ملاحظاتي على رد أخي خشان ستكون متقطعة بحسب ما يسمح به وقتي، لكنني لن أهمل أي شيء فيها إن شاء الله، مع رجاء الملاحظة بأن كثيرا من هذا الكلام والرد عليه سيدخل في باب الجدل الذي قد يستمر طويلا بدون أن يصل المتحاورون فيه إلى بيان ختامي يرضى عنه القراء المتابعون.
في الصفحة 13 :
يقول أستاذي خشان:
1- المتدارك: كان وما زال وسيبقى بحرا مهملا، شأنه شأن أي بحر مهمل، وليس هناك ما يميزه عن أي بحر مهمل آخر.
أقول: ظل المتدارك بحرا مهملا حتى العصر العثماني حين تجرأ الشاعر العماني (حفيد الخليل) راشد الحبسي على استدراكه في قصيدة له سار فيها على وزن المتدارك المعروف (فاعلن) وزحافها (فعلن) بتحريك العين. ثم خرج عن إيقاع المتدارك ودخل في إيقاع الخبب (فعلن) بتحريك العين وإسكانها في آخر بيتين من قصيدته اليتيمة.
وقد ظلت قصيدته هذه يتيمة حتى اليوم، فلم أعرف شاعرا عموديا آخر حاول إعادة النظم عليها غير بعض المحدثين الذين استخدموا مربع المتدارك بكثرة، كما في قول العقاد:
يا له من فم * يا لها من شفه
يا لشهد بها * كدت أن أرشفه
وتجد هذا الضرب أيضا لبعض الشعراء اللبنانيين وخاصة في نظم نشيدهم الوطني.
ثم إنه مستعمل بكثرة كاثرة في شعر التفعيلة الحر (وهو شعر نعترف به شاء الخليل أو أبى، فهي سنّة التطور !) ومنه قول محمود درويش:
مطر ناعم في خريف بعيد
والعصافير زرقاء .. زرقاء،
والأرض عيد
وقول أمل دنقل:
لا تصالح
ولو منحوك الذهب
أترى حين أفقأ عينيك،
ثم اثبت جوهرتين مكانهما ..
هل ترى؟
هي أشياء لا تشترى.
أما ما يميزه عن أي بحر مهمل آخر فهو تفرّد شعراء التفعيلة بالنظم عليه، وخوف الشعراء الخليليين من الاقتراب منه. ولذلك أعتبر الشاعر الحبسي شاعرا رائدا مقداما ينبغي للآخرين أن يتبعوه، فكلما زاد النظم على المتدارك زادت الألفة به، وقد كان سبب إهماله طوال القرون السابقة أنه ظل أسير الشواهد القليلة التي وضعها عروضيون غير شعراء بل نظّامون.
ويقول أستاذي خشان في نفس الصفحة:
2- لاحق قرطاجني (ولا أدري كيف سألاحقه !): .. وزن شعري مستحدث، لم يذكره الخليل .. (إلخ) ..
هذا الكلام الذي تنقله عن كتابي ص 95 صادر عن أخينا د. عمر خلوف، فربما اختلطت أوراقك، لا يهم .. فكتابي موجود على الشبكة ويمكن تنزيله فلا يضيع إن شاء الله.
أما ما قلته بنفسي، واقتبسته في أول مداخلتك، فهو: ".. أو بعد لاحق القرطاجني الذي استعملته نازك الملائكة في شعرها التفعيلي الجديد (مستفعلاتن)، وغير ذلك من البحور المهملة التي يحاول الشعراء بعثها من الكمون في دوائرها كل يوم جديد"، ولذلك يمكنك شطب ما جاء تحت هذا العنوان الفرعي (لاحق قرطاجني) بعد أن لاحقته ووجدت أنه كله في عهدة خلوف، ولننتقل إلى ما تريد قوله في نفس موضوع القرطاجني، ولكن تحت العنوان الفرعي التالي:
3- تفعيلة مستفعلاتن: هذا مصطلح خطأ، فلا توجد تفعيلة في الحشو تدعى مستفعلاتن. هذا تركيب تفعيلي بمعنى تعبير بحروف التفاعيل عن مجموعة من المقاطع لا تتفق مع أي من تفاعيل الخليل.
وردي على هذا أن كلامك صحيح مائة بالمائة، ولا شك أن الخليل يرضى عنه ويؤيدك في قولك. غير أنّي والقرطاجني معي من الجماعة المارقين على نظام الخليل، تماما كما أن كوبرنيكوس كان مارقا على تعاليم بطليموس، والخليل بن أحمد على أفكار العروضيين قبله وهؤلاء هم من الكافرين بنظرية الدوائر كما صرح سيبويه، وقد أصدروا عددا كبيرا من الكتب بعنواوين مشابهة لبعضها من نحو كتاب "النقض على الخليل وتغليطه في كتاب العروض"، وغيره. ولن يمضي كثير من الوقت قبل أن يولد من يخالفني أنا وأنت وعمر خلوف في كثير من أقوالنا. فدعنا نقول كلمتنا التي هي تعبير عن عصرنا أو أوهامنا .. ونرحل.