مشاهدة النسخة كاملة : هل تستطيع أن تميز الأبيات القديمة من الأبيات الحديثة في هذا النص؟
زعم أحدهم- أظنه الدكتور جابر عصفور- أن القارئ لا يستطيع أن يميز الأبيات في هذا النص الذي يأتيك الآن التي قالها قيس بن ذريح من تلك الأخرى التي وضعها على لسانه الشاعر المعاصر عزيز أباظة في مسرحيته "قيس ولبنى":
أما أنا فأقول: إن هذه الأبيات تصلح مثالاًً للفرق الواضح بين الشعر القديم والشعر الجديد وإن الأبيات الجديدة ظاهرة ظهوراً مبيناً.
فهل تستطيع أيها القارئ أن تستخرج الأبيات التي لا يمكن أن يكون قيس بن ذريح قالها من بين الأبيات التالية مع ذكر سبب ظنك هذا؟
ومن المعروق أن الجديد قد يفلح في تقليد القديم ولكن القديم لا يتكلم بلغة الجديد أبداًً. ، والذي حدث أن عزيز أباظة استعمل هذه المفردات والمفاهيم الجديدة بوضوح في بعض الأبيات.
يقولون لبنى فتنة كنت قبلها..بخير فلا تندم عليها وطلق
فطاوعت أعدائي وعاصيت ناصحي..وأقررت عين الشامت المتملق
وددت وبيت الله أني عصيتهم..وحملت في رضوانها كل موثق
أطوف على أبيات لبنى تدعّني..إليها لبانات الفؤاد الممزق
أعلل نفسي باللقاء فما أرى..سوى الندم اليقظان باليأس يلتقي
ملاعب من لبنى إذا ما لمحتها..تهالكت في طاغ من الوجد مطبق
أخي وأستاذي الكريم
للأمانة لم أشأ أن أشير لغير ما تبادر لي لأول وهلة .
أعلل نفسي باللقاء فما أرى = سوى الندم اليقظان باليأس يلتقي
( الندم اليقظان ) هذا تعبير حديث.
سأجرب..
يقولون لبنى فتنة كنت قبلها..بخير فلا تندم عليها وطلق
من الحديث.. أحسست أن المعنى ركيك
فطاوعت أعدائي وعاصيت ناصحي..وأقررت عين الشامت المتملق
أستشعر فيه جزالة القديم
وددت وبيت الله أني عصيتهم..وحملت في رضوانها كل موثق
من القديم
أطوف على أبيات لبنى تدعّني..إليها لبانات الفؤاد الممزق
هذا محير.. لكن إحساسي أنه قديم.. لفظة لبانات رجحت عندي القديم
أعلل نفسي باللقاء فما أرى..سوى الندم اليقظان باليأس يلتقي
من الحديث
ملاعب من لبنى إذا ما لمحتها..تهالكت في طاغ من الوجد مطبق
من القديم .. جزالة وعمق في المعاني لا يقولها إلا من قصدها فعلا
أختي مريم
ذكرتني بشقيق لي كاد يتطابق في الرأي معك وهو من غرائب الاتفاق!
فيبدو أن أخوتي وأنت منهم عندهم توارد خواطر!
أأصبت في ثلاثة أبيات وترددت في واحد وأخطأت التقدير فيما تبقى فشكراً لك.
والأستاذ خشان أصاب في حدسه عن البيت.
مع خالص التحية
لعلي أضيف على ملاحظة الأستاذ خشان الصائبة بشأن البيت أن "التقاء الندم باليأس" يبدو لي أيضاً تصوراً مجازياً حديثاً.
وقول الشاعرة مريم:
"
يقولون لبنى فتنة كنت قبلها..بخير فلا تندم عليها وطلق
من الحديث.. أحسست أن المعنى ركيك"
قد يكون صحيحاً ولكنه نقد صحيح لشعر قديم ولا يخلو الشعر القديم من ركاكه لا سيما أنه عرضة للنحل كما تعلمون!
فالبيت قديم.
سليمان أبو ستة
03-22-2005, 11:43 PM
اتفقت الأخت مريم مع الأستاذ خشان على أن البيت المنسوب لذريح هو من نظم عزيز أباظه لما بدا لهما من أثر للحداثة في التعبير عند قوله ( الندم اليقظان ) . ولا أريد أن أجادل في صحة أو خطأ هذا الرأي ، فقديما قيل أن خلفا الأحمر قد نظم قصيدة ونحلها تأبط شرا وهي التي تبدأ بقوله: إن بالشعب الذي دون سلع...................لقتيلا دمه ما يطل
فقد جاء فيها قوله :
خَبَرٌ ما، نابنا، مُصمَئلُّ................جَلَّ حتى دَقّ فيه الأجَلُّ
فرأى الشراح في هذاالبيت معنى حديثا استدلوا منه أنه لا يصدر عن جاهلي ، قال الأعلم الشنتمري في شرح الحماسة : " وبهذا اللفظ المصنوع والمعنى الدقيق البليغ عُلِم أن الشعر لغير عربي يقول بطبعه" .
وقال أبو المعري في الفصول والغايات : و"إن بالشعب " مختلف في قائلها ولم يجمعوا على أنها قديمة .
وقد رأينا العلامة محمود محمد شاكر يبدع في شرحه لهذه القصيدة مبينا روعة بنائها لفظا ووزنا وما تحمله من إمكانيات تعبيرية .
وكثيرون اليوم من يرون في هذا المعنى دليلا على عمق الحضارة العربية الموغلة في القديم ، ولا ينكرون بذلك صدور هذا المعنى عن شاعر جاهلي كتأبط شرا .
من هنا أرى أن الاتكاء على درجة الابتكار في المعنى للتمييز بين القديم والحديث قد يكون مضللا في كثير من الأحيان .
أما باقي الأبيات فلن أدلي برأيي في شأن نسبتها ، لأني رجعت إليها في مظانها ، ولا أريد أن أفسد على المشاركين في هذا المنتدى متعة تجريب الوصول إلى حلها .
ملاحظة متأخرة : حين أردت إنزال مداخلتي بالمنتدى وجدت أن حلقة الحوار قد انفضت ، وكنت آمل ألا يظهر الأخ محمد النتائج تاركا المجال لعدد أكبر من المشاركين أن يجربوا حظوظهم ، ولكن لا بأس ...خيرها في غيرها .
لا يخفى على الأخ سليمان أن طريقة الوصول إلى النتيجة أهم من النتيجة نفسها، كما أنه في الرياضيات يطلب في المدارس طريقة حل المسائل ويقدمون أحياناً الجواب لكي يتأكد الطالب أن الحل صحيح فقط إذ الجواب النهائي بحد ذاته ليس هو المطلوب هنا!
وما فعله الأقدمون من تمييز بالمعاني بين القديم و المحدث كانوا فيه رواداً لنوع هو فيما أرى من العلم القيم المتعلق بتاريخ المعاني أو تاريخ المفاهيم.
والقضية ليست هنا "عمق المعنى" كما ظن الأخ سليمان بل هي قضية مختلفة فلا شك أن أبا عثمان الجاحظ "أعمق معاني" من طالب من طلابنا العاديين الآن إن قرروا مثلاً في موضوع مدرسي أن يصفوا بخيلاً! غير أنك بلا ريب تميز الكتابة المحدثة من كتابة أبي عثمان من الألفاظ والمفاهيم المستعملة وليس من "العمق" بإطلاق المعنى.
وثمة ألفاظ لا شك في أنها محدثة تحكم سلفاً على نص أوردها بأنه حديث ولا تجادل في ذلك، فكل من قال "قومية" بمعنى الجنس فهو محدث! وقس على ذلك.
وثمة تعابير استوردت -ومعظم لغتنا الحديثة مستورد-ويستطيع الباحث تحديد الزمن الذي استوردت فيه من نوع "لعب دوراً"، "فاته القطار"، وآلاف التعابير، وثمة كلمات نعرف من ترجمها ككلمة"الباخرة" في وصف نوع آلي من السفن وإلى آخره..
ولو أن حضرتك شاهدت مسلسلاً سورياً عن حروب الفرنجة لوجدت أن الأبطال من المسلمين يعرفون هويتهم بأنهم "عرب" ولو عدت إلى الكتب لوجدت المحاربين آنذاك يعرفون هويتهم المميزة بأنها إسلامية..وإلى آخره..
استطراداً في موضوع الاحتلاف بين اللغة في أزمنة مختلفة يبدو لي أن بعض الإخوة ومنهم الأخ سليمان لم يعيروا الاهتمام بما فيه الكفاية للانقلاب الجذري الذي أصاب اللغة العربية في العصر الحديث، إذ نحن نتكلم الآن ببساطة بلغة مترجمة بنسبة قد تصل إلى تسعين بالمائة!
آلاف التعابير والكلمات الجديدة دخلت في الاستعمال، ولا شك أن أبا عثمان لوقيض له مثلاً أن يقرأ نصاً من نصوصنا لقال: هذا عربي غير عربي!
ولا تستغربوا كثيراً إذ كثيراً ما يكون ثمة انطباع بالغربة ولكن معاكس عند الطالب العربي الذي يمسك بكتاب من التراث.
بل أغلب العرب المحدثين من خريجي الجاكعات العربية أو الأجنبية عاجزون عن قراءة هذه الكتب ولو أرادوا فإن حاولوا كانت قراءتهم محفوفة بأنواع من اللبس الناتج عن تغير معاني الكلمات ومفهومها!
ولي مقال صغير في تغير الدلالة لا أعرف إن كنت أعدت نشره في منتدى العروض حول هذا الموضوع.
والأقدمون الذين شكوا في صحة نسبة البيت الذي فيه "دق فيه الأجل" يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أنه في عصرهم كانت اللغة العربية قد شهدت تغيراً مهماً نتج عن ترجمة كتب الفلسفة المنسوبة إلى اليونان بحيث أنهم شكوا عن حق في رأيي في صحة نسبة كثرة من نصوص "نهج البلاغة" إلى الإمام علي رضي الله عنه لما يحتويه من تأملات فلسفية وبمصطلحات لم تكن في عصره.
وقد رد بعضعلماء الشيعة على من ذكر هذه الملاحظة الصائبة برد ذكرني نوعاً ما برد أخي سليمان المتعلق "بعمق المعنى" فقالوا: وما تنكرون أن يكون الإمام بعبقريته وعلمه قد سبق الفلاسفة! وهذا رد غير مصيب فالمسألة لا تتعلق بذكاء علي كرم الله وجهه، بل تتعلق بمفاهيم وإشكاليات لم يطرحها العرب على أنفسهم وهم في عصر فجر الإسلام! فهذا كمن ينسب مقالاً في مشكلة الشعر النثري لمحمود سامي البارودي رحمه الله!
فهناك باختصار طفرة في الكلام العربي في العصر الحديث ألفاظاً ومفاهيم، بل حتى علامات الترقيم لعلمكم استوردناها فلم يعرف الأجداد فاصلة ولا إشارة تعجب ولا إشارة استفهام!
Powered by vBulletin® Version 4.2.5 Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir