المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الإيقاع هو الشاعر



خشان خشان
10-08-2010, 01:05 PM
http://www.arabicnadwah.com/modernism/ikaashaeir-hegazy.htm
الايقاع هو الشاعر
أحمد عبدالمعطي حجازي - مصر

سابدا هذه المقاله من حيث انتهت مقالتي السابقه‏,‏ فاذكر الاستاذ محمود امين العالم بما يجب ان نبدا منه حتي نتمكن من مواصله الحوار حول ايقاع الشعر‏,‏ وهو ان نصل الي تعريف لهذا الايقاع لم نتفق عليه بعد‏.‏
وقد كنت ذكرت في مقاله سابقه ان الايقاع هو الحركه الموزونه‏,‏ او هو انتظام الزمن وتواليه‏,‏ وان الانتظام شرط اساسي لوجود الايقاع‏.‏ فرد العالم في رسالته المنشوره يوم الاربعاء الاسبق قائلا‏:‏ نعم ياصديقي العزيز‏..‏ الانتظام شرط اساسي لوجود الايقاع‏,‏ لكنه استدرك بعد ذلك فاخذ يتساءل حول معني الانتظام‏,‏ وحدوده‏,‏ واختلاف الايقاع في الطبيعه عنه في الادب والفن والحياه الاجتماعيه والعاطفيه‏,‏ وسوي ذلك من الاسئله التي لا ننكر مالها من اهميه وصله قريبه او بعيده بالقضيه التي نناقشها‏,‏ لكنها ليست هي القضيه‏.‏

قضيتنا تتمثل في سوال جوهري نستطيع ان نصوغه هكذا‏!‏ اذا كان الايقاع عنصرا جوهريا في الشعر‏,‏ فهل يتوافر هذا العنصر في قصيده النثر؟ ولكي نتمكن من الاجابه عن هذا السوال علينا ان نتفق علي تعريف للايقاع‏:‏ ماهو الايقاع؟
ونحن هنا نسال عن ايقاع الشعر بالذات‏,‏ لان الايقاع موجود في كل شيء‏.‏ ففي الشعر ايقاع‏,‏ وفي النثر ايقاع‏,‏ وفي الرقص ايقاع‏,‏ وفي المشي ايقاع‏.‏ وبوسعنا ان نقول عن ايقاع النثر انه توازنات معنويه وتقسيمات حره مرتجله‏,‏ اما ايقاع الشعر فهو اوزان متفق عليها تتالف من وحدات صوتيه متساويه متواليه منتظمه‏.‏ وايقاع النثر بالنسبه لايقاع الشعر كايقاع الموال بالنسبه لايقاع الدور او الموشح‏.‏

ولو ان الاستاذ العالم قال‏:‏ ان الايقاع الذي يجده في قصيده النثر هو ايقاع النثر لما خالفناه في شيء‏,‏ لكن مشكلتنا معه تتمثل في اعتقاده ان هذا الايقاع هو ايقاع الشعر بالذات‏,‏ بل هو فوق ذلك نوع منه اعمق واقرب الي روح العصر من الايقاعات الشعريه المعروفه التي يعتقد الاستاذ العالم انها مستوحاه من وقع خطي الابل في الصحراء‏.‏ او كما يقول بنص كلامه‏:‏ ان ايقاع الشعر العربي في بدايته الذي يغلب عليه الاطراد وتكرار الوحدات المتماثله هو انعكاس ادبي واستلهام فني لايقاع حركه الابل في الصحراء‏.‏ وهو في الحقيقه ليس رايي وحدي‏,‏ بل راي العديد من النقاد القدامي والمعاصرين‏.‏
وهذا كلام استغرب صدوره عن الناقد الكبير ولا اطمئن للمصادر التي يشير اليها الاستاذ العالم اذا كانت موجوده حقا‏,‏ لانه يفترض ان الشعر العربي انتظر حتي سارت الابل ثم استوحي من سيرها ايقاعه‏.‏ والناس يعرفون الان ان الشعر هو اول اللغه‏,‏ او كما قال هيدجر في رسالته عن هولدرلن‏:‏ الشعر هو الذي يبدا بجعل اللغه ممكنه‏,‏ واذن فالمصدر الوحيد لايقاع الشعر هو اصوات اللغه التي تتطور طبعا بتطور المجتمع‏,‏ فيتطور معها ايقاع الشعر‏,‏ اما ان يكون هذا الايقاع انعكاسا لحركه الابل او حركه المرور‏,‏ فهذا هو الانعكاس الالي الذي استغرب صدوره عن الاستاذ العالم‏,‏ واشك في وجوده في اي مصدر يطمان اليه‏.‏

ويظهر لي ان الناقد الكبير اعتبر حداء الابل اي ما يغنيه سائقها او حاديها لحثها علي السير دليلا علي ما ذهب اليه‏.‏ وهذا ليس دليلا في نظري‏,‏ فقد اضطررت قبل خمسه وثلاثين عاما لاستئجار سياره تحملني من الكويت الي البصره في جنوب العراق‏,‏ فوجدت السائق البدوي يحدو السياره كما لو كانت ناقه‏,‏ ولو كانت السياره طياره لفعل ما فعل‏!‏
وربما اعتبر العالم مصطلحات علم العروض دليلا يفسر به نشاه الايقاع في الشعر العربي‏,‏ فقد استمد علماء العروض بعض مصطلحاتهم من حياه البدو في الصحراء‏,‏ فبيت الشعر بالكسره من بيت الشعر بالفتحه وهو الخيمه‏,‏ والسبب الذي اطلق علي بعض المقاطع الصوتيه هو الحبل الذي تربط به الخيمه‏,‏ والوتد الذي اطلق علي مقاطع اخري هو الخشبه التي تشد اليها الاسباب اي الحبال‏.‏ غير ان علم العروض لم يظهر الا في القرن الثالث الهجري‏,‏ اي بعد ان كان الشعر العربي قد استكمل ايقاعاته‏,‏ وبلغ قمه نضجه علي ايدي الشعراء الجاهليين‏.‏

وفي اعتقادي ان الصفات السلبيه التي يخلعها الاستاذ العالم علي ايقاع الشعر العربي كالبطء‏,‏ والنمطيه‏,‏ والجمود نوع من سوء الظن مصدره المبالغه في تقدير اثر البيئه او الواقع في الفن‏.‏
فالفن انعكاس للواقع كما يعتقد الواقعيون الاشتراكيون والواقع لا يقدم للفن موضوعه فحسب‏,‏ بل اسلوبه وادواته التي تتطور بتاثير هذا الواقع ايضا‏.‏ والواقع بالنسبه لموضوعنا هو الحياه الصحراويه ذات الايقاع البطيء الذي يغلب عليه الاطراد والنمطيه‏,‏ والجمود النسبي‏,‏ كما يقول العالم‏,‏ فمن المنطقي ان يكون الايقاع المنعكس عنه ترجمه له وتعبيرا عنه‏.‏

ولاشك في ان هذه العيوب موجوده بدرجات مختلفه في جانب من الشعر العربي القديم‏,‏ لكنها عيوب نظم او عيوب كتابه لا عيوب ايقاع‏.‏ اعني انها عيوب قصائد او شعراء بالذات‏,‏ فنحن لا نستطيع ان نصف الايقاع المجرد من المعني بالبطء او بالسرعه‏,‏ بالحركه او بالجمود‏.‏ والبحور التي نظم فيها امرو القيس‏,‏ وطرفه بن العبد‏,‏ وعمر بن ابي ربيعه‏,‏ ومالك بن الريب‏,‏ وابونواس‏,‏ والمتنبي‏,‏ والمعري‏,‏ وشوقي‏,‏ وبدوي الجبل‏,‏ والجواهري قصائدهم الرائعه هي ذاتها البحور التي نظم فيها الادعياء سخافاتهم وركاكاتهم‏.‏
وما هو هذا الايقاع الذي ينسب اليه الاستاذ العالم هذه العيوب؟
هل هو بحر بالذات من بحور الشعر العربي؟ ام هو كل بحوره؟

ونحن نعرف ان الشعر العربي ينظم في سته عشر بحرا‏,‏ فضلا عن مجزوءاتها‏,‏ ومشطوراتها‏,‏ الي اخر هذه التقسيمات المختلفه‏.‏
وقد اضاف الشعراء العرب والمستعربون بعد الاسلام ايقاعات واشكالا شعريه لم تكن موجوده من قبل‏,‏ كالارجوزه‏,‏ والموشح‏,‏ والبند‏.‏ ثم خرجوا في هذا العصر الذي نعيش فيه علي وحده البيت‏,‏ واعتمدوا علي وحده التفعيله‏,‏ وخرجوا علي وحده القافيه واستخدموا في القصيده الواحده وفي المسرحيه الشعريه ذات المستويات العاطفيه واللهجات الشعريه المختلفه بحورا متعدده‏.‏ فهل يعتبر الاستاذ العالم هذه الايقاعات المختلفه كلها بطيئه جامده عاجزه عن تمثل روح العصر والتجاوب معها؟

الى ان الوزن الواحد او البحر الواحد ليس ايقاعا واحدا‏,‏ وكل وزن قادر علي ان ينتج من الايقاعات بقدر ما يستطيع الشعراء ان يستخرجوا منه‏.‏ فالبحر آلة موسيقيه تنطق بالروائع حين يمسك بها العازف العظيم ولو استخدم وترا واحدا او اثنين‏.‏ ولكل شاعر شخصيته الفنيه‏,‏ ولغته‏,‏ وعالمه‏,‏ وذوقه‏,‏ وطريقته في استخدام البحور بما يدخل فيها من تنويعات خصبه يسمونها زحافات وعللا تجعل الايقاع في نهايه الامر بصمه شخصيه لا يمكن ان تتكرر‏(1).‏ واذا كان بعض النقاد قد قال من قبل ان الاسلوب هو الرجل فبوسعنا ان نقول نحن ايضا ان الايقاع هو الرجل‏!‏

لكنني لا استطيع مع هذا ان احمل الاستاذ العالم علي ان يحب ايقاع الشعر العربي او يحسن ظنه فيه‏.‏ لاننا لسنا مطالبين بان نكون في الشعر موضوعيين الا بقدر محدود جدا‏.‏ وبوسع العالم اذن ان يري ايقاع الشعر العربي بالبطء والجمود ومجافاه روح العصر‏.‏ لكن هناك شيئا لا يستطيع العالم ان ينكره بصرف النظر عن رايه فيه‏,‏ وهو ان الايقاع موجود في القصيده المنظومه‏.‏

كما ان هناك شيئا بالمقابل لا يستطيع العالم ان يثبته وهو وجود الايقاع في قصيده النثر‏.‏ يستطيع العالم ان يحب قصيده النثر ويدللها ويلاعبها ويحلم بمستقبلها‏,‏ لكنه لا يستطيع ان يقول انها موزونه‏,‏ لا لعيب في العالم لا سمح الله‏,‏ ولكن لان قصيده النثر نثر لا وجود فيها للايقاع كما عرفته‏,‏ وكما يعرفه المختصون في الشعر والموسيقي فيقولون انه الحركه المنتظمه المتواليه‏.‏
والاستاذ العالم متفق معي علي ان الانتظام شرط اساسي في الايقاع‏,‏ اذن فهو متفق معي علي ما جاء في التعريف كله‏,‏ لان الانتظام معناه اتفاق الاصوات‏,‏ اي تساوي الوحدات التي تتالف منها‏ (2) .‏ وتساوي الوحدات لا يظهر الا بتكرارها‏,‏ فالايقاع اذن هو الحركه الموزونه‏,‏ اي المنتظمه المتواليه‏,‏ وهذا اول ما يجب ان نتفق حوله‏.‏

والاصوات اللغويه هي ماده الايقاع في الشعر‏.‏ فالقراءه الصحيحه للنص اول شرط لادراك الايقاع وتمثله وامتلاكه والسيطره عليه‏.‏

واصوات اللغه متنوعه مختلفه‏.‏ فالمتحرك غير الساكن‏,‏ والممدود غير المقصور‏,‏ والصوت في اول الكلمه غيره في حشوها او نهايتها‏.‏ ميم كتمت غير ميم السهم وغير ميم الم في بيت شوقي في نهج البرده‏:‏

جحدتها وكتمت السهم في كبدي ....... جرح الاحبه عندي غير ذي الم

واخيرا فالصوت اللغوي ليس صوتا مجردا كما هو في الموسيقي‏,‏ وانما هو صوت متشخص متلبس بالمعني‏.‏ وللشاعر الامريكي ارشيبالد مكليش كلمه جميله في هذا المعني يقول فيها‏:‏ ان اعمده ديانا علي الاكروبول مصنوعه من قطع من الرخام لم يسبق لها قط ان كانت فتيات‏.‏ ولكن كل صوت يشكل كلمه كان قد حمل معنى تلك الكلمه قرونا طويله حتي لم يعد بالامكان استعماله في قصيده دون ان يوحي بذلك المعني‏.‏

وتلبس الاصوات اللغويه بالمعاني له نتيجتان‏,‏ الاولي‏:‏ ان الايقاع لا يمكن ان يكون وحده دالا علي شيء‏,‏ وانما يكون نشيطا‏,‏ او خاملا‏,‏ بطيئا او سريعا‏,‏ جامدا او طيعا‏,‏ متجددا متنوعا او رتيبا مكرورا بما تدل عليه الكلمات التي يتجسد فيها‏.‏ نحن نعرف جميعا ان معلقه امرئ القيس من الطويل‏,‏ وحين نقرا بيته المشهور في وصف حصانه‏:‏
مكر‏,‏ مفر‏,‏ مقبل مدبر معا
كجلمود صخر حطه السيل من عل

يتمثل لنا الطويل في جلاله ونبله وفروسيته البدويه‏,‏ فهل نجد هذه الصفات في مطلع قصيده ابي نواس‏:‏

ودار ندامي عطلوها وادلجوا ........ بها اثر منهم جديد ودارس
مساحب من حر الزقاق علي الثري ... واضغاث ريحان‏,‏ طري ويابس

وهل خطر اصلا ببالنا ان هذه التحفه النواسيه الدامعه المضمخه بالعطر والنشوه هي من البحر ذاته الذي يفضله فرسان الباديه واصحاب السلطه والجاه؟‏!‏
والنتيجه الاخري لتلبس الاصوات اللغويه بالمعاني هي ان التقسيمات الايقاعيه ليست وحدها التي تملي علينا وقفاتنا خلال القراءه‏,‏ وانما نراعي الايقاع دون ان نمزق الكلمه او نفسد المعني‏,‏ ونراعي المعني دون ان نضيع الايقاع او نبدده‏.‏
مثلا اذا انشدنا بيت ابي نواس المشهور‏:‏

دع عنك لومي‏,‏ فان اللوم اغراء ...... وداوني بالتي كانت هي الداء

وهو من البسيط وتفعيلاته هكذا‏:
مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن
مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن
فاذا قطعنا بيت ابي نواس وجدناه علي النحو التالي‏:‏
دع عنك لو مي فان اللوم اغ راء
وداوني بالتي كانت هي ال داء

لكننا في انشاد الشطره الاولي لا نستطيع الوقوف علي هذه التقسيمات حتي لا نفسد المعني‏,‏ علي حين نستطيع في الشطره الاخري‏.(3) ‏ وهكذا نجد ان البيت الواحد من البحر الواحد يتضمن ايقاعين اثنين‏!‏

نقلاً عن جريدة الأهرام




(1) يذكر الشاعر هنا أن الزحاف ينتج إيقاعا مختلفا ويبدو لي هذا مخالفا للحديث عن تغيير الإنشاد لجعل المزاحف وغير المزاحف من إيقاع واحد . وهذا يذكرني بأمل الحصول يوما ما على مؤشرات رقمية عدة منها أنماط الزحاف وم/ع والتراكيب النحوية تشكل جميعا بصمة للشاعر أو الكاتب وإن أمكن يوما ما إنجاز هذا فسيكون ذا أهمية عظيمة في الشعر وسواه.

(2) لا أدري إن كان هذا يتاقض ما ورد في الرقم (1) أعلاه من اختلاف الإيقاع مع اختلاف الزحاف. وأرى الحقيقة بين أمرين هما الكم من ناحية والهيأة من ناحية أخرى، بمعنى أن وزن المتقارب يكون
3 2 3 2 3 2 3 وهنا تحقيق لمبدإ الكم من حيث الرقمين 2 و 3 والهيئة من حيث تكوين الوزن قمما وأودية تتساوى القمم جميعا والأودية جميعا. ويكون 3 1 3 2 3 2 3 وهنا تحقيق لمبدأ الهيئة من تناوب الوديان والقمم مع سماح بتغير محدود في عمق الوادي .
وتطبيق هذا مجال رحب مبثوث في تطبيقات الرقمي في الإيقاعين البحري والخببي حيث الإيقاع الخببي فلاة مستوية حين يكون من أسباب خفيفة ويمكن أن يكون من قمم ووديان إن جاءت أجزاؤه 1 3 متكررة وقطعناه سمعيا الأمر الذي يجعل هذا الإيقاع ذا طبيعة مزدودة كما يمكننا اعتبارة فلاة إذا اعتبرنا تقطيعه الخببي.
(3) يرجع هنا إلى موضوع طول التراكيب على الرابط:

http://arood.com/vb/showthread.php?p=24191#post24191