06-27-2005, 12:52 PM
عاصم البيطار..
البسمة التي انطفأت
شوقي المعري
قد يكون اسم الأستاذ عاصم البيطار من أكثر الأسماء علوقاً بعقل الطلاب في كلية الشريعة وقسم اللغة العربية، هذا غير مواضع أخرى يتردد فيها هذا الاسم منذ سنوات بعيدة جداً، سواء الطلاب الذين تخرّجوا في هاتين الكليتين أم الذين مازالوا على مقاعد الدراسة، ويبدو سينطبق هذا على الذين سينتسبون إليهما،، لأن كتاب الأستاذ عاصم المقرر في مادة «النحو والصرف»، هو الأول الذي يحمله الطالب، والذي يعتمده في كل السنوات وبعد تخرّجه، وكلما أعوزته حاجة النحو، لأن هذا الكتاب يضمّ بين دفتيه معظم أبواب النحو والصرف التي سيعوّل عليها الطالب كثيراً في خلال تعلّمه وتعليمه من بعد، فكأنه الأساس الذي سيبنى عليه، وهذا الكتاب يعود بي وبكثيرين إلى سنوات زادت على الثلاثين يوم كان أملية جامعية مقرّرة علينا في هذه المادة العلمية الأساسية في قسم اللغة العربية، وظل هكذا، وظل الزملاء الذين يدرّسون طلاب السنة الأولى في قسم اللغة العربية في حالة حرج، إنهم لايريدون تغيير المقرر، لأنهم إما أن يأتوا بشيء يفوق ما في الكتاب، وإما أن يظل على حاله بحروفه التي طُبعت على الآلة الكاتبة، وبالحركات التي وُضعت بخط يد صاحبه، وكأنها علامة فارقة!! ويبدو أنهم آثروا الأمر الثاني لأنهم كما يقولون لا يقدرون أن يزيدوا على العلم الذي في الكتاب كثيراً، إلا سهولة العبارة وتبسيطها بما يتناسب ومستوى الطالب الذي يبحث عن المستوى السهل في العلم مع السرعة للوصول إلى مبتغاه وهو النجاح، ثم إنهم يتركون الكتاب احتراماً وتبجيلاً لصاحبه، فكأنه قرآن الكتاب النحوي الجامعي كما سُمّي كتاب سيبويه قرآن النحو!!.
* * *
إنّ هذا من أهم الأسباب التي جعلت لعاصم البيطار ذاك الصيت الطيّب في العلم، هذا عدا الأخلاق التي كان يتخلّق بها، والطريقة الممتعة في التدريس والتي تميز بها دون غيره من أساتيذنا، والقصد منها تحبيب المادة النحوية وتقريبها إلى عقل الطالب لأنها في عرف الكثيرين مادة جافة، فكان يعمل جاهداً أنّ يقربها من أذهاننا وأذهان من كان قبلنا ومن جاء بعدنا من الطلاب الذين لايزالون يتذكرون روح النكتة والدعابة التي لم تكن تفارق روحه وتمتزج بالعلم الجمّ فتكون الضحكة سبيلاً إلى فهم القاعدة النحوية، لأن المثال أو الشاهد حاضر ارتجالي بديهي من صميم الواقع الذي يحيط بالطالب، ومازال هذا كلّه يتردد صداه في المدرج الأول الذي حضنه، وملأه هو بصوته الذي تميّز، وجسده الذي كان يعلو المكان واقفاً دائماً حاضراً عالماً.. وكم من مرة حاولنا تقليده عسانا نصل إلى درجة من درجات التفوّق التي ارتقاها أستاذاً ناجحاً.
* * *
لقد احتلّ الأستاذ عاصم البيطار منصة التدريس سنوات طويلة محاضراً بشهادة ليست العليا التي يبحث عنها كثيرون، لكن بعلمٍ سامٍ مرتفعٍ شامخٍ، منعته ظروف كثيرة من متابعة دراساته لكنّ ما حصّله يعادل شهادات كثيرة تُمنح في هذا الزمن، وقد لايعرف كثيرون- على الأقل الطلاب- أنّ عاصم البيطار هو ابن العلامة بهجة البيطار الذي كان له دور كبير في إنشاء وزارة التربية في السعودية، وهو رئيس مجمع اللغة العربية في زمانه، فقد لازم الابن أباه في رحلته الأولى فحمل عنه علماً لا يحتاج إلى منحه شهادة، وأخذ عن والده علماً جمّاً غزيزاً لم يبخل به على طلابه، ومن ثم الأماكن التي حلّ فيها للعمل، كان أهمها مجلة الفيصل السعودية، تم استقباله عضواً في مجمع اللغة العربية بدمشق وهو يَدلف إلى الخامسة والسبعين من العمر فقد تأخر كغيره، فما نفع إلا القليل، وما أفاد إلاّ بالقدر الذي كان العمر يسمح له به، والصحة التي أعاقته كثيراً، لأن المرض بدا يظهر على وجهه وجسده فحال أصفرَ وما عاد ذاك الوجه الذي عهدناه بابتسامته، وشعره الكثّ الذي بدأ يتساقط أبيض، وبدا جسمه ينحل ويضعف وهو الجسم الهرم الكبير بدا ينهدّ شيئاً فشيئاً ويذوب كما لو أن حتّ السنوات ازدادت عليه وتثاقلت كثيراً وتكاتفت لتجعله طريح الفراش فَسَرَت فيه عوارض المرض مجتمعة متكاتفة وقدرت أن تطفىء بسمته، وتقتل جسده لكن لا تستطيع أن تمحو كل شيء فمازال اسمه في العلم الذي تركه لنا فهما اسمه والنحو صنوان لا يفترقان.
http://www.albaath.news.sy/epublisher/user/
البسمة التي انطفأت
شوقي المعري
قد يكون اسم الأستاذ عاصم البيطار من أكثر الأسماء علوقاً بعقل الطلاب في كلية الشريعة وقسم اللغة العربية، هذا غير مواضع أخرى يتردد فيها هذا الاسم منذ سنوات بعيدة جداً، سواء الطلاب الذين تخرّجوا في هاتين الكليتين أم الذين مازالوا على مقاعد الدراسة، ويبدو سينطبق هذا على الذين سينتسبون إليهما،، لأن كتاب الأستاذ عاصم المقرر في مادة «النحو والصرف»، هو الأول الذي يحمله الطالب، والذي يعتمده في كل السنوات وبعد تخرّجه، وكلما أعوزته حاجة النحو، لأن هذا الكتاب يضمّ بين دفتيه معظم أبواب النحو والصرف التي سيعوّل عليها الطالب كثيراً في خلال تعلّمه وتعليمه من بعد، فكأنه الأساس الذي سيبنى عليه، وهذا الكتاب يعود بي وبكثيرين إلى سنوات زادت على الثلاثين يوم كان أملية جامعية مقرّرة علينا في هذه المادة العلمية الأساسية في قسم اللغة العربية، وظل هكذا، وظل الزملاء الذين يدرّسون طلاب السنة الأولى في قسم اللغة العربية في حالة حرج، إنهم لايريدون تغيير المقرر، لأنهم إما أن يأتوا بشيء يفوق ما في الكتاب، وإما أن يظل على حاله بحروفه التي طُبعت على الآلة الكاتبة، وبالحركات التي وُضعت بخط يد صاحبه، وكأنها علامة فارقة!! ويبدو أنهم آثروا الأمر الثاني لأنهم كما يقولون لا يقدرون أن يزيدوا على العلم الذي في الكتاب كثيراً، إلا سهولة العبارة وتبسيطها بما يتناسب ومستوى الطالب الذي يبحث عن المستوى السهل في العلم مع السرعة للوصول إلى مبتغاه وهو النجاح، ثم إنهم يتركون الكتاب احتراماً وتبجيلاً لصاحبه، فكأنه قرآن الكتاب النحوي الجامعي كما سُمّي كتاب سيبويه قرآن النحو!!.
* * *
إنّ هذا من أهم الأسباب التي جعلت لعاصم البيطار ذاك الصيت الطيّب في العلم، هذا عدا الأخلاق التي كان يتخلّق بها، والطريقة الممتعة في التدريس والتي تميز بها دون غيره من أساتيذنا، والقصد منها تحبيب المادة النحوية وتقريبها إلى عقل الطالب لأنها في عرف الكثيرين مادة جافة، فكان يعمل جاهداً أنّ يقربها من أذهاننا وأذهان من كان قبلنا ومن جاء بعدنا من الطلاب الذين لايزالون يتذكرون روح النكتة والدعابة التي لم تكن تفارق روحه وتمتزج بالعلم الجمّ فتكون الضحكة سبيلاً إلى فهم القاعدة النحوية، لأن المثال أو الشاهد حاضر ارتجالي بديهي من صميم الواقع الذي يحيط بالطالب، ومازال هذا كلّه يتردد صداه في المدرج الأول الذي حضنه، وملأه هو بصوته الذي تميّز، وجسده الذي كان يعلو المكان واقفاً دائماً حاضراً عالماً.. وكم من مرة حاولنا تقليده عسانا نصل إلى درجة من درجات التفوّق التي ارتقاها أستاذاً ناجحاً.
* * *
لقد احتلّ الأستاذ عاصم البيطار منصة التدريس سنوات طويلة محاضراً بشهادة ليست العليا التي يبحث عنها كثيرون، لكن بعلمٍ سامٍ مرتفعٍ شامخٍ، منعته ظروف كثيرة من متابعة دراساته لكنّ ما حصّله يعادل شهادات كثيرة تُمنح في هذا الزمن، وقد لايعرف كثيرون- على الأقل الطلاب- أنّ عاصم البيطار هو ابن العلامة بهجة البيطار الذي كان له دور كبير في إنشاء وزارة التربية في السعودية، وهو رئيس مجمع اللغة العربية في زمانه، فقد لازم الابن أباه في رحلته الأولى فحمل عنه علماً لا يحتاج إلى منحه شهادة، وأخذ عن والده علماً جمّاً غزيزاً لم يبخل به على طلابه، ومن ثم الأماكن التي حلّ فيها للعمل، كان أهمها مجلة الفيصل السعودية، تم استقباله عضواً في مجمع اللغة العربية بدمشق وهو يَدلف إلى الخامسة والسبعين من العمر فقد تأخر كغيره، فما نفع إلا القليل، وما أفاد إلاّ بالقدر الذي كان العمر يسمح له به، والصحة التي أعاقته كثيراً، لأن المرض بدا يظهر على وجهه وجسده فحال أصفرَ وما عاد ذاك الوجه الذي عهدناه بابتسامته، وشعره الكثّ الذي بدأ يتساقط أبيض، وبدا جسمه ينحل ويضعف وهو الجسم الهرم الكبير بدا ينهدّ شيئاً فشيئاً ويذوب كما لو أن حتّ السنوات ازدادت عليه وتثاقلت كثيراً وتكاتفت لتجعله طريح الفراش فَسَرَت فيه عوارض المرض مجتمعة متكاتفة وقدرت أن تطفىء بسمته، وتقتل جسده لكن لا تستطيع أن تمحو كل شيء فمازال اسمه في العلم الذي تركه لنا فهما اسمه والنحو صنوان لا يفترقان.
http://www.albaath.news.sy/epublisher/user/