خشان خشان
05-17-2013, 07:54 AM
ورطة الشعر!
علي عثمان مليباري
الأربعاء 01/05/2013
من بين كافة الأجناس الأدبية المتعارف عليها، ظل الشعر مسرحًا للتجريب الذي استهدفه شكلاً وموضوعًا، فبعد سيادة مطلقة للشكل الكلاسيكي المتمثل في بحور الشعر التي وضعها الخليل بن أحمد الفراهيدي لزمن طويل، بدأت المناوشات تطال الشكل الشعري، من شعر محاولات مزج البحور، ثم نمط التفعيلة، والشعر الحر، وصولاً إلى قصيدة النثر في عصرنا الحاضر، ويظل الباب مفتوحًا أمام مغامرات شكلية قادمة.
ولم تكن هذه الأطوار التي مر بها الشعر العربي على مستوى الشكل سلسة وخالية من الصراع، فالشاهد أن أي انتقال من هذه الانتقالات الشكلية كانت تصحبه معارك بين حرّاس القديم والمغامرون الجدد، صراعات وصلت حد الاتهامات بالسعي نحو ضرب الهوية، والاشتراك في «مؤامرة ما» ضد الثقافة العربية، من مفهوم أن الشعر «ديوان العرب»، وأنه أكثر الفنون الأدبية التي التصقت بالعرب قديمًا، وعلى هذا فأي محاولة لخلخلة النموذج المتوارث للشعر تعني بمفهوم المحافظين استهداف للهوية العربية، ونسف لأصل من أصول الثقافة العربية. وفي المقابل يقف «المجددون» بحجج كثيرة تعضد وتبرر لما تم في شكل القصيدة العربية خلال أطوارها المتعددة، لكن الصراع الذي دار ويدور الآن مع قصيدة النثر يجعلني أقف موقف المتحيّر من تسمية ما حدث ويحدث لشكل القصيدة العربية بـ»التطور الطبيعي» الذي تمليه دواعي الحاجة والبحث عن «مواعين» شكلية تستوعب الأفكار الشعرية الحديثة، فظاهر هذا القول جميل، ويشي بحركة دينامكية مطلوبة، ليس في الشعر بل في كل أجناس الأدب، وأنماط السلوك الإنساني بعامة، لكن واقع الحال المنظور فيما يدور من صراع واتهامات ساخنة دفعني إلى التشكيك بصورة جذرية في فكرة «التطور الطبيعي» هذه، فالمأمول من أي تطور طبيعي أن تكون إرهاصاته لائحة على نحو يقرب من الجزم والتأكيد لا مجرد التمني والأمل، كما أن حركته عند التنزّل إلى أرض الواقع لا تحتمل كل هذا الصراع، بل نتوقع أن يكون مرورها سهلاً وميسرًا، ومقبولاً بنسبة كبيرة، مع الاحتفاظ بنسبة قليلة من المعارضة وفق طبيعة الإنسان الجانحة نحو السكون وعدم التغيير مهما كانت نفعية وجدوى التغيير، وهذا أمر مفهوم ومقروء بصورة واضحة حتى في حركة الرسالات السماوية وما جُوبهت به من عنت ورفض ودعاوى التمسك بالقديم على اعتبار أن «هذا ما وجدنا عليه آباءنا».
قلت أشك في أن وصف «التطور الطبيعي» يمثّل حالة التوصيف السليم لما يحدث، وربما أتحرك من هذا الشك بخطوة كبيرة نحو اليقين وأنا أنظر إلى ما تجابهه قصيدة النثر من صراع التجنيس، والمجاهدة من أجل الحصول على بطاقة الشعر، والحق أن مغامرة «قصيدة النثر» مغامرة غير مألوفة إن لم تكن غير مستساغة على الإطلاق، فكل الأشكال الشعرية التي زاحمت الشكل الخليلي احتفظت بخاصية «الموسيقى» الظاهرية المتمثلة في التفعيلات وإلى حد ما تنوّع القوافي، غير أنها لم «تدمر» الموسيقى الشعرية كلية مثلما فعلت «قصيدة النثر» التي تحيلنا إلى «الموسيقى الداخلية»، المخبأة -بزعم منتجيها- في جوف الكلمات والحروف المشكلة لصلصال القصيدة، وهي حجة أظن أنها ستحتاج إلى معضدات أخرى، كون مثل هذه الإحالة ربما تتمتع بها فنون أخرى من الكتابة، فلو أنها كانت الشرط الذي تبشّر به قصيدة النثر، فإنها إذًا لا تملك مزية تتفرد بها عن غيرها..
صرفت كل هذا القول حول «الشكل»، لأني ما حضرت مجلسًا دار فيه الحديث عن الأدب عمومًا والشعر تحديدًا، إلاّ كان الشكل والموسيقى والقافية وكل متعلقات القصيدة القديمة هي الأكثر حضورًا في النقاش، والأوسع تداولاً في الحديث، وهو أمر أستطيع فهمه وتقديره وتوقعه ما دامت المسافة بعيدة جدًا بين ما نتعلمه من شعر في مراحلنا الدراسية المختلفة، وما نقرأه ونسمعه من شعر خارج أسوار الدور التعليمية، فالمقررات الدراسية في المراحل الأولية تصوغ ذائقتنا الشعرية على نحو يؤصل ويكرس لنمط شعري معين، وبالتحديد الشكل الكلاسيكي القديم، فينمو معنا اليقين بأنه الشعر ولا شيء غيره، وهذا باعتقادي مبعث الصراع الذي يدور لاحقًا، والذي يتبعه من بعد ذلك الجنوح نحو التنميط، وفقًا لأي المعسكرين وأنصارهما.
كنت أقول، وما زلت، أننا أحوج ما نكون اليوم إلى النظر في المحتوى أكثر من حاجتنا إلى الصراع نحو الأشكال، فلن تكسب القصيدة مكان الشعر الحقيقي إذا كانت فقيرة المحتوى مهما التزمت بالنسق الخليلي التزامًا كاملاً صارمًا، ولن تدخل قصيدة النثر نادي الحداثة إذا «بعثرت» كلمات لا تحمل إلاّ رؤية بالية، وقولاً لا روح فيه ولا حس ولا معنى..
(*) دكتوراة في الهندسة المدنية من جامعة الملك عبدالعزيز
ali.melibari99@hotmail.com
************************
السلام عليكم
استاذي الكريم
اطلعت على مقالك ورطة الشعر
http://www.al-madina.com/node/450288?arbeaa
تجد أدناه تمثيلا لخمس تفاعيل من بحر الكامل بعد نقل ايقاعها السمعي لإيقاع بصري من خلال وزنها رقميا
متفاعلن = مُ 1 تَ 1 فا 2 علن 3 = 1 1 2 3
https://sites.google.com/site/alarood/_/rsrc/1337381801127/r3/Home/comparative-metrics/03-kamil-flower.png
وردة بلا عطر شكل فقط وهذا نظير الشكل الشعري بمضمون فقير
عطر بلا وردة قد يكون في قارورة يحوي عطرية وليس ورده نظيره النثر ذو شاعرية المضمون
لا بد من الشكل والعطر لنحصل على وردة
القالب الشعري بمثابة الكأس وملؤها السائل الذي قد يكون عسلا أو سما
قالب شعري بمضمون فقير = نظم
نثر ذي مضمون شاعري = كلام شاعري
لا بد للشعر من كليهما.
أرجو من الأستاذ الفاضل الاطلاع على النسبة الشعرية التي تتضمن أوزان الشعر في الطبيعة بعد نقلها للوزن الرقمي وهو يحوي فكرة عن العمارة والعروض .
http://www.youtube.com/watch?feature=player_detailpage&v=j9Y-LD89bes#t=173s
كما أتمنى أن تطلع على موضوع على شاطئ العروض المقارن
https://sites.google.com/site/alarood/r3/Home/comparative-metrics
والله يرعاك
علي عثمان مليباري
الأربعاء 01/05/2013
من بين كافة الأجناس الأدبية المتعارف عليها، ظل الشعر مسرحًا للتجريب الذي استهدفه شكلاً وموضوعًا، فبعد سيادة مطلقة للشكل الكلاسيكي المتمثل في بحور الشعر التي وضعها الخليل بن أحمد الفراهيدي لزمن طويل، بدأت المناوشات تطال الشكل الشعري، من شعر محاولات مزج البحور، ثم نمط التفعيلة، والشعر الحر، وصولاً إلى قصيدة النثر في عصرنا الحاضر، ويظل الباب مفتوحًا أمام مغامرات شكلية قادمة.
ولم تكن هذه الأطوار التي مر بها الشعر العربي على مستوى الشكل سلسة وخالية من الصراع، فالشاهد أن أي انتقال من هذه الانتقالات الشكلية كانت تصحبه معارك بين حرّاس القديم والمغامرون الجدد، صراعات وصلت حد الاتهامات بالسعي نحو ضرب الهوية، والاشتراك في «مؤامرة ما» ضد الثقافة العربية، من مفهوم أن الشعر «ديوان العرب»، وأنه أكثر الفنون الأدبية التي التصقت بالعرب قديمًا، وعلى هذا فأي محاولة لخلخلة النموذج المتوارث للشعر تعني بمفهوم المحافظين استهداف للهوية العربية، ونسف لأصل من أصول الثقافة العربية. وفي المقابل يقف «المجددون» بحجج كثيرة تعضد وتبرر لما تم في شكل القصيدة العربية خلال أطوارها المتعددة، لكن الصراع الذي دار ويدور الآن مع قصيدة النثر يجعلني أقف موقف المتحيّر من تسمية ما حدث ويحدث لشكل القصيدة العربية بـ»التطور الطبيعي» الذي تمليه دواعي الحاجة والبحث عن «مواعين» شكلية تستوعب الأفكار الشعرية الحديثة، فظاهر هذا القول جميل، ويشي بحركة دينامكية مطلوبة، ليس في الشعر بل في كل أجناس الأدب، وأنماط السلوك الإنساني بعامة، لكن واقع الحال المنظور فيما يدور من صراع واتهامات ساخنة دفعني إلى التشكيك بصورة جذرية في فكرة «التطور الطبيعي» هذه، فالمأمول من أي تطور طبيعي أن تكون إرهاصاته لائحة على نحو يقرب من الجزم والتأكيد لا مجرد التمني والأمل، كما أن حركته عند التنزّل إلى أرض الواقع لا تحتمل كل هذا الصراع، بل نتوقع أن يكون مرورها سهلاً وميسرًا، ومقبولاً بنسبة كبيرة، مع الاحتفاظ بنسبة قليلة من المعارضة وفق طبيعة الإنسان الجانحة نحو السكون وعدم التغيير مهما كانت نفعية وجدوى التغيير، وهذا أمر مفهوم ومقروء بصورة واضحة حتى في حركة الرسالات السماوية وما جُوبهت به من عنت ورفض ودعاوى التمسك بالقديم على اعتبار أن «هذا ما وجدنا عليه آباءنا».
قلت أشك في أن وصف «التطور الطبيعي» يمثّل حالة التوصيف السليم لما يحدث، وربما أتحرك من هذا الشك بخطوة كبيرة نحو اليقين وأنا أنظر إلى ما تجابهه قصيدة النثر من صراع التجنيس، والمجاهدة من أجل الحصول على بطاقة الشعر، والحق أن مغامرة «قصيدة النثر» مغامرة غير مألوفة إن لم تكن غير مستساغة على الإطلاق، فكل الأشكال الشعرية التي زاحمت الشكل الخليلي احتفظت بخاصية «الموسيقى» الظاهرية المتمثلة في التفعيلات وإلى حد ما تنوّع القوافي، غير أنها لم «تدمر» الموسيقى الشعرية كلية مثلما فعلت «قصيدة النثر» التي تحيلنا إلى «الموسيقى الداخلية»، المخبأة -بزعم منتجيها- في جوف الكلمات والحروف المشكلة لصلصال القصيدة، وهي حجة أظن أنها ستحتاج إلى معضدات أخرى، كون مثل هذه الإحالة ربما تتمتع بها فنون أخرى من الكتابة، فلو أنها كانت الشرط الذي تبشّر به قصيدة النثر، فإنها إذًا لا تملك مزية تتفرد بها عن غيرها..
صرفت كل هذا القول حول «الشكل»، لأني ما حضرت مجلسًا دار فيه الحديث عن الأدب عمومًا والشعر تحديدًا، إلاّ كان الشكل والموسيقى والقافية وكل متعلقات القصيدة القديمة هي الأكثر حضورًا في النقاش، والأوسع تداولاً في الحديث، وهو أمر أستطيع فهمه وتقديره وتوقعه ما دامت المسافة بعيدة جدًا بين ما نتعلمه من شعر في مراحلنا الدراسية المختلفة، وما نقرأه ونسمعه من شعر خارج أسوار الدور التعليمية، فالمقررات الدراسية في المراحل الأولية تصوغ ذائقتنا الشعرية على نحو يؤصل ويكرس لنمط شعري معين، وبالتحديد الشكل الكلاسيكي القديم، فينمو معنا اليقين بأنه الشعر ولا شيء غيره، وهذا باعتقادي مبعث الصراع الذي يدور لاحقًا، والذي يتبعه من بعد ذلك الجنوح نحو التنميط، وفقًا لأي المعسكرين وأنصارهما.
كنت أقول، وما زلت، أننا أحوج ما نكون اليوم إلى النظر في المحتوى أكثر من حاجتنا إلى الصراع نحو الأشكال، فلن تكسب القصيدة مكان الشعر الحقيقي إذا كانت فقيرة المحتوى مهما التزمت بالنسق الخليلي التزامًا كاملاً صارمًا، ولن تدخل قصيدة النثر نادي الحداثة إذا «بعثرت» كلمات لا تحمل إلاّ رؤية بالية، وقولاً لا روح فيه ولا حس ولا معنى..
(*) دكتوراة في الهندسة المدنية من جامعة الملك عبدالعزيز
ali.melibari99@hotmail.com
************************
السلام عليكم
استاذي الكريم
اطلعت على مقالك ورطة الشعر
http://www.al-madina.com/node/450288?arbeaa
تجد أدناه تمثيلا لخمس تفاعيل من بحر الكامل بعد نقل ايقاعها السمعي لإيقاع بصري من خلال وزنها رقميا
متفاعلن = مُ 1 تَ 1 فا 2 علن 3 = 1 1 2 3
https://sites.google.com/site/alarood/_/rsrc/1337381801127/r3/Home/comparative-metrics/03-kamil-flower.png
وردة بلا عطر شكل فقط وهذا نظير الشكل الشعري بمضمون فقير
عطر بلا وردة قد يكون في قارورة يحوي عطرية وليس ورده نظيره النثر ذو شاعرية المضمون
لا بد من الشكل والعطر لنحصل على وردة
القالب الشعري بمثابة الكأس وملؤها السائل الذي قد يكون عسلا أو سما
قالب شعري بمضمون فقير = نظم
نثر ذي مضمون شاعري = كلام شاعري
لا بد للشعر من كليهما.
أرجو من الأستاذ الفاضل الاطلاع على النسبة الشعرية التي تتضمن أوزان الشعر في الطبيعة بعد نقلها للوزن الرقمي وهو يحوي فكرة عن العمارة والعروض .
http://www.youtube.com/watch?feature=player_detailpage&v=j9Y-LD89bes#t=173s
كما أتمنى أن تطلع على موضوع على شاطئ العروض المقارن
https://sites.google.com/site/alarood/r3/Home/comparative-metrics
والله يرعاك