سأحاول تناول ما أراه يستدعي التعليق من نقاط الاتفاق والاختلاف، وكلي ثقة أن صدر أخي محمود سيتسع لاختلاف وجهات النظر بيننا وفي الاختلاف الموضوعي فائدة وهو يمتن قضية الود.

أولا – إعتبار الخبب من المتدارك

لا أرى هذا الرأي بل أراهما إيقاعين مختلفين
وأرى أن المشترك بينهما 1 3 فهي في الخبب (2) 2 أو 22 أو 1 3 أو 1 3 بينما هي في المتدارك1 3
وعندما نقول هي في الخبب 2 2 فمعنى ذلك أن ايا من السببين قد يأتي خفيفا أو ثقيلا عدا آخر الشطر فيكون خفيفا
ولا ترد في الشعر العربي فاعلن = 2 3 مع أي من فاعلُ = 2 (2) أو فعْلُنْ = 2 2 أو فعِلَنُ = (2) (2)
وإن وردت فهي في النادر النادر الذي لا يقاس عليه.

وأن أسغنا دخول فعْلن 2 2 مع فاعلن 2 3 يصبح الخفيف من المتقارب


2 3 2 - 2 2 3 - 2 3 = فاعلاتن مستفعلن فاعلا:
2 3 – 2 2 – 2 3 – 2 3 = فاعلنْ فعْلن فاعلن فاعلن
وهذا ما وقعت فيه عند المقارنة بين البحور قبل أن أتبين تباين الايقاعين البحري والخببي.

ثانيا- قولك : " يعني ضمن ما يعنيه أن بعض الحكمة من الشعر ، هذا من ناحية ، فإذا وجدنا أن المثل جمع إلى جانب كونه حكمة الوزن العروضي والايقاع ، لم يعد مـجال للشك أن المثل إياه بيت شعر أو شطر بيت ، بل يصبح الشك إن أبينا قبوله في دائرة الشعر ، لأنه برأينا من صلب الشعر ، وعملية التقطيع العروضي تحدد وزنه وبحره الذي يندرج ضمنه ."

هنا مجموعة مقولات أعطيت حكما واحدا
1- أن في المثل حكمة من حيث المضمون، وهذا صحيح
2- أن من أروع الأمثلة ما ورد في أبيات من الشعر، وهذا صحيح
3- أن معظم عبارات الأمثال ذات صياغة راقية ووقع مستحب على السمع، وهذا صحيح
4- قولك :" وهذه الأمثال من ناحية الموسيقى والايقاع والوزن العروضي ، كلها سائغة سماعيا ، وقابلة للتخريج العروضي ." وهذا صحيح
ولكن ذلك ينطبق على كثير من الكلام العادي ، فكلام العرب أغلبه إن لم يكن كله مكون من ذات المادة التي يتكون منها الشعر، ووجود كلام موافق لشطر من الشعر أو قابل للتحريج على نحو يظهر صلته بالشعر ( شطر منه ) وارد في كل الكلام.

خذ مثلا بداية مقدمتك :" الحديث مشهور رواه أصحاب الصحاح وغيرهم ، ورواية المؤلف ملفقة من روايتين ، فقد وردت كل جملة من طريق ، فأما الجملتان معا فقد جاءتا في حديث ابن عباس عند أحمد وابن ماجة "

الحديث مشهور رواه أصحاب الصحاح وغيرهم ،
2 3 3 2 2 3 3 2 2 3 1 3 3

الحديث مشهورُ = 2 3 3 2 2 = فاعلات مستفعلْ = مفعلاتُ مستفعلْ
وعليه
الحديث مشهور ..... والضياء والنورُ
دمت يا أخي سنداً ....أنت للحمى سورُ

رواه أصحاب الصحاح وغيرهم = 3 3 4 3 1 3 3 = الكامل

ورواية المؤلف ملفقة من روايتين ،
1 3 3 3 1 1 3 1 3 2 3 3 ه

رواية المؤلفِ = 3 3 3 3 = مجزوء الرجز
لِفِ ملفقةٌ من روا = 1 1 3 1 3 2 3 = اللاحق ( لاحق خلوف) = متعلن فعلن فاعلن

فقد وردت كل جملة من طريق
3 1 3 2 3 3 2 3 2
فقد وردت كلّ جملَهْ = 3 1 3 2 3 2 = مجزوء المتقارب
وردت كل جملة من طريقِ = 1 3 2 3 3 2 3 2 = الخفيف


فأما الجملتان معا فقد جاءتا في حديث ابن عباس عند أحمد وابن ماجة
3 2 2 3 1 3 3 2 3 2 3 2 3 2 2 2 3 3 2 3 2

فأما الجملتانِ = 3 2 2 3 2 = ( الهزج الرابع عند الشيخ جلال يرحمه الله )

فأما الجملتان معا فقد جا = 3 2 2 3 1 3 3 2 = مفاعلْتن مفاعلَتن فعولن = الوافر

معا فقد جاءتا في حديـ = 3 3 2 3 2 3 = متفعلن فاعلن فاعلن = لاحق خلوف

فقد جاءتا في حديثٍ = 3 2 3 2 3 2 = مجزوء المتقارب

ديث ابن عباس عند أحمدْ = 2 2 3 2 2 2 1 2 2 = مستفعلن مفعولاتُ مستفْ
وعليه صدر الشاهد:

فسر بودٍ أو سر بكرهٍ ......ما سارت الذلل السراع


جاءتا في حدي ابـن عبْ = 2 3 2 3 2 3 = مجزوء المتدارك

عند أحمد وابن ماجهْ = 2 3 3 2 3 2 = 2 + ( المجتث ) = مفعلات مستفعلاتن = تخريج عروضي
يا جميلةً لا تزالي = كالمثال دوما ببالي
أيّما ديار حللتِ = منك عطرها في انثيال

وهكذا ترى أخي أن ما في الأمثال من موافقات عروضية عام في سائر اللغة
.
بل واسمح لي أن أختم هذه الفقرة بهذه المداعبة العروضية:
ثاني أكسيد الكربونْ = 2 2 2 2 2 2 ه = خبب
بكم سندوتش الفلافل = 3 2 3 2 3 2 = مجزوء المتقارب

5- القول " لم يعد مـجال للشك أن المثل إياه بيت شعر أو شطر بيت ، بل يصبح الشك إن أبينا قبوله في دائرة الشعر ، لأنه برأينا من صلب الشعر"

وصحة ما تقدم لا تقوم دليلا على صحة هذه المقولة. فلا ترابط علميا ملزما بين المقدمات وهذه النتيجة.

ثالثا –قولك : " وهناك قول بما معناه ، " ما وصلنا من شعر العرب إلا أقله " ، أما لماذا وقف الخليل عند ما أورد ، فأمر لا نعلمه ولا نحكم فيه ، ثم إن عدم ورود هذه الأوزان في الدوائر ، لا يعني أن العرب لم تعرفها ، لأن ورودها في الأمثال السائرة والشوارد الباقية المسافرة عبر الزمان ، دليل واضح أن العرب عرفت هذه الايقاعات والأوزان ."

كنت أفهم هذه اعبارة " ما وصلنا من شعر العرب إلا أقله " على أنها تعني ضياع كثير من شعر العرب لعدم التدوين أو تقادم الزمن مفترضا أن المقصود شعر العرب كما نعرفه اليوم ببحوره وأوزانه، ولم يخطر لي أن ضياع الكثير من شعر العرب يعني ضياع أوزان غير هذه التي نألفها. ومع أن هذا الفهم مشمول معنى بمنطوق العبارة إلا أني لا زلت أرجح فهمي الأول.

قولك في موضعين :" هذا الأمر يثبت بما لا يدع مجالا للشك وجود التفعيلة " فاعِلُ " واستعمالها منذ الجاهلية لأنها بصورتها هذه موجودة في أمثال الجاهلية أيضا "
و " وهنا أزعم أن " فاعِلُ " موجودة ، وعرفها العرب ليس في العصر الحديث ، أو الأندلسي ، بل في الجاهلية ."

أن فاعلُ موجودة مستعملة شيء وأن العرب عرفوها شيء آخر.

فالقول بأن العرب عرفوها يعني أولا أن لها شخصية اعتبارية وأن العرب وعوا هذه الشخصية، والقول بالشخصية الاعتبارية للتفاعيل وهل هي مصطلحات أم ذوات أمر يطول فيه الجدل، فلنتجاوز هذا ولنأخذ ( مفاعيلن) فوجودها واستعمال العرب لها في جاهليتهم في الطويل أمر لا مراء فيه، ولكن القول عن العرب (عرفوها ) شيء آخر فهم لم يعرفوها بهذا المسمى ولا بغيره.
وقصة الخليل مشهورة مع
نعم لا نعم لا لا نعم لا نعم لا لا

وأقصى ما نستنتجه من هذا أن العرب عرفوا الأسباب والأوتاد وانتظامها بشكل خاص بكل بحر، ولعل هذا هو الأقرب للواقع فالعرب في بواديهم لا يزالون يستعملون هذا الأسلوب في وزن أشعارهم وهو ما يدعونه الملالاة والهينمة كما ذكر ذلك أبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهري في كتابه ( الشعر النبطي – أوزان الشعر العامي بلهجة أهل نجد والإشارة إلى بعض ألحانه " الصفحة – 21

وعليه فالهزج كما ذكر :
هها ها ها ههم هم هم
يلا لي لا للا لي لا

وعليه فوزن الطويل إن أردنا التعبير عنه ة :

1- بالهينمة المعاصرة = هها ها هها هاها هها ها هها هاها
2- بالتنعيم قبل الخليل = نعم لا نعم لالا نعم لا نعم لا لا
3- بالرقمي = 3 2 3 2 2 3 2 3 2 2
4- بالتفاعيل = فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن

وهؤلاء الذين يتكلم عنهم المؤلف من معاصرينا لا يزالون لم يسمعوا ب ( مفاعيلن ولا فعولن )

وهنا يحضرني سؤال

أيهما أقرب للصواب أن نقول إن العرب عرفوا التفاعيل أم عرفوا انتظام الأسباب والأوتاد على نحو خاص بكل بحر.
فالقول إنهم عرفوا التفاعيل يعني أنهم وعوا عليها وحددوا شخصياتها والحدود ( الاصطلاحية) بينها
فالرمل عندهم = فاعلاتن فاعلاتن فاعلا ....وليس ( مثلا) فاعلن مستفعلن مستفعلن
والقول بأنهم عرفوا انتظام الأسباب والأوتاد على نحو خاص بكل بحر، دون أن يضعوا حدودا بينها تقسمها إلى وحدات اصطلاحية يعني أن الرمل عندهم = سبب وتد سبب سبب وتد سبب سبب وتد =2 3 2 2 3 2 2 3

وهنا لسائل أن يسأل، إذا كان استعمال العرب لصيغة ما تعني معرفتهم بشخصيات مكوناتها فأيهما أدق
أ – القول بأن العرب عرفوا التفاعيل
أم
ب- القول بأن العرب عرفوا المقاطع ؟

وأيهما أقرب لما استعمله العرب – شكلا – التفاعيل أم الرقمي ؟

رابعا - تعريف شكل الشعر:
وهنا نقطة أخيرة أظنك معي فيها، وهي أن ما ورد في القرآن الكريم اكتسب تعريفا يتفق والمنظومة الفكرية القرآنية، ومن ذلك تعريف الشعر
فقد عرفه العرب بأنه ما قيل بقصد الشعر وتضمن بيتين على الأقل وكان ذا قافية ووزن.
ثمة محاولات لتعريف الشعر بما يقل عن ذلك .
ينتج عن وضع تعريف جديد لشكل الشعر يتحلل من هذه الضوابط أثر خطير وهو اتساع دائرة الشعر لتشمل الكثير من النثر بما فيه من أمثال و سجع و[شعر نثر!!] ، فربما أدخلوا القرآن الكريم في هذا الباب الذي يتسع حسب تعريفهم للكثير الكثير. وقد لا يكون هذا الهدف بعيدا عن مقصد بعضهم


ليت الأساتذة الأفاضل يدلون بدلوهم في هذا الحوار.

والله يحفظك ويرعاك أخي الحبيب.