جاء في مقال الأستاذ محمد الحسناوي حول فواصل سورة الكهف
1- دور حركة الفتح:
خلافاً لعلماء العروض والقافية .. تضفي فواصل سورة الكهف أهمية موسيقية على حركة ( الفتح) التي التزمتها حروف الروي ، هذه الحركة يسميها العروضيون ( وصلاً) ، ولا يعدونها رويّاً.
حركة الفتح التي التزمتها فواصل سورة الكهف باطراد ، قامت مقام الروي ، فسوّغت تعدد حروف الروي ، ذات المخارج الموحدة ( المتقاربة ) : وهي ( حروف اللسان: ق – ج – ض – ل – ن – ر – د – ط – ص – ز) ، وغير الموحدة مثل ( حرف : ع : الحلقية ) و(الحروف الشفوية :ف – مب - و: المتحركة بالفتح ) . من أمثلة المخارج الموحدة أو المتقاربة فواصل: ( مِرْفَقا – عِوَجا – عَرْضا – عَمَلا – حَسَنا – نَهَرا – أَبَدا – فُرُطا – قَصَصا – جُرُزا ) ، وغير موحدة المخارج : ( تِسْعا – أَسَفا – عِلْما – هُزُوا - كَذِبا).
2- غنى الفاصلة المتقاربة:
الشعر العربي قديماً لم يعرف إلا القافية الموحدة أو المتماثلة ( ذات الروي المتماثل) ، أما فواصل القرآن ، فمنها المتماثلة والمتقاربة وحتى المنفردة.
عرف العلماء الفاصلة ( المتقاربة ) بأنها التي تقاربت حروف رويها ، كتقارب الميم والنون الرحمنِ الرحيم . مالكِ يومِ الدين ) (8)، أو تقارب الدال مع الباء : ( ق ، والقرآنِ المجيد. بل عَجبوا أنْ جاءَهم مُنذرٌ منهم فقالَ الكافِرون : هذا شيءٌ عَجِيب ) (9) .
أما فواصل سورة الكهف ، وباطراد حركة الفتح فيها ، فقد وسعت أفق الفاصلة ( المتقاربة) ، فلم تعد نقتصر على حروف الروي ذات المخارج المتقاربة ، بل ضمت حروف روي من ثلاثة مخارج : معظمها – كما رأينا – من مخرج اللسان ، وهي ( ق : 6 فواصل – ج:1 فاصلة واحدة – ض : 1 واحدة – ت : ثلاث عشرة – ن : 3 ثلاث – ر : 24 أربع وعشرون – د : تسع وعشرون – ط : 2 فاصلتان – ص : واحدة-
ز : 1 واحدة ) إلى جوارها ( ع : 5 خمس فواصل ) وهي من مخرج الحلق ، والشفويات : ( ف : 2 فاصلتان – م : 3 فواصل – وَ: المتحركة بفتح : 2 فاصلتان – ب : 17 سبع عشرة فاصلة ) .
لا يمكن تسمية فاصلة (ع ) الحلقية فاصلة ( منفردة ) ، لأنها وردت خمس مرات ، ومثل ذلك الفواصل التي جاءت حروف رويها ( شفوية ).
نستنتج من ذلك أن الفاصلة المتقاربة تنويع وتلوين ، يثريان التقفية العربية ، فلا تقتصر على المتماثلة ، كما حاول الشعر الحديث ( شعر التفعيلة ) ذلك التنويع ، ثم إن توسعة أفق الفاصلة المتقاربة في تطبيقات فواصل سورة الكهف ، تزيد هذا التنويع غنى وجمالا.
3- فواصل مختارة:
لكل فاصلة من هذه الفواصل دورها وأهميتها في سياقها الجزئي أو الكلي ، لكن هناك بعض الفواصل تسترعي الانتباه ، نختار منها فاصلتين : ( هُزُواً) ( أَحَداً) .
وردت فاصلةهُزُواًفي موضعين:
الأول قوله تعالى :( وما نُرسِلُ المُرسَلِين إلا مُبشِّرِين ومُنذِرِين . ويُجادِلُ الذين كفروا بالباطلِ ، لِيُدحِضُوا بهِ الحقَّ، واتخذوا آياتي وما أُنذِرواهُزُوا) (الآية56) .
الثاني قوله تعالى في السورة نفسها بعد خمسين آية :( ذلك جَزاؤُهم جهنَّمُ بما كفروا ، واتخذوا آياتي ورسلي هُزُوا) (الآية106) .
إن تكرار فاصلةهُزُواًهنا تكرار فني مقصود ، لا يُراد منه أن تُذكر الثانية بالأولى من باب التناغم الموسيقي وحسب! بل يضاف إلى ذلك ، التعقيب بذكر العقاب ، الذي جاء نتيجة للجدال بالباطل ، واتخاذ الآيات والنذر والرسل مادة للهزء والسخرية ، بعد وصف أهوال القيامة :( وتركنا بعضَهم يومئذٍ يموجُ في بعضٍ ، ونُفخَ في الصُورِ ، فجمعناهم جمعاً . وعرضنا جهنم يَومئذٍ للكافرين عرْضاً . الذين كانت أعينُهم في غِطاءٍ عن ذكري ، وكانوا لا يستطيعُون سَمْعاً . أفحَسِبَ الذين كفروا أن يتخذوا عِبادي من دوني أولياء َ ؟ إنَا أَعتدنا جهنمَ للكافرين نُزُلاً . قُلْ هل نُنبئُكم بالأخسرِين أعمالاً . الذين ضلَّ سعيُهم في الحياةِ الدنيا ، وهم يَحسَبون أنهم يُحسِنون صُنعاً . أولئك الذين كفروا بآياتِ ربِهم ولقائهِ ، فحبِطت أعمالُهم ، فلا نُقيمُ لهم يومَ القيامةِ وزناً . ذلك جزاؤُهم جهنمُ بما كفروا ، واتخذوا آياتي ورُسُلي هُزواً ) (الآيات99 – 106) . وذلك كله بعد سرد قصة ذي القرنين الحاكم العادل القويّ ، الذي قال عن السدّ المحصن بالحديد والنحاس ممزوجين:(.. فإذا جاء وعدُ ربي جعلَهُ دكَّاءَ ، وكان وعدُ ربي حقاً )، وبعد قصة موسى والرجل الصالح ، التي أوضحت الفرق بين حكمة الإنسان المحدودة وحكمة الرحمن التي لا حدود لها ، فأين يذهب الساخرون المستهزئون بالأنبياء والرسل ، وبكلمات الله التي لا تنفد حين تَنفدُ كلمات البحر ، ولو جئنا بمثله مدداً ؟
4- فاصلة (أَحَداً ) :
هذه الفاصلة في سورة الكهف تنتمي إلى الفواصل الواردة على حرف (الدال) ، وفواصل الدال إحصائياً هي في الترتيب الأول ، إذ بلغ تعدادها ( 29: تسعاً وعشرين فاصلة ) ، على حين كان ترتيب الفواصل الأخرى ، كما يلي: ( الراء: 24- الباء : 17 – اللام: 13 – القاف : 6 ...) من عشر فواصل بعد المئة.
ثم إن فاصلة ( أحداً) ، تكررت تسع مرات بلفظها في أواخر الآيات : ( 17 و19و22و26و38و42و47 و49و110) . ثم إن معناها في مواضعها كلها واحد ، ولم تخرج عن سياقين اثنين ، كل منهما متماثل مع نفسه:
الأول : ( ...فلم نُغادرْ منهم أحداً ) ( ... ولا يظلمُ ربُكَ أحداً ) .
الثاني : ( ... ولا يُشركُ في حكمهِ أحداً ) .
( .... ولا أُشركُ بربي أحداً ) .
(.. يا ليتني لم أُشركْ بربي أحداً) .
( .. ولا يُشركْ بعبادة ربهِ أحداً ) .
إن فاصلة ( أحداً ) تغتني بوفرة روي الدال في فواصل السورة ، ومن تكرارها بالذات ، ثم باتساقها مع الموضوع العام للسور المكية وهو ( عقيدة التوحيد ) ، ومع موضوع سورة الكهف الخاص : ( تصحيح العقيدة) . وما التصحيح غير إخلاص التوحيد ونبذ الشرك . وإذا تذكرنا أن آخر كلمة أو فاصلة في السورة هي لفظة ( أحداً ) أيضاً ، أدركنا مدى الدلالات المعنوية والجمالية التي تشع من تكرار هذه الفاصلة ، ومن المواقع التي تشغلها في ثنايا السورة وفي ختامها ، وذلك فضلاً عن دورها بختم السورة ، بمثل ما بدأت : إثباتاً للوحي ، وتنزيهاً لله عن الشريك.
وما قيل عن فاصلة ( أحداً ) ، يمكن أن يقال عن فاصلة ( رَشَداً ) التي تكررت : 6 ست مرات أيضاً.
وخلافاً لقواعد (العروضيين) فيما سموه ( الإيطاء ) من عيوب القافية في الشعر ، وتابعهم أهل السجع : وهو ( لا يجوز إعادة اللفظة بذاتها : بلفظها ومعناها ، وتجوز إعادتها بمعنى مختلف ، أو إعادة اللفظة ذاتها بمعناها بعد سبعة أبيات ) ((10 .. نقول : خلافاً للعروضيين جاءت فاصلة ( أحداً ) ، لتقر الجواز في أقل من ذلك بكثير ، وتقر جماله حين يحقق أحد القوانين السبعة من قوانين الإيقاع الجمالية الذي هو ( التكرار ) الفني."

ليس ثمة من تطابق في البيانات بين ما تفضل به الأستاذ وما تم التطرق إليه في الرقمي.
لكن العين لا تخطئ وجه الشبه في طريقة التناول الإحصائية.
عندما يتقارب توجه التفكير تتقارب المبادئ والمناهج والنتائج.
تناول فواصل صورة الكهف على الرابط:
https://sites.google.com/site/alarood/r3/Home/fawasel-kahf
تمثيل الفاصلة في سورة الكهف
https://sites.google.com/site/alaroo...kahf-graph.gif

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي



م

ؤوس الآيات
الآيات
1





لا كَ ذِبا
مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبا
6