سليمان أبو ستة
05-08-2004, 05:29 AM
حول إشكالية عدة القوافي عند الخليل
ليسمح لي أخي مهندس العروض الرقمي الأستاذ / خشان خشان أن يتركني أتسلل إلى إحدى القاعات الفسيحة والمريحة من منتداه العامر ، وأن أوجه من هنا دعوة لمن يشاء أن يشترك معي في نقاش لبعض ما ينشر في موقع العروض العربي من بحوث ودراسات ، ( ولهذا الموقع وصلة شرفني أخي خشان بتثبيتها ضمن المواقع التي يستضيفها في هذا المنتدى ، فاطلبها تجدها ) .
البحث الذي أريد أن أتعرض له بالنقاش هنا لأخي الدكتور عبد الرحيم الرحوتي ، وكان قد نشره قبل أربعة أعوام في مجلة الذخائر البيروتية التي يملكها ويحررها الأستاذ كامل سلمان الجبوري . ولقد كان اختيار الرحوتي لهذا الموضوع ينم عن حساسية فائقة لرصد قضايا يبدو أنها لا تثير انتباه القارئ المتخصص ، فما بالك إذن بالقارئ العادي الذي لا يطمح من المعرفة بالقافية إلا ما يدله على اتساق أصواتها وخلوها من العيوب كالإقواء والإكفاء والسناد ... إلخ . ومن منا يضيره أن يعلم بأن الخليل ذكر في الجملة ثلاثين قافية ولم يذكر في التفسير إلا تسعا وعشرين ، طالما كان كتابه الذي أورد فيه القول في أنواع القوافي مفقودا ولم تسعفنا الرواية إلا بإشارة غامضة من الأخفش إليه ثم لم يلبث أن تركنا حائرين أمام قوله : " فلا أدري أيهما كان منه الغلط ، إلا أنهم قد رووا هذا هكذا ، وقد ذكروا ما أخبرتك به ".
ولقد تناول السكاكي في كتابه مفتاح العلوم هذه القضية دون الإشارة إلى مصدرها ، وتطوع بتقديم ثمان وخمسين قافية ثم أشار إلى غيرها بقوله : " وعساك إن فتشت عنها أن تعثر على مزيد !" . فهو لم يعبأ إذن بحيرة الأخفش أمام ذلك اللغز ولم يسع إلى حله في غمرة الكشف عن مزيد من القوافي . وفي عصرنا الحديث كان أول من تصدى لمحاولة الإجابة على تساؤل الأخفش أستاذنا الدكتور محمد العلمي وذلك في رسالته التي مضى عليها ربع قرن وهي بعنوان " العروض والقافية – دراسة في التأسيس والاستدراك " ، إلا أنه زاد من عنده خمس قواف وطرح من جملة قوافي الأخفش ثلاثا ، فصارت عدتها اثنتين وثلاثين ، ولكن ظل سؤال الأخفش بلا إجابة . ولم أكن حين قرأت كتاب العلمي أجد لهذه القضية صدى في نفسي ، بل إني لم أتكلم في كتابي " في نظرية العروض العربي " عن القافية إلا في سطور قليلة ورأيت أني قد أوفيت القول فيها ، ولا أزال أتعجب ممن يجردون لها كتابا بأكمله كما فعل الأخفش وغيره من العلماء .
ولكن شهوة البحث العلمي لا تقف عند حد ولا ترضى بترك تساؤل ، وإن تضاءل ، بلا حل .
هذا ما حدا بالدكتور عبد الله الطيب لأن يتصدي من جديد لحل اللغز القديم وفك حيرة الأخفش ، فبادر ، رحمه الله ، إلى إلقاء بحث بعنوان " عدة القوافي بين الخليل والأخفش " وذلك في إحدى جلسات مجمع اللغة العربية بالقاهرة ( مايو 1981م ) ، وكان عضوا به ، وقد بدا أنه توصل إلى حل هذا اللغز وحسم المسألة حين قال : " فَلْ ساكن الآخر المعتمد على ( فعول ) متحرك اللام قبله واو ساكنة هكذا ( فَعولُ فَعَلْ ) . وأخذ الأخفش هذا الوزن على الخليل لأنه ظن أنه يمنعه من المتقارب بحسب نظامه في علم العروض فنقصت على ذلك قوافيه من العدة التي ذكرها وهي ثلاثون . وقد أُتيَ الأخفش من خلطه بين الأوزان العروضية والقافوية ، فهذا الوزن " فعولُ فلْ " وزن القافية لا الوزن العروضي ، ومثاله : ( نُ عَنْترةْ ) نون متحركة وعين مفتوحة ونون ساكنة وتاء مفتوحة وراء مفتوحة بعدها هاء ساكنة " .
وأنا لست في موضع المتمكن من الرد على الطيب كما هو الحال عند أستاذنا الرحوتي الذي يبدو أنه اخترق بثاقب فكره أستار الغموض الذي يحيط بهذه المسألة وشارف على الوصول إلى تخوم الحل بمنهج للبحث مختلف عند من سبقوه . ومع ذلك ، وجدناه يتوقف عند هذه المرحلة من البحث قائلا : " لا يحسن بنا ، إذا ، الاستمرار في هذا النوع من الجدل والتخمين الذي قد لا يفيدنا في شيء ، خاصة مع شح الأدلة الملائمة وتعذر إيجاد الحجج الحاسمة ، فهي وحدها لو توفرت في مقدورها مساعدتنا على الانحياز لهذا الوجه أو ذاك في التأويل ... " . ويبدو لي وكأن الأسى يكتنفه وهو يختم البحث بقوله : " في انتظار أن نتوصل إلى ما يساعدنا بشكل لا يقبل جدلا ... حول السبب الذي جعل الخليل يذكر في الجملة ثلاثين قافية ، يحسن بنا أن نقف في الوقت الراهن عند النتيجة التي حصلت لدينا وجعلتنا نحصر عدد القوافي في تسع وعشرين وهو العدد الذي تحقق عند الخليل في التفسير " .
أنني أدعو الدكتور الرحوتي للعودة إلى هذا البحث وطرح مزيد من الأفكار على ضوء الدراسة التي قدمها الدكتور عبد الله الطيب ، لأنني مع إعحابي بالتفرقه التي نص عليها بين وزن القافية والوزن العروضي ، وتخلصه ، من ثم ، من إثبات القوافي التي خالف فيها الأخفش الخليل ، وجدته يثبت قافية في بحر الهزج لم يشر إليها الخليل وهي ( مفاعيلْ ) ويستشهد لها من قول أبي مسافع :
وما ليث غريف ذو ...... أظافير وأقدام
كجن إذ تلاقوا ووجوه القوم أقران
وبهذا رجع بنا إلى ما رأيناه من تتيجة البحث الذي توصل إليه الرحوتي .
كما أنني أدعو الدكتور محمد العلمي ليدلي بدلوه في هذا النقاش لا سيما وقد كانت دراسته الرائدة المشار إليها حافزا ، لاشك ، في كتابة هذا البحث الذي أفادنا به الدكتور الرحوتي .
ويبقى لدي سؤال تحيرني الإجابة عليه ، وهو هل كان العلمي وهو يتتملذ لأستاذه الطيب محيطا برأيه حول مسألة عدة القوافي عند الأخفش أم أن أستاذه ، رحمه الله ، ضن عليه بهذا الرأي قبل أن يجد الفرصة لعرضه على زملائه في مجمع الخالدين بعد شهر واحد من إتمامه مناقشة رسالة العلمي . ثم ماذا كان سيكون أثر هذا الرأي على الطرح الذي جاء به العلمي في رسالته ... والنقاش مفتوح لمن يشاء المشاركة .
ليسمح لي أخي مهندس العروض الرقمي الأستاذ / خشان خشان أن يتركني أتسلل إلى إحدى القاعات الفسيحة والمريحة من منتداه العامر ، وأن أوجه من هنا دعوة لمن يشاء أن يشترك معي في نقاش لبعض ما ينشر في موقع العروض العربي من بحوث ودراسات ، ( ولهذا الموقع وصلة شرفني أخي خشان بتثبيتها ضمن المواقع التي يستضيفها في هذا المنتدى ، فاطلبها تجدها ) .
البحث الذي أريد أن أتعرض له بالنقاش هنا لأخي الدكتور عبد الرحيم الرحوتي ، وكان قد نشره قبل أربعة أعوام في مجلة الذخائر البيروتية التي يملكها ويحررها الأستاذ كامل سلمان الجبوري . ولقد كان اختيار الرحوتي لهذا الموضوع ينم عن حساسية فائقة لرصد قضايا يبدو أنها لا تثير انتباه القارئ المتخصص ، فما بالك إذن بالقارئ العادي الذي لا يطمح من المعرفة بالقافية إلا ما يدله على اتساق أصواتها وخلوها من العيوب كالإقواء والإكفاء والسناد ... إلخ . ومن منا يضيره أن يعلم بأن الخليل ذكر في الجملة ثلاثين قافية ولم يذكر في التفسير إلا تسعا وعشرين ، طالما كان كتابه الذي أورد فيه القول في أنواع القوافي مفقودا ولم تسعفنا الرواية إلا بإشارة غامضة من الأخفش إليه ثم لم يلبث أن تركنا حائرين أمام قوله : " فلا أدري أيهما كان منه الغلط ، إلا أنهم قد رووا هذا هكذا ، وقد ذكروا ما أخبرتك به ".
ولقد تناول السكاكي في كتابه مفتاح العلوم هذه القضية دون الإشارة إلى مصدرها ، وتطوع بتقديم ثمان وخمسين قافية ثم أشار إلى غيرها بقوله : " وعساك إن فتشت عنها أن تعثر على مزيد !" . فهو لم يعبأ إذن بحيرة الأخفش أمام ذلك اللغز ولم يسع إلى حله في غمرة الكشف عن مزيد من القوافي . وفي عصرنا الحديث كان أول من تصدى لمحاولة الإجابة على تساؤل الأخفش أستاذنا الدكتور محمد العلمي وذلك في رسالته التي مضى عليها ربع قرن وهي بعنوان " العروض والقافية – دراسة في التأسيس والاستدراك " ، إلا أنه زاد من عنده خمس قواف وطرح من جملة قوافي الأخفش ثلاثا ، فصارت عدتها اثنتين وثلاثين ، ولكن ظل سؤال الأخفش بلا إجابة . ولم أكن حين قرأت كتاب العلمي أجد لهذه القضية صدى في نفسي ، بل إني لم أتكلم في كتابي " في نظرية العروض العربي " عن القافية إلا في سطور قليلة ورأيت أني قد أوفيت القول فيها ، ولا أزال أتعجب ممن يجردون لها كتابا بأكمله كما فعل الأخفش وغيره من العلماء .
ولكن شهوة البحث العلمي لا تقف عند حد ولا ترضى بترك تساؤل ، وإن تضاءل ، بلا حل .
هذا ما حدا بالدكتور عبد الله الطيب لأن يتصدي من جديد لحل اللغز القديم وفك حيرة الأخفش ، فبادر ، رحمه الله ، إلى إلقاء بحث بعنوان " عدة القوافي بين الخليل والأخفش " وذلك في إحدى جلسات مجمع اللغة العربية بالقاهرة ( مايو 1981م ) ، وكان عضوا به ، وقد بدا أنه توصل إلى حل هذا اللغز وحسم المسألة حين قال : " فَلْ ساكن الآخر المعتمد على ( فعول ) متحرك اللام قبله واو ساكنة هكذا ( فَعولُ فَعَلْ ) . وأخذ الأخفش هذا الوزن على الخليل لأنه ظن أنه يمنعه من المتقارب بحسب نظامه في علم العروض فنقصت على ذلك قوافيه من العدة التي ذكرها وهي ثلاثون . وقد أُتيَ الأخفش من خلطه بين الأوزان العروضية والقافوية ، فهذا الوزن " فعولُ فلْ " وزن القافية لا الوزن العروضي ، ومثاله : ( نُ عَنْترةْ ) نون متحركة وعين مفتوحة ونون ساكنة وتاء مفتوحة وراء مفتوحة بعدها هاء ساكنة " .
وأنا لست في موضع المتمكن من الرد على الطيب كما هو الحال عند أستاذنا الرحوتي الذي يبدو أنه اخترق بثاقب فكره أستار الغموض الذي يحيط بهذه المسألة وشارف على الوصول إلى تخوم الحل بمنهج للبحث مختلف عند من سبقوه . ومع ذلك ، وجدناه يتوقف عند هذه المرحلة من البحث قائلا : " لا يحسن بنا ، إذا ، الاستمرار في هذا النوع من الجدل والتخمين الذي قد لا يفيدنا في شيء ، خاصة مع شح الأدلة الملائمة وتعذر إيجاد الحجج الحاسمة ، فهي وحدها لو توفرت في مقدورها مساعدتنا على الانحياز لهذا الوجه أو ذاك في التأويل ... " . ويبدو لي وكأن الأسى يكتنفه وهو يختم البحث بقوله : " في انتظار أن نتوصل إلى ما يساعدنا بشكل لا يقبل جدلا ... حول السبب الذي جعل الخليل يذكر في الجملة ثلاثين قافية ، يحسن بنا أن نقف في الوقت الراهن عند النتيجة التي حصلت لدينا وجعلتنا نحصر عدد القوافي في تسع وعشرين وهو العدد الذي تحقق عند الخليل في التفسير " .
أنني أدعو الدكتور الرحوتي للعودة إلى هذا البحث وطرح مزيد من الأفكار على ضوء الدراسة التي قدمها الدكتور عبد الله الطيب ، لأنني مع إعحابي بالتفرقه التي نص عليها بين وزن القافية والوزن العروضي ، وتخلصه ، من ثم ، من إثبات القوافي التي خالف فيها الأخفش الخليل ، وجدته يثبت قافية في بحر الهزج لم يشر إليها الخليل وهي ( مفاعيلْ ) ويستشهد لها من قول أبي مسافع :
وما ليث غريف ذو ...... أظافير وأقدام
كجن إذ تلاقوا ووجوه القوم أقران
وبهذا رجع بنا إلى ما رأيناه من تتيجة البحث الذي توصل إليه الرحوتي .
كما أنني أدعو الدكتور محمد العلمي ليدلي بدلوه في هذا النقاش لا سيما وقد كانت دراسته الرائدة المشار إليها حافزا ، لاشك ، في كتابة هذا البحث الذي أفادنا به الدكتور الرحوتي .
ويبقى لدي سؤال تحيرني الإجابة عليه ، وهو هل كان العلمي وهو يتتملذ لأستاذه الطيب محيطا برأيه حول مسألة عدة القوافي عند الأخفش أم أن أستاذه ، رحمه الله ، ضن عليه بهذا الرأي قبل أن يجد الفرصة لعرضه على زملائه في مجمع الخالدين بعد شهر واحد من إتمامه مناقشة رسالة العلمي . ثم ماذا كان سيكون أثر هذا الرأي على الطرح الذي جاء به العلمي في رسالته ... والنقاش مفتوح لمن يشاء المشاركة .