حنين حمودة
03-15-2013, 11:26 AM
الجنة الحلم
)بعد أن استجمع خرافة قواه,وكبت في قلبه ألمه الذي أضناه,
مسح دمعا كان في العيون, وحدثنا بحديث ذي شجون. (
طبطبت الحمامة الأولى على ظهر السلحفاة وقالت لها : لماذا لا تأتين معنا الى الجنة ؟
قالت السلحفاة وقد حنت رأسها بأسف :
أنتما تعلمان بأن هذه الجنة جنتي, بناها آبائي بعرقهم وفيها عاشوا, والعودة اليها حلمي, وقد مر القريب نصف قرن وأنا أخب الخطى نحوها, وكلما تقدمت خطوة جاءت الظروف اللعينة ودفعتني خطوتين الى الخلف.
ولفت رأسها نحو الحمامة الثانية ذات الحلقة السوداء التي تحيط بعينها اليسرى. حلقة نسجت من ريش أسود ناعم , يكحل لونها الأبيض الناصع , وقالت :
الجنة .. آه .. انها حلم بعيد. وبصراحة .. لقد تعبت رجلاي وأنا أراوح مكاني , والحلم يبعد ويبعد.
قالت الحمامة الثانية : ما هذا الكلام يا صديقتي السلحفاة ؟! حين نكون معك كل الأماني تتحقق .
تعجبت السلحفاة فقالت الحمامة الأولى :
لا تعب بعد الآن. سنحضر غصن زيتون الآن تعضين عليه بصلابة ونحن سنرفعه كل واحدة منا من جهة , ونطير بك الى الجنة.
قالت الحمامة ذات الحلقة السوداء : ما عليك سوى أن تصمتي وتتركي القياد لنا.
وافقت السلحفاة في الحال على هذا العرض المغري , فهي أخيرا ستصل الجنة , أخيرا سيتحقق الحلم , ودون تعب .
حضر الغصن في التو واللحظة , وبعد أن سلمت الحمامتان على بعضهما , وعانقتا السلحفاة , عضت السلحفاة على وسط الغصن , وقبضت الحمامتان على الطرفين بقبضتيهما.
وحين رفرفتا بأجنحتهما بدأت الرحلة .
حين بدأت السلحفاة تشعر بالارتفاع شعرت برهبة الموقف , ولكنها نسيت الخوف أو تناسته وهي تمني نفسها بالوصول.
وفي السماء بدأت تضاريس الجنة تظهر شيئا فشيئا للعيان. وصارت الفرحة تنبض في جوانح السلحفاة حين لمحت منزل الأجداد , وحين قالت الحمامة الأولى :
أترين يا سلحوفة , منزلك قاب قوسين أو أدنى.
أنست الفرحة السلحفاة ألم فكها. كانت تود أن تقول وتقول، كانت تود أن تعبر عن فرحها , ولكنها تذكرت أن روحها معلقة بكلمة, فقررت أن لا تقول شيئا حتى تدوس أرض الوطن, فتحمي نفسها من الهلاك .
وحين وصلت الحمامتان فوق الجنة, صارتا ترفرفان في موضعهما ولم تحاولا النزول. تعجبت السلحفاة في صمت مما يحصل , فلماذا لا تنزلان ؟!
كانت السلحفاة طوال رحلة الطيران تنظر الى أسفل , تراقب اقتراب الجنة الحلم منها , وتراقب بيوتها وأشجارها وهي تكبر لحظة فلحظة .
حين توقفت المسيرة رفعت السلحفاة عينيها لترى صديقتيها وتعرف السبب. حملقت السلحفاة بالحمامتين لتتأكد مما ترى , وكبتت الشهقة في صدرها كي لا تؤدي الى فتح فمها فتقع.
كانت الرياح عبر هذه الرحلة قد أحالت لونهما أسود. وحين أطالت السلحفاة الحملقة فيهما , نزل من ريشهما بعض الرذاذ الذي استقر في عينها.
كانت المفاجأة شديدة عليها , ولكن المفاجأة الأكبر كانت حين نزلت من رجل الطائر الغريب اليمنى رسالة قسمها العلوي مثبت بالرجل , وحين لمحت قلما مثبتا بالرجل اليسرى.
قال الطائر الأسود للسلحفاة بصيغة آمرة : وقعي .
سحبت السلحفاة القلم من مكانه بيد راجفة , وصارت تقرأ الورقة, تحاول معرفة ما ستوقع عليه.
قال الطائر الأيمن برفق الحية اللادغة :
لا تخافي يا عزيزتي, أنا أضمن لك حقوقك بالكامل.
لم تستطع السلحفاة أن تقول شيئا. كانت تود أن تصرخ , أن تقول مستحيل , هذا عقد بيع للجنة .. لا يمكن أن أوقع عليه !
قال الطائر الأيسر : تفكرين بالطبع بمكان سكناك. لا تخافي, ان قرأت جيدا فستجدين عقد ايجار, ستوقعين عليه أيضا. سنؤجرك غرفة في بيت الأجداد.
كانت يد السلحفاة ترجف وهي تقرأ شروط الايجار , ودمعتها تختنق في صدرها :
1. الايجار محدد لغرفة واحدة في قلب المنزل.
2. يحق للمالك تفتيش السلحفاة في دخولها وخروجها.
3. يحق للمالك استخدام منافع الغرفة.
4. يحق للمالك النوم في غرفة النوم.
5. على السلحفاة التخلي عن حق العودة للسلاحف الأخرى.
6. أية خنادق تحفر وتصيب المالك أو حلفاءه من مسؤولية السلحفاة وعليها تحمل العواقب.
7. يحق للمالك اخلاء المستأجَر في حال اخلال السلحفاة بالشروط السابقة.
أحست السلحفاة بأن عضلات فكها قد تعبت كثيرا وما عادت تستطيع حملها.
وعلى مبدأ " يا روح ما بعدك روح " صارت تخط تواقيعها في الأمكنة المخصصة لذلك .
بقلم حنين يحيى حمودة
وجنتنا حلْمٌ، ودربٌ مريرُ
فلا تمتطِ الأغيار كيما تطيرُ
فهذا اليمام البيض نعرفُ كنهه
ومن عاش في الأكنافِ، فهو أسيرُ
)بعد أن استجمع خرافة قواه,وكبت في قلبه ألمه الذي أضناه,
مسح دمعا كان في العيون, وحدثنا بحديث ذي شجون. (
طبطبت الحمامة الأولى على ظهر السلحفاة وقالت لها : لماذا لا تأتين معنا الى الجنة ؟
قالت السلحفاة وقد حنت رأسها بأسف :
أنتما تعلمان بأن هذه الجنة جنتي, بناها آبائي بعرقهم وفيها عاشوا, والعودة اليها حلمي, وقد مر القريب نصف قرن وأنا أخب الخطى نحوها, وكلما تقدمت خطوة جاءت الظروف اللعينة ودفعتني خطوتين الى الخلف.
ولفت رأسها نحو الحمامة الثانية ذات الحلقة السوداء التي تحيط بعينها اليسرى. حلقة نسجت من ريش أسود ناعم , يكحل لونها الأبيض الناصع , وقالت :
الجنة .. آه .. انها حلم بعيد. وبصراحة .. لقد تعبت رجلاي وأنا أراوح مكاني , والحلم يبعد ويبعد.
قالت الحمامة الثانية : ما هذا الكلام يا صديقتي السلحفاة ؟! حين نكون معك كل الأماني تتحقق .
تعجبت السلحفاة فقالت الحمامة الأولى :
لا تعب بعد الآن. سنحضر غصن زيتون الآن تعضين عليه بصلابة ونحن سنرفعه كل واحدة منا من جهة , ونطير بك الى الجنة.
قالت الحمامة ذات الحلقة السوداء : ما عليك سوى أن تصمتي وتتركي القياد لنا.
وافقت السلحفاة في الحال على هذا العرض المغري , فهي أخيرا ستصل الجنة , أخيرا سيتحقق الحلم , ودون تعب .
حضر الغصن في التو واللحظة , وبعد أن سلمت الحمامتان على بعضهما , وعانقتا السلحفاة , عضت السلحفاة على وسط الغصن , وقبضت الحمامتان على الطرفين بقبضتيهما.
وحين رفرفتا بأجنحتهما بدأت الرحلة .
حين بدأت السلحفاة تشعر بالارتفاع شعرت برهبة الموقف , ولكنها نسيت الخوف أو تناسته وهي تمني نفسها بالوصول.
وفي السماء بدأت تضاريس الجنة تظهر شيئا فشيئا للعيان. وصارت الفرحة تنبض في جوانح السلحفاة حين لمحت منزل الأجداد , وحين قالت الحمامة الأولى :
أترين يا سلحوفة , منزلك قاب قوسين أو أدنى.
أنست الفرحة السلحفاة ألم فكها. كانت تود أن تقول وتقول، كانت تود أن تعبر عن فرحها , ولكنها تذكرت أن روحها معلقة بكلمة, فقررت أن لا تقول شيئا حتى تدوس أرض الوطن, فتحمي نفسها من الهلاك .
وحين وصلت الحمامتان فوق الجنة, صارتا ترفرفان في موضعهما ولم تحاولا النزول. تعجبت السلحفاة في صمت مما يحصل , فلماذا لا تنزلان ؟!
كانت السلحفاة طوال رحلة الطيران تنظر الى أسفل , تراقب اقتراب الجنة الحلم منها , وتراقب بيوتها وأشجارها وهي تكبر لحظة فلحظة .
حين توقفت المسيرة رفعت السلحفاة عينيها لترى صديقتيها وتعرف السبب. حملقت السلحفاة بالحمامتين لتتأكد مما ترى , وكبتت الشهقة في صدرها كي لا تؤدي الى فتح فمها فتقع.
كانت الرياح عبر هذه الرحلة قد أحالت لونهما أسود. وحين أطالت السلحفاة الحملقة فيهما , نزل من ريشهما بعض الرذاذ الذي استقر في عينها.
كانت المفاجأة شديدة عليها , ولكن المفاجأة الأكبر كانت حين نزلت من رجل الطائر الغريب اليمنى رسالة قسمها العلوي مثبت بالرجل , وحين لمحت قلما مثبتا بالرجل اليسرى.
قال الطائر الأسود للسلحفاة بصيغة آمرة : وقعي .
سحبت السلحفاة القلم من مكانه بيد راجفة , وصارت تقرأ الورقة, تحاول معرفة ما ستوقع عليه.
قال الطائر الأيمن برفق الحية اللادغة :
لا تخافي يا عزيزتي, أنا أضمن لك حقوقك بالكامل.
لم تستطع السلحفاة أن تقول شيئا. كانت تود أن تصرخ , أن تقول مستحيل , هذا عقد بيع للجنة .. لا يمكن أن أوقع عليه !
قال الطائر الأيسر : تفكرين بالطبع بمكان سكناك. لا تخافي, ان قرأت جيدا فستجدين عقد ايجار, ستوقعين عليه أيضا. سنؤجرك غرفة في بيت الأجداد.
كانت يد السلحفاة ترجف وهي تقرأ شروط الايجار , ودمعتها تختنق في صدرها :
1. الايجار محدد لغرفة واحدة في قلب المنزل.
2. يحق للمالك تفتيش السلحفاة في دخولها وخروجها.
3. يحق للمالك استخدام منافع الغرفة.
4. يحق للمالك النوم في غرفة النوم.
5. على السلحفاة التخلي عن حق العودة للسلاحف الأخرى.
6. أية خنادق تحفر وتصيب المالك أو حلفاءه من مسؤولية السلحفاة وعليها تحمل العواقب.
7. يحق للمالك اخلاء المستأجَر في حال اخلال السلحفاة بالشروط السابقة.
أحست السلحفاة بأن عضلات فكها قد تعبت كثيرا وما عادت تستطيع حملها.
وعلى مبدأ " يا روح ما بعدك روح " صارت تخط تواقيعها في الأمكنة المخصصة لذلك .
بقلم حنين يحيى حمودة
وجنتنا حلْمٌ، ودربٌ مريرُ
فلا تمتطِ الأغيار كيما تطيرُ
فهذا اليمام البيض نعرفُ كنهه
ومن عاش في الأكنافِ، فهو أسيرُ