سلمت أستاذ ي فاروق، وأحسنت في تقديم هذه النبذة العامة عن الكتاب. وهي ضرورية لتيبن موقع ما سأنناول. إذ سأذكر بعض التقاط ثم أتناولها تاركا لتداعيات الحديث أن تأخذ مجراها.

****

1- بحور جديدة ؟

جاء في ( ص – 21 ) :" ..... كما أثبت أن ما أثبته الخليل وما أهمله من صورها أساسه التقيد باطراد المسموع وطرح الشاذ. وخلصت أن الخليل حين وضع البحور لم يغلق الباب على تطور إيقاع الشعر بذلك، فهو أجاز النظم على ما لم تقل عليه العرب."

هذا كلام يستدعي وقفة.

يقول أستاذي سليمان أبو ستة :


" ...... ذكرت هذه المقدمة لأبين أن للخليل، رحمه الله ، رأيين متناقضين في مسألة ( بناء الشعر العربي على الوزن المخترع، الخارج عن بحور شعر العرب). فأما الرأي الأول ، فقد نقله الأخفش، ووافقه عليه كل من الزجاج وتلميذه أبو الحسن العروضي، وهو ينص على أن " ما وافق هذا البناء الذي سمته العرب شعرا في عدد حروفه ساكنة ومتحركة ، فهو شعر، وما خالفه وإن أشبهه في بعض الأشياء فليس اسمه شعراً" . وأما الرأي الثاني فهو الذي وجده ابن عبد ربه في نسخته من كتاب الخليل، واستنكره أبلغ الاستنكار، قائلاً في أبيات من أرجوزته في العروض:

هذا الذي جربه المجرب *** من كل ما قالت عليه العرب
فكل شيء لم تقل عليه *** فإننا لم نلتفت إليه
ولا نقول غير ما قد قالوا *** لأنه من قولنا محال
وأنه لو جاز في الأبيات *** خلافه لجاز في اللغات
وقد أجاز ذلك الخليل *** ولا أقول فيه ما يقول
لأنه ناقض في معناه *** والسيف قد ينبو وفيه ماه

ولم يكن لرأي الخليل هذا أن يذيع لولا أبيات الهجاء هذه التي لم يلبث أن التقط فحواها الزمخشري وزعم بناء عليها القول بوجود مذهبين متنازعين في قضية القول على الوزن المخترع ، الخارج عن بحور شعر العرب، وقد انتصر هو للمذهب الثاني بقوله: " فالحاصل أن الشعر العربي ، من حيث هو عربي ، يفتقر قائله إلى أن يطأ أعقاب العرب فيه، فيما يصير به عربياً وهو اللفظ فقط، لأنهم هم المختصون به، فوجب تلقيه من قبلهم. فأما أخواته البواقي ( يقصد المعنى والوزن والقافية) فلا اختصاص لهم بها ألبتة، لتشارك العرب والعجم فيها".
وتسلم الراية منه الزنجاني فقال في كتابه "معيار النظار" : المختار أن الشعر العربي على الوزن المخترع الخارج عن بحور شعر العرب شعرٌ، لأن حد الشعر: قول موزون مقفى... وأما الثلاثة الأخر، وهي المعنى والوزن والقافية ، فالأمر فيها على التساوي بين الأمم قاطبة". وهو كما ترى نقل حرفي عن القسطاس للزمخشري .
فمن نصدق إذن في أن المذهبين المختلفين يرجعان إلى مصدر واحد هو الخليل، صيّر الله عقلنا كعقله الذي وصفه ابن المقفع بقوله : رأيت رجلاً عقله أكثر من علمه، وكان الخليل قد وصف ابن المقفع بقوله : رأيت رجلا علمه أكثر من عقله. ذلك العقل الذي لم يستوعب علم العروض ، الأمر الذي حدا بالخليل أن يحاول صرفه عن المضي في تلقيه عنه، كما جاء في تلك الرواية المشهورة .
وأخيراً، فما تنصر، أنت ، من هذين المذهبين؟ "


ولي إلى الموضوع عودة بإذن الله.