المخلع المخلع المخلع !!

يتفق معظم العروضيين على أنه صورة مشتقة من مجزوء البسيط:
مستفعلن فاعلن مستفعلن === مستفعلن فاعلن مستفعلن
بعد قطع عروضه وضربه ليصيرا إلى (مفعولن) هكذا:
مستفعلن فاعلن مفعولن === مستفعلن فاعلن مفعولن
يقول الجوهري: "ويجوز فيه التخليع، وهو قطع (مستفعلن) في العروض والضرب جميعاً، فينقلان إلى (مفعولن) فيسمى البيت مخلعاً، وبيته:
ما هيّجَ الشوقَ من أطلالٍ === أضحتْ قِفاراً كوحيِ الواحي
وتابعه على ذلك ابن عباد وابن القطاع والشنتريني والسكاكي والمحلي والقرطاجني.
وقال الدمنهوري: "ونُقل عن الخليل والزجاج أن المخلع هو المقطوع العروض والضرب ولو من غير خبن".
في حين قصر التبريزي والزنجاني والدماميني والدمنهوري وأكثر المحدثين صفة التخليع على ما جاء منه مخبون العروض والضرب:
مستفعلن فاعلن فعولن === مستفعلن فاعلن فعولن
ونظراً إلى أن الخبن هو زحافٌ جائز لا علة ملتزمة، يجيز العروضيون الخلط بين الشكلين في القصيدة الواحدة. ولكنهم عندما رأوا الشعراء يلتزمون (فعولن) دون (مفعولن) اعتبروه من لزوم ما لا يلزم!!
وربما كان المعري أول من أشار إلى الفارق الإيقاعي بين الشكلين، وأنهما شيئان مختلفان، لا يجوز الخلط بينهما.
فإذا أتينا إلى الوزن المختلف عليه، فربما كان القرطاجني هو أول من لاحظ توالي ثلاثة أسباب (/ه/ه/ه=مفعولن) مكان (/ه//ه=فاعلن) في الحشو، مؤكداً ورود ذلك عند شعراء موثوقين يستحيل قبولهم الكسر في الوزن، ورأى أنه وزن قائم بذاته، يتركب من تفعيلتين تساعيتين هما:
مستفعلاتن مستفعلاتن
ولكنه بذلك أضاف إلى العروض تفعيلة لا رصيد لها في علم العروض ويمكن تجاوزها بسهولة. وواضح أن وزن القرطاجني هذا هو ما ادعت نازك الملائكة ابتكاره!
وربما كان للخليل مبرره المنطقي لإلحاق المخلع بمجزوء البسيط، فالقصائد الجاهلية التي كتبت عليه قليلة، وقد خلط شعراؤها بينه وبين مجزوء البسيط بضربيه (مفعولن ومستفعلن)، بل خلطوا بينه وبين الرجز والمنسرح!!
ولكن نظراً لكثرة ما كتب على هذا الوزن قديماً وحديثاً، فلقد أصبح من الممكن استقراء ما جاء عليه من شعر، واستنباط قواعده الصحيحة من جديد.
ولقد وجدنا أن ما اختلف عليه العروضيون من توالي الأسباب الثلاثة لم يختلف عليه الشعراء قط، لا في القديم ولا الحديث من الشعر.
يقول الجاهلي؛ علقمة ذو جدن:
وأيُّ عيشٍ بعدَ المَثامِـ === ـنَةِ الكرامِ لنا يطيبُ
ولدعبل:
فهلْ لِمولاتيْ عطْفُ قلبٍ === وللذي في الحَشا انقراضُ
ولمهيار:
لكنّ عذْلاً كالنصْحِ ضاعتْ === سلوكه في رقوعِ بالي
ولابن المعتز:
وكم ملوكٍ في الأرضِ صرعى === قدْ نُغّصوا لذّةً ونالوا
والعيشُ همٌّ والموتُ مرٌّ === مُستكرَهٌ والمنى ضلالُ
وللمعتمد بن عباد:
يا ليتَ حرباً ذاقَ الأعادي === طعمينِ منّا أرْياً وسمّا
ولابن التعاويذي:
على أناسٍ بانوا وكانوا === ذخري ليومَيْ ضرّي ونفعي
ولابن دانيال:
أفدي طبيباً فاق البرايا === إذْ كحلُهُ في العيونِ حسْنُ
وللطبيري:
إن كان ذنبي عظيماً اضْحى === فأين منهُ عفْوُ الكريمِ
حسبيَ أني أرجو لديهِ === فضْلَ غنيٍّ على عديمِ

ولابن عربي:
يا بدْرُ بادرْ إلى المنادي === كُفيتَ فاشكرْ ضرَّ الأعادي
وانظرْ إلى ضاربٍ بعودٍ === صَفاةَ يَبْسٍ فانسابَ وادي
أوضحْتُ سرّاً إنْ كنتَ حرّاً === كنتَ بهِ واريَ الزنادِ

ولفتيان الشاغوري:
أطلعَ بدْراً من فوقِ غصْنٍ === يميسُ تيهاً على كثيبِ
لقد عجبنا منهُ ومنها === كالشمس والبدر في قضيبِ
وبات يقري سمعي كلاماً === أحلى من النصر في الحروبِ

وغيره كثير.
وواضح أن (مفعولن) الحشوية هذه تجعل المخلع أقرب ما يكون إلى الضرب الثاني من المنسرح:
مستفعلن مفعولاتُ مفعو(لن)
باسقاط السبب الأخير (لن). ومع ذلك استقلّ بإيقاعه، وكوّن لنفسه عائلةً من الصور والقوالب المشتقة،زادت عندنا على العشرة، تستظلّ بإيقاعه، وتنأى به أن يكون تابعاً لبحر من البحور.
وضبطاً لوزنه، وتيسيراً لحفظه، وضعت له مفتاحه الخاص التالي:
مخلّعٌ في الأوزانِ يحلو === مستفعلن مفعولاتُ فَعْلُ
وللاستزادة: يراجع بحثنا عن المخلع؛ المنشور في مجلة الدراسات اللغوية، المجلد السابع، العدد الأول، المحرم-ربيع الأول 1426هـ/فبراير-أبريل 2005م، ص 205.