عوداً حميداً ، وبعد
فقد كانت هذه المداخلة معدة قبل الانقطاع المفاجئ للبث


حركت عندي أمثلة الأستاذ خشان خواطر لم تعرض لي من قبل حول أمر هذه النون التي ارتدفت بالهاء فأشبهت بذلك سلوك أحرف المد واللين حين تأخذ مكان الردف من القافية .
وكنت قد قلت في تعريفي للقافية في كتابي " في نظرية العروض العربي " إنها صوت الروي وما قد يليه من أصوات مع نوع الصوت الذي يسبقه ، ولنسمه ـ توسعا في المصطلح ـ الردف ، وهذا الردف إذا كان حركة قصيرة وكان ثاني صوت يسبقه ألفَ مد ، التزم هذان الصوتان بعينهما ، وليس بنوعهما فقط ، وتسمى هذه الألف ألف التأسيس .
وإذن فالنون في كل الأمثلة التي تفضل الأستاذ خشان بإيرادها هي ردف للروي الذي هو الهاء وليست رويا، والهاء صلة لأن الساكن ، كما قالوا قديما ، لا وصل له . وأنا هنا لا أقول إنها ردف فقط بالمعنى الذي أردت أن أتوسع به في تعريفي السابق ، وإنما أيضا بالمعنى الذي قصده القدماء من الردف وهي حروف المد واللين .
ألا يعدّ هذا الأمر غريبا ، ونحن نعرف من منظومة أصوات العربية كيفية توزيع أصواتها بين أربعة أنواع هي الصوامت وأصوات المد الطويلة والقصيرة وأنصاف المد ، فالنون على ذلك تعد من الصوامت لا من أصوات المد أو نصف المد .
ولكن انظر معي إلى ما يقوله الدكتور غالب المطلبي في كتابه " في الأصوات اللغوية ـ دراسة في أصوات المد العربية ( ص 36 ، 37 ) " : " ... وحينئذ يمكن للهواء أن ينفذ إلى الأنف لينصرف منه إلى الخارج ، وبسبب هذا الخروج تنشأ عندنا طائفة من أصوات المد اصطلح على تسميتها بأصوات المد الأنفية ، ومن اللغات التي تستعمل هذا الضرب من الأصوات الفرنسية ، وهي تملك عددا منها من نحو an un in " .
ويصف الدكتور محمود السعران في كتابه " علم اللغة " صوت النون بالقول : " يوقف الهواء في الفم وقفا تاما بأن يعتمد طرف اللسان على أصول الثنايا العليا ، يخفض الحنك اللين وبهذا يتمكن الهواء الخارج من الرئتين بسبب الضغط من أن ينفذ عن طريق الأنف ، يتذبذب الوتران الصوتيان أثناء نطق الصوت. فالنون العربية صامت مجهور سني أغن "
وكذلك هو يصف الميم بأنها صامت مجهور شفوي أغن ، غير أننا نجد غنة النون في التجويد القرآني تجعله يتحول في حالة الإدغام إلى نصف مد كما في قوله تعالى ( مَن يُكرِههُنَّ ) وقوله
( مِن والٍ ) ففي الشاهد الأول تسمع غنة الياء وفي الثاني تسمع غنة الواو .
وهذا على الأرجح سبب تواتر اتصال النون ، دون غيرها من الحروف ، بالهاء وكأنها من أصوات الردف التي ذكرناها في مطلع الحديث ، فتأمل !