07-10-2005, 11:53 AM
السلام عليكم
مع أن الموضوع كبير , لكنني أعتقد أنه يستحق الإهتمام
لغة توراة النبي موسى كانت العربية الفصحى لغة القرآن
بقلم:د. علاء أبو عامر
نعم هذا العنوان أعلاه هو حقيقة قد توصلت إليها بعد أثنا عشر عاما من البحث والتقصي والتحليل لعشرات الكتب والمراجع العلمية والتاريخية وبعد تمحيص وتدقيق للكتاب المقدس اليهودي هذا البحث المعروض أمام القارئ
الكريم ليس إلا جزءاً من فصل من كتابي الجديد " حكاية شعب التوراة الحقائق – الأوهام والتزييف .
وهو في مجمله يعتبر محاولة لإعادة كتابة تاريخ الشرق القديم من خلال تحليل التاريخ والوقائع التاريخية بالاستناد إلى الكتب المقدسة الثلاث التوراة والإنجيل والقرآن وما أسفرت عنه الحفريات وعلم الآثار .
الكتاب من منشورات مؤسسة أبن خلدون للطباعة والنشر والتوزيع في مدينة – غزة و يقع الكتاب في 393صفحة من القطع المتوسط ويتألف من 15 فصل ويحتوي على الكثير من الحقائق التاريخية التي تعرض لأول مرة ومجملها اكتشافات تسجل للمؤلف .
شعب التوراة كانوا من العرب الثموديين
اللغات السامية كما هو معترف بها اليوم هي مجموعة لغوية خاصة تضم اللغة الآشورية البابلية (الأكادية ) والكنعانية ( الفينيقية ) والآرامية والعبرية والعربية والحبشية . وتبدو للغات هذه المجموعة نواح من التشابه
تستلفت النظر وتختلف عن المجموعات اللغوية الأخرى وأقربها إليها المجموعة الحامية . وأهم نواحي التشابه ضمن هذه المجموعة اللغوية هي : وجود فعل ثلاثي كمصدر أساسي ووجود زمنيين للفعل هما الماضي والمضارع ، وتصريف الفعل يتبع نفس الأسلوب وفي جميع لغات المجموعة السامية نجد تشابهاً بين الكلمات الأساسية كالضمائر الشخصية ، والأسماء التي تدل على القرابة ، والأعداد وأعضاء الجسم الرئيسية .
هذه القرابة اللغوية بين الشعوب التي تتكلم اللغات السامية هي أهم رابطة تبرر ضمهم تحت أسم واحد ولكنها ليست الرابطة الوحيدة . فإذا ما قارنا مؤسساتهم الاجتماعية وعقائدهم الدينية وصفاتهم النفسية و أوصافهم الطبيعية اتضحت لنا نواح هامة للتشابه. وعندئذ لا بد من الاستنتاج بأن بعض أسلاف الذين تكلموا البابلية والآشورية والأمورية والكنعانية والعربية والآرامية والعبرية والحبشية كانوا غالباً يشكلون جماعة واحدة قبل أن تحصل
بينهم هذه الاختلافات وأن هذه الجماعة كانت تتكلم اللغة نفسها وتعيش في المكان نفسه .
وإذا ما تساءلنا عن الموطن الأصلي لهذه الجماعة فإن النظرية المحتملة أكثر من غيرها تجعل ذلك الموطن هو الجزيرة العربية . والحجة الجغرافية بالنسبة للجزيرة العربية تقوم على أن البلاد صحراوية يحيط بها البحر من
ثلاث جهات ولذلك فإنه عندما يزيد عدد السكان عن قدرة الأرض المأهولة الضيقة لأعاشتهم فإنهم يميلون إلى البحث عن مجال حيوي متيسر فقط في الأراضي الشمالية الخصيبة التي تجاورهم . ويؤدي ذلك إلى الحجة الاقتصادية التي تقول أن أهل الجزيرة الرحل كانوا دوماً يعيشون على ما يقرب من الجوع وأن الهلال الخصيب كان أقرب مكان يزودهم بما يحتاجون إليه .
ويضيف العديد من المؤرخين إلى ذلك ، أن هذا الشعب السامي الأصل أي الشعب الأب لكل الشعوب السامية من بعده ، كانت لغته السامية الأم أقرب ما تكون إليها اللغة العربية الفصحى المعروفة ( أي لغة القرآن ) ويؤكد هذه
القربى اللغوية الشديدة علماء النحو المقارن للغات السامية ، ومنهم : بروكلمان ، و وليم رايت ، وادوار دورم .
ويجزم بعض الباحثين العرب في أن هؤلاء الساميين هم جميعاً طبقات متتابعة من العرب وأن اختلفت أسماؤهم ، وأن بلادهم ، جزيرة العرب ، ظلت منذ العصور المتناهية في القدم خاصة بهم ، وما دراستنا لتاريخهم إلا دراسة لتاريخ بعض الأقوام العربية البائدة . ويرى عدد من ثقاة المؤرخين والباحثين الأوروبيين أن العرب والساميين شيء واحد وقال سبرنغر أن جميع الساميين عرب وذهب ساباتينو موسكاتي عالم الساميات المعروف في كتابه الصادر عام 1957 والمسمى " الحضارات السامية " إلى القول:
" ثمة حقيقة تبدو ثابتة إلى حد كاف ، وهي أن التاريخ يدلنا على أن الصحراء العربية كانت نقطة الانطلاق للهجرات السامية .. وإننا في ضوء معلوماتنا الحالية ، يجب أن نقبل ، ولو على سبيل الافتراض العملي ، أن
المنطقة التي أنتشر فيها الساميون كانت الصحراء العربية . ويبدو أن اللغات السامية الثلاث ( الكنعانية والآرامية والعربية ) كانت لغات قائمة جنباً إلى جنب ، سواء في الشام أو في غرب الجزيرة العربية ، في آن واحد … ولا عجب في أن اللغة العربية كانت معاصرة للكنعانية والآرامية في الأزمنة التوراتية. فالعربية ، سواء من ناحية تصويتها ( أي فونولوجيتها ) أو من ناحية صرفها ونحوها ( أي مورفولوجيتها ) ، تعتبر أقدم اللغات الثلاث من قبل أهل الاختصاص وربما كانت في الأصل لغة الأعراب من أهل البادية ، في حين كانت الكنعانية والآرامية من لغات النبط ( أو النبيط وهم سكان الحواضر ) في مناطق التحضر المحيطة بالبادية ، سواء في الشام أو العراق أو في الجزيرة العربية . إن دراسة العربية الفصحى يمكن أن يؤدي إلى اعتبارها أقدم صورة حية لما كانت عليه اللغة الأم ( لغة نوح وبنيه ) التي تفرعت عنها مجموعة اللغات السامية ( بعد أن تبلبلت الألسن ) حسب القصة التوراتية ، مثلما تفرعت اللهجات العربية في أرجاء الوطن العربي الكبير منذ العصور الإسلامية الأولى ، وكما تفرعت اللغات اللاتينية الحديثة ( الفرنسية والأسبانية والإيطالية ) من اللغة اللاتينية القديمة .
الأستاذ د. "جواد علي " كان واحد من أكثر المتحمسين لاستبدال لفظ سامي بعربي ، وقد قال في عام 1954 ما نصه : " إني سأطلق لفظ ( عرب ) على جميع سكان الجزيرة ، بغض النظر عن الزمان الذي عاشوا فيه والمكان الذي وجدوا فيه سواء أكانوا سكنوا في الأقسام الشمالية أم في الأقسام الوسطى من جزيرة العرب أم في الأقسام الجنوبية منها . فكل هؤلاء بنظري ( عرب ) ….. وعرب علم لقومية خاصة ، ومصطلح ظهر متأخراً في النصف الأخير من الألف الأول قبل الميلاد ، وتركز وتثبت بعد الميلاد خاصة ، و قبيل ظهور الإسلام على الأخص . وعلى هذا فالذين عاشوا قبل الميلاد بقرون عديدة وبألوف السنين ، هم ( عرب ) وبالطبع وأن لم يدعوا (عرباً) ….. ويضيف الأستاذ د. جواد علي ائلاً : " ولعلني لا أكون مخطئاً أو مبالغاً إذا قلت أن الوقت قد حان
لاستبدال مصطلح ( سامي ) و ( سامية ) ﺒ ( عربي) و ( عربية ) ، فقد رأينا أن تلك التسمية تسمية مصطنعة تقوم على أساس التقارب في اللهجات وعلى أساس فكرة الأنساب الواردة في التوراة …. أما مصطلحنا ( العرب ) الذي يقابل السامية فهو أقرب – في نظري – إلى العلم …وليس ببعيد ولا بقريب عن
العلم والمنطق أن تعد السامية عربية لكونها ظهرت في جزيرة العرب ، ونحن نعلم أن كثيراً من العلماء يرون أن جزيرة العرب هي مهد الساميين .
ولا يبتعد الباحث اللبناني أنيس فريحة عن توصيف الأستاذ جواد علي حول عروبة الساميين بقوله : " الساميون شعوب عديدة ، بعضها انقرض ، أو اندمج في غيره من الشعوب ، كالبابليين والآشوريين والفينيقيين والآراميين ،
وبعضها لا يزال باقياً إلى يومنا هذا كالعرب واليهود والأحباش السمر وقلة من بقايا الشعوب الآرامية . وأول من أطلق عليها هذه التسمية " سامي " عالم ألماني اسمه شلوتسر بناء على أقدم محاولة لتقسيم البشر إلى عائلات ، وهي تلك التي وردت في سفر التكوين وفي الإصحاح العاشر . ورغم أن التقسيم هناك غير علمي ، بل يعكس لنا وجهة نظر العبران السياسية والتاريخية في ذلك العهد ، فقد أبقى عليه علماء التاريخ والاجتماع لعدم وجود مصطلح أفضل منه للدلالة على مجموعة من الشعوب تربطها معاً وحدة اللغة والجنس والذهنية . وهذه الشعوب عربية ، بمعنى أن مهدها الأول كان الجزيرة العربية ، ومنها خرجوا في هجرات متتالية إلى بلدان الهلال الخصيب حيث شيدوا مدنيات هجينة ، كان نصيبها من التعمير موازياً لما في تلك المدنيات من قيم روحية خليقة بالبقاء .
أصل العبرانيين
جاء في سفر التكوين: إن إبراهيم u يعود في أصوله إلى بني عابر وهي قبيلة سامية ، ولكن كثير من الباحثين يشككون في أن مصدر التسمية مشتق من أسم قبيلة أو شخص بل يعتقدون أن لها مصادر أخرى غير ذلك و يختلفون في مصدر هذه التسمية لذلك طرحوا مجموعة من الاستنتاجات والآراء التي سنستعرضها واحدة تلو الأخرى .
الرأي الأول - نظرية أحبار اليهود القدماء :
تقول هذه النظرية : " أن كلمة عبراني تعني عبور النهر أي الانتقال من شط إلى شط أخر ، أو من مكان إلى مكان. " لذلك يرى بعض الباحثين أن إبراهيم سمي عبريا أو عبرانيا لأنه عبر النهر ويحتمل أن يكون النهر المقصود هو نهر الفرات كما يحتمل أن يكون نهر الأردن " .
والرأي الثاني :- يقول انه لقب القبيلة التي ينتمي إليها إبراهيم إذ جاء في التوراة أن جد إبراهيم هو عابر بن سام بن نوح .
والرأي الثالث :- يعبر عنه الدكتور إسرائيل ولفنسون حيث يشير إلى أن كلمة عبري في الواقع لا تعني شخص بعينه أو حادثة معينة ، و إنما هي ترجع إلى الموطن الأصلي لبني إسرائيل ، وذلك أن بني إسرائيل كانوا في الأصل من الأمم البدوية الصحراوية التي لا تستقر في مكان بل ترحل من بقعة إلى أخرى بإبلها وماشيتها للبحث عن الماء والمرعى ، فكلمة عبري تدل في مجمل معانيها على التحول والتنقل الذي هو أخص ما يتصف به سكان الصحراء وأهل البادية ، وهي مثل كلمة بدوي ، أي ساكن الصحراء والبادية . ويقول " رجاء جارودي " في كتابه " فلسطين ارض الرسالات السماوية " : " إن الجذر السامي ( habr ) يمكن بشيء من التحوير أن يعطي صوامت عربية وعبرية ، كلاهما لا يعني جنسا ، ولا عنصرا ، و إنما هو طريقة حياة : هي حياة البدو . " وتؤكد الحفريات الأثرية أن كلمة عابر وعابيرو لم تكن تعني شعب أو أمة بحد ذاتها " وتزودنا نصوص " مملكة ماري " بشكل خاص بمعلومات وفيرة عن هؤلاء العابيرو الذين كانوا يتواجدون بكثرة في الأراضي الواقعة تحت سيطرتها وفي المناطق المحيطة بها . وتشير هذه النصوص إلى جماعتين رئيسيتين من العابيرو ، هما ( بنو يامينا) ، و( بنو شمأل ) ونعرف منها أن بعض هؤلاء كان يعمل في الزراعة ويقيم في قرى أو معسكرات خاصة ، وبعضهم كان يمارس الرعي المأجور للآخرين ، أو يحصد ويدرس مواسم القمح لهم . ومن النصوص الحثية نعرف أن جماعات العابيرو كانت تستأجر العمال للنقل والخدمة في الجيش .. ومن نصوص أوغاريت والآلاخ ، نعرف أن جماعات منهم كانت منتشرة في تلك المناطق ، وكانت تقدم خدماتها للملوك المحليين لقاء أجور عينية أو نقدية ، أو على شكل أراض زراعية في بعض الأحيان كما كانت مناطق
تواجدهم تشكل موئلا ً للهاربين من يد العدالة ".
و هذا يعني أن هناك إجماع على أن الكلمة عبري أو عابر مصدرها العبور ، أما عبور ماذا فالحقيقة تصب في مصلحة الدكتور " ولفنسون " لسبب بسيط هو أن العهد القديم يشير إلى أن أول من أطلق لفظ عبراني على النبي إبراهيم كان الكنعانيون سكان فلسطين القدماء عند هجرته إليها ، وقد وصفوه بذلك كونه كان يختلف عنهم في نمط معيشته ففي حين كانوا هم من سكان المدن والقرى كان هو بدوي يعيش في بيوت الشعر (الخيام ) والى هذا اليوم نجد سكان بلاد الشام من أهل المدن يبقون على البدوي هذا اللقب فيقولون عن صديق لهم عند السؤال عن أحواله أين البدوي إلى أين ذهب البدوي الخ .....
ويشير أحد المتخصصين العرب في علم الاجتماع أن العصر الأبوي في التاريخ العبراني هو " عصر يسود فيه نظام القبيلة . فلقد ظهر العبرانيون في بداية الألف الثاني في شكل مجموعات من القبائل الرحل ، التي تعيش في
الخيام ، وحياتها قائمة على تربية قطعان الإبل والأغنام ، وتتفرق القبائل حينما يزداد عدد رجالها ، وتكثر القطعان ، بحيث لا تكفي رقعة الأرض القائمين عليها لمعيشتهم ، ويتجولون في غرب آسيا في كل اتجاه . ولم يكن العبرانيين أبداً ( بدويين كبار ) . وكانوا في حاجة مستمرة إلى كمية من الماء أكبر مما في حوزتهم . وعاشوا على حدود الصحراء ، في مناطق شبه صحراوية ."
وكاتب سفر التكوين يوضح هذه المسألة بشكل مباشر بأن العبري صفة لنمط المعيشة وليست قومية أو أمة قائمة بذاتها حيث جاء في الإصحاح (43 :31) : " فقدموا طعاماً له وحده ولهم وحدهم وللمصريين الآكلين عنده وحدهم ، لأن المصريين لا يقدرون أن يأكلوا طعاماً مع العبرانيين لأنه رجس عند المصريين" .
وهو ما يعني أن أهل المدن ( المصر ) لا يأكلون مع البدو ( كونهم يقرفون ويأنفون من مشاركتهم الطعام ) وهذا ما يعود الكاتب لشرحه في معنى كلمة عبراني في الإصحاح ( 46: 31) " فقال يوسف لأخوته ولبيت أبيه أصعد وأخبر فرعون وأقول له أخوتي وبيت أبي الذين في أرض كنعان جاءوا إلي ، والرجال رعاة غنم ، فإنهم كانوا أهل مواش وقد جاءوا بغنمهم وبقرهم وكل مالهم ، فيكون إذا دعاكم فرعون وقال ما صنعتكم أن تقولوا عبيدك (عبرانيين ) أهل مواش منذ صبانا إلى الآن نحن وآباؤنا جميعاً ، لكي تسكنوا في أرض جاسان لأن كل راعي غنم رجس للمصريين .
العابر في اللغة العربية
وإذا طبقنا ذلك على اللغة العربية فإن الكلمة ستعطينا نفس المعنى فعابر السبيل هو الراحل أو المتنقل كثير الأسفار والتجوال ويطلق العرب تسمية الرحل على هذا النوع من الجماعات البشرية أي العابرين بكلام آخر .
فكلمة عبري مشتقة من الفعل الثلاثي عبر بمعنى قطع مسافة من الطريق أو الوادي أو النهر من عبرة إلى عبرة ، أو عبر السبيل : شقها ، وكل هذه المعاني موجودة في هذا الفعل سواء في العربية أو (العبرية الحديثة) ، وهي في مجملها تدل على التحول والتنقل الذي هو أخص ما يتصف به سكان الصحراء أو البادية ، فكلمة عبري مثل كلمة بدوي أي ساكن الصحراء أو البادية . وقد كان الكنعانيون و(الفلسطينيون ) يسمون ( بني إسرائيل )
بالعبريين لعلاقتهم بالصحراء و لترحالهم ، وليميزوهم عن أهل العمران . وفي بعض اللهجات العربية كلمة عبري هي عكس كلمة مصري فالعبري من العبور والعابر هو البدوي المتنقل الرحال بينما المصري من المصر والمصر في العربية تعني قطر والقطر في الماضي هو المدينة الكبيرة المسورة وعليه فإن العبري تعني البدوي بينما المصري تعني ابن المدينة أو المدني ، دون أن يعني ذلك مصري الجنسية كما تفهم حالياً كابن لمصر وادي النيل ، ولما استوطن بنو إسرائيل أرض كنعان وعرفوا المدنية والاستقرار صاروا ينفرون من كلمة عبري التي كانت تذكرهم بحياتهم الأولى حياة البداوة والخشونة ، وأصبحوا يؤثرون أن يعرفوا ﺒ " بني إسرائيل " فقط . هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن كلمة عرب أو عربي تعطي نفس المعنى فالعربي هو البدوي ومازلنا نقول عن جماعات البدو عرب أبو فلان أو عرب كذا . ومن الواضح أن مصدر كلمة عبر أو عبري هي العربية الفصحى بينما مصدر كلمة عرب أو عربي هي اللهجات العربية الجنوبية ومنها البابلية والآشورية والسبئية والحميرية والمعينية والحبشية ؟ وكلمة عرب تعادل كلمة عبر في اللغة الكنعانية لغة سكان بلاد الشام إذ تشير كتب التاريخ القديم والحفريات التي أجريت في المنطقة أن سكان فلسطين وسوريا ولبنان وشرقي الأردن كانوا من الكنعانيين ومازال جزء كبير من أحفادهم يقطنون هذه الأرض ،فماذا تعني كلمة عرب لقد ترجم أحد علماء الآثار إحدى العبارات الواردة في نص كنعاني من اوغاريت كما يلي" يعرب بخدره ويبكي" تعني بالعربية " يعبر إلى مخدعه ويبكي " وإذا كان الأمر كذلك فعربي وعبري ليست ألا عبارتين ترمزان إلى شئ واحد وهو العبور أي الترحال والتنقل وعيشة البداوة ، وعلى المستوى اللساني بالقلب اللغوي (الميتاتيز ) إن عبري مقلوبها عربي. ويظهر معنى بالدليل القاطع أن التسمية التي أطلقها الكنعانيين على إبراهيم كانت العربي وليست العبري كون كلمة عبري ليست كنعانية ( فالكنعانيين حميريين يمنيين في الأساس) بل عربية فصحى ومن الواضح أن التسمية تم ( تغييرها بإعادتها إلى اللغة العبرية القديمة ) ألا وهي العربية الفصحى .
مكان الميلاد
تخبرنا التوراة :" أن إبراهيم هو بن تارح بن ناحور بن سروج بن رعو بن فالج بن عابر.بن شالح"
" هذا من حيث القبيلة أما مكان مولده فهو أور الكلدان ، وله أخوان هما ناحور وهران وقد مات هران قبل تارح أبوه وولد له لوط واتخذ ابرام وناحور لأنفسهما امرأتين اسم امرأة ناحور ملكه . وكانت ساراي عاقر ليس لها ولد ،
وأخذ تارح ابرام ابنه ولوطا بن هران ابن ابنه وساراي كنته امرأة ابرام ابنه فخرجوا معا من أور الكلدان ليذهبوا إلى كنعان فأتوا حران و أقاموا هناك " .
وحسب هذا النص فإن ابرام أرفكشادي القبيلة سامي الانتماء و كلداني المولد والحياة ، وهذا الأمر مستحيل حيث أنه لو كان ابرام أرفكشادي وسامي فمن غير المنطقي أن يكون كلداني المولد والعشيرة ، كون الكلدان حاميين كما
يقول التكوين (10: 11-12) فالمنطق يقول أن للشخص انتماء عرقي واحد فإما أن يكون إبراهيم سامي و إما أن يكون حامي أما الاثنين معاً فلا يجوز وهنا لابد أن يكون هذا الغموض مقصودا .هذا أولا .
ثانيا : يرفض كتبة سفر التثنية من نفس التوراة ذلك إذ يقولون في الإصحاح السادس والعشرون العدد (5) "آراميا تائها كان أبى فانحدر إلى مصر وتغرب هناك في نفر قليل فصار هناك أمة كبيرة وعظيمة وكثيرة " .
ومع أن المقصود هنا هو يعقوب لا إبراهيم لكن الأمر سيان لأن انتماء الحفيد يكون للجد ، فابرام حسب هذا السفر آرامي الانتماء والآراميين حسب التكوين الإصحاح العاشر ينتمون إلى سام بن نوح أي أنهم ساميين .
وهذا يوسع دائرة بحثنا عن انتماء ابرام فهو بهذا الشكل ينتمي إلى ثلاثة شعوب اثنان منها ساميان حسب التوراة هما الارفكشاديين والآراميين وشعب حامي هم الكلدان .
وهذه ليست نهاية الحكاية . فالمشكلة تثار أيضا حول مكان الميلاد ومكان إقامة العشيرة فإذا كان كتبة الإصحاحين 11 و12 من التكوين يدعون أن المكان هو أور الكلدان فأن كتبة الإصحاح الرابع والعشرون ينفون ذلك
ويقولون أن الموطن (أي مسكن العشيرة) هو آرام النهرين . وبهذا يكون لدينا مكانين للميلاد 1- أور الكلدان 2- آرام النهرين .
وفي التكوين الإصحاح 24 يتحدث كتبة هذا الإصحاح عن مكان آخر كموطن لإبراهيم وهو مدينة ناحور وفي أماكن أخرى من التوراة تذكر فرضيات أخرى لموطن القبيلة الإبراهيمية.
ويعلق الباحث " د. سيد القمني " على تعدد أماكن موطن عشيرة إبراهيم بالقول :
" نجد أنفسنا مع التوراة في متاهة من الدروب ، كل منها يؤدي إلى موطن محتمل للقبيلة الإبراهيمية : ( أور الكلدان ) و ( حاران ) و ( أرام النهرين) و ( فدان أرام ).
والغريب في الأمر ، إنها بعد أن ذكرت ( أور الكلدان ) كمنطلق للهجرة ، نسيتها تماماً ، بينما استمرت تضرب على تأكيد الأصل الحاراني مرة ، والآرامي مرة أخرى ، أما الجملة التي لم تمل تأكيدها فهي : أن إبراهيم كان "آرامياً تائهاً " (التثنية : 26-5.) . وهكذا تزداد مسألة الانتماء تعقيدا بعد تعقيد وتناقض توراتي إثر آخر
وهذا إن دل على شئ فإنما يدل على أن الكتبة يعتمدون التخمين أو أن الغموض مقصود وذلك لغاية في نفوسهم وكذلك نستنتج أن كتبة الأسفار كانوا من الكثرة بحيث وضع كل واحد منهم قناعاته الشخصية ليس إلا ، وربما كان كل كاتب من كتاب هذه النصوص ينتمي إلى شعب يختلف عن الآخر ولهذا حاول كل واحد منهم أن ينسب هذا الرجل العظيم إبراهيم إليه.
وكبداية نود التأكيد على حقيقة تاريخية وهي أن أور كانت مدينة سومرية وهؤلاء ينتمون إلى السلالة الآسيوية ويقع أول مكان سكنوه في أقصى جنوب بابل ويبدوا أنهم طردوا بواسطة الغزاة إلى المستنقعات التي تحيط بالخليج
العربي ، وقد أقيمت المدن السومرية و أهمها أور في الجزء الجنوبي من ميزو بوتوميا في إقليم سومر .
" ولم يكن في تلك الأيام التي تتحدث عنها التوراة أي زمن إبراهيم مصطلح اسمه ( كلدية ) حيث أن أسم (كلدية ) لم يظهر للمرة الأولى إلا في زمن أشور بن بعل ( 884-859) ق. م وعلى ذلك فإن مؤلف هذا النص من سفر التكوين لم يستطع أن يكتبه إلا بعد الحادث المفترض بأكثر من ألف عام . " ولهذا السبب أيضا لا يمكن أن يكون إبراهيم قد ولد وعاش مع قبيلته في أور المدينة السومرية كون سامية إبراهيم مسألة مسلم بها وهي ليست محل جدل أو نقاش فقد اقر بذلك معظم علماء التاريخ وكذلك يمكننا الجزم في أن موطن إبراهيم لم يكن ( أور الكلدان) حيث أن ظهور هؤلاء أي الكلدان تم بعد ألف عام من عصر إبراهيم عليه السلام ، ومصطلح سامي هذا هو مصطلح رمزي يقصد به كل الشعوب المنتمية إلى النبي نوح عليه السلام ليس كما فصلها كتبة التوراة بل كما فصلها علماء اللغة والآثار . وعليه فسنسقط من حسابنا ولادة إبراهيم ومعيشته مع قبيلته في أور وسنبقي على الاحتمال الثاني وهو آرام النهرين وهذه المدينة بحسب الخريطة الملحقة بالعهد القديم تقع في منطقة الجزيرة السورية وهي المنطقة الواقعة على شكل مثلث على الحدود السورية العراقية التركية ، وهذا الاحتمال يبدو بعيد ، حيث أن التواجد الآرامي بدأ ي هذه المنطقة حسب الاكتشافات الأثرية مع بدايات القرن الثاني عشر قبل الميلاد بقليل فقط فمن غير الممكن أن يكون هذا هو موطن عشيرة إبراهيم كما يريد له كتبة التوراة أن يكون.
ومن هنا لابد لنا من حل لهذه الأحجية وقد عثرنا عليه في سفر هوشع (12:12) إذ يحدد موطن هوشع عشيرة إبراهيم في الصحراء العربية .حيث يقول:" وهرب يعقوب إلى صحراء آرام وخدم إسرائيل لأجل امرأة ولأجل امرأة رعى " ومن هنا يتضح أن إبراهيم لم يكن من سكان المدن ( وهذا واضح كما أسلفنا سابقا) فهو لم يكن من أور الكلدان ولا من آرام النهرين ( التي يسميها المصريين نهارين أي ميتاني عاصمة الدولة الحورية ) بل كما يجزم معظم المؤرخين من الصحراء العربية وهنا نحن نتحدث عن إبراهيم وليس عن ابرام والفرق شاسع بين الاثنين كما سنرى.
وإذا تركنا العهد القديم جانبا وانتقلنا إلى القرآن الكريم فأنه من السهل علينا معرفة أصل إبراهيم حيث أن لإبراهيم موقع مميز في سور القرآن ويقص بعض التفاصيل الهامة عن مسيرة حياته فنقرأ في سورة يوسف (ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال : يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا ، وقد أحسن بي إذا أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزع الشيطان بيني وبين إخوتي أن ربي لطيف لما يشاء انه
هو العليم الحكيم ) إن الله تعالى يخبرنا هنا وعلى لسان يوسف الصديق أن بني يعقوب كانوا بدواً وعبارة (وجاء بكم من البدو ) الواردة في الآية الكريمة أعلاه تعني وجاء بكم من البادية أي من الصحراء حيث كانوا يسكنون.
وهذه الآية الكريمة لها ما يؤيدها في العهد القديم فالدلائل على ذلك كثيرة منها على سبيل المثال لا الحصر :
ما جاء في الإصحاح الثالث عشر من سفر التكوين أن ابرام صعد من مصر هو وامرأته وكل ما كان له ولوط معه إلى الجنوب وكان إبراهيم غنيا جدا بالمواشي والفضة والذهب وسار في رحلاته من الجنوب إلى بيت آيل إلى المكان الذي كانت خيمته فيه في البداية بين بيت آيل وعاي .. ولوط السائر مع ابرام كان له أيضا غنم وبقر وخيام.
وهذا الوصف التوراتي دليل على بدوية إبراهيم إذ إنهما كانا يعيشان في الخيام أي كما يسميها البدو بيوت الشعر ووسيلة رزقهما كانت رعي المواشي .
1- وإذا ذهبنا إلى مواطن عشيرة إبراهيم كما تصفها لنا إحدى روايات التوراة فإن العمل الأساسي لمجتمع العشيرة كان رعي الغنم وكانت راحيل أم يوسف و بنيامين زوجة يعقوب راعية غنم كما يخبرنا بذلك الإصحاح 29 من التكوين انه عندما وصل يعقوب إلى مضارب عشيرة جده وأبيه حدث ما يلي :
2- " وإذ هو بعد يتكلم معهم أتت راحيل مع غنم أبيها لأنها كانت ترعى هناك ، فكان لما أبصر يعقوب راحيل بنت لابان خاله وغنم لابان خاله أن يعقوب تقدم ودحرج الحجر عن فم البئر وسقى غنم لابان خاله " وعمل يعقوب عند خاله راعياً للغنم كما يخبرنا بذلك التكوين ، وعمل الأسباط أبناء يعقوب الأثنا عشر رعاة أيضا إذ يقول التكوين الإصحاح 37 (ومضى أخوته يرعوا غنم أبيهم عند شكيم ،فقال إسرائيل- يعقوب ليوسف أليس إخوتك يرعون عند شكيم ، تعال فأرسلك إليهم ،فقال له هاأنذا ،فقال أذهب انظر سلامتهم وسلامة الغنم ورد لي خبرا ).
3- وبقي بني إسرائيل يعيشون حياة البداوة حتى داود وسليمان ، ولم يكن لتابوت العهد بيت مبني بل ظل متنقلا في الخيمة ، فالخيمة هي بيت الله ، يقول ناتان (النبي) الكاهن لداود : " هكذا قال الرب أأنت تبني لي بيت لسكناي لأني لم اسكن في بيت منذ أصعدت بني إسرائيل من مصر إلى هذا اليوم بل كنت أسير في خيمة ".(صموايل الثاني 7 : 5 -6 .)· ومن خلال هذا التحليل البسيط المعتمد على براهين من القرآن الكريم والعهد القديم فإن بدوية إبراهيم أمر ليس محل شك بل إن كل الدلائل تؤكد ذلك ، والسؤال الذي يبقى مطروحا هو من أي الصحاري قدم إبراهيم إلى كنعان؟؟ وهذا الأمر ليس بالعسير معرفته فالصحراء القريبة من فلسطين هي الصحراء العربية وصحراء بادية الشام وصحراء سيناء . وربما تكون الأقرب إلى الذهن هي صحراء الجزيرة العربية وذلك لعدة أسباب من أهمها:
· كانت أول منطقة نزل فيها إبراهيم هي مدينة شكيم (نابلس حاليا ) وهي منطقة تقع في الضفة الغربية لنهر الأردن واقرب الصحاري لها هي صحراء شرق الأردن والتي تعتبر امتداد طبيعيا لصحراء الجزيرة العربية كما تشير لذلك الخريطة الملحقة بالعهد القديم.
· في هذه المنطقة والى الشمال منها تقع منطقة اسمها حوران وهي إقليم غني بالمياه والخضرة وكانت تسكنه في قديم الزمان قبائل حمورية (امورية) وربما تكون الكلمة حوران تحريف لغوي للكلمة حاران .
· يقول كتبة التكوين أن إبراهيم وأبوه اتجهوا من أور الكلدان شمالا إلى حران ، وهذا غريب لان أور تقع في جنوب بلاد الرافدين وفلسطين (كنعان) تقع إلى الغرب منها فكان من الأجدر بهم الاتجاه غرباً ولكن ربما يكون الخطأ غير مقصود وينم عن جهل كاتب السفر بالجغرافية ولكن لو كانت حاران هي حوران فالاتجاه شمالا يصبح منطقيا حيث الوصول إلى كنعان صعودا من الحجاز على سبيل المثال يتطلب الاتجاه شمالا .
وبعد استعراض هذه الافتراضات حول الموطن الحقيقي وأصل النبي إبراهيم العرقي والقومي نتجه خطوة - خطوة إلى الحقيقة التاريخية والتي لا لبس فيها و لا غموض والموجودة بين طيات التوراة منذ القدم ولم يرغب أو لم يجرؤ أي من علماء التوراة إعلانها على الملأ كون هذا الأمر يتجاوز الدين إلى السياسة ويدمر كل الأطروحات والمغالطات التاريخية التي سوقتها الصهيونية والغرب الصليبي المنحاز لها لاستعمار فلسطين.
تقول الحقيقة التوراتية : " أن يعقوب عندما كبر أراد أبواه تزويجه وقد أوصاه اسحق ورفقة أمه بأن يتزوج من بنات لابان خاله، وأن لا يتزوج من بنات الكنعانيين بل أن يذهب إلى عشيرته وعشيرة أبيه وأمه .
وتروي التوراة ذلك بالقول : (فخرج يعقوب من بئر سبع وذهب إلى حاران ) من هنا يبدو أن طرحنا كان منطقيا من جهة أن حران المذكورة ليست إلا منطقة قريبة من فلسطين وليست تلك المنطقة الواقعة كما تصفها الخريطة الملحقة بالعهد القديم في شمال شرق سوريا .
ولنتابع الرواية (وصادف يعقوب مكانا وبات هناك لان الشمس كانت قد غابت ، وأخذ حجر من حجارة المكان ووضعه تحت رأسه فاضطجع في ذاك المكان ، ورأى حلما وإذا سلم منصوبة على الأرض ورأسها يمس السماء ،وهو ذا ملائكة الله صاعدة ونازلة عليها ، وهو ذا الرب واقف عليها فقال أنا الرب اله إبراهيم أبيك واله اسحق ، الأرض التي أنت مضطجع عليها أعطيها لك ولنسلك ، ويكون نسلك كتراب الأرض وتمتد غربا وشرقا وشمالا وجنوبا ، ويتبارك فيك وفي نسلك جميع قبائل الأرض ، وهاأنا معك وأحفظك حيثما تذهب وأردك إلى هذه الأرض ، لأني لا أتركك حتى افعل ما كلمتك به .فاستيقظ يعقوب من نومه وقال حقا أن الرب في هذا المكان وأنا أعلم ، وخاف وقال ما أرهب هذا المكان ، ما هذا إلا بيت الله وهذا باب السماء وبكر يعقوب في الصباح وأخذ الحجر الذي وضعه تحت رأسه وأقامه عمودا وصب زيتا على رأسه ودعا اسم المكان بيت آيل ولكن اسم المدينة أولا كان لوز "
ويضيف العهد القديم : " ثم رفع يعقوب رجليه وذهب إلى ارض بني المشرق " والسؤال هنا من هم هؤلاء المدعوين بني المشرق ؟؟؟ يقول آراميا في إحدى تنبؤاته : " عن قيدار وعن ممالك حاصور التي ضربها نبو خذا نصر ملك بابل ، هكذا قال الرب قوموا إلى قيدار أخربوا بني المشرق ، يأخذون خيامهم وغنمهم ويأخذون لأنفسهم شققهم وكل آنيتهم وجمالهم وينادون إليهم الخوف من كل جانب " .(آراميا 49 : 28 -39)
وفي سفر حزقيال نعرف الشعب الذي ينتمي إليه بني قيدار . يقول حزقيال في وصفه لصور (27: 21 ) :
" العرب وكل رؤساء قيدار، هم تجار يدك بالخرفان والكباش والاعتدة ، في هذا كانوا تجارك "
ويقول اشعياء في الإصحاح الحادي والعشرون : " وحي من بلاد العرب في الوعر تبيتين يا قوافل الدادانيين هاتوا ماء لملاقاة العطشان يا سكان تيماء وافوا الهارب بخبره فإنهم من أمام السيوف قد هربوا من أمام السيف المسلول ومن أمام القوس المشدودة ومن أمام شدة الحرب فانه هكذا قال لي السيد في سنة كسنة الأجير يفنى كل مجد قيدار
وبقية قصي أبطال بني قيدار تقل لان الرب اله إسرائيل قد تكلم " يقول فيليب حتي في كتابه " تاريخ العرب " : " إن كلمة المشرق وبنو المشرق في الترجمة العربية للتوراة يقابلها شرق وشرقيين في لغة الضاد وهما ترمزان بالأخص إلى الأرض الواقعة إلى شرق فلسطين والى بدوها وبشكل عام إلى بلاد العرب والعرب ، واليوم إذا سمعت بدويا يقول انه مشرق فهمت منه انه ضارب في البادية مهما كان اتجاهه فيها وكان أيوب الذي يعد سفره من بدائع الحكمة أعظم بني المشرق جميعا (أيوب 1:3) وبنو المشرق لم يفقهم حكمة إلا سليمان (ملوك الأول 4:30). وفي عودة إلى التكوين ومتابعة لرحلة يعقوب عليه السلام إلى الأرض التي تسكنها عشيرة أبيه وموطن أجداده نقرأ : " ثم رفع يعقوب رجليه وذهب إلى ارض بني المشرق ،ونظر وإذا في الحقل بئر وهناك ثلاثة قطعان غنم رابضة عندها . لأنهم كانوا من تلك البئر يسقون القطعان والحجر على فم البئر ويسقون الغنم ،ثم يردون الحجر على فم البئر إلى مكانه ، فقال يعقوب يا أخوتي من أين انتم ، فقالوا من حاران ،فقال لهم هل تعرفون لابان ابن ناحور فقالوا نعرفه ، فقال لهم هل له سلامة فقالوا له سلامة وهو ذا راحيل ابنته آتية مع الغنم " .
من هنا يصبح واضحاً أن حران هي إحدى مناطق شمال الجزيرة العربية وليست تلك المنطقة التي حاول كتبة بعض الإصحاحات في العهد القديم إيهامنا بها وهي المنطقة الواقعة كما أسلفنا في جنوب شرق تركيا الحالية .
أما بني المشرق فتسميهم التوراة بني قيدار وإذا كان الأنباط هم الثموديين وان بني قيدار هم الأنباط كما يرى معظم المؤرخين فإن هؤلاء ينتمون إلى قبائل ثمود الثانية حيث أن قبائل ثمود الأولى قد أبيدت ولم يبقى منها غير النبي صالح وبعض من أهله وأتباعه وقد استوطن هؤلاء منطقة الحجر و وادي القرى ومدائن صالحة ومعظم أراضي جنوب فلسطين بما في ذلك الرملة في وسط فلسطين حيث قبره المقدس وإذا كان إبراهيم عربي ثمودي فيجب أن يذكر النبي صالح كواحد من أجداده وهو ما نجده في الجد السادس لإبراهيم بحسب سفر التكوين ( 11: 13-14-15) فهو شالح " وعاش شالح بعدما ولد عابر أربع مائة وثلاث سنين و ولد له بنين وبنات " وشالح هي صالح كما أن اشمعيل هي اسمعيل وكما هي شموئيل هي صموئيل فإعادة الكلمة إلى مصدرها تعطينا صالح أي النبي صالح صاحب الناقة الشهير أخي ثمود الوارد ذكره في القرآن . وبذلك يكون إبراهيم و أبنائه وأحفاده من اسماعيليين واسحاقيين وأحفادهم من ايدوميين وإسرائيليين ونبطيين وقيداريين وأيتوريين ومديانيين .. .. الخ ممن ورد ذكرهم في القرآن من أبناء وأحفاد إبراهيم هم جميعاً ثموديين عرب ولذلك يجب أن تكون لغتهم هي العربية الفصحى لغة القرآن فهل هي كذلك ؟؟ .
لغة قبيلة إبراهيم
ومن اجل أن تكتمل الحكاية فإنه لابد من تأكيد آخر وهو أهم من الأول وبدونه لا يصبح هذا الاكتشاف على درجة كبيرة من الأهمية وهذا المهم الآخر هو اللغة التي تحدثت بها قبيلة إبراهيم إذ بعد أن تبين معنا ومن خلال ما سقناه من براهين أن إبراهيم ينتمي إلى قبائل الصحراء العربية الثمودية أصبح من المؤكد أن لغته كانت العربية أيضاً ومن المفروض أن تكون لغة التوراة الموسوية ( توراة النبي موسى الحقيقية ) كانت العربية ، كذلك أي بمعنى أدق أن اللغة التي كان يتكلمها بنو إسرائيل قبل دخول كنعان واستيطانهم فيها كانت لغة مختلفة عن ما سمي بالعبرية لأن العبرية وبحسب ما جاء في التوراة ليست إلا شفة كنعان أي اللغة الكنعانية وهي العربية الجنوبية لغة
حمير وقد تعلمها قوم موسى عندما اختلطوا بسكانها وعاشوا بين ظهرانيهم وإذا كان البعض يدعي أن التوراة كتبت بالمصرية الفرعونية الهيرغلوفية فليس لدى كل من قالوا بذلك أي دليل أو برهان لأنه وحتى الآن لم يثبت بعد في أي من المصرين جرت أحداث التوراة في مصر وادي النيل أم في مصر المعينية التي كانت تقع في جنوب فلسطين و شبه جزيرة سيناء و شمال جزيرة العرب ، وكونه من المفروض أن يكون لدى بني إسرائيل لغة أصلية (أي اللغة الأم ) كانوا يتكلمون بها قبل دخول مصر وقبل دخول كنعان فالمفروض أن يكون هناك ما يشير إليها بين طيات العهد القديم أو ما يقودنا إليها ولو من الإشارات الواردة فيها أو من المقارنة مع أم اللغات السامية (العربية) و ما يشير إلى مثل هذه اللغة وجدناه وهذا البرهان موجود في العهد القديم ذاته وليس في كتاب آخر .
والوصول إلى هذه الحقيقة لم يكن صعبا فكون بني إسرائيل عرب يعني أن لغتهم كانت العربية مثلما نقول أن الشمس تشرق من الشرق وتغرب في الغرب .
يقول الرسول الكريم محمد بن عبد الله e في كتاب الحديث ( بني إسرائيل أبناء عمومتي) والملاحظ انه لم يقل اليهود لأن أولئك ليسوا أمة بل مجموعات عقائدية ، والخلط الحاصل الآن جاء مع الصهيونية و انطلى على العرب
والعالم وهو أن بني إسرائيل هم اليهود واليهود هم بني إسرائيل وقد استخدمت هذه الفبركة تبريرا لاستعمار الأرض المقدسة ( فلسطين ) من قبل مجموعات متعصبة عقائديا غايتها الأساسية تحقيق خرافات وأساطير دينية ليس إلا .
وعليه وان ثبت أن بني إسرائيل كانوا عربا فإن العرب هم شعب الله المختار، حيث أن كتبة التوراة قد جعلوا بني إسرائيل هم الشعب الذي أختاره الله وجعل منه الأنبياء والرسل فإن هذا الشعب هو العرب عرقاً ولغة وديناً . واللغة
العربية عندما نتحدث عنها لا بد لنا هنا من التمييز بينها وبين ما هو شائع لدى البعض خصوصا من غير أهل الاختصاص وهو أن العربية هي اللغة الفصحى لغة القرآن وهذا الخطأ شائع وعلى نطاق واسع ولكن الحقيقة هي أن
الفصحى ليست سوى لهجة واحدة من اللهجات التي تشملها العباءة العربية وقد ميزت وأخذت هذه الشهرة بفضل القرآن الكريم وكون النبي محمد e كان يتكلمها كونها لهجة قبيلته قريش ، وقد ميزها العرب في الوصف عندما
أطلقوا عليها تسمية الفصحى وبذلك ميزوا بينها وبين اللهجات العربية الأخرى وهي ما يسمى بلغات القبائل العربية الأخرى وضمت جميعها تحت مسمى اللغة العامية وهي مجموعة من اللغات ( اللهجات ) التي مازالت تتحدث بها قبائل العرب وشعوبهم من المغرب العربي وحتى العراق والجزيرة العربية وتختلف في نطقها وفي الكثير من مفرداتها من مكان إلى أخر وحتى في داخل البلد الواحد .
و يشير فيليب حتي في كتابه " تاريخ العرب " أن :" عرب الشمال في الغالب من البدو يعيشون في بيوت من الشعر في نجد والحجاز أما عرب الجنوب فأكثرهم من الحضر يقطنون اليمن وحضرموت وما جاورهما من السواحل . ولغة الشمال هي لغة القرآن أي اللغة العربية المعروفة ( الفصحى ) ، أما أهل الجنوب فلقد كانت لهم لغة سامية قديمة – لغة سبأ وحمير – وهي تمت إلى اللغة الحبشية بصلة وكذلك تمت بصلة أيضا إلى اللغة الأكادية .
يرى أمين البرت الريحاني في كتابه ( لغات عربية ) :" أن العرب القدماء اصطلحوا على تسمية اللهجات المختلفة بينهم بلغات منسوبة وغير منسوبة . أما المنسوبة فإلى قبائلهم ومدارسهم اللغوية . وربما يعود السبب في هذا الاصطلاح إلى أن القبائل العربية قبل الإسلام وبعده ، وحتى ظهور مدرستي البصرة والكوفة اللغويتين ، لم تكن لتفصل فصلا واضحا صريحا بين عبارتي لغة ولهجة ، كما نفصل بينهما اليوم . فكان من السهل أن تحل كلمة لغة مكان كلمة لهجة دون إي إحراج أو إشكال في الموضوع . وأضيف إلى هذا السبب سببا سيكولوجيا نفسيا أرى أنه لعب دورا هاما في اعتماد هذا المصطلح بسهولة تامة ، ذلك أن عرب الجاهلية ، وعرب صدر الإسلام والأعصر الأموية والعباسية ، لم تكن لغتهم العربية ، بمختلف لهجاتها ، مهددة بالتقاعس والانهيار والتلاشي أمام انتشار اللهجات واعتمادها كتابة و أدبا وجعلها طرفا للنزاع مع اللغة الفصحى كما هي الحال اليوم . فلم يكن ثمة خوف أو تردد أو إحراج في تسمية اللهجة لغة إذ لم يكن الصراع قائما بين لغة فصحى ولهجة عامية بمفهومنا المعاصر ، بل كان الصراع على مدى الفصاحة بالذات وصواب المناحي اللغوية والنحوية المعتمدة . هذا بعد الإسلام وفي زمن البصريين والكوفيين أما في الجاهلية فلم تكن اللغة لتشكل موضوع نزاع فكري أو جدلي بالرغم من اللهجات أو اللغات الكثيرة المتشعبة بتشعب القبائل والجغرافية العربية في شبه الجزيرة وبلاد اليمن آنذاك .ويضيف أمين ألبرت الريحاني إلى ذلك قوله : " يمكن تتبع الخريطة اللغوية ، من الجاهلية المبكرة حتى العصور العباسية المتأخرة ، عبر المراحل التالية :
أولاً : اللغات الجنوبية الحميرية المنقرضة . وهذه اللغات ظهرت في اليمن ، وتأثرت بلغات أعجمية : كالحبشية والفارسية وغيرها ، إلى حد أثر في شكل الحروف العربية في بعض الأحيان ، عدا عن الألفاظ والعبارات الغريبة المتعددة وقد تلاشت هذه اللغة بتلاشي القبائل العدنانية القحطانية التي اعتمدتها ، ولم يبق من أثرها اليوم سوى بعض النقوش التي تشير إلى عدد من ميزاتها وخصائصها .
ثانيا : اللغات الشمالية ، وهي لغات بني غسان المتأثرة أيضا بلغات أعجمية وعلى رأسها لغة الروم والسريانية والآرامية وغيرها . غير أن هذا التأثر لم يكن ليفعل فعله في جوهر اللغات العربية الشمالية . فقد حافظت هذه على أصالتها واستمرت بالتالي تعيش وتتطور وتعم بلاد العرب قاطبة قبل الإسلام وبعده .
ثالثا : لغة القرآن ، لغة قريش قبيلة الرسول محمد ، وهي واحدة من اللغات الشمالية . ويقال إنها كانت اللغة الأدبية في الجاهلية . فجاء الكتاب المنزل ليضفي عليها هالة قدسية ويكرسها لغة للمسلمين وبالتالي للعرب ، لذا عمت لغة القرآن بين شتى القبائل العربية . فبعد أن أصبحت اللغة الدينية المقدسة ، تدرجت في دورها الحضاري إلى أن أصبحت اللغة القومية للعرب في شبه الجزيرة العربية وفي بلاد الفتوحات . وكان مركز انطلاق هذه اللغة مكة والمدينة أو منطقة الحجاز بشكل عام.
رابعا : لغة البصرة والكوفة التي هي لغة القرآن تتمنطق بمنطق النحو والقواعد اللغوية . وتنشأ مدرستان نحويتان متضاربتان : مدرسة أهل البصرة وفيها العلماء المحافظون المتزمتون المجمدون القواعد اللغوية في قوقعة
التفسير والتأويل والتعليل ، المتأثرة بالنزعة الفقهية الدينية في الحديث . فكانت اللغة على أيديهم تنحت تمثالا من رخام لا مجال فيه لأي تعديل أو تبديل إلا بعد الوقوع بالتشويه واللغط اللغوي . ومدرسة أهل الكوفة التي كانت أكثر انفتاحا على التراث اللغوي إلى درجة قبول كل ما ورد عند السلف من بينات وشواهد مهما كان أصلها . فكانت اللغة عند هؤلاء كالبئر التي لا قاع لها ومهما رميت فيها من حجارة فهي تبقى متسعة للمزيد."
ويعدد ألبرت الريحاني لغات العرب فيجدها أربعة وعشرين لغة من بينها لغة قريش تختلف في كثير فيما بينها ابتداء من النطق وانتهاء بالمفردات ويورد مجموعة من الأمثلة للتدليل على الاختلاف بين هذه اللهجات – اللغات العربية فيما بينها :
ففي لغة هذيل تقلب الألف المقصورة ياء وتدغمها في ياء المتكلم وتفتح ياء المتكلم فتقول عصي وتنفرد لغة هذيل في اعتبارها ( متى ) حرف جر تجربه ما يتبعه فتقول مثلا متى لجج خضر… . وفي ( حتى ) يبدل حرف الحاء عينا فتقول عتى ويذكر ابن عقيل أنه إذا جاء جمع المؤنث على خلاف القاعدة كما جاءت في الألفية عد ذلك نادرا أو ضرورة أو لغة . وجاء بمثل على ذلك قول هذيل في جوزة جوزات ، بفتح الفاء والعين ، والمشهور في لسان العرب تسكين العين إذا كانت غير صحيحة . أما في باب الموصول فيقال للمذكر العاقل في الرفع ( الذين ) ، وبعض العرب ( الذون ) في الرفع و هذه هي لغة هذيل .وكثيرا ما يبدل حرف الياء بحرف الواو في لغة هذيل فتقول مثلا في رجل اسيان ، رجل أسوان ، من الأسى ، أي الحزين و أتوان من قولهم أتوته أتوة بمعنى أتيته أتية . ولم تنفرد هذيل بتبديل الحروف فقط بل بتبديل الحركات أيضا . فهي تكسر حرف المضارعة مثلا ليعلم أن ثاني الفعل الماضي مكسور ، كما ذهب إليه سيبويه في هذا النحو وقال هي لغة هذيل في هذا الضرب من النحو. "
وباعتقادنا أن لغة قريش ربما كانت تستبدل الحاء هاء في السابق ونقصد في السابق زمن الجد الأعلى إسماعيل وأمه هاجر إذ أن ما تبين معنا هو أن لغة إبراهيم وإسماعيل والأسباط الإثنا عشر ولغة داود وسليمان كانت اللغة
العربية الفصحى لغة القرآن وهذا الدليل يقطع الشك باليقين في عروبة قبيلة بني إسرائيل .
هذا من ناحية من ناحية أخرى يقول د. " كمال الصليبي " في كتابه " حروب داود " ويؤيده في ذلك " ايمانويل فلايكوفسكي " في كتابه " عصور في فوضى " " أنه :
" عندما بدأت عملية أحياء اللغة العبرية لتكون لغة محكية من جديد ، بحافز من الحركة الصهيونية التي ظهرت في أواخر القرن التاسع عشر في أوروبا ، تم أحياء هذه اللغة بناء على التصويت المسوري للغة التوراة . فجاءت العبرية الحديثة اصطناعا على اصطناع . أضف إلى ذلك أن اليهود الأوروبيين الذين أو جدوا العبرية الحديثة لم تكن لديهم قدرة على لفظ ثلاثة من الأحرف الأساسية في اللغات السامية – وهي الحاء والعين والقاف – فجعلوا العين في كلامهم همزة ، والحاء خاء ، والقاف كاف . وكان المسورون من قبلهم ، قد أخذوا عن لفظ الآرامية – أو عن لهجة منها – قلب الباء إلى فاء ( الحرف V ) والكاف إلى خاء ، إذا جاء أي من هذين الحرفين مسبوقا بصوت . والناطقون بالألمانية بين اليهود – وهم الذين لهم اليد الطولى في خلق العبرية الحديثة كانوا يقلبون الواو العبرية في لفظهم إلى فاء ( وهو اللفظ الألماني للحرف W الموازي للواو السامية ) وهكذا أختلط الأمر أيضاً ، في نطق العبرية الحديثة ، بين الكاف المسبوقة بالصوت والحاء ، وبين الباء المسبوقة بالصوت والواو . ونتيجة لذلك جاءت العبرية الحديثة لغة عجيبة ، تكاد أن لا تمت بصلة في نطقها إلى أصلها السامي العريق.والواقع هو أن معرفة اللغة العبرية الحديثة لا تساعد على فهم لغة التوراة . بل كثيرا ما تضيف لبسا على لبس في فهم العبرية التوراتية . خاصة أن العبرية الحديثة قد استحدثت معاني جديدة لألفاظ مأخوذة من التوراة لم تكن لها هذه المعاني في الأصل . ومن ناحية أخرى ، فإن معرفة اللغة العربية هي أفضل مدخل لكشف الغامض من لغة التوراة ، وهي من اللغات
السامية الشقيقة للعربية .
وهناك أمر لا بد من الإشارة إليه بالنسبة إلى اللغة العبرية ، وهو أن ما جاء عنها مختصرا في هذه المقدمة هو من المسلمات بين أهل الاختصاص . إذ كلهم يعرف تمام المعرفة أن اللغة العبرية زالت من الوجود زوالا تاما ، كلغة محكية ، بدءا من القرن الثالث قبل الميلاد إن لم يكن قبل ذلك . والجميع يعرف أن التصويت المسوري للعبرية التوراتية تصويت مصطنع ، وأن ما من أحد يعرف كيف كانت تنطق هذه اللغة في الأصل . ولا شك عندي أن النطق الأصلي للعبرية كان أقرب بكثير من نطق العربية منه إلى نطق العبرية الحديثة . وكون هذه العبرية الحديثة اصطناعا على اصطناع هو أمر معروف لدى الخاصة ولدى الكثيرين من العامة . وجل ما في الأمر أن هناك غض نظر مقصودا حول هذه الحقائق ، بل تزويرا لها حتى في الكتابات العلمية الحديثة . ومن هذا التزوير ما يبلغ أحيانا حد الوقاحة . فمن هذه القواميس العبرية التوراتية ، مثلا ، ما يستشهد بالعبرية الحديثة في تحديده لمعنى بعض الكلمات . وفي مثل هذا الاستشهاد ما يضفي على العبرية الحديثة شرعية تاريخية لا تستحقها بأي شكل من الأشكال . وواضعو هذه القواميس يعرفون تمام المعرفة . وهم على ذلك يفعلون ما يفعلون بقصد التظليل .
هذا فيما يخص العبرية الحديثة وعدم مصداقيتها كلغة تاريخية تمت بصلة إلى اللغة الأم العبرية القديمة أما لغة توراة -عزرا التي كتبت فيها التوراة الحالية العهد القديم فهي أيضا لم تكن اللغة الأصلية للتوراة حيث أن اللغة العبرية كانت تسمى كما ورد في ارميا شفة كنعان أي اللغة الكنعانية وهو ما يؤكده أيمانويل فلايكوفسكي عندما يتحدث عن لغة أوغاريت الكنعانية فهو يقول صراحة هذه اللغة هي ما يعرف اليوم باللغة العبرية . أما لغة توراة عزرا فكانت اللغة الآرامية وهي اللغة التي كانت مستخدمة في الكتابة في ذاك الزمان .
وقد جاء في بحث ( تاريخ الأدب السرياني من نشأته إلى الفتح الإسلامي ):" تقسم اللهجات الآرامية إلى شرقية وغربية ، أما الشعبة الشرقية فتضم لهجة أهل الرها الآرامية ، وكان موطنها ما بين النهرين وسميت بعد ظهور
المسيحية بالسريانية.ولهجة آرامية يهودية بابلية هي ( لهجة التلمود البابلي ) وكان موطنها شمالي العراق ولهجة الصابئين الآرامية وهي اللهجة ( المندائية ) وموطنها جنوبي العراق ويسمى أصحابها ( المندائيين ) الصابئة وهم من القبائل الآرامية التي كانت تسكن منطقة الأردن ثم هاجرت منها إلى العراق .إن عدم وجود الأصوات الحلقية في المندائية والخلط المستمر بين السين والصاد و الزاي وبين الكاف والقاف توازي إلى حد ما ما هو موجود في اللغة البابلية ، ولكن حقيقة كون الهاء وحدها جعلت لتؤدي وظيفتي الهاء والحاء الساميتين ، يشير إلى أن اللسان كان في وقت ما غريبا على القوم الذين تحدثوا به ، أو أن فيه قدر معتبرا من العناصر الآرية أو غير السامية ".
مع أن الموضوع كبير , لكنني أعتقد أنه يستحق الإهتمام
لغة توراة النبي موسى كانت العربية الفصحى لغة القرآن
بقلم:د. علاء أبو عامر
نعم هذا العنوان أعلاه هو حقيقة قد توصلت إليها بعد أثنا عشر عاما من البحث والتقصي والتحليل لعشرات الكتب والمراجع العلمية والتاريخية وبعد تمحيص وتدقيق للكتاب المقدس اليهودي هذا البحث المعروض أمام القارئ
الكريم ليس إلا جزءاً من فصل من كتابي الجديد " حكاية شعب التوراة الحقائق – الأوهام والتزييف .
وهو في مجمله يعتبر محاولة لإعادة كتابة تاريخ الشرق القديم من خلال تحليل التاريخ والوقائع التاريخية بالاستناد إلى الكتب المقدسة الثلاث التوراة والإنجيل والقرآن وما أسفرت عنه الحفريات وعلم الآثار .
الكتاب من منشورات مؤسسة أبن خلدون للطباعة والنشر والتوزيع في مدينة – غزة و يقع الكتاب في 393صفحة من القطع المتوسط ويتألف من 15 فصل ويحتوي على الكثير من الحقائق التاريخية التي تعرض لأول مرة ومجملها اكتشافات تسجل للمؤلف .
شعب التوراة كانوا من العرب الثموديين
اللغات السامية كما هو معترف بها اليوم هي مجموعة لغوية خاصة تضم اللغة الآشورية البابلية (الأكادية ) والكنعانية ( الفينيقية ) والآرامية والعبرية والعربية والحبشية . وتبدو للغات هذه المجموعة نواح من التشابه
تستلفت النظر وتختلف عن المجموعات اللغوية الأخرى وأقربها إليها المجموعة الحامية . وأهم نواحي التشابه ضمن هذه المجموعة اللغوية هي : وجود فعل ثلاثي كمصدر أساسي ووجود زمنيين للفعل هما الماضي والمضارع ، وتصريف الفعل يتبع نفس الأسلوب وفي جميع لغات المجموعة السامية نجد تشابهاً بين الكلمات الأساسية كالضمائر الشخصية ، والأسماء التي تدل على القرابة ، والأعداد وأعضاء الجسم الرئيسية .
هذه القرابة اللغوية بين الشعوب التي تتكلم اللغات السامية هي أهم رابطة تبرر ضمهم تحت أسم واحد ولكنها ليست الرابطة الوحيدة . فإذا ما قارنا مؤسساتهم الاجتماعية وعقائدهم الدينية وصفاتهم النفسية و أوصافهم الطبيعية اتضحت لنا نواح هامة للتشابه. وعندئذ لا بد من الاستنتاج بأن بعض أسلاف الذين تكلموا البابلية والآشورية والأمورية والكنعانية والعربية والآرامية والعبرية والحبشية كانوا غالباً يشكلون جماعة واحدة قبل أن تحصل
بينهم هذه الاختلافات وأن هذه الجماعة كانت تتكلم اللغة نفسها وتعيش في المكان نفسه .
وإذا ما تساءلنا عن الموطن الأصلي لهذه الجماعة فإن النظرية المحتملة أكثر من غيرها تجعل ذلك الموطن هو الجزيرة العربية . والحجة الجغرافية بالنسبة للجزيرة العربية تقوم على أن البلاد صحراوية يحيط بها البحر من
ثلاث جهات ولذلك فإنه عندما يزيد عدد السكان عن قدرة الأرض المأهولة الضيقة لأعاشتهم فإنهم يميلون إلى البحث عن مجال حيوي متيسر فقط في الأراضي الشمالية الخصيبة التي تجاورهم . ويؤدي ذلك إلى الحجة الاقتصادية التي تقول أن أهل الجزيرة الرحل كانوا دوماً يعيشون على ما يقرب من الجوع وأن الهلال الخصيب كان أقرب مكان يزودهم بما يحتاجون إليه .
ويضيف العديد من المؤرخين إلى ذلك ، أن هذا الشعب السامي الأصل أي الشعب الأب لكل الشعوب السامية من بعده ، كانت لغته السامية الأم أقرب ما تكون إليها اللغة العربية الفصحى المعروفة ( أي لغة القرآن ) ويؤكد هذه
القربى اللغوية الشديدة علماء النحو المقارن للغات السامية ، ومنهم : بروكلمان ، و وليم رايت ، وادوار دورم .
ويجزم بعض الباحثين العرب في أن هؤلاء الساميين هم جميعاً طبقات متتابعة من العرب وأن اختلفت أسماؤهم ، وأن بلادهم ، جزيرة العرب ، ظلت منذ العصور المتناهية في القدم خاصة بهم ، وما دراستنا لتاريخهم إلا دراسة لتاريخ بعض الأقوام العربية البائدة . ويرى عدد من ثقاة المؤرخين والباحثين الأوروبيين أن العرب والساميين شيء واحد وقال سبرنغر أن جميع الساميين عرب وذهب ساباتينو موسكاتي عالم الساميات المعروف في كتابه الصادر عام 1957 والمسمى " الحضارات السامية " إلى القول:
" ثمة حقيقة تبدو ثابتة إلى حد كاف ، وهي أن التاريخ يدلنا على أن الصحراء العربية كانت نقطة الانطلاق للهجرات السامية .. وإننا في ضوء معلوماتنا الحالية ، يجب أن نقبل ، ولو على سبيل الافتراض العملي ، أن
المنطقة التي أنتشر فيها الساميون كانت الصحراء العربية . ويبدو أن اللغات السامية الثلاث ( الكنعانية والآرامية والعربية ) كانت لغات قائمة جنباً إلى جنب ، سواء في الشام أو في غرب الجزيرة العربية ، في آن واحد … ولا عجب في أن اللغة العربية كانت معاصرة للكنعانية والآرامية في الأزمنة التوراتية. فالعربية ، سواء من ناحية تصويتها ( أي فونولوجيتها ) أو من ناحية صرفها ونحوها ( أي مورفولوجيتها ) ، تعتبر أقدم اللغات الثلاث من قبل أهل الاختصاص وربما كانت في الأصل لغة الأعراب من أهل البادية ، في حين كانت الكنعانية والآرامية من لغات النبط ( أو النبيط وهم سكان الحواضر ) في مناطق التحضر المحيطة بالبادية ، سواء في الشام أو العراق أو في الجزيرة العربية . إن دراسة العربية الفصحى يمكن أن يؤدي إلى اعتبارها أقدم صورة حية لما كانت عليه اللغة الأم ( لغة نوح وبنيه ) التي تفرعت عنها مجموعة اللغات السامية ( بعد أن تبلبلت الألسن ) حسب القصة التوراتية ، مثلما تفرعت اللهجات العربية في أرجاء الوطن العربي الكبير منذ العصور الإسلامية الأولى ، وكما تفرعت اللغات اللاتينية الحديثة ( الفرنسية والأسبانية والإيطالية ) من اللغة اللاتينية القديمة .
الأستاذ د. "جواد علي " كان واحد من أكثر المتحمسين لاستبدال لفظ سامي بعربي ، وقد قال في عام 1954 ما نصه : " إني سأطلق لفظ ( عرب ) على جميع سكان الجزيرة ، بغض النظر عن الزمان الذي عاشوا فيه والمكان الذي وجدوا فيه سواء أكانوا سكنوا في الأقسام الشمالية أم في الأقسام الوسطى من جزيرة العرب أم في الأقسام الجنوبية منها . فكل هؤلاء بنظري ( عرب ) ….. وعرب علم لقومية خاصة ، ومصطلح ظهر متأخراً في النصف الأخير من الألف الأول قبل الميلاد ، وتركز وتثبت بعد الميلاد خاصة ، و قبيل ظهور الإسلام على الأخص . وعلى هذا فالذين عاشوا قبل الميلاد بقرون عديدة وبألوف السنين ، هم ( عرب ) وبالطبع وأن لم يدعوا (عرباً) ….. ويضيف الأستاذ د. جواد علي ائلاً : " ولعلني لا أكون مخطئاً أو مبالغاً إذا قلت أن الوقت قد حان
لاستبدال مصطلح ( سامي ) و ( سامية ) ﺒ ( عربي) و ( عربية ) ، فقد رأينا أن تلك التسمية تسمية مصطنعة تقوم على أساس التقارب في اللهجات وعلى أساس فكرة الأنساب الواردة في التوراة …. أما مصطلحنا ( العرب ) الذي يقابل السامية فهو أقرب – في نظري – إلى العلم …وليس ببعيد ولا بقريب عن
العلم والمنطق أن تعد السامية عربية لكونها ظهرت في جزيرة العرب ، ونحن نعلم أن كثيراً من العلماء يرون أن جزيرة العرب هي مهد الساميين .
ولا يبتعد الباحث اللبناني أنيس فريحة عن توصيف الأستاذ جواد علي حول عروبة الساميين بقوله : " الساميون شعوب عديدة ، بعضها انقرض ، أو اندمج في غيره من الشعوب ، كالبابليين والآشوريين والفينيقيين والآراميين ،
وبعضها لا يزال باقياً إلى يومنا هذا كالعرب واليهود والأحباش السمر وقلة من بقايا الشعوب الآرامية . وأول من أطلق عليها هذه التسمية " سامي " عالم ألماني اسمه شلوتسر بناء على أقدم محاولة لتقسيم البشر إلى عائلات ، وهي تلك التي وردت في سفر التكوين وفي الإصحاح العاشر . ورغم أن التقسيم هناك غير علمي ، بل يعكس لنا وجهة نظر العبران السياسية والتاريخية في ذلك العهد ، فقد أبقى عليه علماء التاريخ والاجتماع لعدم وجود مصطلح أفضل منه للدلالة على مجموعة من الشعوب تربطها معاً وحدة اللغة والجنس والذهنية . وهذه الشعوب عربية ، بمعنى أن مهدها الأول كان الجزيرة العربية ، ومنها خرجوا في هجرات متتالية إلى بلدان الهلال الخصيب حيث شيدوا مدنيات هجينة ، كان نصيبها من التعمير موازياً لما في تلك المدنيات من قيم روحية خليقة بالبقاء .
أصل العبرانيين
جاء في سفر التكوين: إن إبراهيم u يعود في أصوله إلى بني عابر وهي قبيلة سامية ، ولكن كثير من الباحثين يشككون في أن مصدر التسمية مشتق من أسم قبيلة أو شخص بل يعتقدون أن لها مصادر أخرى غير ذلك و يختلفون في مصدر هذه التسمية لذلك طرحوا مجموعة من الاستنتاجات والآراء التي سنستعرضها واحدة تلو الأخرى .
الرأي الأول - نظرية أحبار اليهود القدماء :
تقول هذه النظرية : " أن كلمة عبراني تعني عبور النهر أي الانتقال من شط إلى شط أخر ، أو من مكان إلى مكان. " لذلك يرى بعض الباحثين أن إبراهيم سمي عبريا أو عبرانيا لأنه عبر النهر ويحتمل أن يكون النهر المقصود هو نهر الفرات كما يحتمل أن يكون نهر الأردن " .
والرأي الثاني :- يقول انه لقب القبيلة التي ينتمي إليها إبراهيم إذ جاء في التوراة أن جد إبراهيم هو عابر بن سام بن نوح .
والرأي الثالث :- يعبر عنه الدكتور إسرائيل ولفنسون حيث يشير إلى أن كلمة عبري في الواقع لا تعني شخص بعينه أو حادثة معينة ، و إنما هي ترجع إلى الموطن الأصلي لبني إسرائيل ، وذلك أن بني إسرائيل كانوا في الأصل من الأمم البدوية الصحراوية التي لا تستقر في مكان بل ترحل من بقعة إلى أخرى بإبلها وماشيتها للبحث عن الماء والمرعى ، فكلمة عبري تدل في مجمل معانيها على التحول والتنقل الذي هو أخص ما يتصف به سكان الصحراء وأهل البادية ، وهي مثل كلمة بدوي ، أي ساكن الصحراء والبادية . ويقول " رجاء جارودي " في كتابه " فلسطين ارض الرسالات السماوية " : " إن الجذر السامي ( habr ) يمكن بشيء من التحوير أن يعطي صوامت عربية وعبرية ، كلاهما لا يعني جنسا ، ولا عنصرا ، و إنما هو طريقة حياة : هي حياة البدو . " وتؤكد الحفريات الأثرية أن كلمة عابر وعابيرو لم تكن تعني شعب أو أمة بحد ذاتها " وتزودنا نصوص " مملكة ماري " بشكل خاص بمعلومات وفيرة عن هؤلاء العابيرو الذين كانوا يتواجدون بكثرة في الأراضي الواقعة تحت سيطرتها وفي المناطق المحيطة بها . وتشير هذه النصوص إلى جماعتين رئيسيتين من العابيرو ، هما ( بنو يامينا) ، و( بنو شمأل ) ونعرف منها أن بعض هؤلاء كان يعمل في الزراعة ويقيم في قرى أو معسكرات خاصة ، وبعضهم كان يمارس الرعي المأجور للآخرين ، أو يحصد ويدرس مواسم القمح لهم . ومن النصوص الحثية نعرف أن جماعات العابيرو كانت تستأجر العمال للنقل والخدمة في الجيش .. ومن نصوص أوغاريت والآلاخ ، نعرف أن جماعات منهم كانت منتشرة في تلك المناطق ، وكانت تقدم خدماتها للملوك المحليين لقاء أجور عينية أو نقدية ، أو على شكل أراض زراعية في بعض الأحيان كما كانت مناطق
تواجدهم تشكل موئلا ً للهاربين من يد العدالة ".
و هذا يعني أن هناك إجماع على أن الكلمة عبري أو عابر مصدرها العبور ، أما عبور ماذا فالحقيقة تصب في مصلحة الدكتور " ولفنسون " لسبب بسيط هو أن العهد القديم يشير إلى أن أول من أطلق لفظ عبراني على النبي إبراهيم كان الكنعانيون سكان فلسطين القدماء عند هجرته إليها ، وقد وصفوه بذلك كونه كان يختلف عنهم في نمط معيشته ففي حين كانوا هم من سكان المدن والقرى كان هو بدوي يعيش في بيوت الشعر (الخيام ) والى هذا اليوم نجد سكان بلاد الشام من أهل المدن يبقون على البدوي هذا اللقب فيقولون عن صديق لهم عند السؤال عن أحواله أين البدوي إلى أين ذهب البدوي الخ .....
ويشير أحد المتخصصين العرب في علم الاجتماع أن العصر الأبوي في التاريخ العبراني هو " عصر يسود فيه نظام القبيلة . فلقد ظهر العبرانيون في بداية الألف الثاني في شكل مجموعات من القبائل الرحل ، التي تعيش في
الخيام ، وحياتها قائمة على تربية قطعان الإبل والأغنام ، وتتفرق القبائل حينما يزداد عدد رجالها ، وتكثر القطعان ، بحيث لا تكفي رقعة الأرض القائمين عليها لمعيشتهم ، ويتجولون في غرب آسيا في كل اتجاه . ولم يكن العبرانيين أبداً ( بدويين كبار ) . وكانوا في حاجة مستمرة إلى كمية من الماء أكبر مما في حوزتهم . وعاشوا على حدود الصحراء ، في مناطق شبه صحراوية ."
وكاتب سفر التكوين يوضح هذه المسألة بشكل مباشر بأن العبري صفة لنمط المعيشة وليست قومية أو أمة قائمة بذاتها حيث جاء في الإصحاح (43 :31) : " فقدموا طعاماً له وحده ولهم وحدهم وللمصريين الآكلين عنده وحدهم ، لأن المصريين لا يقدرون أن يأكلوا طعاماً مع العبرانيين لأنه رجس عند المصريين" .
وهو ما يعني أن أهل المدن ( المصر ) لا يأكلون مع البدو ( كونهم يقرفون ويأنفون من مشاركتهم الطعام ) وهذا ما يعود الكاتب لشرحه في معنى كلمة عبراني في الإصحاح ( 46: 31) " فقال يوسف لأخوته ولبيت أبيه أصعد وأخبر فرعون وأقول له أخوتي وبيت أبي الذين في أرض كنعان جاءوا إلي ، والرجال رعاة غنم ، فإنهم كانوا أهل مواش وقد جاءوا بغنمهم وبقرهم وكل مالهم ، فيكون إذا دعاكم فرعون وقال ما صنعتكم أن تقولوا عبيدك (عبرانيين ) أهل مواش منذ صبانا إلى الآن نحن وآباؤنا جميعاً ، لكي تسكنوا في أرض جاسان لأن كل راعي غنم رجس للمصريين .
العابر في اللغة العربية
وإذا طبقنا ذلك على اللغة العربية فإن الكلمة ستعطينا نفس المعنى فعابر السبيل هو الراحل أو المتنقل كثير الأسفار والتجوال ويطلق العرب تسمية الرحل على هذا النوع من الجماعات البشرية أي العابرين بكلام آخر .
فكلمة عبري مشتقة من الفعل الثلاثي عبر بمعنى قطع مسافة من الطريق أو الوادي أو النهر من عبرة إلى عبرة ، أو عبر السبيل : شقها ، وكل هذه المعاني موجودة في هذا الفعل سواء في العربية أو (العبرية الحديثة) ، وهي في مجملها تدل على التحول والتنقل الذي هو أخص ما يتصف به سكان الصحراء أو البادية ، فكلمة عبري مثل كلمة بدوي أي ساكن الصحراء أو البادية . وقد كان الكنعانيون و(الفلسطينيون ) يسمون ( بني إسرائيل )
بالعبريين لعلاقتهم بالصحراء و لترحالهم ، وليميزوهم عن أهل العمران . وفي بعض اللهجات العربية كلمة عبري هي عكس كلمة مصري فالعبري من العبور والعابر هو البدوي المتنقل الرحال بينما المصري من المصر والمصر في العربية تعني قطر والقطر في الماضي هو المدينة الكبيرة المسورة وعليه فإن العبري تعني البدوي بينما المصري تعني ابن المدينة أو المدني ، دون أن يعني ذلك مصري الجنسية كما تفهم حالياً كابن لمصر وادي النيل ، ولما استوطن بنو إسرائيل أرض كنعان وعرفوا المدنية والاستقرار صاروا ينفرون من كلمة عبري التي كانت تذكرهم بحياتهم الأولى حياة البداوة والخشونة ، وأصبحوا يؤثرون أن يعرفوا ﺒ " بني إسرائيل " فقط . هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن كلمة عرب أو عربي تعطي نفس المعنى فالعربي هو البدوي ومازلنا نقول عن جماعات البدو عرب أبو فلان أو عرب كذا . ومن الواضح أن مصدر كلمة عبر أو عبري هي العربية الفصحى بينما مصدر كلمة عرب أو عربي هي اللهجات العربية الجنوبية ومنها البابلية والآشورية والسبئية والحميرية والمعينية والحبشية ؟ وكلمة عرب تعادل كلمة عبر في اللغة الكنعانية لغة سكان بلاد الشام إذ تشير كتب التاريخ القديم والحفريات التي أجريت في المنطقة أن سكان فلسطين وسوريا ولبنان وشرقي الأردن كانوا من الكنعانيين ومازال جزء كبير من أحفادهم يقطنون هذه الأرض ،فماذا تعني كلمة عرب لقد ترجم أحد علماء الآثار إحدى العبارات الواردة في نص كنعاني من اوغاريت كما يلي" يعرب بخدره ويبكي" تعني بالعربية " يعبر إلى مخدعه ويبكي " وإذا كان الأمر كذلك فعربي وعبري ليست ألا عبارتين ترمزان إلى شئ واحد وهو العبور أي الترحال والتنقل وعيشة البداوة ، وعلى المستوى اللساني بالقلب اللغوي (الميتاتيز ) إن عبري مقلوبها عربي. ويظهر معنى بالدليل القاطع أن التسمية التي أطلقها الكنعانيين على إبراهيم كانت العربي وليست العبري كون كلمة عبري ليست كنعانية ( فالكنعانيين حميريين يمنيين في الأساس) بل عربية فصحى ومن الواضح أن التسمية تم ( تغييرها بإعادتها إلى اللغة العبرية القديمة ) ألا وهي العربية الفصحى .
مكان الميلاد
تخبرنا التوراة :" أن إبراهيم هو بن تارح بن ناحور بن سروج بن رعو بن فالج بن عابر.بن شالح"
" هذا من حيث القبيلة أما مكان مولده فهو أور الكلدان ، وله أخوان هما ناحور وهران وقد مات هران قبل تارح أبوه وولد له لوط واتخذ ابرام وناحور لأنفسهما امرأتين اسم امرأة ناحور ملكه . وكانت ساراي عاقر ليس لها ولد ،
وأخذ تارح ابرام ابنه ولوطا بن هران ابن ابنه وساراي كنته امرأة ابرام ابنه فخرجوا معا من أور الكلدان ليذهبوا إلى كنعان فأتوا حران و أقاموا هناك " .
وحسب هذا النص فإن ابرام أرفكشادي القبيلة سامي الانتماء و كلداني المولد والحياة ، وهذا الأمر مستحيل حيث أنه لو كان ابرام أرفكشادي وسامي فمن غير المنطقي أن يكون كلداني المولد والعشيرة ، كون الكلدان حاميين كما
يقول التكوين (10: 11-12) فالمنطق يقول أن للشخص انتماء عرقي واحد فإما أن يكون إبراهيم سامي و إما أن يكون حامي أما الاثنين معاً فلا يجوز وهنا لابد أن يكون هذا الغموض مقصودا .هذا أولا .
ثانيا : يرفض كتبة سفر التثنية من نفس التوراة ذلك إذ يقولون في الإصحاح السادس والعشرون العدد (5) "آراميا تائها كان أبى فانحدر إلى مصر وتغرب هناك في نفر قليل فصار هناك أمة كبيرة وعظيمة وكثيرة " .
ومع أن المقصود هنا هو يعقوب لا إبراهيم لكن الأمر سيان لأن انتماء الحفيد يكون للجد ، فابرام حسب هذا السفر آرامي الانتماء والآراميين حسب التكوين الإصحاح العاشر ينتمون إلى سام بن نوح أي أنهم ساميين .
وهذا يوسع دائرة بحثنا عن انتماء ابرام فهو بهذا الشكل ينتمي إلى ثلاثة شعوب اثنان منها ساميان حسب التوراة هما الارفكشاديين والآراميين وشعب حامي هم الكلدان .
وهذه ليست نهاية الحكاية . فالمشكلة تثار أيضا حول مكان الميلاد ومكان إقامة العشيرة فإذا كان كتبة الإصحاحين 11 و12 من التكوين يدعون أن المكان هو أور الكلدان فأن كتبة الإصحاح الرابع والعشرون ينفون ذلك
ويقولون أن الموطن (أي مسكن العشيرة) هو آرام النهرين . وبهذا يكون لدينا مكانين للميلاد 1- أور الكلدان 2- آرام النهرين .
وفي التكوين الإصحاح 24 يتحدث كتبة هذا الإصحاح عن مكان آخر كموطن لإبراهيم وهو مدينة ناحور وفي أماكن أخرى من التوراة تذكر فرضيات أخرى لموطن القبيلة الإبراهيمية.
ويعلق الباحث " د. سيد القمني " على تعدد أماكن موطن عشيرة إبراهيم بالقول :
" نجد أنفسنا مع التوراة في متاهة من الدروب ، كل منها يؤدي إلى موطن محتمل للقبيلة الإبراهيمية : ( أور الكلدان ) و ( حاران ) و ( أرام النهرين) و ( فدان أرام ).
والغريب في الأمر ، إنها بعد أن ذكرت ( أور الكلدان ) كمنطلق للهجرة ، نسيتها تماماً ، بينما استمرت تضرب على تأكيد الأصل الحاراني مرة ، والآرامي مرة أخرى ، أما الجملة التي لم تمل تأكيدها فهي : أن إبراهيم كان "آرامياً تائهاً " (التثنية : 26-5.) . وهكذا تزداد مسألة الانتماء تعقيدا بعد تعقيد وتناقض توراتي إثر آخر
وهذا إن دل على شئ فإنما يدل على أن الكتبة يعتمدون التخمين أو أن الغموض مقصود وذلك لغاية في نفوسهم وكذلك نستنتج أن كتبة الأسفار كانوا من الكثرة بحيث وضع كل واحد منهم قناعاته الشخصية ليس إلا ، وربما كان كل كاتب من كتاب هذه النصوص ينتمي إلى شعب يختلف عن الآخر ولهذا حاول كل واحد منهم أن ينسب هذا الرجل العظيم إبراهيم إليه.
وكبداية نود التأكيد على حقيقة تاريخية وهي أن أور كانت مدينة سومرية وهؤلاء ينتمون إلى السلالة الآسيوية ويقع أول مكان سكنوه في أقصى جنوب بابل ويبدوا أنهم طردوا بواسطة الغزاة إلى المستنقعات التي تحيط بالخليج
العربي ، وقد أقيمت المدن السومرية و أهمها أور في الجزء الجنوبي من ميزو بوتوميا في إقليم سومر .
" ولم يكن في تلك الأيام التي تتحدث عنها التوراة أي زمن إبراهيم مصطلح اسمه ( كلدية ) حيث أن أسم (كلدية ) لم يظهر للمرة الأولى إلا في زمن أشور بن بعل ( 884-859) ق. م وعلى ذلك فإن مؤلف هذا النص من سفر التكوين لم يستطع أن يكتبه إلا بعد الحادث المفترض بأكثر من ألف عام . " ولهذا السبب أيضا لا يمكن أن يكون إبراهيم قد ولد وعاش مع قبيلته في أور المدينة السومرية كون سامية إبراهيم مسألة مسلم بها وهي ليست محل جدل أو نقاش فقد اقر بذلك معظم علماء التاريخ وكذلك يمكننا الجزم في أن موطن إبراهيم لم يكن ( أور الكلدان) حيث أن ظهور هؤلاء أي الكلدان تم بعد ألف عام من عصر إبراهيم عليه السلام ، ومصطلح سامي هذا هو مصطلح رمزي يقصد به كل الشعوب المنتمية إلى النبي نوح عليه السلام ليس كما فصلها كتبة التوراة بل كما فصلها علماء اللغة والآثار . وعليه فسنسقط من حسابنا ولادة إبراهيم ومعيشته مع قبيلته في أور وسنبقي على الاحتمال الثاني وهو آرام النهرين وهذه المدينة بحسب الخريطة الملحقة بالعهد القديم تقع في منطقة الجزيرة السورية وهي المنطقة الواقعة على شكل مثلث على الحدود السورية العراقية التركية ، وهذا الاحتمال يبدو بعيد ، حيث أن التواجد الآرامي بدأ ي هذه المنطقة حسب الاكتشافات الأثرية مع بدايات القرن الثاني عشر قبل الميلاد بقليل فقط فمن غير الممكن أن يكون هذا هو موطن عشيرة إبراهيم كما يريد له كتبة التوراة أن يكون.
ومن هنا لابد لنا من حل لهذه الأحجية وقد عثرنا عليه في سفر هوشع (12:12) إذ يحدد موطن هوشع عشيرة إبراهيم في الصحراء العربية .حيث يقول:" وهرب يعقوب إلى صحراء آرام وخدم إسرائيل لأجل امرأة ولأجل امرأة رعى " ومن هنا يتضح أن إبراهيم لم يكن من سكان المدن ( وهذا واضح كما أسلفنا سابقا) فهو لم يكن من أور الكلدان ولا من آرام النهرين ( التي يسميها المصريين نهارين أي ميتاني عاصمة الدولة الحورية ) بل كما يجزم معظم المؤرخين من الصحراء العربية وهنا نحن نتحدث عن إبراهيم وليس عن ابرام والفرق شاسع بين الاثنين كما سنرى.
وإذا تركنا العهد القديم جانبا وانتقلنا إلى القرآن الكريم فأنه من السهل علينا معرفة أصل إبراهيم حيث أن لإبراهيم موقع مميز في سور القرآن ويقص بعض التفاصيل الهامة عن مسيرة حياته فنقرأ في سورة يوسف (ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال : يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا ، وقد أحسن بي إذا أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزع الشيطان بيني وبين إخوتي أن ربي لطيف لما يشاء انه
هو العليم الحكيم ) إن الله تعالى يخبرنا هنا وعلى لسان يوسف الصديق أن بني يعقوب كانوا بدواً وعبارة (وجاء بكم من البدو ) الواردة في الآية الكريمة أعلاه تعني وجاء بكم من البادية أي من الصحراء حيث كانوا يسكنون.
وهذه الآية الكريمة لها ما يؤيدها في العهد القديم فالدلائل على ذلك كثيرة منها على سبيل المثال لا الحصر :
ما جاء في الإصحاح الثالث عشر من سفر التكوين أن ابرام صعد من مصر هو وامرأته وكل ما كان له ولوط معه إلى الجنوب وكان إبراهيم غنيا جدا بالمواشي والفضة والذهب وسار في رحلاته من الجنوب إلى بيت آيل إلى المكان الذي كانت خيمته فيه في البداية بين بيت آيل وعاي .. ولوط السائر مع ابرام كان له أيضا غنم وبقر وخيام.
وهذا الوصف التوراتي دليل على بدوية إبراهيم إذ إنهما كانا يعيشان في الخيام أي كما يسميها البدو بيوت الشعر ووسيلة رزقهما كانت رعي المواشي .
1- وإذا ذهبنا إلى مواطن عشيرة إبراهيم كما تصفها لنا إحدى روايات التوراة فإن العمل الأساسي لمجتمع العشيرة كان رعي الغنم وكانت راحيل أم يوسف و بنيامين زوجة يعقوب راعية غنم كما يخبرنا بذلك الإصحاح 29 من التكوين انه عندما وصل يعقوب إلى مضارب عشيرة جده وأبيه حدث ما يلي :
2- " وإذ هو بعد يتكلم معهم أتت راحيل مع غنم أبيها لأنها كانت ترعى هناك ، فكان لما أبصر يعقوب راحيل بنت لابان خاله وغنم لابان خاله أن يعقوب تقدم ودحرج الحجر عن فم البئر وسقى غنم لابان خاله " وعمل يعقوب عند خاله راعياً للغنم كما يخبرنا بذلك التكوين ، وعمل الأسباط أبناء يعقوب الأثنا عشر رعاة أيضا إذ يقول التكوين الإصحاح 37 (ومضى أخوته يرعوا غنم أبيهم عند شكيم ،فقال إسرائيل- يعقوب ليوسف أليس إخوتك يرعون عند شكيم ، تعال فأرسلك إليهم ،فقال له هاأنذا ،فقال أذهب انظر سلامتهم وسلامة الغنم ورد لي خبرا ).
3- وبقي بني إسرائيل يعيشون حياة البداوة حتى داود وسليمان ، ولم يكن لتابوت العهد بيت مبني بل ظل متنقلا في الخيمة ، فالخيمة هي بيت الله ، يقول ناتان (النبي) الكاهن لداود : " هكذا قال الرب أأنت تبني لي بيت لسكناي لأني لم اسكن في بيت منذ أصعدت بني إسرائيل من مصر إلى هذا اليوم بل كنت أسير في خيمة ".(صموايل الثاني 7 : 5 -6 .)· ومن خلال هذا التحليل البسيط المعتمد على براهين من القرآن الكريم والعهد القديم فإن بدوية إبراهيم أمر ليس محل شك بل إن كل الدلائل تؤكد ذلك ، والسؤال الذي يبقى مطروحا هو من أي الصحاري قدم إبراهيم إلى كنعان؟؟ وهذا الأمر ليس بالعسير معرفته فالصحراء القريبة من فلسطين هي الصحراء العربية وصحراء بادية الشام وصحراء سيناء . وربما تكون الأقرب إلى الذهن هي صحراء الجزيرة العربية وذلك لعدة أسباب من أهمها:
· كانت أول منطقة نزل فيها إبراهيم هي مدينة شكيم (نابلس حاليا ) وهي منطقة تقع في الضفة الغربية لنهر الأردن واقرب الصحاري لها هي صحراء شرق الأردن والتي تعتبر امتداد طبيعيا لصحراء الجزيرة العربية كما تشير لذلك الخريطة الملحقة بالعهد القديم.
· في هذه المنطقة والى الشمال منها تقع منطقة اسمها حوران وهي إقليم غني بالمياه والخضرة وكانت تسكنه في قديم الزمان قبائل حمورية (امورية) وربما تكون الكلمة حوران تحريف لغوي للكلمة حاران .
· يقول كتبة التكوين أن إبراهيم وأبوه اتجهوا من أور الكلدان شمالا إلى حران ، وهذا غريب لان أور تقع في جنوب بلاد الرافدين وفلسطين (كنعان) تقع إلى الغرب منها فكان من الأجدر بهم الاتجاه غرباً ولكن ربما يكون الخطأ غير مقصود وينم عن جهل كاتب السفر بالجغرافية ولكن لو كانت حاران هي حوران فالاتجاه شمالا يصبح منطقيا حيث الوصول إلى كنعان صعودا من الحجاز على سبيل المثال يتطلب الاتجاه شمالا .
وبعد استعراض هذه الافتراضات حول الموطن الحقيقي وأصل النبي إبراهيم العرقي والقومي نتجه خطوة - خطوة إلى الحقيقة التاريخية والتي لا لبس فيها و لا غموض والموجودة بين طيات التوراة منذ القدم ولم يرغب أو لم يجرؤ أي من علماء التوراة إعلانها على الملأ كون هذا الأمر يتجاوز الدين إلى السياسة ويدمر كل الأطروحات والمغالطات التاريخية التي سوقتها الصهيونية والغرب الصليبي المنحاز لها لاستعمار فلسطين.
تقول الحقيقة التوراتية : " أن يعقوب عندما كبر أراد أبواه تزويجه وقد أوصاه اسحق ورفقة أمه بأن يتزوج من بنات لابان خاله، وأن لا يتزوج من بنات الكنعانيين بل أن يذهب إلى عشيرته وعشيرة أبيه وأمه .
وتروي التوراة ذلك بالقول : (فخرج يعقوب من بئر سبع وذهب إلى حاران ) من هنا يبدو أن طرحنا كان منطقيا من جهة أن حران المذكورة ليست إلا منطقة قريبة من فلسطين وليست تلك المنطقة الواقعة كما تصفها الخريطة الملحقة بالعهد القديم في شمال شرق سوريا .
ولنتابع الرواية (وصادف يعقوب مكانا وبات هناك لان الشمس كانت قد غابت ، وأخذ حجر من حجارة المكان ووضعه تحت رأسه فاضطجع في ذاك المكان ، ورأى حلما وإذا سلم منصوبة على الأرض ورأسها يمس السماء ،وهو ذا ملائكة الله صاعدة ونازلة عليها ، وهو ذا الرب واقف عليها فقال أنا الرب اله إبراهيم أبيك واله اسحق ، الأرض التي أنت مضطجع عليها أعطيها لك ولنسلك ، ويكون نسلك كتراب الأرض وتمتد غربا وشرقا وشمالا وجنوبا ، ويتبارك فيك وفي نسلك جميع قبائل الأرض ، وهاأنا معك وأحفظك حيثما تذهب وأردك إلى هذه الأرض ، لأني لا أتركك حتى افعل ما كلمتك به .فاستيقظ يعقوب من نومه وقال حقا أن الرب في هذا المكان وأنا أعلم ، وخاف وقال ما أرهب هذا المكان ، ما هذا إلا بيت الله وهذا باب السماء وبكر يعقوب في الصباح وأخذ الحجر الذي وضعه تحت رأسه وأقامه عمودا وصب زيتا على رأسه ودعا اسم المكان بيت آيل ولكن اسم المدينة أولا كان لوز "
ويضيف العهد القديم : " ثم رفع يعقوب رجليه وذهب إلى ارض بني المشرق " والسؤال هنا من هم هؤلاء المدعوين بني المشرق ؟؟؟ يقول آراميا في إحدى تنبؤاته : " عن قيدار وعن ممالك حاصور التي ضربها نبو خذا نصر ملك بابل ، هكذا قال الرب قوموا إلى قيدار أخربوا بني المشرق ، يأخذون خيامهم وغنمهم ويأخذون لأنفسهم شققهم وكل آنيتهم وجمالهم وينادون إليهم الخوف من كل جانب " .(آراميا 49 : 28 -39)
وفي سفر حزقيال نعرف الشعب الذي ينتمي إليه بني قيدار . يقول حزقيال في وصفه لصور (27: 21 ) :
" العرب وكل رؤساء قيدار، هم تجار يدك بالخرفان والكباش والاعتدة ، في هذا كانوا تجارك "
ويقول اشعياء في الإصحاح الحادي والعشرون : " وحي من بلاد العرب في الوعر تبيتين يا قوافل الدادانيين هاتوا ماء لملاقاة العطشان يا سكان تيماء وافوا الهارب بخبره فإنهم من أمام السيوف قد هربوا من أمام السيف المسلول ومن أمام القوس المشدودة ومن أمام شدة الحرب فانه هكذا قال لي السيد في سنة كسنة الأجير يفنى كل مجد قيدار
وبقية قصي أبطال بني قيدار تقل لان الرب اله إسرائيل قد تكلم " يقول فيليب حتي في كتابه " تاريخ العرب " : " إن كلمة المشرق وبنو المشرق في الترجمة العربية للتوراة يقابلها شرق وشرقيين في لغة الضاد وهما ترمزان بالأخص إلى الأرض الواقعة إلى شرق فلسطين والى بدوها وبشكل عام إلى بلاد العرب والعرب ، واليوم إذا سمعت بدويا يقول انه مشرق فهمت منه انه ضارب في البادية مهما كان اتجاهه فيها وكان أيوب الذي يعد سفره من بدائع الحكمة أعظم بني المشرق جميعا (أيوب 1:3) وبنو المشرق لم يفقهم حكمة إلا سليمان (ملوك الأول 4:30). وفي عودة إلى التكوين ومتابعة لرحلة يعقوب عليه السلام إلى الأرض التي تسكنها عشيرة أبيه وموطن أجداده نقرأ : " ثم رفع يعقوب رجليه وذهب إلى ارض بني المشرق ،ونظر وإذا في الحقل بئر وهناك ثلاثة قطعان غنم رابضة عندها . لأنهم كانوا من تلك البئر يسقون القطعان والحجر على فم البئر ويسقون الغنم ،ثم يردون الحجر على فم البئر إلى مكانه ، فقال يعقوب يا أخوتي من أين انتم ، فقالوا من حاران ،فقال لهم هل تعرفون لابان ابن ناحور فقالوا نعرفه ، فقال لهم هل له سلامة فقالوا له سلامة وهو ذا راحيل ابنته آتية مع الغنم " .
من هنا يصبح واضحاً أن حران هي إحدى مناطق شمال الجزيرة العربية وليست تلك المنطقة التي حاول كتبة بعض الإصحاحات في العهد القديم إيهامنا بها وهي المنطقة الواقعة كما أسلفنا في جنوب شرق تركيا الحالية .
أما بني المشرق فتسميهم التوراة بني قيدار وإذا كان الأنباط هم الثموديين وان بني قيدار هم الأنباط كما يرى معظم المؤرخين فإن هؤلاء ينتمون إلى قبائل ثمود الثانية حيث أن قبائل ثمود الأولى قد أبيدت ولم يبقى منها غير النبي صالح وبعض من أهله وأتباعه وقد استوطن هؤلاء منطقة الحجر و وادي القرى ومدائن صالحة ومعظم أراضي جنوب فلسطين بما في ذلك الرملة في وسط فلسطين حيث قبره المقدس وإذا كان إبراهيم عربي ثمودي فيجب أن يذكر النبي صالح كواحد من أجداده وهو ما نجده في الجد السادس لإبراهيم بحسب سفر التكوين ( 11: 13-14-15) فهو شالح " وعاش شالح بعدما ولد عابر أربع مائة وثلاث سنين و ولد له بنين وبنات " وشالح هي صالح كما أن اشمعيل هي اسمعيل وكما هي شموئيل هي صموئيل فإعادة الكلمة إلى مصدرها تعطينا صالح أي النبي صالح صاحب الناقة الشهير أخي ثمود الوارد ذكره في القرآن . وبذلك يكون إبراهيم و أبنائه وأحفاده من اسماعيليين واسحاقيين وأحفادهم من ايدوميين وإسرائيليين ونبطيين وقيداريين وأيتوريين ومديانيين .. .. الخ ممن ورد ذكرهم في القرآن من أبناء وأحفاد إبراهيم هم جميعاً ثموديين عرب ولذلك يجب أن تكون لغتهم هي العربية الفصحى لغة القرآن فهل هي كذلك ؟؟ .
لغة قبيلة إبراهيم
ومن اجل أن تكتمل الحكاية فإنه لابد من تأكيد آخر وهو أهم من الأول وبدونه لا يصبح هذا الاكتشاف على درجة كبيرة من الأهمية وهذا المهم الآخر هو اللغة التي تحدثت بها قبيلة إبراهيم إذ بعد أن تبين معنا ومن خلال ما سقناه من براهين أن إبراهيم ينتمي إلى قبائل الصحراء العربية الثمودية أصبح من المؤكد أن لغته كانت العربية أيضاً ومن المفروض أن تكون لغة التوراة الموسوية ( توراة النبي موسى الحقيقية ) كانت العربية ، كذلك أي بمعنى أدق أن اللغة التي كان يتكلمها بنو إسرائيل قبل دخول كنعان واستيطانهم فيها كانت لغة مختلفة عن ما سمي بالعبرية لأن العبرية وبحسب ما جاء في التوراة ليست إلا شفة كنعان أي اللغة الكنعانية وهي العربية الجنوبية لغة
حمير وقد تعلمها قوم موسى عندما اختلطوا بسكانها وعاشوا بين ظهرانيهم وإذا كان البعض يدعي أن التوراة كتبت بالمصرية الفرعونية الهيرغلوفية فليس لدى كل من قالوا بذلك أي دليل أو برهان لأنه وحتى الآن لم يثبت بعد في أي من المصرين جرت أحداث التوراة في مصر وادي النيل أم في مصر المعينية التي كانت تقع في جنوب فلسطين و شبه جزيرة سيناء و شمال جزيرة العرب ، وكونه من المفروض أن يكون لدى بني إسرائيل لغة أصلية (أي اللغة الأم ) كانوا يتكلمون بها قبل دخول مصر وقبل دخول كنعان فالمفروض أن يكون هناك ما يشير إليها بين طيات العهد القديم أو ما يقودنا إليها ولو من الإشارات الواردة فيها أو من المقارنة مع أم اللغات السامية (العربية) و ما يشير إلى مثل هذه اللغة وجدناه وهذا البرهان موجود في العهد القديم ذاته وليس في كتاب آخر .
والوصول إلى هذه الحقيقة لم يكن صعبا فكون بني إسرائيل عرب يعني أن لغتهم كانت العربية مثلما نقول أن الشمس تشرق من الشرق وتغرب في الغرب .
يقول الرسول الكريم محمد بن عبد الله e في كتاب الحديث ( بني إسرائيل أبناء عمومتي) والملاحظ انه لم يقل اليهود لأن أولئك ليسوا أمة بل مجموعات عقائدية ، والخلط الحاصل الآن جاء مع الصهيونية و انطلى على العرب
والعالم وهو أن بني إسرائيل هم اليهود واليهود هم بني إسرائيل وقد استخدمت هذه الفبركة تبريرا لاستعمار الأرض المقدسة ( فلسطين ) من قبل مجموعات متعصبة عقائديا غايتها الأساسية تحقيق خرافات وأساطير دينية ليس إلا .
وعليه وان ثبت أن بني إسرائيل كانوا عربا فإن العرب هم شعب الله المختار، حيث أن كتبة التوراة قد جعلوا بني إسرائيل هم الشعب الذي أختاره الله وجعل منه الأنبياء والرسل فإن هذا الشعب هو العرب عرقاً ولغة وديناً . واللغة
العربية عندما نتحدث عنها لا بد لنا هنا من التمييز بينها وبين ما هو شائع لدى البعض خصوصا من غير أهل الاختصاص وهو أن العربية هي اللغة الفصحى لغة القرآن وهذا الخطأ شائع وعلى نطاق واسع ولكن الحقيقة هي أن
الفصحى ليست سوى لهجة واحدة من اللهجات التي تشملها العباءة العربية وقد ميزت وأخذت هذه الشهرة بفضل القرآن الكريم وكون النبي محمد e كان يتكلمها كونها لهجة قبيلته قريش ، وقد ميزها العرب في الوصف عندما
أطلقوا عليها تسمية الفصحى وبذلك ميزوا بينها وبين اللهجات العربية الأخرى وهي ما يسمى بلغات القبائل العربية الأخرى وضمت جميعها تحت مسمى اللغة العامية وهي مجموعة من اللغات ( اللهجات ) التي مازالت تتحدث بها قبائل العرب وشعوبهم من المغرب العربي وحتى العراق والجزيرة العربية وتختلف في نطقها وفي الكثير من مفرداتها من مكان إلى أخر وحتى في داخل البلد الواحد .
و يشير فيليب حتي في كتابه " تاريخ العرب " أن :" عرب الشمال في الغالب من البدو يعيشون في بيوت من الشعر في نجد والحجاز أما عرب الجنوب فأكثرهم من الحضر يقطنون اليمن وحضرموت وما جاورهما من السواحل . ولغة الشمال هي لغة القرآن أي اللغة العربية المعروفة ( الفصحى ) ، أما أهل الجنوب فلقد كانت لهم لغة سامية قديمة – لغة سبأ وحمير – وهي تمت إلى اللغة الحبشية بصلة وكذلك تمت بصلة أيضا إلى اللغة الأكادية .
يرى أمين البرت الريحاني في كتابه ( لغات عربية ) :" أن العرب القدماء اصطلحوا على تسمية اللهجات المختلفة بينهم بلغات منسوبة وغير منسوبة . أما المنسوبة فإلى قبائلهم ومدارسهم اللغوية . وربما يعود السبب في هذا الاصطلاح إلى أن القبائل العربية قبل الإسلام وبعده ، وحتى ظهور مدرستي البصرة والكوفة اللغويتين ، لم تكن لتفصل فصلا واضحا صريحا بين عبارتي لغة ولهجة ، كما نفصل بينهما اليوم . فكان من السهل أن تحل كلمة لغة مكان كلمة لهجة دون إي إحراج أو إشكال في الموضوع . وأضيف إلى هذا السبب سببا سيكولوجيا نفسيا أرى أنه لعب دورا هاما في اعتماد هذا المصطلح بسهولة تامة ، ذلك أن عرب الجاهلية ، وعرب صدر الإسلام والأعصر الأموية والعباسية ، لم تكن لغتهم العربية ، بمختلف لهجاتها ، مهددة بالتقاعس والانهيار والتلاشي أمام انتشار اللهجات واعتمادها كتابة و أدبا وجعلها طرفا للنزاع مع اللغة الفصحى كما هي الحال اليوم . فلم يكن ثمة خوف أو تردد أو إحراج في تسمية اللهجة لغة إذ لم يكن الصراع قائما بين لغة فصحى ولهجة عامية بمفهومنا المعاصر ، بل كان الصراع على مدى الفصاحة بالذات وصواب المناحي اللغوية والنحوية المعتمدة . هذا بعد الإسلام وفي زمن البصريين والكوفيين أما في الجاهلية فلم تكن اللغة لتشكل موضوع نزاع فكري أو جدلي بالرغم من اللهجات أو اللغات الكثيرة المتشعبة بتشعب القبائل والجغرافية العربية في شبه الجزيرة وبلاد اليمن آنذاك .ويضيف أمين ألبرت الريحاني إلى ذلك قوله : " يمكن تتبع الخريطة اللغوية ، من الجاهلية المبكرة حتى العصور العباسية المتأخرة ، عبر المراحل التالية :
أولاً : اللغات الجنوبية الحميرية المنقرضة . وهذه اللغات ظهرت في اليمن ، وتأثرت بلغات أعجمية : كالحبشية والفارسية وغيرها ، إلى حد أثر في شكل الحروف العربية في بعض الأحيان ، عدا عن الألفاظ والعبارات الغريبة المتعددة وقد تلاشت هذه اللغة بتلاشي القبائل العدنانية القحطانية التي اعتمدتها ، ولم يبق من أثرها اليوم سوى بعض النقوش التي تشير إلى عدد من ميزاتها وخصائصها .
ثانيا : اللغات الشمالية ، وهي لغات بني غسان المتأثرة أيضا بلغات أعجمية وعلى رأسها لغة الروم والسريانية والآرامية وغيرها . غير أن هذا التأثر لم يكن ليفعل فعله في جوهر اللغات العربية الشمالية . فقد حافظت هذه على أصالتها واستمرت بالتالي تعيش وتتطور وتعم بلاد العرب قاطبة قبل الإسلام وبعده .
ثالثا : لغة القرآن ، لغة قريش قبيلة الرسول محمد ، وهي واحدة من اللغات الشمالية . ويقال إنها كانت اللغة الأدبية في الجاهلية . فجاء الكتاب المنزل ليضفي عليها هالة قدسية ويكرسها لغة للمسلمين وبالتالي للعرب ، لذا عمت لغة القرآن بين شتى القبائل العربية . فبعد أن أصبحت اللغة الدينية المقدسة ، تدرجت في دورها الحضاري إلى أن أصبحت اللغة القومية للعرب في شبه الجزيرة العربية وفي بلاد الفتوحات . وكان مركز انطلاق هذه اللغة مكة والمدينة أو منطقة الحجاز بشكل عام.
رابعا : لغة البصرة والكوفة التي هي لغة القرآن تتمنطق بمنطق النحو والقواعد اللغوية . وتنشأ مدرستان نحويتان متضاربتان : مدرسة أهل البصرة وفيها العلماء المحافظون المتزمتون المجمدون القواعد اللغوية في قوقعة
التفسير والتأويل والتعليل ، المتأثرة بالنزعة الفقهية الدينية في الحديث . فكانت اللغة على أيديهم تنحت تمثالا من رخام لا مجال فيه لأي تعديل أو تبديل إلا بعد الوقوع بالتشويه واللغط اللغوي . ومدرسة أهل الكوفة التي كانت أكثر انفتاحا على التراث اللغوي إلى درجة قبول كل ما ورد عند السلف من بينات وشواهد مهما كان أصلها . فكانت اللغة عند هؤلاء كالبئر التي لا قاع لها ومهما رميت فيها من حجارة فهي تبقى متسعة للمزيد."
ويعدد ألبرت الريحاني لغات العرب فيجدها أربعة وعشرين لغة من بينها لغة قريش تختلف في كثير فيما بينها ابتداء من النطق وانتهاء بالمفردات ويورد مجموعة من الأمثلة للتدليل على الاختلاف بين هذه اللهجات – اللغات العربية فيما بينها :
ففي لغة هذيل تقلب الألف المقصورة ياء وتدغمها في ياء المتكلم وتفتح ياء المتكلم فتقول عصي وتنفرد لغة هذيل في اعتبارها ( متى ) حرف جر تجربه ما يتبعه فتقول مثلا متى لجج خضر… . وفي ( حتى ) يبدل حرف الحاء عينا فتقول عتى ويذكر ابن عقيل أنه إذا جاء جمع المؤنث على خلاف القاعدة كما جاءت في الألفية عد ذلك نادرا أو ضرورة أو لغة . وجاء بمثل على ذلك قول هذيل في جوزة جوزات ، بفتح الفاء والعين ، والمشهور في لسان العرب تسكين العين إذا كانت غير صحيحة . أما في باب الموصول فيقال للمذكر العاقل في الرفع ( الذين ) ، وبعض العرب ( الذون ) في الرفع و هذه هي لغة هذيل .وكثيرا ما يبدل حرف الياء بحرف الواو في لغة هذيل فتقول مثلا في رجل اسيان ، رجل أسوان ، من الأسى ، أي الحزين و أتوان من قولهم أتوته أتوة بمعنى أتيته أتية . ولم تنفرد هذيل بتبديل الحروف فقط بل بتبديل الحركات أيضا . فهي تكسر حرف المضارعة مثلا ليعلم أن ثاني الفعل الماضي مكسور ، كما ذهب إليه سيبويه في هذا النحو وقال هي لغة هذيل في هذا الضرب من النحو. "
وباعتقادنا أن لغة قريش ربما كانت تستبدل الحاء هاء في السابق ونقصد في السابق زمن الجد الأعلى إسماعيل وأمه هاجر إذ أن ما تبين معنا هو أن لغة إبراهيم وإسماعيل والأسباط الإثنا عشر ولغة داود وسليمان كانت اللغة
العربية الفصحى لغة القرآن وهذا الدليل يقطع الشك باليقين في عروبة قبيلة بني إسرائيل .
هذا من ناحية من ناحية أخرى يقول د. " كمال الصليبي " في كتابه " حروب داود " ويؤيده في ذلك " ايمانويل فلايكوفسكي " في كتابه " عصور في فوضى " " أنه :
" عندما بدأت عملية أحياء اللغة العبرية لتكون لغة محكية من جديد ، بحافز من الحركة الصهيونية التي ظهرت في أواخر القرن التاسع عشر في أوروبا ، تم أحياء هذه اللغة بناء على التصويت المسوري للغة التوراة . فجاءت العبرية الحديثة اصطناعا على اصطناع . أضف إلى ذلك أن اليهود الأوروبيين الذين أو جدوا العبرية الحديثة لم تكن لديهم قدرة على لفظ ثلاثة من الأحرف الأساسية في اللغات السامية – وهي الحاء والعين والقاف – فجعلوا العين في كلامهم همزة ، والحاء خاء ، والقاف كاف . وكان المسورون من قبلهم ، قد أخذوا عن لفظ الآرامية – أو عن لهجة منها – قلب الباء إلى فاء ( الحرف V ) والكاف إلى خاء ، إذا جاء أي من هذين الحرفين مسبوقا بصوت . والناطقون بالألمانية بين اليهود – وهم الذين لهم اليد الطولى في خلق العبرية الحديثة كانوا يقلبون الواو العبرية في لفظهم إلى فاء ( وهو اللفظ الألماني للحرف W الموازي للواو السامية ) وهكذا أختلط الأمر أيضاً ، في نطق العبرية الحديثة ، بين الكاف المسبوقة بالصوت والحاء ، وبين الباء المسبوقة بالصوت والواو . ونتيجة لذلك جاءت العبرية الحديثة لغة عجيبة ، تكاد أن لا تمت بصلة في نطقها إلى أصلها السامي العريق.والواقع هو أن معرفة اللغة العبرية الحديثة لا تساعد على فهم لغة التوراة . بل كثيرا ما تضيف لبسا على لبس في فهم العبرية التوراتية . خاصة أن العبرية الحديثة قد استحدثت معاني جديدة لألفاظ مأخوذة من التوراة لم تكن لها هذه المعاني في الأصل . ومن ناحية أخرى ، فإن معرفة اللغة العربية هي أفضل مدخل لكشف الغامض من لغة التوراة ، وهي من اللغات
السامية الشقيقة للعربية .
وهناك أمر لا بد من الإشارة إليه بالنسبة إلى اللغة العبرية ، وهو أن ما جاء عنها مختصرا في هذه المقدمة هو من المسلمات بين أهل الاختصاص . إذ كلهم يعرف تمام المعرفة أن اللغة العبرية زالت من الوجود زوالا تاما ، كلغة محكية ، بدءا من القرن الثالث قبل الميلاد إن لم يكن قبل ذلك . والجميع يعرف أن التصويت المسوري للعبرية التوراتية تصويت مصطنع ، وأن ما من أحد يعرف كيف كانت تنطق هذه اللغة في الأصل . ولا شك عندي أن النطق الأصلي للعبرية كان أقرب بكثير من نطق العربية منه إلى نطق العبرية الحديثة . وكون هذه العبرية الحديثة اصطناعا على اصطناع هو أمر معروف لدى الخاصة ولدى الكثيرين من العامة . وجل ما في الأمر أن هناك غض نظر مقصودا حول هذه الحقائق ، بل تزويرا لها حتى في الكتابات العلمية الحديثة . ومن هذا التزوير ما يبلغ أحيانا حد الوقاحة . فمن هذه القواميس العبرية التوراتية ، مثلا ، ما يستشهد بالعبرية الحديثة في تحديده لمعنى بعض الكلمات . وفي مثل هذا الاستشهاد ما يضفي على العبرية الحديثة شرعية تاريخية لا تستحقها بأي شكل من الأشكال . وواضعو هذه القواميس يعرفون تمام المعرفة . وهم على ذلك يفعلون ما يفعلون بقصد التظليل .
هذا فيما يخص العبرية الحديثة وعدم مصداقيتها كلغة تاريخية تمت بصلة إلى اللغة الأم العبرية القديمة أما لغة توراة -عزرا التي كتبت فيها التوراة الحالية العهد القديم فهي أيضا لم تكن اللغة الأصلية للتوراة حيث أن اللغة العبرية كانت تسمى كما ورد في ارميا شفة كنعان أي اللغة الكنعانية وهو ما يؤكده أيمانويل فلايكوفسكي عندما يتحدث عن لغة أوغاريت الكنعانية فهو يقول صراحة هذه اللغة هي ما يعرف اليوم باللغة العبرية . أما لغة توراة عزرا فكانت اللغة الآرامية وهي اللغة التي كانت مستخدمة في الكتابة في ذاك الزمان .
وقد جاء في بحث ( تاريخ الأدب السرياني من نشأته إلى الفتح الإسلامي ):" تقسم اللهجات الآرامية إلى شرقية وغربية ، أما الشعبة الشرقية فتضم لهجة أهل الرها الآرامية ، وكان موطنها ما بين النهرين وسميت بعد ظهور
المسيحية بالسريانية.ولهجة آرامية يهودية بابلية هي ( لهجة التلمود البابلي ) وكان موطنها شمالي العراق ولهجة الصابئين الآرامية وهي اللهجة ( المندائية ) وموطنها جنوبي العراق ويسمى أصحابها ( المندائيين ) الصابئة وهم من القبائل الآرامية التي كانت تسكن منطقة الأردن ثم هاجرت منها إلى العراق .إن عدم وجود الأصوات الحلقية في المندائية والخلط المستمر بين السين والصاد و الزاي وبين الكاف والقاف توازي إلى حد ما ما هو موجود في اللغة البابلية ، ولكن حقيقة كون الهاء وحدها جعلت لتؤدي وظيفتي الهاء والحاء الساميتين ، يشير إلى أن اللسان كان في وقت ما غريبا على القوم الذين تحدثوا به ، أو أن فيه قدر معتبرا من العناصر الآرية أو غير السامية ".