http://www.alkhaleej.ae/studiesandop...d-6f4acbc177ae


خرتيت الإيقاع في الشعر العربي
تاريخ النشر: 15/02/2010
ما حدث للإيقاع الشعري في تاريخ الشعر العربي، يشبه الخرتيت في الصيد . فلصيّاديه طريقة كوميدية: يسند أحدهم ظهره إلى شجرة عتيدة، فيراه الخرتيت من بعيد، فيحدّد الهدف، ثم ينطلق كجلمود صخر . قبل وصوله بثوان يتنحّى الصيّاد بقفزة جانبية رشيقة، فيتسمّر القرن في الجذع .

إيقاع الشعر العربي هكذا . انطلق منذ الجاهلية بسرعة وقوّة . في النصف الأخير من القرن الماضي تقلصت الإيقاعات، ثم أوقعته قصيدة النثر في حبائلها، فكان الصعود إلى الهاوية .

عندما تتحدث قصيدة النثر أصغي إليها، إلى أن تخوض في ما يسمّى الإيقاع الداخلي، فأقاطعها: الآن صرت تقولين ما لا تعلمين . إن الإيقاع هو تكرار الوحدة . كرّري أيّة كلمة يصبح التكرار إيقاعاً . كل أوزان الشعر العربي في مطبخك وغرف بيتك وحديقتك وفي الشارع، في الأرض وفي السماء .

والإيقاع لا علاقة له لا بشطحات الشعراء، ولا بأفانين نظريات النقاد . له قدم في الرياضيات، وهي تقسيم الزمن إلى وحدات، والأخرى في الفيزياء، وهي الذبذبات أو الموجات التي تصطدم بطبلة الأذن، فنسمعها كأصوات . أمّا إذا كنتِ تعنين شيئاً آخر، فعليك أن تبحثي عن الكلمة الدقيقة .

ذلك الجاهلي، الذي لم يدخل مدرسة ولا معهداً موسيقياً، أبدع ستة عشر وزناً، لها فروع . المجموع يفوق العشرين . وازداد العدد بظهور الموشحات . وانتقلت الأوزان إلى إيران بعد الإسلام، فأخذها عنه اثنا عشر ألف شاعر، وألفان كتبوا الشعر بالفارسية في شبه القارة الهندية، وآلاف بالأوردية، وآلاف في تركيا، وعدد لا يحصى في طاجكستان وأوزبكستان وآذربيجان . جلال الدين الرومي أوصل الأوزان إلى خمسين ونيف، لأنه كان موسيقيّاً أيضاً .

أوّل تصفية لفرقة تلك الإيقاعات، حدثت عند مولد الشعر الحديث، مع نازك والسيّاب وسواهما، فقد اقتصروا على الأوزان غير المركّبة، وهو ما سمّي شعر التفعيلة . أصبح العدد ستة . تنزيلات . ثم جئت أنت يا آنستي، وألقيت الستة في سلة المهملات . وصرت تتحدثين عن الإيقاع الداخلي . فصرنا نضع سمّاعة الطبيب على قلبك، ولكن، لكوننا متخلفين، لا نسمع أيّ إيقاع .

مسكين خرتيت إيقاع الشعر، بعد تلك الانطلاقة الأوركسترالية المذهلة، طخ راسه في الحيط، وهوى صريعاً . فما رأيك يا آنستي في إلغاء المقامات والإيقاعات من الموسيقا؟ والقواعد من الشطرنج وكرة القدم، ومحو النحو وصرف الصرف .

أخيرا، أسألك: لماذا أنت متزمتة، فلا تزالين محتفظة بورقة توت؟

abuzzabaed@gmail .com

تعليق :

أنا مع الكاتب في مضمون رأيه. لكني لا أوافقه في تشبيهه. ولا في الحبائل والوقوع فيها.

الرأس الذي طخ في الشجرة لا يمت إلى الإيقاع العربي بصلة من قريب أو بعيد وإن زعم أصحابه ذلك.