كثيراً ما يؤدي بنا سوء فهم الكلام إلى بناء أحكامٍ خاطئةٍ عليه. وعلى الرغم من جمال ما تكلّم فيه أخي خشان، إلاّ أنه كان بناءً على فهمٍ خاطئٍ لكلام التنوخي، وحاشية المحقق، عوني عبد الرؤوف. فليس في كلام التنوخي ذكرٌ لزمانٍ ولا مكان!
ولستُ أدري كيفَ صَرَفَ الأساذ حديثَه إلى (الزمان في الردف) دون (التقييد)، من قوله: (فالتقييدُ والردفُ لا زمان له).
فمن الواضح أن التنوخي يقصد لزوم الردف والتقييد معاً للقافية في خامس السريع، فهما (لازِمان) لها.
* * *
أما امتناع التقاء الساكنين في الشعر ، وكذلك في النثر، فليس على إطلاقه كما فهم أخي خشان، وإنما يقتصر على امتناع وجوده في حشو الشعر أو الكلام. فما أكثر ما يلتقي ساكنان في قوافي الشعر، وفواصل النثر، كما هو معروف، بل "ربّما جاء شاذاً في غير القافية" كما نقل التنوخي، وذلك إشارة إلى بعض ما جاء من ذلك في حشو (المتقارب)، وهو قوله:
فرُمْنا القصاصَ وكانَ التّقاصُّ = فرْضاً وحتْماً على المسلمينا
وقوله كذلك:
ولولا خداش أخذْتُ دَوابَّ = سعْدٍ ولمْ أعطِهِ ما عليها
وكنتُ ولا أزال أعاني من سوء فهم المحققين لِما يحققونه من قديم المخطوطات. وما أكثر أخطائهم وأوهامهم في ذلك.
وكان د.عوني عبد الرؤوف، محقق كتاب القوافي للتنوخي، قد زاد الطينَ بلّة، بوضعه حاشيةً نقلَ فيها قول التبريزي: "ولا يتولى [يتوالى] في الشعر أكثر من أربعة أحرف متحركات، ولا يجتمع فيه ساكنان إلاّ في قوافٍ مخصوصة، وربّما جاء شاذاً في غير القافية، نحو ما أملاه على [عَلَيَّ] أبو العلاء المعرّي في هذا المعنى".
فلا مكانَ لجميع ما جاء في هذه الحاشية، وكان يكفيه الإشارة إلى قوله: " ولا يجتمع فيه ساكنان إلاّ في قوافٍ مخصوصة".

يقول المعري (الصاهل، ص162): "إنّ الكلمةَ إذا اجتمعَ فيها ساكنانِ يتوسطانها لم يمكن أن تُنْظم في حشو البيت الشعري، إلا في موضعٍ واحدٍ، كقوله: فرُمْنا القصاصَ وكان التقاصُّ ..".
ونقلَ الأخفش (العروض، ص164): أن الخليلَ "لا يُجيزه"، على الرغم من إنشاده البيت المذكور.