرزباني (ت384هـ) عن واضع علم العروض الخليل بن أحمد الفراهيدي: “قال: رُتِّبت البيت من الشِّعْر ترتيب البيت من بيوت العرب الشَّعَر ـ يريد الخباء ـ قال: فسمّيتُ الإقواء ما جاء من المرفوع في الشعر والمخفوض على قافية واحدة.. وإنّما سميتهُ إقواء لتخالفه، لأنّ العرب تقول أقوى الفاتل إذا جاءت قوّة من الحبل تخالف سائر القوى. قال: وسمّيتُ تغير ما قبل حرف الرويّ سناداً من مساندة بيت إلى بيت..” ، إلخ. لكن يجب ألّا تخدعنا هذه المفردات الحسّية التي دلّ بها على علمه، فخلفها تثوي روح الخليل وعبقريّته الفذّة التي تقوّمت بها أعظم نظريّة في عروض الشعر وأوزانه لم تُثِرْ مثلها، عبر التاريخ الإنساني، هذا الاهتمام من لدن العلماء بهما، ونِقاشَهم المُخلْص حولها.
ولأنّ دالّ الإيقاع بقي في الكمون، ولم يُطْرح في سياق النقاش النقدي الذي طال بلاغة الشعر العربي لدى القدماء، فقد تعرّض أكثر من غيره لغموضٍ شديدٍ والتباسٍ بمفهوم الوزن الذي طالما أخذ مكانه وعبّرَ بالنيابة عنه. لقد ساد الاعتقاد فترةً طويلةً بأنّ الإيقاع ليس إلا حصيلة للوزن والقافية، فانْحَصرَ الهمُّ النقدي بدراسة الأوزان والقوافي في القصيدة العربية لاستخلاص موسيقى الشعر وإيقاعاته، ممّا جعل هذا النمط النقدي في إحراجٍ كبيرٍ نتيجة التطوُّر الذي تمَّ في بنية القصيدة.