خشان خشان
11-06-2014, 06:07 AM
عملاق يتحدث عن عملاق
فاروق شوشة يتحدث عن الحساني حسن عبد الله.
وفي المقال التالي عبارة " الشعر الحر " تعني " قصيدة التفعيلة "
**********
http://www.ahram.org.eg/Archive/2004/5/23/WRIT3.HTM
عموديون يسبحون ضد التيار
الحساني حسن عبدالله
بقلم:فاروق شوشة
منأي ينبوع بعيد يتدفق هذا الشعر, شعر الحساني حسن عبدالله؟ ومن أية سماء للإلهام يتنزل هذا الفيض البديع من اللغة الشعرية التي لاتشبه إلا نفسها, مستوعبة كيانا إنسانيا متفردا غاية التفرد, صعبا غاية الصعوبة, ومحملة بزاد وفير من الموروث الحي للشعر العربي, في حركته الجدلية, وعنفوانه المتأبي علي الضحالة والهشاشة التي هي سمة الزمان المتردي, والعجمة المتفشية.
في ديوانه عفت سكون النار الذي جعل له عنوانا جانبيا دالا هو من الكلام الموزون المقفي كأنما ليخرجه عما سواه من شعر لايراه جديرا بالانتساب إلي الشعر, وكأنما ليرد قارئه ومتأمل شعره إلي التعريف القديم ـ الذي لم يكن جامعا ولاشاملا ـ لكنه كان مشيرا إلي الوزن والقافية, إلي النغم والإيقاع, إلي الموسيقي وتوقع القفلة, في وجه التبدد والاندياح والتشتت عند من لايحكمون مسار الأداء الشعري وضوابطه النغمية واللغوية.
ومنذ أهدي الحساني ديوانه ـ عام1972 ـ إلي الحياة التي كادت تكون فكرا محضا, إلي العقل الذي صنع الأعاجيب زمانا في خص من أخصاص البصرة, إلي منجب الأساتذة الخالد: الخليل بن أحمد ـ منذ ذلك الحين والشعر العربي المعاصر, في مده وجزره ـ يموج بعضه في بعض, ويزعزع من ثقة قارئه في معني المصطلح الشعري وضوابطه, ويهيئ لحال من الفوضي المتسعة لشعث الأدعياء والشعارير, ويترك المتأمل الحصيف ـ الواعي بمسار القصيدة العربية وتحولاتها المتتابعة ـ بين الأسف علي المآل, وانتظار قادم لايجيء.
هل كان الحساني ـ بوعي الناقد ونبوءة الشاعر فيه ـ يستقرئ هذا المآل منذ أكثر من ثلاثة عقود من الزمان وهو يطلق صيحته الغاضبة في صدر ديوانه: إن واقع الشعر الحر يدلنا علي أنه صائر إلي النثر عاجلا لا آجلا. ولهذا المصير دلائل منها كثرة الأخطاء العروضية, وإذا كان الشعر الحر يقوم ـ قبل كل شئ ـ علي دعوي عروضية, فلا دلالة لهذه الأغلاط المتفشية إلا القصور أو الإهمال, وكلاهما عيب جسيم فيمن يتصدي للتوجيه والإصلاح.
ولاأثر لها إلا أن يعرض القارئ المتبصر عن المقصرين أو المهملين, وأن يسهم الخطأ في تضليل غير المتبصر, فتختلط الحدود في سمعه بين الشعر والنثر حتي يفقد القدرة علي التمييز بينهما. ومن هنا ينشأ جمهور متخلف يجر الشعراء معه شيئا فشيئا إلي التخلف.
ثم يضيف الحساني وهو يتحدث عن دلائل المصير الذي سيصبح فيه الشعر الحر نثرا ـ عاجلا لا آجلا ـ قوله: ومنها دعوة قوية في لبنان إلي اطراح الوزن جملة من أجل قصيدة النثر وهو مصطلح غربي لايريد به أصحابه إلغاء الوزن كما ذهب الهدامون من جماعة مجلة شعر. وهذه دعوة ليست غريبة علي الشعر الحر, إذ إن أصحابها يتابعون الشعر الحر أحيانا في طريقته, وإن كانوا قد وضعوا أنفسهم فوق كل الضوابط والقواعد. ليس يعنيهم أن يجئ كلامهم نثرا أو شعرا حرا أو شيئا بين بين, بل إنهم يلتزمون أحيانا مع هذا الخليط الوزن والقافية. وقد حاول بعض أنصار الشعر الحر اعتراض هذا العبث ولكن بلاجدوي. لقد أفلت الزمام, وإذا كان مقدرا له أن يقبض عليه مرة أخري فلن يقبض عليه من أفلتوه.
كان الحساني كمن يشعل النار في الهشيم, بعد أن عاف سكونها, كان صارخا في البرية يري بعيني زرقاء اليمامة ما سوف يئول إليه الشعر, ويقبض بيديه علي الجمر, وهو يري أن مايقذف به إلي الناس: كلام مضطرب ساقط مكرور, غير مطلوب, وهو برغم هذا يفرض فرضا علي الناس. هذه حال لابد من تغييرها, وإلا اتسعت الفجوة الناشئة بيننا وبين تراثنا, وقل الاهتمام بالكلام, وماذا نكون بغير تراث قادر علي الإسهام في تكويننا, وبغير مبالاة باللغة أداة التعبير عن الفكر؟ هملا ضائعا لايدري له وجهة! إن زحف الركاكة علي الصحافات والإذاعات يجب أن يتوقف. ويجب أن يعمل كل مخلص للغته وأمته علي الحيلولة دون انقطاعنا عن الماضي, فإن في الماضي فنا عظيما وخبرة عظيمة وقيما لاينهض قوم بغيرها. أي خنوع هذا؟ أن تتضاءل القدرة في الناس علي الإحساس الصحيح والفهم الصحيح ثم لانفعل شيئا! لقد ساءت الحال, واستبداد الشعر الحر علي رأس أسباب السوء, فواجب أن يعاد فيه النظر, وإن ظن أنه استوي علي العرش.
ولست مع الحساني في كل مايقول: صحيح أن الشعر الحر هو الذي فتح الباب لقصيدة النثر, التي وصلت بها الحال إلي أن أصبحت نثرا محضا فاقدة شرط انتسابها إلي كيمياء الشعر بأي معني من المعاني, وأي تصور من التصورات. إلا أن الشعر الحر ـ بالرغم من نقد الحساني له ومسئوليته عن قصيدة النثر ـ يظل أكبر حركة تجديدية في تاريخ الشعر العربي كله, وأهم انعطافة إبداعية وحضارية ونفسية في مسار القصيدة العربية, نزوعا إلي التجديد, الذي يصر البعض علي تسميته الحداثة. وهي قضية يطول فيها الكلام الذي يخرجنا عن السياق. كان الحساني يقول كل هذا ولايكتفي به شأن المبدعين الكبار, كان يقوله بوعيه النقدي وحماسه لتراثه ولغته وعروبته, ويقوله بإبداعه شعرا طيعا محكما:
يارفيقي إن الصغار استبدوا
فأعني علي البلاء المحيق
لبني إن في ضميري رياحا
طلبت صهوة الفضاء الطليق
فك عنها الوثاق أمض همومي
لاتدعني كالفارس الموثوق
أنظر الساحة العظيمة تخلو
من بنيها العظام, لا يارفيقي
بدأت رحلتي إلي مطلع النور
فصبرا علي صعاب الطريق
السنا المستفيق يعلو رويدا
ليتنا نشهد استواء الشروق!
نفس شعري هادر, وعنفوان لغوي آسر, وكبرياء متأبية تعاف ما هو رخيص ومبذول, تذكرنا مرة بكبرياء العقاد في عناده الصخري وجبروته الفكري, وأخري بشموخ محمود شاكر وترفعه وتوحده في الذرا التي يسكن إليها عندما لايكون للندية مكان أو صاحب. عند هذه القمم الباردة يكون التوحد والوحدة, بديلا عن الانغماس فيما تعافه النفس, والتدني إلي ما يخوض فيه العابرون والطامعون والمهطعون:
فاطرق علي الباب ياعابرا
بالباب, إني هاهنا وحدي
قد شاهت الجدران في ناظري
كشوهة الإيغال في الصد
الصمت من حولي وفي باطني
صمت دفين قر في لحد
حننت للأفق فسيح المدي
أيتها الأحجار فارتدي
واطرق علي الباب, ياصاحبي
إني ملاقيك أخا ود
أو لا, فإني هاجر محبسي
ولو إلي النكران والكيد!
وفي ديوان عفت سكون النار للحساني متسع للكشف عن وفائه العميق وإجلاله الكبير لكل من العقاد وشاكر. حتي لكأنه ـ وهو العصي الطبع ـ لغة وآداء ومداخل ـ يتلبس بعض النفس العقادي وهويبكي العقاد وكأنه يذكرنا بقصيدة العقاد الشهيرة في وداع مي:
سئمت ياابن النيل ماءه الذليل
سئمت أن تعطي ولاتعطي الحقول
وأن تهم بالمقال لاتقول
وخفت أن تسلم يمناك القلم
وأن تعيش مفردا مع السأم!
*****
موعدنا مع الصبا, مع الندي
مع المدي يضرب في ألف مدي
ليس غدا, فما أشقه غدا
الرجل الحبيب ضمه التراب
فهل نراه بعد, من يدري الجواب
وبعض النفس الشاكري وهو يحييه ويهنئه إثر خلاصه من محنة ألمت به عام1968:
إنا رجوناك غب جائحة
ياركن بيت توارث الزكنا
فانف دبيب الملال عن قلم
لو صال أردي صياله الفتنا
جرده, جرد حسام مقتدر
تهد به راشدا ومفتتنا
وامض به هادما ومبتنيا
كم شاد للقوم كاتب وبني!
فمتي يجئ يوم نحيي فيه الحساني ونهنئه ـ هو أيضا ـ بيوم خلاصه من محنته, وهو صاحب القلم المرجي ـ شاعرا وكاتبا ـ, نفتقده كلما سادت الركاكة والهشاشة, وفسد الذوق, واختلطت المعايير, ومبدعا هو ـ بلغة ابن سلام ـ في الطبقة الأولي من شعراء دار العلوم الذين أنبتتهم خلال العقود الثلاثة الأخيرة, إن لم يكن أوفرهم عدة من اللغة, وتملك ناصيتها, وأكثرهم تحقيقا لفكرته عن الشعر في شعره, نذكره ـ مختلفين معه في كثير مما يقول, مقدرين له كل ماأبدع ـ, داعين له ـ في الحالين ـ بأن تنتصر إرادته الجبارة علي المحنة, وأن يتسع فردوس شعره دوما لتدفق وجدانه الثري الجميل.
فاروق شوشة يتحدث عن الحساني حسن عبد الله.
وفي المقال التالي عبارة " الشعر الحر " تعني " قصيدة التفعيلة "
**********
http://www.ahram.org.eg/Archive/2004/5/23/WRIT3.HTM
عموديون يسبحون ضد التيار
الحساني حسن عبدالله
بقلم:فاروق شوشة
منأي ينبوع بعيد يتدفق هذا الشعر, شعر الحساني حسن عبدالله؟ ومن أية سماء للإلهام يتنزل هذا الفيض البديع من اللغة الشعرية التي لاتشبه إلا نفسها, مستوعبة كيانا إنسانيا متفردا غاية التفرد, صعبا غاية الصعوبة, ومحملة بزاد وفير من الموروث الحي للشعر العربي, في حركته الجدلية, وعنفوانه المتأبي علي الضحالة والهشاشة التي هي سمة الزمان المتردي, والعجمة المتفشية.
في ديوانه عفت سكون النار الذي جعل له عنوانا جانبيا دالا هو من الكلام الموزون المقفي كأنما ليخرجه عما سواه من شعر لايراه جديرا بالانتساب إلي الشعر, وكأنما ليرد قارئه ومتأمل شعره إلي التعريف القديم ـ الذي لم يكن جامعا ولاشاملا ـ لكنه كان مشيرا إلي الوزن والقافية, إلي النغم والإيقاع, إلي الموسيقي وتوقع القفلة, في وجه التبدد والاندياح والتشتت عند من لايحكمون مسار الأداء الشعري وضوابطه النغمية واللغوية.
ومنذ أهدي الحساني ديوانه ـ عام1972 ـ إلي الحياة التي كادت تكون فكرا محضا, إلي العقل الذي صنع الأعاجيب زمانا في خص من أخصاص البصرة, إلي منجب الأساتذة الخالد: الخليل بن أحمد ـ منذ ذلك الحين والشعر العربي المعاصر, في مده وجزره ـ يموج بعضه في بعض, ويزعزع من ثقة قارئه في معني المصطلح الشعري وضوابطه, ويهيئ لحال من الفوضي المتسعة لشعث الأدعياء والشعارير, ويترك المتأمل الحصيف ـ الواعي بمسار القصيدة العربية وتحولاتها المتتابعة ـ بين الأسف علي المآل, وانتظار قادم لايجيء.
هل كان الحساني ـ بوعي الناقد ونبوءة الشاعر فيه ـ يستقرئ هذا المآل منذ أكثر من ثلاثة عقود من الزمان وهو يطلق صيحته الغاضبة في صدر ديوانه: إن واقع الشعر الحر يدلنا علي أنه صائر إلي النثر عاجلا لا آجلا. ولهذا المصير دلائل منها كثرة الأخطاء العروضية, وإذا كان الشعر الحر يقوم ـ قبل كل شئ ـ علي دعوي عروضية, فلا دلالة لهذه الأغلاط المتفشية إلا القصور أو الإهمال, وكلاهما عيب جسيم فيمن يتصدي للتوجيه والإصلاح.
ولاأثر لها إلا أن يعرض القارئ المتبصر عن المقصرين أو المهملين, وأن يسهم الخطأ في تضليل غير المتبصر, فتختلط الحدود في سمعه بين الشعر والنثر حتي يفقد القدرة علي التمييز بينهما. ومن هنا ينشأ جمهور متخلف يجر الشعراء معه شيئا فشيئا إلي التخلف.
ثم يضيف الحساني وهو يتحدث عن دلائل المصير الذي سيصبح فيه الشعر الحر نثرا ـ عاجلا لا آجلا ـ قوله: ومنها دعوة قوية في لبنان إلي اطراح الوزن جملة من أجل قصيدة النثر وهو مصطلح غربي لايريد به أصحابه إلغاء الوزن كما ذهب الهدامون من جماعة مجلة شعر. وهذه دعوة ليست غريبة علي الشعر الحر, إذ إن أصحابها يتابعون الشعر الحر أحيانا في طريقته, وإن كانوا قد وضعوا أنفسهم فوق كل الضوابط والقواعد. ليس يعنيهم أن يجئ كلامهم نثرا أو شعرا حرا أو شيئا بين بين, بل إنهم يلتزمون أحيانا مع هذا الخليط الوزن والقافية. وقد حاول بعض أنصار الشعر الحر اعتراض هذا العبث ولكن بلاجدوي. لقد أفلت الزمام, وإذا كان مقدرا له أن يقبض عليه مرة أخري فلن يقبض عليه من أفلتوه.
كان الحساني كمن يشعل النار في الهشيم, بعد أن عاف سكونها, كان صارخا في البرية يري بعيني زرقاء اليمامة ما سوف يئول إليه الشعر, ويقبض بيديه علي الجمر, وهو يري أن مايقذف به إلي الناس: كلام مضطرب ساقط مكرور, غير مطلوب, وهو برغم هذا يفرض فرضا علي الناس. هذه حال لابد من تغييرها, وإلا اتسعت الفجوة الناشئة بيننا وبين تراثنا, وقل الاهتمام بالكلام, وماذا نكون بغير تراث قادر علي الإسهام في تكويننا, وبغير مبالاة باللغة أداة التعبير عن الفكر؟ هملا ضائعا لايدري له وجهة! إن زحف الركاكة علي الصحافات والإذاعات يجب أن يتوقف. ويجب أن يعمل كل مخلص للغته وأمته علي الحيلولة دون انقطاعنا عن الماضي, فإن في الماضي فنا عظيما وخبرة عظيمة وقيما لاينهض قوم بغيرها. أي خنوع هذا؟ أن تتضاءل القدرة في الناس علي الإحساس الصحيح والفهم الصحيح ثم لانفعل شيئا! لقد ساءت الحال, واستبداد الشعر الحر علي رأس أسباب السوء, فواجب أن يعاد فيه النظر, وإن ظن أنه استوي علي العرش.
ولست مع الحساني في كل مايقول: صحيح أن الشعر الحر هو الذي فتح الباب لقصيدة النثر, التي وصلت بها الحال إلي أن أصبحت نثرا محضا فاقدة شرط انتسابها إلي كيمياء الشعر بأي معني من المعاني, وأي تصور من التصورات. إلا أن الشعر الحر ـ بالرغم من نقد الحساني له ومسئوليته عن قصيدة النثر ـ يظل أكبر حركة تجديدية في تاريخ الشعر العربي كله, وأهم انعطافة إبداعية وحضارية ونفسية في مسار القصيدة العربية, نزوعا إلي التجديد, الذي يصر البعض علي تسميته الحداثة. وهي قضية يطول فيها الكلام الذي يخرجنا عن السياق. كان الحساني يقول كل هذا ولايكتفي به شأن المبدعين الكبار, كان يقوله بوعيه النقدي وحماسه لتراثه ولغته وعروبته, ويقوله بإبداعه شعرا طيعا محكما:
يارفيقي إن الصغار استبدوا
فأعني علي البلاء المحيق
لبني إن في ضميري رياحا
طلبت صهوة الفضاء الطليق
فك عنها الوثاق أمض همومي
لاتدعني كالفارس الموثوق
أنظر الساحة العظيمة تخلو
من بنيها العظام, لا يارفيقي
بدأت رحلتي إلي مطلع النور
فصبرا علي صعاب الطريق
السنا المستفيق يعلو رويدا
ليتنا نشهد استواء الشروق!
نفس شعري هادر, وعنفوان لغوي آسر, وكبرياء متأبية تعاف ما هو رخيص ومبذول, تذكرنا مرة بكبرياء العقاد في عناده الصخري وجبروته الفكري, وأخري بشموخ محمود شاكر وترفعه وتوحده في الذرا التي يسكن إليها عندما لايكون للندية مكان أو صاحب. عند هذه القمم الباردة يكون التوحد والوحدة, بديلا عن الانغماس فيما تعافه النفس, والتدني إلي ما يخوض فيه العابرون والطامعون والمهطعون:
فاطرق علي الباب ياعابرا
بالباب, إني هاهنا وحدي
قد شاهت الجدران في ناظري
كشوهة الإيغال في الصد
الصمت من حولي وفي باطني
صمت دفين قر في لحد
حننت للأفق فسيح المدي
أيتها الأحجار فارتدي
واطرق علي الباب, ياصاحبي
إني ملاقيك أخا ود
أو لا, فإني هاجر محبسي
ولو إلي النكران والكيد!
وفي ديوان عفت سكون النار للحساني متسع للكشف عن وفائه العميق وإجلاله الكبير لكل من العقاد وشاكر. حتي لكأنه ـ وهو العصي الطبع ـ لغة وآداء ومداخل ـ يتلبس بعض النفس العقادي وهويبكي العقاد وكأنه يذكرنا بقصيدة العقاد الشهيرة في وداع مي:
سئمت ياابن النيل ماءه الذليل
سئمت أن تعطي ولاتعطي الحقول
وأن تهم بالمقال لاتقول
وخفت أن تسلم يمناك القلم
وأن تعيش مفردا مع السأم!
*****
موعدنا مع الصبا, مع الندي
مع المدي يضرب في ألف مدي
ليس غدا, فما أشقه غدا
الرجل الحبيب ضمه التراب
فهل نراه بعد, من يدري الجواب
وبعض النفس الشاكري وهو يحييه ويهنئه إثر خلاصه من محنة ألمت به عام1968:
إنا رجوناك غب جائحة
ياركن بيت توارث الزكنا
فانف دبيب الملال عن قلم
لو صال أردي صياله الفتنا
جرده, جرد حسام مقتدر
تهد به راشدا ومفتتنا
وامض به هادما ومبتنيا
كم شاد للقوم كاتب وبني!
فمتي يجئ يوم نحيي فيه الحساني ونهنئه ـ هو أيضا ـ بيوم خلاصه من محنته, وهو صاحب القلم المرجي ـ شاعرا وكاتبا ـ, نفتقده كلما سادت الركاكة والهشاشة, وفسد الذوق, واختلطت المعايير, ومبدعا هو ـ بلغة ابن سلام ـ في الطبقة الأولي من شعراء دار العلوم الذين أنبتتهم خلال العقود الثلاثة الأخيرة, إن لم يكن أوفرهم عدة من اللغة, وتملك ناصيتها, وأكثرهم تحقيقا لفكرته عن الشعر في شعره, نذكره ـ مختلفين معه في كثير مما يقول, مقدرين له كل ماأبدع ـ, داعين له ـ في الحالين ـ بأن تنتصر إرادته الجبارة علي المحنة, وأن يتسع فردوس شعره دوما لتدفق وجدانه الثري الجميل.